علجية عيش - العالم العربي اليوم يعيش حالة الاستعمار الجديد بكل المواصفات

انتماء المثقف لغير الثقافي جعله تابعا للسياسي و للفقيه.. الروائي و الشاعر الجزائري عيسى لحيلح
علينا أن نتحرر من البدع التي اكتسبت القداسة بالأقدمية

يقول الشاعر و الروائي عيسى لحيلح : أنا أجد ذاتي عندما أبدع، عندما أخرج مكنونات النفس، عندما أعبر عن لواعج الصدر، و لا يهمني بعدها الطريقة التي أعبر بها عن كل هذا شعرا أم رواية أم تخطيطات أم غير ذلك، الحقيقة أنني لا استطيع العيش بدون تحريك القلم، كنا قد التقينا ذات يوم مع الشاعر و الروائي عيسى لحيلح بمقر مكتبه بالقطب الجامعي محمد الصديق بن يحي ( تاسوست) ببلية الأمير عبد القار ولاية جيجل فكان لنا معه هذا الحوار شمل جملة من القضايا تتعلق أساسا بالكتابة و النقد و علاقة المثقف بالسلطة و هو يعيش الواقع العربي البائس نعيد نشر أهم ما جاء فيه
426483729_769006585097155_1071856592880545675_n.jpg
يقول الروائي عيسى لحيلح أن الواقع العربي يعيش حالة من التقهقر و الردّة و الانتكاس إلى الوضعية الجاهلية والدليل على ذلك هو هذا الاقتتال الداخلي و الفتن الماحقة و الناجمة عن حالة الاصطفاف الطائفي الذي كنا في غنى عنها عندما كنا نعيش حلم النهضة و بناء الدولة الوطنية، إن هذا الواقع المرير هو الذي أطمع فينا المستعمرين القدامى ليصيروا مستعمرين جدد، بمعنى أن العالم العربي اليوم يعيش حالة الاستعمار الجديد بكل المواصفات، و لا أدل على ذلك من تفكك الدولة و المجتمع و الفرد كبنية أخيرة و أساسية، و الدليل ما نراه اليوم من أحداث و معاناة الشعوب العربية التي تواجه القصف الصهيوني وقال في سؤالنا عن دور المثقف العربي و هل استطاع أن يفك خيوط الواقع المتشابكة بأن هذه الأحداث هي أكبر من جهود المثقف و أشمل من رؤيته لها، ثم إن المثقف لا يملك إلا رؤية التغيير، و لا يملك أدواته و وسائله.
و استدل عيسى لحيلح بقول الأنف بن قيس الذي قال: " من الشرّ أن يكون الأمر لمن يملكه لا لمن يراه"، يعني جدلية السلطة و المثقف، إذن لا يكفي أن يكون في المجتمع مثقفون ما لم يكن للمثقفين أنصار، وقد ورد في القرآن الكريم على لسان المسيح: "من أنصاري إلى الله، قال الحواريون نحن أنصار الله" ، ثم إن كثيرا المثقفين خانوا شرف الثقافة و اصطفوا كعامة الناس طائفيا أو مذهبيا، و صاروا أبواقا مأجورة لهذا الطرف أو لذاك، أما عن الواقع الثقافي في الجزائر يستطرد عيسى لحيلح بالقول: " نحن نملك مثقفين و مثقفين رائعين، و نملكهم كمًّا و نوعا، لكن مع الأسف لم نستطع أن نصنع منهم حياة ثقافية، و شأنهم في هذا يشبه شأنها في عالم الرياضة، إذ أننا نملك لاعبين، و لاعبين رائعين، لكننا لم نستطع أن نشكل بهم فريقا وطنيا محترما، و في رده على سؤال آخر إن كانت المشكلة تكمن في غياب جمهور يتابع كل نشاط ثقافي، و غياب ناقد يناقش و يعترض؟ يرى عيسى لحيلح أن هناك من هو مسكون بهاجس "الأبوة المشرقية" التي لم يتحرر منها.
و قال ان هذا الهاجس هو تكريس مع المدّ "السلفي" الذي أقرّ في أذهان الناس ألا شيء يحترم و يقدر إلا إذا جاء إلينا من المشرق ( شعرا و رواية و دينا )، و هذه التبعية المشرقية هي التي أفقدت المنتوج الثقافي الجزائري قسما كبيرا من "الزبائنية" لانصراف السامعين و القارئين إلى المنتوج المشرقي، رغم أن إنتاجنا الثقافي إنتاج عالمي بكل المعايير و لا فخر، و حول العلاقة بين المثقف و السلطة يقول أن المثقف وحده لن يستطيع أن يفعل أي شيء، لأنه لا يملك الأداة التي يحول بها أفكاره إلى واقع حياتي معيش ،المثقف ينتج الأفكار التي قد تتحول إلى واقع معيش إن وجدت لها أنصار و أشياعا و مؤمنين، و المثقف يرى الحقيقة و يتنبأ لما يحدث، ثم إن المثقف قد جني عليه انتماءه لغير الثقافة و هذا الذي جعله تابعا للسياسي حينا و تابعا للفقيه حينا آخر، أما مسألة غياب النقاد، أنا لا أقول غياب النقاد، إنما غياب الدعاية الإعلامية، لأن الناقد هو آخر من يأتي بعد الكاتب و القارئ، نحن خاننا الإعلام و خانتنا الأضواء، و المسؤول هو أننا مسلوبون و تحكمنا ذهنية " عازف الحيّ لا يطرب..!!".
و يقفز الشاعر و الروائي عيسى لحيلح للحديث عن مكانة الكاتب و الأديب في الساحة الثقافية المحلية و هو يعيش ثورة الكلمات، إذ يقول : " إن الكتابة بالأساس ثورة في عالم المعاني و في عالم المباني و إذا كان العلم هو اكتشاف العلاقات القائمة بين الأسماء، فإن الفنّ هو إقامة علاقات بين أسماء لا علاقة بينهما في الواقع، و من ثمّ نستطيع أن نقول أن الشعر أو القصيدة إن صح التعبير هي ثورة الكلمات..، ثم إن كل إنشاد للقصيدة هو القصيدة و أكثر، فكل أداء يحتوي على أشياء زائدة عن حروف القصيدة و كلماتها من طبقة الصوت و التوقيت و توزيع النبرات و الحركات و تعابير الوجه، فعندما يقرأ العربي القصيدة مثلا يقرأها بكل جسده، لأن الجسد يصير لغة مكملة للغة التي كتب بها القصيدة، تبقى الأفكار في الشعر فيجب ألا تغيب بالكلية و ألا تظهر بالكلية، وأن يكون شأنها كشأن السلك الناظم في العقد ، فإذا غاب السلك انفرقت حبات العقد و صارت من غير معنى، و إذا ظهر يفقد العقد كذلك معناه لطبيعة الخلل الذي تسرب إليه بظهور السلك الناظم، فالأفكار يجب أن تكون في الفن شريطة أن لا تظهر، والفن ينتج الأفكار و دائما يكون التجدد العقلي في الخرافة و ليس في المنطق و من وجهة نظره هو فإن المبدع لا يستطيع أن يموقع نفسه، ولا يتدخل في مهمة القارئ و النقاد، لأن ذلك من شأن النقاد و الجمهور.
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى