مصطفى معروفي - عروض: بحر المنسرح

من يقرأ شعر الشاعر أبي فراس الحمداني لا بد له أن يتأثر بقصائده الروميات وهو في الأسر بين أعدائه حيث أهمله سيف الدولة الحمداني أمير حلب وماطل في أن يفديه ،وتبدو مأساته جلية واضحة في هذه القصائد،وخاصة في قصيدته الشهيرة التي تجري على بحر المنسرح والتي يقول أبو فراس في مطلعها:
يا حسرةً ما أكادُ أحْمِلها** آخرها مزعجٌ وأولها!
إلى أن يقول مخاطبا سيف الدولة معاتبا له:
تلك المودات كيف تهملهـا**تلك المواعيد كيف تغفلها
تلك العقود التي عقدْتَ لنـا **كيف وقد أُحكِمَتْ تحللها
ويختمها بهذا البيت الرائع،والخطاب دائما موجه لسيف الدولة:
أين المعالي التي عُرفْتَ بها **تقولهـا دائمـا وتفعلُهـا
أقول بأن بحر المنسرح بحر جميل ويكفي أنه سمي بالمنسرح لانسراحه وسهولته على اللسان،ولا أدري لماذا الشعراء لا يكتبون عليه قصائدهم بكثرة مثلما هو حالهم مثلا مع بحر الكامل أوبحر الطويل أوبحر البسيط .إنه مجرد تساؤل فقط والشعراء أحرار في أن يختاروا أي بحر شعري يرونه يلائم ذائقتهم ويتماشى مع ما تمليه عليهم قريحتهم ويطمئن إليه طبعهم وطبيعتهم.
أصل وزن بحر المنسرح حسب دوائر العروض الشعرية للبحور هو:
مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن**مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن
بيد أن وزنه في الاستعمال هو كالتالي:
مستفعلن مفعولاتُ مفتعلن**مستفعلن مفعولاتُ مفتعلن
ويدخل حشو بحر المنسرح من الزحاف الخبن وهو حذف الحرف الثاني الساكن من السبب الخفيف في التفعيلة"مستفعلن"فتصير"متفعلن" هكذا بوتدين مجموعين.
كما يدخله الطي وهو حذف الحرف الرابع الساكن من السبب الخفيف في التفعيلة"مستفعلن"فتصير "مستعلن".
وقد يجتمع الخبن والطي معا في التفعيلة"مستفعلن"فتصير "متَعلن".
ويدخل الطي في التفعيلة"مفعولاتُ"فتصير "مفْعلاتُ"هكذا بوتدين مفروقين.والعروضيون يستحسنون هذه التفعيلة في بحر المنسرح بهذا الاستعمال ،أي استعمالها مطوية.
ثم إنه قد يضاف الخبن إلى الطي فتصير هكذا"معُلاتُ"فتؤول إلى "فعِلاتُ"،ومن الجدير بالإشارة أن هذه التفعيلة قد تأتي تامة خالية من أي زحاف هكذا:"مفعولاتُ" بتحريك التاء.
ويستعمل بحر المنسرح تاما ومنهوكا،وله ثلاث أعاريض وأربعة أضرب.
1 ـ العروض تامة مطوية(بيّنا ما هو الطي أعلاه).
أ ـ الضرب تام مطوي مثلها.
كقول الشاعر:
وربما يشهد الطعام معي**من لا يساوي الخبز الذي أكلهْ
ب ـ الضرب تام مقطوع(القطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله).
كقول الشاعر:
يقول للريح كلما عصفتْ**هل لك يا ريح في مباراتي
2 ـ العروض موقوفة(الوقف هو إسكان الحرف السابع المتحرك).
ـ الضرب هو نفسها.
كقول الشاعر:
حتّامَ أحيا غريبْ
يا يومَ وصلِ الحبيبْ
3 ـ العروض منهوكة مكسوفة ويحسن خبنها(الكسف هو حذف الحرف السابع المتحرك).
كقول كبشة بنت رافع:
ويل ام سعدٍ سعدا
وكقول هند بنت عتبة:
إن تُقبِلوا نعانقْ
والآن إليكم ضابط بحر المنسرح كما ورد عن صفي الدين الحلّي:
منسرِحٌ فيه يضرب المثَلُ**مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُوْلاتُ مُفتَعِلُ
والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى