علجية عيش - الفكر العربي المعاصر و التفلسف بالمطرقة ( ماجد الغرباوي أنموذجا)

الدكتور قادة جليد من جامعة وهران يصدر كتابا عن الظاهرة الغرباوية)

(قادة جليد: ما زال المجتمع العربي يشجع العقول المستقيلة و يحارب العقول المستنيرة)

418635170_1000177991744328_2185332516254401937_n.jpg


يرى الدكتور قادة جليد أنه لا يمكننا أن ندعو إلى الحداثة و التحديث و التغيير و التنوير دون دفع الأثمان، لأن هناك قوى تقليدية و محافظة و مستفيدة من الوضع القائم تريد أن يبقى الواقع كما هو بدون تغيير، لأن ذلك يهدد مصالحها و مواقعها الإجتماعية و السلطوية، وهو يحضر كتابه عن شخصية فكرية عربية يرى الدكتور قادة جليد أن المفكر العراقي الغرباوي ظاهرة فكرية و ثقافية في العالم العربي الإسلامي ، و يقارن الدكتور قادة جليد بين المفكر ماجد الغرباوي و المفكر مالك بن نبي فيجد أنهما يتفقان في نقطة أساسية مهمة و هو أن رؤيتهما للدين باعتباره طاقة روحية معبأة و أساس القيم الأخلاقية و العلاقات الإجتماعية كان لنا لقاء مع الدكتور قادة جليد بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية فجاء هذه الحوار الشيق و الذي حدد فيه المفاهيم و الرؤى لما يحدث في الساحة الفكرية و الثقافية و كيف يبنى العقل الإنساني بناءً صحيحا


1 ) نبدأ بسؤال اين وصل المشروع التنويري في البلاد العربية؟


المشروع التنويري هو في جوهره مشروع نهضوي منذ القرن التاسع عشر، و هو مشروع لم يكتمل بعد ، فلقد ساهم المفكرون التنويريون العرب بتقديم مشاريع فكرية متنوعة و متعددة و لكنها لم تتحقق على أرض الواقع، و لذلك فإن هذه المشاريع لا زالت بحاجة إلى مراجعة، وهنا تعود الأسباب لقضايا إبستمولوجية معرفية و أيضا و هذا هو المهم كما يرى أركون لم تظهر طبقة اجتماعية قوية تتبنّى هذه المشاريع التنويرية و بالتالي حسب محمد أركون فإننا بحاجة إلى علم يسميه أركون " سوسيولوجيا النجاح و الإخفاق في البلدان العربية الإسلامية .

2) تعملون على كتاب حول التفلسف بالمطرقة وقدمتم ماجد الغرباوي كأنموذج لماذا الغرباوي بالذات؟

العراقي ماجد الغرباوي من المفكرين العرب المعاصرين الذين اهتموا بدراسة التراث على غيره، و التراث قضية مركزية في فكر الغرباوي، و لأنه غير معروف في الأوساط الثقافية و الأكاديمية في الجزائر بل في دول المغرب العربي، على عكس نظرائه مثل الجابري و محمد أركون و حسن حنفي و الطيب تيزيني، الأستاذ ماجد الغرباوي يدافع عن العقل العربي و لنزعة التاريخية و الإنسانية في قراءة التراث و واقعنا المعاصر من خلال تبني قيم الحداثة كقيم إنسانية كونية مثل التسامح و الإختلاف و مكانة المرأة و ضرورة إعادة تأسيس الأخلاق على قيم جديدة و رؤى جديدة، بالنسبة للغرباوي التراث ليس كاملا و ليس مطلقا، و إنما هو نتاج بشري قابل للنقد و الفحص و التعديل.

3) كيف نقارن بين الفكر الديني عند مالك بن نبي ة الغرباوي؟

أولا يجب أن نوضح أن فهم الناس للدّين، هو تاريخي، الذي انتج مدونات رسمية معلقة بلغة أركون فهو ذو طابع بشري و تاريخي و إنساني يعني نسبي، وهناك التفلسف بالمطرقة بمفهوم نيتشا، هو تفكيك كل المنظومات الثقافية و الدينية التي اثبت التاريخ أنها نسبية و أنها من إنتاج الإنسان، و بالتالي كانت تصبح كمرحلة تاريخية لكن لا تصلح لمرحلة تاريخية أخرى، فالغرباوي شخصية علمية عصامية ، ملتزم بما يؤمن به و ملتزم بقضايا المجتمع و طموحه إلى التغيير دفعه لذلك، و الالتزام عند المثقف العربي هو أن يكون مثقفا عضويا بلغة غرامشي، بمعنى يكون منخرطا في القضايا العامة التي تواجه المجتمع كتحديات، و هذا ما يقوم به ماجد الغرباوي، خاصة من مؤسسته " المثقف" من أجل التنوير و التغيير، و من هنا جاء التفلسف أو التفكير بالمطرقة، فقليل جدا من المفكرين و الكتاب من يكون مستعدا لدفع الثمن، و لكن أغلبهم يطرحون الأسئلة الفاخرة، أما المثقف الحقيقي و الصادق يطرح اسئلة الناقوس والغرباوي من الذين يطرحون أسئلة الناقوس أي اسئلة الخطر و يجيب عليها و أسئلة الناقوس لها ثمن.

أما الفكر الديني عند بن نبي و الغرباوي، فكلاهما له نظرة إلى الدين و يتفقان في نقطة أساسية مهمة ( حسب قراءتي) و هو أن رؤيتهما للدين باعتباره طاقة روحية معبأة و اساس القيم الأخلاقية و العلاقات الإجتماعية باعتباره الرابط القوي لهذه العلاقات، أمّا الدين كظاهرة تاريخية انتقده مالك بن نبي كما انتقده الغرباوي و لو أن مالك بن نبي أسيئ فهمه في كتابه شروط النهضة فهو يرى أن الحضارة تقوم على ثلاثة مبادئ هي ( الإنسان ، الزمن و التراب) تضاف غليها الفكرة الدينية كفكرة تركيبية جامعة بين هذه العناصر، يعني كثقافة روحية تجعل الإنسان يرتقي من عالم الغريزة إلى عالم العقل و من اللاحضارة إلى الحضارة، فالدين عند مالك بن نبي هو ذلك التراث الإسلامي المكتوب او المروي الذي كتبه الأسلاف أو ما نسميه بالنص الثاني في مقابل النص الأول الذي هو القرآن و السنة، و نفس الشيء بالمسبة للغرباوي، الدين عنده ليس التراث الذي هو إنتاج بشري و إنساني، فالدين عند الغرباوي هو المتعالي ( النص الإلهي) و يبقى النص الثاني هو ما يفهمه المسلمون عن النص الأول ( تفاسير، روايات سيرة نبوية) إلا أن الغرباوي في أطروحاته نجده يفرق بين الدين و التديّن.

4) من كلامكم، هل يمكن القول أن ماجد الغرباوي ظاهرة؟

الغرباوي ظاهرة فكرية و ثقافية في العالم العربي الإسلامي لأنه مثقف نقدي يبحث في المعنى و عن فهم جديد للقضايا الفكرية التراثية و الإنسانية، و مثقف عضوي لأنه منخرط في عملية التغيير الإجتماعي و هذا ما يجعله مختلفا عن المفكرين الآخرين، فالغرباوي يعتقد أن الفهم الذي نعنيه اليوم بالتراث غير مطابق لحقيقة التراث و بالتالي هذا الفهم الخاطئ و تقديسه هو عائق امام التطور، حتى أن بعض المتدينين في بناء أحكامهم يقدمون صحيح البخاري على القرآن الكريم و هذا غير مقبول، و التاريخ الإسلامي يذكر قصصا مثلما حدث مع ابن رشد حينما أحرقت كتبه و تم نفيه، للأسف لا زلنا نعيش هذه الإشكالية إلى اليوم، لأن الحضور الفلسفي حضورا ضروريا، مارسه علماء أجلاء في فكرنا مثل العلامة ان خلدون، لأن الفلسفة تعني التفكير النقدي و طرح الأسئلة و مراجعة الأجوبة و الانفتاح على الآخر و التفكير في إطار كوني و إنساني و هذا هو المهم.

5) الحصار على "المثقف" كمثقف عضوي أو كمؤسسة في كل محطات الكتابة يعيد طرح ظاهرة هجرة العقول العربية الى الخارج ماذا تقولون في هذا؟

المشكلة في البنية الإجتماعية في المجتمعات العربية و المنظومات الثقافية هي انها مازالت تحارب العقل و الإبداع و الدليل على ذلك هو ماجد الغرباوي و ما يعيشه من حصار و محاولات لإلغائه فكريا و ثقافيا، ما زال المجتمع العربي يشجع العقول المستقيلة و يحارب العقول المستنيرة .

6) هل يمكن طرح الفكر الغرباوي كمقرر في الجامعة الجزائرية؟ وهل يمكن القول ان الغرباوي له فكر مواطناتي؟

هناك بداية اهتمامات الأكاديمية في الجامعات بفكر ماجد الغرباوي مثل جامعة معسكر، فماجد الغرباوي لا يشخص فقط أزمات الثقافة العربية و لكنه ايضا يعطي البدائل التاريخية، و هذا شيئ مهم، فالرؤية الفكرية الغرباوية هي ضرورية لكل المجتمعات العربية بدون استثناء، و نحن في الجزائر يمكننا ان نستلهم من فكر الغرباوي و ثقافته الإختلاف و التنوع و التسامح و المواطنة و نخرج من ثقافة الرعيّة و تلك هي الثقافة التي تُحَاوِلُ و تُنَمِّطُ و تُحَنِّطُ الإنسان في صور متوارثة منذ العصور الوسطى، أما "المواطنة" ، فهي أيضا مشروع حضاري و قبل تجسيدها سياسيا و اجتماعيا لابد من بنائها فكريا و ثقافيا، لأن لهذا المجتمع أو غيره ما يتخلق على وجه الأرض هو في الصل افكار تم زرعها داخل البنية الإجتماعية لهذا المجتمع او غيره، فالفكر أداة دافعة نحو التقدم.

7) رسالتكم الى القارئ و بالخصوص المثقف

رسالتنا إليهما معا هي ان ينزع الحصار عن نفسه أولا، لأنه أحيانا المثقف عندنا هو من يحاصر نفسه، و أن ينخرط في قضايا التغيير الإجتماعية و الشأن العام بصدق و أن يكون مستعدا لدفع الأثمان و التكاليف، فنحن لا يمكننا أن ندعو إلى الحداثة و التحديث و التغيير و التنوير دون دفع الأثمان، لأن هناك قوى تقليدية و محافظة و مستفيدة من الوضع القائم تريد أن يبقى الواقع كما هو بدون تغيير لأن ذلك يهدد مصالحها و مواقعها الإجتماعية و السلطوية.

حاورته علجية عيش من مدينة معسكر
417708528_1577134376444086_2739725664776589217_n.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى