عبدالرزاق دحنون - ليس سهلاً أن تكون ديمقراطياً في دولة ديكتاتورية

الديكتاتورية باللاتينية Dictatura هي شكل من أشكال الحكم المطلق حيث تكون سلطات الحكم محصورة في شخص واحد كالملكية أو مجموعة معينة كحزب سياسي أو ديكتاتورية عسكرية. كلمة ديكتاتورية مشتقة من الفعل الاتيني "ديكتاتوس" بمعنى يُملي أو يفرض أو يأمر والديكتاتورية أنواع حسب درجة القسوة، فالأنظمة ذات المجتمعات المغلقة التي لا تسمح لأي أحزاب سياسية ولا أي نوع من المعارضة وتعمل جاهدة لتنظيم كل مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية وتضع معاييراً للأخلاق وفق توجهات الحزب أو الفرد الحاكم تسمى أنظمة شمولية مثل ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي والفاشية ويمكن اعتبارها نسخة متطرفة من السلطوية حيث أن الأنظمة السلطوية لا تتحكم في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية للبلد من الناحية النظرية على الأقل الأنظمة السلطوية بشكل أدق هي الأنظمة التي لا تحكم وفق أيدولوجية سياسية محددة، وتعد في أكثر الأحيان درجة الفساد فيها أعلى من تلك الشمولية.

ظهرت العديد من الأنظمة السياسية التي وصفت من قبل أصحاب الفكر الليبرالي بالدكتاتورية مثل الأنظمة الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا النازية والنظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق، حيث اتسمت تلك الأنظمة حسب الليبراليين بسمات الديكتاتورية مثل نظام الحزب الواحد، تعبئة الجماهير بأيدولوجيا النظام الحاكم، السيطرة على وسائل الإعلام وتحويلها إلى بوق للدعاية لصالح النظام، توجيه النشاط الاقتصادي والاجتماعي للجماهير توجهاً أيدولوجياً لصالح النظام الحاكم والاستخدام التعسفي لقوة الأجهزة الأمنية من أجل ترويع المواطنين.

يرى اصحاب الفكر الليبرالي أن الديكتاتورية فيما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبحت ملمحاً بارزاً في العديد من دول العالم الثالث حديثة الاستقلال والتي غلب على أشكال الحكم في معظمها الطابع العسكري كما أن الدول ذات أنظمة الحكم الشيوعية والاشتراكية اعتبرت ديكتاتوريات أيضاً من وجهة نظر الليبراليين. وقد احتجوا في ذلك لغياب الاستقرار السياسي عن الكثير من هذه الدول وشيوع الانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية فيها فضلاً عن ظهور مشكلات تتعلق بمسألة الخلافة على السلطة.

ولعل الديكتاتورية الفردية من أخطر ما ابتليت به البشرية. وتكون بتسلط فرد على مقومات الدولة تسلطاً شاملاً معتمداً على القوة العسكرية للدولة. ويقصد بالمقومات (الأرض، الثروة، الشعب، الحكم)، وغالباً ما يتصور الدكتاتور نفسه هنا بأن له صلة روحية بالله الذي يلهمه ما يجب أن يفعل، أو أنه يتصور نفسه أنه هو الإله، ولذا يحيط نفسه بهالة من الحصانة والعصمة.

وتتوزع الديكتاتورية بين نوعين فهي تكون في الدولة ذات طابع الملكية المطلقة، أو الدولة ذات طابع الجمهورية. وتختلف الدولة الملكية عن الجمهورية بفرض قدسية الأسرة الحاكمة على الشعب وادعاء الحصانة المطلقة لها. والطبيعة الاجتماعية للدكتاتورية تظهر في المجتمعات المتخلفة والمتقدمة أيضاً، إلا أن في المجتمعات المتخلفة يتحمل المجتمع أكبر قدر من صناعة ذلك الاستبداد نتيجة التقوقع الاجتماعي والتعصب العشائري والقبلي. أما في المجتمعات المتقدمة فيحدث الطغيان والاستبداد الواعي بأسباب عديدة، منها : غياب الوعي الجماعي عن السلطة الفوقية، وتحول المجتمع إلى آلة عمل متناسقة ومتناغمة للعيش وإشباع الغرائز فقط، ففي المجتمعات المتقدمة يكون الاستبداد فكري وليس عملي، فهو لا يقتل الإنسان ويحفر مقابر جماعية، بل يقتل الروحية المتحركة والفكر المتطور بحجج وأساليب خفية تسبق الزمن الآني، وهناك نموذج آخر للدكتاتورية يشترك في صنعها الفرد والمجتمع هذا النموذج موجود حالياً في الدول والأنظمة الشرقية وبعض الدول النامية إذ يعمل الحاكم الفرد أو الحزب والمجموعة الحاكمة على فصل شخصية الحاكم وصفته وامتيازاته عن طبيعية المجتمع بالتقديس عندها لا يستطيع المجتمع أن ينهض من سباته الاجتماعي ولا الحكُّام يتركون الكراسي والعروش.

ولا تزال في يومنا كثير من الأنظمة الاستبدادية أو الدكتاتورية. فنجد في معظمها أنظمة الحزب الواحد المغلقة إلى بقية العالم مثل كوريا الشمالية أو بورما أو أكثر انفتاحاً تجارياً مثل الصين. لكي نرتب أسوأ الديكتاتوريات حالياً في العالم يجب أن نستند إلى مؤشرات مختلفة مثل احترام حقوق الإنسان، استقلال القضاء، احترام حرية التعبير، احترام حرية الصحافة، احترام حرية الاعتقاد، احترام العملية الانتخابية والتعددية. إنّ ترجيح هذه المؤشرات وفقاً للأهمية الّتي نعطيهم تأدي إلى تصنيف مختلفة وفقاً للمنظمات المستقلة الّتي تقوم بها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى