كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (بُكَاءُ الجَحِيْمِ).. مجموعة شعريّة

* صَوَارِي الشّتاتِ..
كَانَتْ أَصَابِعُكِ
تَشْبُكُ قَلْبِي
وَتَهِيْمُ في طُرُقَاتِ الغَرَامِ
دَمِي يَحتَضِنُ بَهْجَتَكِ
وَرُوْحِي تَتَدَلَّى مِنْ أَنْفَاسِكِ
ضُحكَتُكِ
كَانَتْ مَلَاذاً لِلْيَاسَمِيْنِ
وَكُنْتُ أَعُدُّ خَلايَا شَهْقَتِكِ
وَتَغْفُو هَمَسَاتِي
في رَيَاحِيْنِ شَعْرِكِ
آهٍ كَمْ عَانَقْتُ الفَجرَ
البَازِغَ مِنْ عَيْنَيْكِ
وَكَمْ مُتُّ
على أَعتَابِ صَمْتِكِ
وَحَلَّقْتُ إلى أعالي المَوجِ
في بَوحِكِ المَاطِرِ
حِيْنَ كُنْتُ بَصُحبَتِكِ
كَانَتْ تَحسُدُنِي أيَّامِي المَاضِيَةُ
وَأنتِ لَمْ تَبْخَلِي عَلَى طُفُوْلَتِي
بِالشَوَاطِئِ
أَبْحَرتُ في وَمِيْضِكِ
وَاصْطَدْتُ مِنْ أَعمَاقِكِ
الهَنَاءَ
فأَيْنَ المَوجُ ألقَى بِي؟!
وَأَيْنَ صَارَتْ
حُدُودُ مَمْلَكَتِي؟!
وَأَنَا الآنَ هَرِمٌ
أَتَعَكَّزُ عَلَى لَهِيْبِي.*
إسطنبول
* شُوَيْعِرٌ..
إِنَّـهُ البَحـرُ
لَيْسَ بِمَقْدُورِكَ أَنْ تَطْمِرَهُ
أَوْ تُشَرِّدَ مَاءَهُ
أَوْ تَحرُقَ أَمْوَاجَهُ
أَنْتَ أَصغَرُ مِنْ أَنْ تُبَلَّلَ بِرَذَاذِهِ
وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تَعُومَ عَلَى شُطآنِهِ
وَأَضْعَفُ مِنْ أَنْ تُجَابِهَ عَوَاصِفَهُ
مَا أَصغَرَكَ أَمَامَ سَعَتِهِ؟!
مَا أَضْأَلَكَ مُقَارَنَةً بِعُمْقِهِ؟!
وَمَا أَتْفَهَكَ حِيْنَ تَنْثُرُ رِمَالَـهُ
فِي الرِّيْحِ؟!
إِنَّـهُ البَحـرُ
بِرَفَّةِ عَيْنٍ يَبْتَلِعُ صَوَارِيْكَ
بِأَقَلّ مِنْ مَوْجَةٍ يُفْقِدُكَ أَنْفَاسَكَ
أَنْتَ مَاذَا تَعرِفُ عَنْ ثَوْرَتِهِ
وَجُنُوْنِهِ
وَمَا يَدَّخِرُهُ مِنْ كُنُوْزٍ
يَا مُغَفَّلاً ؟!
إِنْ هَاجَ اقْتَلَعَ جُذُورَكَ
إِنْ غَضِبَ حَطَّمَ مِعقَلَكَ
فَمَنْ تَكُوْنُ أَنْتَ يَا غَبِيَّاً!!!
لِتَتَجَرَّأَ على حَضْرَتِهِ
وَأَمَامَ هَيْبَتِهِ.. وَجَبَرُوتِهِ
وَتَرمِيْهِ بِسِهَامِكَ!!!
فَاذْهـَبْ
إلى المُستَنْقَعَاتِ الرَّاكِدَةِ
وَتَصَيَّد
اِذهَـبْ
إلى السَّرَابِ الأجرَبِ
وَاغتَسِلْ
أَنْتَ بَعضُ كَائِنٍ
أَمَامَ زُرقَتِهِ الفَاتِنَةِ
وَبَعضُ شُوَيْعِرٍ يَتَلَعثَمُ
أَمَامَ أبجَدِيَّتِهِ الطَّافِحَةِ بِالشُمُوسِ.*
إسطنبول
* زَغَارِيدُ الضَّوءِ..
أَتَنَصَّتُ على صَمتِ الحَجَرِ
أُرَاقِبُ فَمَ الغِيَابِ
عَلَّ الانتِظَارَ يُثْمِرُ الدُّرُوبَ
وَتَنْطَلِقُ رَكَائِبُ لَهْفَتِي
صَوْبَ أُمٍّ
زَرَعَتْ في قَلبِي حَمَاماً أَبْيَضَ
وَيَنَابِيْعَ سَلامٍ
أُمِّي..
هِيَ زَغَارِيْدُ الضَّوءِ
وَغُصُونُ السَّمَاءِ
لِأَجلِهَا يُورِقُ النَّسِيْمُ
وَيَتَطَيَّبُ النَّدَى بِهَمَسَاتِ الفَجْرِ
وَأُمِّي الآنَ بَعِيْدَةٌ
خَطَفَتْنِي مِنْهَا عَوَاصِفُ القَتْلِ
أبعَدُونِي عَنْ دَمِي
وَشَيَّدُوا بَيْنِي وَبَيْنَ روْحِي
أَسْوَارَ النَّارِ
أَتَطَلَّعُ إلى رِحَابِ الدِّفءِ
وَأَتُوقُ لِمَلْمَسِ الحَيَاةِ
أُمِّي مسَاحَةُ عُمرِي
وَأَرجَاءُ نَبْضِي
وَهِيَ أَجنِحَةُ القَصِيْدَةِ
فَيَا أُمِّي
أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ
يَجْرِفُنِي إلَيْكِ الحَنِيْنُ
لِمَنْ مِنْ بَعدِكِ
تَأْوِي جِرَاحِي؟!
وَلِمَنْ تَشْتَكِي عَذَابَاتِي؟!*
إسطنبول
* الفَرَج..
حِيْنَ سَأَلْقَاهُ
سَأَفْرِشُ خَلايَايَ لِعُطرِهِ
وَأُشَيِّدُ لَهُ مِنْ نَبْضِي
مَسْكَنَاً
وَسَأَفْتَحُ لَهُ وشَبَابِيْكَ هَمْسِي
وَأُطلِقُ في حُقُوْلِهِ
سَرَاحَ حَنِيْنِي
وَسَأَتْرُكُ لِأَصَابِعِي
أَنْ تَتَغَلْغَلَ إلى بَاطِنِ مُوْسِيْقَاهُ
لِتَرقُصَ السَّمَاءُ في دَمِي
وَأَجْعَلُ مِنْ مَطَرِي قَصَائِدَ
وَمِنْ دَمْعِيَ مُرُوْجَ بَنَفْسَجٍ
حِيْنَ سَأَلْقَاهُ
سّأُضَفِّرُ ضَوْءَ البَسْمَةِ
وَأُمَشِّطُ وَشْوَشَاتِ النَّدَى
وَأُهَدْهِدُ لِجَمْرِ الفُؤادِ
لِيَغْفُوَ المَوْتُ المُسْتَبِيْحُ أَضْلُعِي
وَسَأُنَادِي على الدُّرُوْبِ
لِأَعفُوَ عَنْ مَتَاهَاتِهَا
وَأُزَوِّدَ مُنْعَطَفَاتِهَا بِالْنَسَائِمِ
وَسَأَتْرُكُ لِلْبَحرِ مَنَادِيْلَ الأَمَانِ
أَنَا..
إنْ جَاءَنِي طَائِرُ الفَيْنِيْقِ
سَأَحمِلُ رَمِيْمَ رُوْحِيَ وَأَرحَلُ
أَتْبَعُهُ
حَيْثُ تَفَتَّحَتْ مَجَاذِيْفُ لُغَتِي
وَنَطَقَتْ خُطَايَ
بِأَوَّلِ فَضَاءٍ
فِي جَنَّةِ أُمِّي.*
إسطنبول
* ثَوْبُ النَّدَى..
أُجهِزُ لِفَرحَتِي ثَوْبَ النَّدَى
أُرَصِّعُهُ بِاليَاسَمِيْنِ
وَأُزَركِشُهُ بِالفَرَاشَاتِ
وَأُطَرِّزُ على أطرَافِهِ شَهْقَتِي
وَأُركِنُ دَمعَتِي على أذيَالِهِ
سَتَعُوْدُ الفَرحَةُ لِشِغَافِ دَمِي
وَتُطِلُّ جَدَائِلُ الشَّفَقِ
مِنْ أحرَاشِ الحَنِيْنِ
وَتَتَدَفَّقُ شَلَّالاتُ البَوحِ
مِنْ تَهَدُّمَاتِ النَّبْضِ
الفَرحَةُ سَتَحتَلُّ أسَاطِيْحَ المَوَاجِعِ
وَتَمْتَدُّ إلى آفَاقِ صَوتِي
سَأَتْلُو عَلَى مَسَامِعِ الوَقْتِ
قَصِيْدَتِي اليَتِيْمَةَ
وَتَهتَدِي الفَرحَةُ إلى نَوافِذِي
لِأَنِّي عَلَّقْتُ عَلَى ظَهْرِ المَدَى
نِدَائِي
وَكَتَبْتُ عُنْوَانِي
عَلَى بَوَّابَةِ السَّمَاءِ
سَتَعُودُ لِلْفَرحَةِ ذَاكِرَتُهَا
وَسَتَعرِفُ مَكَانِي أخِيْرَاً
وَتَتَذَكَّرُ شَفَتَيَّ المَصلُوبَتِيْنِ
عَلَى عَمُودِ الألَمِ
فَقَلْبِي يَحتَاجُهَا بِضَرَاوَةٍ
إنِّي أَنْزُفُ الجَفَافَ
يَتَدَفَّقُ مِنْ أنْفَاسِيَ الاختِنَاقُ
وَأَصرُخُ مِلْءَ عُمُرِي
عَلَى هُبُوبِ الابتِسَامِ
عَلَّ الفَرَحَ يَتَقَدَّمُ
مِنْ شَوَاطِئِ بِلادِي.*
إسطنبول
* تابوتُ الغُربةِ..
على مرأى منَ العماءِ
أقتربُ من شهوةِ الهاويةِ
تناديني أصقاعُ العُتمَةِ
ويضُمُّني السُّقُوطُ
من أعالي ارتعاشي
إنِّي أُبصِرُ صحراءَ أوردتي
أمشي على ألسنةِ الدَّمعِ
أستَظِلُّ باختناقي
وأمضي إلى غَسَقِ النِّهايَةِ
يَحرُسُنِي التُّرَابُ
يُرَافِقُنِي السَّرَابُ
ويأخُذُ بِيَدِي العَدَمُ
وأنا أصعَدُ اشتياقي
أرتَقي إلى الانكسارِ
من خلفي ينبحُ الماءُ
والهواءُ يعضُّ خُطايَ
يُطالِعُني نَزِيفُ الهَواجِسِ
وَبِوجهِ لهفَتي
تَصفُقُ الجهاتُ دُروبَـهَا
أصرخُ ملءَ نبضي
يا حلبَ!!!
إنِّي أتَعَبَّدُ صوتَ الزَّيزَفونِ
حينَ يُرَفرِفُ فوقَ أغانيكِ
أتَهَجَّأ أحجارَ النُّورِ
السَّامقَةَ بِعَرشِ القَلعَةِ
فَخُذي من دَمي عرائشَ العِشقِ
وَمُدِّي لي يَدَ طُهرِكِ
لأقَبِّلَ زَغَبَ التُّرابِ
ورائحةَ الفَرَجِ
وَجَنَائِنَ النَّصرِ
سيعُودُ إليكِ تابوتُ غُربَتِي
محمَّلاً بالقصائدِ المُورِقَةِ.*
إسطنبول
* سَأَبْقَى..
أُلَمْلِمُ مَا تَبَقَّى مِنْ عُمُرِي
لِأُشْعِلَ دَمْعَتِي على جَوَانِبِهِ
وَألتَحِفَ صَرخَتِي
لِيَغْفُوَ صَمتُ نَارِي
أنا جُثَّةُ البِلادِ
أَكَلَتْ ضُحكَتِي الحَربُ
أنا انْتِحَارُ التَّفَتِّحِ
خَطَفَتْ وِلادَتِي الدُّوَلُ
وَأَنَا نَزفُ الرِّيْحِ
سَرَقَتْ قَصِيْدَتِي المَقَابِرُ
أَطلَقْتُ مَا عِنْدِي مِنْ هَزَائِمَ
لِأَصُدَّ أشرِعَةَ الخَرَابِ
والْآنَ أُعلِنُ مِنْ تَحتِ الرُّكَامِ
عَنْ أُفُقٍ يَنْمُو مِنِ اْنكِسَارِي
سَأَسكُبُ على المَوتِ مَوَاعِيْدِي
وَأُطعِمُهُ مِنْ عِنَادِي
لَنْ تَتَقَهْقَرَ رَايَتِي
طَالَمَا فِي المَاءِ طُفُولَةٌ
لَنْ أَبرحَ حُضْنَ النَّسمَةِ
مَا دَامَتِ الأرضُ تُمطِرُ العِطرَ
سَأُقْفِلُ على المَوتِ ضَوئِي
وَأَكْتُبُ
على جُدرَانِ الخَوفِ
سَأَبْقَى.*
إسطنبول
* جَرثُومَة..
لَكِنَّهُ يَنْدَسُّ فِي شُقُوقِ الغُبَارِ
وَيُلاحِقُ زُكَامَ النَّعلِ
يَتَشَمَّمُ يَبَاسَ الخَرِيْفِ
وَيَلْعَقُ جِلْدَ الرَّملِ
أنَامُ وَيَسْرُقُ غَفْوَتِي
أنهَضُ يُلَمْلِمُ عَافِيَتِي
أكتُبُ فَيَعُضُّ أسطُرِي
أرَاهُ تَحتَ أنفاسِي
يَستَلقِي كَالشَّوكِ
في يَدَيْهِ الخَرابُ
في عَيْنَيْهِ القَنَافِذُ
وفي قَلبِهِ صَحرَاءُ جَاحِظَةٌ
يَبُخُّ الرَّمَادَ على ضَوئِي
وَيَدُوْرُ على أصحَابِي
لِيَنشُرَ عَلَيْهِمْ كَفَنِي
وَيَرمِي أمَامَهُمْ عُفُونَتَهِ
هُوَ قَيءُ الظَّلامِ
قَيْحُ الضَّغِيْنَةِ
قُمَامَةُ الجُحُوْدِ
يُطَارِدُ أجنِحَتِي بِعِوَاءِ قَامَتِهِ
يُحَاوِلُ اقتِحَامَ سَمَائِي
وَالأَنْفَاقُ تُظَلِّلُهُ
يَدَّخِرُ الرَّذِيلَةَ في خَلايَاهُ
يَزحَفُ تَحتَ ظِلِّي
يُرِيْدُ لِيَنَابِيْعِيَ الصَّمتَ
أنَا أَهزَأُ مِنْ وَثَبَاتِهِ
وأسخَرُ مِنْ زَمَنٍ
أَعطَاهُ شَكْلَ الإنسانِ.*
إسطنبول
* الأصحاب..
حَجَرٌ طَائِشٌ يَشِجُّ دَهشَتِي
وَيَقْتَحِمُ هَوَاجِسِي
لِيَعبثَ بِأعوامِي
وَيَسْطُوَ على وُقُوْفِي
قَذَفَتْنِي بِهِ يَدُ البُغْضِ
وَتَضَرَّجَتْ رايَتِي البَيْضَاءُ
بِالصَّرْخَةِ القَاصِمَةِ
تَهَشَّمَتْ ضِحكَةُ العُشْبِ
تَكَسَّرَتْ مَرَايَا النَّبضِ
وَتَحَطَّمَتْ خُطُواتُ الدَّمعِ
ثُمَّ لاذَتْ أنفَاسِي
بالرَّمَادِ
تَأَمَّلَتْنِيَ الخَرَائِبُ
وَتَلَمَّسَتْ أصابِعُ النَّارِ
أَزْهَارَ صَمتِي
كَانَ دَمِيَ
يَجُرُّ أحصِنَةَ الغَيمِ
كَانَتْ لُغَتِي
تَلْبَسُ ثَوبَ العَدَمِ
والشَّجَرُ النَّابِتُ في آهَتِي
يَتَصَيَّدُ هَمْسَ النَّدَى
والفَوْضَى
في تَزَاحُمٍ مَعَ الدُّروبِ
أنا شَرِبتُ الشَّوكَ
مِنْ رَاحَةِ الوَردِ
أكَلتُ الرَّملَ
مِنْ حُقُولِ الأصدِقَاءِ
ثُمَّ تَفَرَّقنَا
أنا للقَبرِ
وَهَم لِلقَمَر.*
إسطنبول
* حفنةُ يباسٍ..
بياضُ الورقِ يرتشفُ من دمعتي
صمتَ احتراقي
ويغوصُ في فضاءِ وحدتي
يبحثُ عن شواطئِ ناري
لأكتبَ على ياقةِ دهشتِهِ
كلماتٍ من رحيقٍ
وأنا أمضغُ عمري
مثلَ عاصفةٍ تائهةٍ عَنِ الهواءِ
وانتشرتْ في أصقاعِ حنجرتي
لا .. لَنْ أبرحَ فاجعةَ السّرابِ
سأظلُ قربَ ظلّي
أضمّدُ حائطَ الوقتِ
تمسكني لغتي مِنْ رسغِ الجرحِ
تقرأُ أسطرَ غربتي القاتمة
وأنا أشعلُ قامتي ليراني الانتظار
وأحفرُ في صدري أخاديدَ الدّروبِ
سأطلُّ على لهفةِ الأفقِ
وأكتبُ عندَ زاويةِ الشَّغفِ
تلكَ آهةُ العُشْبِ
النّابتِ في حقولِ هزيمتي
أنا ذبيحُ الرّيحِ
التي اقتلعتْ بسمتي
وشرَّدتْ أمواجي
وصيّرتْ غيومي حفنةَ يباس.*
إسطنبول
* دَمعُ أنفَاسِي..
لِأَجلِ أَنْ أنَامَ
أطفِئِي دَمعَ أنفاسِي
وَأسْدُلِي سَتَائِرَ العِشقِ
على قلبيَ المُشْتَعِلِ
عَسَانِي أغُطُّ عَنْ وَجَعِي
وَيَرقُدُ بِدَمِي الكَلامُ
الشَّوقُ يَدُكُّ هَوَاجِسِي
وَيُحَطِّمُ سَكِيْنَةَ أجفَانِي
فَكَيْفَ لِهَذَا النّبضِ
أَنْ يَهْدَأَ؟!
وَكَيْفَ لِرُوحِي
أَلَّا تَمُورَ بِالحَرَائِقِ؟!
النَّارُ تَعصفُ بِأَنْفَاسِي
والسَّكَاكِيْنُ تَنْبَثِقُ في سَرِيْرِي
فَأَيْنَ أُوَدِّعُ عُمُرِي؟!
وَأَيْنَ أُخفِي مُرُوجَ انْتِظَارِي؟!
دَعِيْنِي أَغْفُو بَعِيْدَاً
عَنْ خَيْبَتِي
وَقَرِيْبَاً مِنْ حُبِّكِ
لِهَوَاكِ كُلُّ الأمكِنَةِ
ولاسمِكِ فَضَاءَاتُ الأزمِنَةِ
وأنا مُحَاصَرٌ
بَيْنَ غِيَابِكِ
وَقَصِيْدَتِي.*
إسطنبول
* آهَـةُ القَمَرِ..
تُقَشِّرُ القَصِيْدَةُ نَبْضِي
وَتُطعِمُهُ لِحُرُوفِي
كُلَّمَا جَاعَتْ رُؤايَ
وَكَانَتْ ثِمَارُ الأرضِ عَجْفَـاءَ
وأنا أُقَشِّرُ الغَيْمَ
كُلَّمَا أَشْتَاقُ لِلْيَاسَمِيْنِ
أَوْ نَادَتْ رُوْحِيَ النَّدَى
وَتُقَشِّرُ الغُربَةُ عُمْرِيَ
كُلَّمَا طَالَ انتِظَارِي
وَتُقَشِّرُ الدَّمْعَةُ لَهِيْبِي
كُلَّمَا تَطَلَّعَتْ لَهْفَتِي
إلى البَعِيْدِ
والأرضُ تُقَشِّرُ خُطُواتِي
مِنْ وَجَعٍ يُثْقِلُهَا
والْمَدَى يُقَشِّرُ أَنْفَاسِي
لِيُزَوِّدَ الصَّحرَاءَ بِالرَمْلِ
السَّرَابُ يُقَشِّرُ ضُحكَتِي
الحَجَرُ يُقَشِّرُ صَرخَتِي
والليلُ يُقَشِّرُ ذِكرَيَاتِي
لِيَهْتَدِيَ بِهَا
إلى آهَـةِ القَمَرِ.*
إسطنبول
* تَرحِيْب..
صَدِيْقِي
الذي تَرَعْرَعَتْ أحرُفِي
في كَنَفِهِ
يَدُقُّ بَابِي
يَحمِلُ مَعَهُ هَدِيَّةً
مُفَاجِئةً
لَمْ تَخْطُرْ لي على بَالٍ
بَاقَةٌ مِنَ الرَّصَاصِ
اختَرَقَتْ قَلبِي !!
وأنا أرَحِّبُ بِقُدُومِهِ
تَتَقَدَّمُنِي ابتِسَامَتِي
وَيَدي لِلْمُصأفَحَةِ
مَا زَالتْ مُمْتدَّةً نَحوَهُ
مِنْ دَاخِلِ نَعشِي
لَكِنَّهُ يَمْشِي فِي جَنَازَتِي
مِنْ دُونِ أصَابِعٍ
ضَاحِكَ القَلبِ
وَبِدَاخِلِ سُتْرَتِهِ
يَحشُو لُغَتِي
وَيَسْطُو على فَضَاءِ قَصَائِدِي
لِيُطِلَّ مِنْهَا على المُصَفِّقِيْن
وَيَنْسَى
أنَّ كَلِمَاتِي
هِيَ رَوْحِي
وَقَامَةُ وُجُودِي.*
إسطنبول
* شاعر السَّلامِ..
بَدَلَ أن يَستَقْبِلُونِي
بِجُرعَةِ هَواءٍ
كَانَتْ جَنَازِيْرُهُم بِانْتِظَارِي
بَدَلَ أَنْ يُسْعِفُونِي
بِحَفْنَةِ مَاءٍ
كَانَتْ خَنَاجِرُهُم مُتَوَثِّبَةً لِدَمِي
وَأنَا ابنُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ
التي بَلَّلَتْنِي بِغُصَّتِهَا
وَذَرَفَتْ يَنَابِيْعَ حُرقَتِهَا
فَوقَ صَلِيْبِي
التُّرَابُ أَجْهَشَ بِذُكْرِيَاتِهِ
البِيُوتُ نَطَقَتِ اسْمِي
الشَّوَارِعُ تَكَوَّرَتْ على أرصِفَتِهَا
والشَّبَابِيْكُ لَطَمَتْ زُجَاجَهَا
وَصَرَخَتْ غُيُومُ المَدِيْنَةِ:
- أَوْقِفُوا هذا القَتْلَ
فَهَذَا الذَّبِيْحُ
عَاشِقٌ لِلْبِلادِ
كَتَبَ عَنْ كُلِّ ذَرَّةِ تُرَابٍ
قَصِيْدَةً
وَعَنْ كُلِّ قَطرَةِ مَاءٍ
أَغْدَقَ مَا في قَلْبِهِ
مِنْ حَنِيْنٍ
وَعَنْ كُلِّ وَردَةٍ
رَسَمَ النَّدَى بِدَمِهِ
فَلَا تَجْرَحُوا الضَّوءَ
وَلَاْ تَغْتَالُوا غَدَكُم
إنَّهُ شَاعِرُ السَّلامِ
قَد خَصَّهُ اللهُ
لِيُبَرِّئَكُم مِنْ آثَامِكُم.*
إسطنبول
* عُشـْبُ صَلَوَاتِكِ..
وكانَ الموتُ يقضمُ لهاثي
ويمدُّ يدَهُ إلى خطواتي
ليسرقَ منّي جبالَ الحنينِ
وأنا أمسكُ دربي
بأصابعِ نبضي
وأركضُ صوبَ لغتي
سأعمّرُ قصيدتي بأحجارِ شوقي
وأقرأُ على أمي
سورةَ بكائي
وأضمُّ خصرَها بعطرِ توسلاتي
وأقولُ يا أمي:
- لا تتركي دمعتي تشربُ الانتظارَ
تحتَ سيفِ البردِ
خذي يا أمّي عنّي قميصَ النّار
وحطّمي قيودَ آهتي
عَنْ أيامي الحالكةِ
وَرُدّي إليَّ سكينتي
التي مزّقتها الحروبُ
وَصَيَّرَتْني
آكلُ أجنحتي
وأربطُ عليَّ سمائي
بلا اْسمٍ أحيا
بلا حياةٍ أعيشُ
وبلا وطنٍ أموتُ
وبلا حضنِكِ تنمو أوجاعي
وتكبرُ غصَّتي
تعرِّشُ على بابِ المدى
حيثُ تمتدُّ الفاجعةُ
ويشربُ الملحُ جراحي
تحتَ براكينِ النّدى
أنا يا أمّي
أبحثُ عنْ فيءِ راحتَيكِ
وعنْ عشبِ صلواتِكِ
لقد مكثتُ طويلاً
في الجحيم.*
إسطنبول
* شواطئ اسمك..
سَأُمَرِّغُ وَجْهَ الجِهَاتِ
بالزَّمْهَرِيْرِ
إِنْ حَادَ عَنْ دفءِ رائحتِكِ
قلبي يعرفُ طريقهُ نحوَكِ
مِنْ دُونِ أيَّ ضَوْءٍ
أنا أمَشي
على دربِ عِطرِكِ
يقودُني دمي الصّارخُ
باسمكِ
وعينايَ تَحْملانِ إليكِ
القصائدَ
سَتُسَرِّحُ لَهفتي شَعركِ
سنابلَ همسٍ تموجُ بالعذوبةِ
وأداعبُ شاماتِ الكتفينِ
وأقولُ للشّمسِ:
- خُذي ما تحتاجينَ
من نورِ ظلالها
وللهواءِ:
- تنفَّسْ بعمقٍ
من رحابِ هالتها
وللندى:
- اغتسلْ ما يَحلُو لَكَ
بقطوفِ ضحكتها.
أنتِ واحةُ عشقي الأبديَّ
وَمَمْلكةُ قَصِيدَتي المُوْرِقَةَ
إليكِ
تَنْتَمِيَ أمْواجُ الرَّهَافَةِ
وَدُروبُ الرَّحمةِ البيضاء
يا مَسكَنَ روحي الأزليّ
كَمْ أُحِبُّ أَنْ أسبحَ
على شطآنِ اسمكِ؟!
وأغوصُ
في ركابِ مَعَانِيكِ
يا نسمةً
يَتَنَفَّسُها المجد
يا شمعةً
يُنِيْرُها الغَد
يا عصفورةَ الأناهِيْدِ
سأحبُّكِ
طالما اللهَ أحَد
يا فتنةَ الآفاقِ والمجرّاتِ
عروسَ المدائنِ والدُّنيا
حَلَب..
كوثرَ الحبِّ والرّغد *
إسطنبول
* صهوةُ النّدى..
تَرْسُمُنِي الرِّيحُ
على رمادِ الموجِ
وَيَكْنِسُنِي الشَّوكُ
فأتأرجحُ في مهبِّ الظّلام
وأسقطُ في قاعِ الصَّدى
متخثّرَ اللغةِ
متشقِّقَ الدَّمعةِ
محطَّمَ الأنينِ
وتشمُّ رائحتي النّـارُ
يهاجمني العراءُ مِنْ كلِّ صوبٍ
ويزحفُ نحويَ العدمُ
يلتفتُ دمي إليَّ
يَثِبُ منّي قلبي
يتفجَّرُ صَمتُ انكساري
فأمدُّ إلى وجعي جنوني
لأستندَ على الرّؤى
وأنهضَ من حضيضِ الغربةِ
لِأُشْهِرَ توقُّدي
في وجهِ الهزيمةِ
وأصرخَ ملءَ غصّتي:
- سأعودُ
وإنْ أطبقتِ السّمـاءُ على قصيدتي
وإنِ اْبتلعتِ الأرضُ حُلُمي
وإنْ كانَ الطُّغاةُ
نصبوا فخاخَهم لـي
في كلِّ وردةٍ أو نَسمةٍ
أحجارُ بلادي أَرشَفَتْ عَرَقِي
يومَ شيَّدتها بنبضي
أنا مَن أرضعتهُ القلعةُ
أغانيَ القدودِ والموشّحات
تَذْكُرُنِي المدينةُ والطُّرُقاتُ
عاشقـاً أبديـَّاً للندى
ولي بعضُ الأصدقاءِ
الذينَ
ما برحوا حليبَ أمَّهاتِهِم.*
إسطنبول
* خـابيةُ الانتظـار..
أقتحمُ وحدتي
أحشرُ صمتي في الزّاويةِ
أستجمعُ دروبَ غربتي
وأتركُ لآهتي النّارَ
تطفئُ دمعَ الأسئلةِ
كيفَ للأرضِ ألاّ تتّبعَ خطايَ؟!
كيفَ للسماءِ ألاّ تُعرّيَ رمادي؟!
وأنا أهوي في وميضِ التّلاشي
أسكبُ منْ قلبي الخوفَ
وأذرو بمراجيحِ الحُلُمِ
أريدُ أنْ أدفنَ أجنحتي
تحتَ هذا الغيابِ
وأوشمَ الموتَ بقصيدتي
أسألُ جدرانَ حُرْقتي
عنْ موعدٍ
لأدقَّ في الأفقِ مطري
وأعصرَ في فمِ الخريفِ رياحي
منتظراً قدومَ الموجِ
من جبالٍ تجيدُ الرّقصَ
وأنا أحملُ خابيةَ الانتظارِ
لأرشَّ دميَ فوقَ الصّدى
وأشُقَّ للنسمةِ طريقَ الرّؤى
أسيّجَ جثّتي بالرّحيلِ
صوبَ بلادٍ تكتسي بأنفاسي
وأصبَّ العشبَ منْ جراحي
ليقطفَهُ الضّوءُ
عندَ بوَّابةِ دفاتري.*
إسطنبول
* وجهُ العراء..
أجلسُ في ظلِّ دَمعتي
ألملمُ ما تساقطَ منّي مِنْ مدى
وأتفقَّدُ ما أخبّئُ مِنْ دروبٍ
سأمضي إلى جهةٍ لا وجودَ لها
ولا أمكنةَ تطلُّ عليها
سأهربُ من رفقةِ ذاتي
وسأتركُ هزائمي بلا مأوى
سأسقطُ عنّي اسمي
وأخلعُ عنّي أيّامي
وهنـاكَ..
أحيا بلا أنفاسٍ
أرتدي صمتي في وجهِ العراءِ
وإنْ سئلتُ عن بلدي
سأقولُ للوحشةِ:
- لقدْ نهشَتها الوحوشُ
وسرقتها السّحالي
واحترقَ فيها الهواءُ
واختطفَ التّشرُّدُ ساكنيها
بلـدي
صارتْ سبيّةَ الموتِ
جدرانُها من غبـار
أشجـارُها في حضنِ النّـار
وقلاعُها مأكولةُ الأسـوار
بلـدي
أمستْ مأهولةً بالدّمـار
في ساحاتِها يعربدُ الأشرار
والعالَـمُ كلُّـهُ منتشٍ لهذا الاندثـار
يرقصُ ويمرحُ ويصفّقُ لهم
تحتَ وطـأةِ الخزيِ والعـار
يشدُّ على أيدي القتلى
ويباركُ لَهُمُ هذا الانتصار.*
إسطنبول
* هُرُوْبٌ..
مَنَعْتُ قلبي مِنَ الكَلَامِ
وَأقْفَلْتُ على رُوحِي البَابَ
وَحَبَسْتُ أشواقي
وَأَمْرْتُ عُيُونِي بِغَضّ الطَّرفِ
وَأَخْرَسْتُ بَوحِي
وَاعتَقَلْتُ لَهفََتِي
وَقَيَّدْتُ قَصِيْدَتِي
وَلَجَمْتُ رَغبَتِي
وَهَدََّدْتُ عَذَابَاتِي
وَأوْصَيْتُ دَمعَتِي
وَقَمَعْتُ شَهقَتِي
وَدَفَنْتُ لَوعَتِي
وَعَضَضْتُ على غُصَّتِي
وَرَجَوْتُ أَنفَاسِي
وَتَوَسََّلْتُ لِضُعفِي
وَدَعَوْتُ اللهَ
أنْ يُلهمَني الكتمانَ
وَيُجَنِّبَني الأحَزَانَ
وَألقاكِ
مِنْ دُونِ اعترافٍ
أو تخاذلَ منِّي
لأنِّي لا أقوى
على مُوَاجهةِ حُبَّكِ
فَأنتِ فَوقَ الخَيالِ
وَمُحَالٌ أنْ تَقبَلِيني
لأنِّي إنسانٌ بَسِيطٌ
لا أملكُ ما يُثِيرُ اهتمامَكِ
ما عندي إلّا الشِّعرُ
وَقَلبٌ مزروعٌ بالضَّوءِ
وأعظمُ ما يمكنُ أنْ أهديكِ
وردةً
مغسولةً بالنَّدى
ولهذا..
لا أرِيدُكِ
أنْ تَسخري
منِّي.*
إسطنبول
* أمنية..
لو أنَّ يَدَكَ تدقُّ بابي
سيبتسمُ البابُ
ويفردُ لكَ جناحَيهِ
وينفتحُ لكَ أثيرُ الضَّوءِ
وتمدُّ الجدرانُ لكَ أياديها
لتصافِحَ قُدومَكَ
وينحني بلهفةٍ وتقديرٍ
بلاطُ العتبةِ لدخولِكَ
يرحبُ بكَ هواءُ المسكنِ
ويتجدَّدُ عِطرُهُ طواعيةً
وتضمُّكَ الحجراتُ بشغفٍ مؤثّرٍ
تُقَبِّلُ أنفاسَكَ الآرائكُ
وتشمُّ بهاءَكَ المرايا
وتركضُ نحوكَ كتبي
لتقبِّلَ وقارَكَ
وتلثمَ جبينَكَ الورودُ
النَّوافذُ سترشُّ عليكَ الفرحةَ
والسَّتائرُ لن تخفيَ بهجتَها
وستتأهَّبُ الكؤوسُ للترحابِ بشفتيكَ
والخبزُ بالنَّشوةِ لملامسةِ أصابِعِكَ
سيغتسلُ الماءُ مراراً قبلَ أنْ تشربَهُ
والقهوةُ ستكونُ راعشةَ السُّخونةِ
الملاعقُ ستختارُ أفضلَ مَنْ يمثَّلُها
والصُّحونُ تتنافسُ بضراوةٍ
لدرجةِ التَّحطُّمِ
لتنالَ شرفَ تقديمِ الطَّعامِ
السَّقفُ بغبطةٍ سيظلَّلُ سُمّوَكَ
الأرضُ بعشقٍ ستحملُ طهرَكَ
الكهرباءُ بخشوعٍ ستلمِّعُ نعلَيكَ
والمزهريَّاتُ سيرمقنَ وجهَكَ بخفرٍ
وأنا أغالبُ دمعتي
وأنتظرُ دوري
في البكاءِ على صدرِكَ
كلُّ هذا سيحدثُ
لو أنَّكَ تدقُّ بابي
في هذهِ الغُربةِ العفنةِ
يا أخي.*
إسطنبول
* عُبَاب الصَّدَى..
ويمتدُّ الطَّريقُ إلى لغتي
والرِّيحُ مثقلةٌ بالدَّمِ
وَتَشْتَدُّ ظلمةُ العطشِ
في حَلْقِ الجِهاتِ
أنا آهةُ الأرضِ
جئتُ من رحمِ القصيدةِ
عَلَّمتني أمِّي
أنْ أوزُّعَ على يباسي
ندى الكلماتِ
أقفُ على مشارفِ الضَّوءِ
أمدُّ لهفتي
لأجنحةِ الأيَّامِ الجَامحةِ
إلى عراءِ النَّقاءِ
وضحكةِ الأناشيدِ الحالمةِ
وتسرقني أحرفي
إلى غياهبِ الأشواقِ
تكشفُ عن جبالٍ من حنينٍ
وَكَوَاْكُبٍ من احتراقٍ
أنا أمواجُ الرَّمادِ
أمخرُ عُبابَ الصَّدى
وترسو جزرُ الماءِ
على شطآنِ أصابعي
أمحو اسم الغيابِ
عن جدرانِ مهجتي
وأُسَلِّمُ ناري
لسلالمِ الوقتِ
ستمضي أشرعةُ الموتِ
عن نوافذِ بلادي
وتكبرُ سماءُ الأحصنةِ
محمَّلةً بالضُّحى
وأهازيجِ المطرِ.*
إسطنبول
* عصافير المطر..
إنَّا أخذنا عنكِ الغناءَ
وصرنا نرسمُ في المدى
أهازيجَ الرُّوحِ والنّدى
ونرتشفُ من ينابيعِ سحرِكِ
ومضاتِ العناقِ
ونحبُّ الإبحارَ في شهقاتِ وردِكِ
يافراشةَ البوحِ الشّفيفِ
ونريدُ التّوغّلَ في ثنايا ضوئكِ
كعصافيرِ المطرِ
وأصابعِ اللهفةِ
أنتِ ربيعُ النّبضِ المزدهرِ
على حدودِ النّسيمِ
في كلِّ تنفّسٍ نأتي إليكِ
ونلثمُ نقاءَ أساريرِ مهجتكِ
ياشمسَ أيامنا الحالمةِ
كم نعشقُ الدّروبَ الّتي
تودي باشتعالنا إليكِ
ونصلّي لكلِّ ذرّةِ مجدٍ
من أرضِ عطرِكِ
حلبُ ياسماءً مفتوحةً
على كواكبِ الأحلامِ
يا حصنَ النّجومِ
وتخومَ الخلودِ
إنَّا نهفو بأقمارنا إليكِ
ولو كانَ الليلُ من قيودٍ
والسّحابُ من زلازلٍ
إنَّا نراكِ بعيونِ الأفئدةِ
بأجنحةِ الحنينِ
وبرائحةِ النّدى
سيعودُ إليكِ دمنا
متّشحاً بأمواجِ النّداءِ.*
إسطنبول
* حُلْكَةُ الصّباحِ..
الصَبَاحُ دُونَكِ مُظْلِمٌ
لا يَعرِفُ النَّدَى
وَعَصَافِيْرُهُ
لا تَنْهَضُ مِنْ أعشَاشِهَا
حَتَّى إنَّ الوَردَ
يَبْقَى بِلا أنفَاسٍ
والفَرَاشَاتُ
تُخطِئُ الطَّرِيْقَ
إلى الرَّحِيْقِ
دُونَـكِ قَلْبِي
مُقْفِرُ النَّبضِ
خَائِرُ الأجنِحَةِ
بِلا عُيُونٍ
وَدَمِي ضَلَّ دَربَـهِ
في شَرَايِيْنِي
تَائـِهٌ هَذَا المـَدَى
عَنِ اْنتِظَاري
وَوَجْهُكِ يَتَوَارَى خَلْفَ السَّرَابِ
وَالنَّارُ تُهَاجِمُ نَافِذَتِي
لِتَشْرَبَ لَهْفَتِي وَحَنِيْنِي
أَطِلِّي على مَوتِي
فَأنَا وَالصُبحُ
نَحيَا فِي عَتمَةٍ حَالِكَةٍ
نَنْتَظِرُ بُزُوغَكِ
مِنْ دَمعِ القَصِيْدَةِ.*
إسطنبول
* بُكَاءُ الجَحِيْمِ..
في حُرقَتِي
تَحفُرُ السَّماءُ قَبْرَهَا
وتَرقُدُ تَحتَ رَمَادِي
أصَابِعِي تُكَفْكِفُ دَمْعَ الرِّيحِ
إنْ هَاجَتْ أوجَاعُ الخَرَابِ
وأجنِحَتِي تَحْمِلُ ثِقَلَ الأرضِ
كُلَّمَا الجِهَاتُ نَادَتْ حَوَاسَ العُمرِ
وَسَرَادِيْبُ عَطَشِي
تُجَفِّفُ هذا المَدَى
لِيَتَسَلَّقَنِي حَائِطُ غُصَّتِي
وَيَسِدَّ عَلَيَّ مَنَافِذَ أيَّامي
أقرَعُ أجرَاسَ المَاءِ
يَجْرِفُنِي شَبَقُ الرَّحِيْلِ
إلى أصقَاعِ السَّرابِ
وألمَحُ على شَاطِئِ الرُّؤَى
بُكَاءَ الجَحِيْمِ
فَمَنْ يُسَيِّجُ قَصِيْدَتِي بِالنَدَى
إنْ صُلِبَتْ على جُذعِ لُغَتِي؟!
وَسُرِقَتْ فَرَاشَاتُ نَبْضِي؟!
وَجَعَلُوا مِنْ رُفَاتِي
حُدُودَاً لِلْهَزِيْمَةِ.*
إسطنبول
* في حَضرَةِ اسمِكِ..
فِي حَضْرَةِ اسمِكِ
يَتَكَاثَرُ الماءُ
وَيُغَنِّيَ اليَاسَمِينُ
تُرَفْرِفُ الأرضُ بِأعشَابِهَا
وَيَضْحَكُ الضَّوءُ
القَصَائِدُ تُنْجِبُ الآفاقَ
والسّماءُ تَهْمُسُ
فَوقَ قُلُوبِ التَّائِهِيْنَ
النَّبضُ يُورِقُ
والأشجارُ تَتَسَامَقُ
وَالفَرحَةُ تُزَقْزِقُ
تَحتَ نَوافِذِ العَاشِقين
في حَضرَةِ اسْمِكِ
يَفرُشُ البَهَاءُ ظِلَالَهُ
والقَمَرُ يُنَاغِي النُّجُومَ
تَهْرُبُ مِنْ دَاخِلِنا الأوجَاعُ
وَيَصِيْرُ المَوتُ بِلا أنيَابٍ
الدُّنيَا تَرقُصُ بِنَشْوَةٍ
والدُّرُوبُ تَمتَدُّ نَحو الشَّمسِ
والنُّورُ يُرَافِقُ خطواتِنا
يا أنتِ
يا زَهرَةَ الأحلامِ
يا كَوكَبَ النَّدَى
يا نَسمَةَ الأماني النَّاهِدَة
حَيْثُ تَكُونِيْنَ
لا يَكُونُ لِلْقَهْرِ أثَرُ
وَتَكُونُ السَّعَادَةُ فَيْضَاً
في كُلِّ القُلُوبِ
فَلَيْتَ لِوجُودِكِ عُنوانُ.*
إسطنبول
* عَصَافِيْرُ الشَّامِ..
يَرسُمُنِي الخَرَابُ نَافِذَةً لِلْصَدَى
وَيُسَرِّحُ شَعرِيَ التَّهَدُّمُ
أَنْزِفُ بَسَاتِيْنَ القَصَائِدِ
وَتُضَمِّدُ الفَاجِعَةُ أَنِيْنِي
أَحبُو إلى غُرَفِ المَوتِ
يَحمِلُنِي الاختِنَاقُ
عَلَى أَجْنِحَةِ الغُبَـارِ
وَيُعَانِقُنِي الصَّمتُ
الطَّافِحُ مِنْ دَهشَتِي
كُنْتُ أُوَزِّعُ عَلَى يَنَابِيْعِي
شَتْلاتِ الحُلُمِ
حِيْنَ دَاهَمَنَا الغِيَابُ
وَصِرتُ لا أعرِفُ أينَ بَقَايَا جَسَدِي؟!
تَرَكْتُ رَأسِي مُهَشَّماً تَحتَ الحَجَرِ
وَيَدَايَ تَطَايَرَتَا مِنِّي خَلفَ الجِدَارِ
وَسَمِعتُ استِغَاثَاتِ سَاقَيَّ
تُنَادِيَنِي
مِنْ شُرفَةِ الأَغْصَانِ
الطَّائِرَاتُ قَصَفَتْنَا بِالعَدَمِ
كُنَّا وَقْتَهَا نَقْتَسِمُ رَغِيْفَ الأمَانِ
أَنَا قَرَأْتُ رَعشَةَ العَصَافِيْرِ
وَلَمَحتُ فِي عُيُونِ النَّدَى
غُصَّةَ الحَرِيْقِ
كَانَتْ بِلادِي تَقْطَفُ الثَّلْجَ
مِنْ شَفَقِ الأغَانِي
وَكَانَ العُشْبُ يَنْمُوَ في أَكُـفِّـنا
كَتَبْنَا عَلَى جَبِيْنِ المَسَاءِ
نَحنُ نُحِبُّ القَمَرَ
وَكَتَبْنَا عَلَى فُوَّهَةِ البُركَانِ
نَحنُ نُحِبُّ المَطَرَ
وَرَسَمْنَا عَلَى نَبْضِ الهَوَاءِ
شَلَّالاتِ المَوَاعِيْدِ
هَاجَمَتْنَا عَوَاصِفُ الإعدَامِ
وَعَوَاصِمُ الغُربَانِ
وَسَائِرُ الأرذَالِ فِي الدُّنيَا
جُنْدِيُّ بِلادِي يَقْتُـلُ النَّسَائِمَ
جُنْدِيُّ بلادِي يَغْتَصِبُ الدَّمَعَاتِ
وَيُطَارِدُ بَوحَ اليَاسَمِيْنِ
عَلَمُ بِلادِي صَارَ مِشْنَقَةً
نَشِيْدُنَا الوَطَنِيُّ جَلادَ هُوِيَّتِنَا
نَحنُ طَرَائِدَ الشَّيْطَانِ
يُلاحِقُنَا المَوتُ في كُلِّ الدُّرُوبِ
وَأُخْوَتُنَا العَرَبُ
أقفَلُوا عَلَيْنَا حُدُودَهُم
وَأَمسَكُوا عَنَّا أَرَاضِيَـهُم
وَالأصدِقَاءُ بَاعُونَا لِبَطنِ البَحرِ
لا أحَدَ يُصَافِحُ عَصَافِيْرَ الشَّامِ
فَقَط..
تُصَوَّبُ نَحوَنَا فُوَّهَاتُ بَنَادِقِـهِـم.*
إسطنبول
* صَلِيْلُ الرُّؤى..
... وَسَتَكُونُ وَحدَكَ
حِيْنَ يَشْتَدُّ عَلَيْكَ الهَواءُ
والليلُ يَجثُمُ على أنفَاسِكَ
سَيُهَاجِمُكَ الصَّدَى
وَيَخْمِشُكَ النَّدَى
وَسَيَنْتَابُكَ صَلِيْلُ الرُّؤى
أنتَ الآنَ في عَصفِ الرَّحِيْلِ
أمامَكَ العَدَمُ
وَوَراءَكَ الفَوَاجِعُ
يَحُدُّكَ مِنْ كُلِّ صَوبٍ
الانهِيَارُ
وأنتَ ما زِلْتَ تَركُنُ خُطَاكَ
في حُضنِ الزَّمهَرِيْرِ
لا جُدرَانَ تَسْتَظِلُّ بِجُرحِكَ
لا سَقْفَ يَحتَمِي بِآهاتِكَ
لا سَماءَ تُلْقِي بـَالَهـَا إليكَ
ولا أَرضَ تُربِتُ على دَمعَتِكَ
وَحِيْدَاً
في هذا العَرَاءِ الوَحشيِّ
فلا تُنَادِي على أخٍ لَكَ
أَوْ صَدِيقٍ أنكَرَكَ
وَحدَكَ
سَتُجَابِهُ جُوعَ الفُؤادِ
وعَطَشَ النَّبضِ
في فَمِكَ جَمرُ الدَّهشَةِ
في رُوحِكَ عِنَـادُ البَقَاءِ
وَبِيَدَيْكَ الحَالِمَتَينِ
سَتَشْتِلُ يَنَابِيْعَ الانتِصَارِ.*
إسطنبول
* بَابُ الهاويةِ..
سَأعتَكِفُ بِدَمعَتِي
لَنْ أُغَادِرَ جُدرَانَ العَمَاءِ
وَسَأَحتَفِظُ بِيَنَابِيْعِ الصَّلِيْلِ
أَقبُضُ على احتِرَاقِي
أَعُضُّ على مَوتِي
وَأُمسِكُ بِثَوبِ الهَزِيْمَةِ
أنا بلا مَوجٍ
بلا شُطآنَ
أَقضُمُ مَرَاكِبِي
وَأُبحِرُ في الاختِنَاقِ
أَتَلَمَّسُ وُحدَتِي
وَأَحتَضِنُ خَرَابِي
كَطِفلٍ هَرِمٍ
ضَجَرَتْ مِنْهُ المَعَارِكُ
سَلَّمتُ مَفَاتِيْحِي لِلْجِهَاتِ
وَصُرتُ أعدُو لِأُسَابِقَ عَطَشِي
تَمشِي صَرخَتِي
على جَسَدِ الغِيَابِ
أَدُقُّ بَابَ الهَاوِيَةِ
وَفِي آخِرِ النَّفَقِ
يَنتَظِرُنِي خِنْجَرُ صَدِيْقٍ حَمِيْمٍ
وَشَمْسٌ مِنْ رَمَادٍ
يا هذا النَّادِبَ قَتْلِي
جُثَّتِي عَالِقَةٌ بِقَصِيْدَتِي
خُذْ مِنْ حُرُوفِي دَمِيَ
ْوَاترُك لِلْكَلِمَاتِ سَلَالِمِهَا
دَعْ وَجَعِي قَمَرَاً
في سَمَاءِ النَّزِيْفِ
وَلا تَلْمُسْ قَنَادِيْلَ صَوتِي.*
إسطنبول
* رائحةُ الجهات..
... ولأنَّ دمي يثمرُ الأحلامَ
هذا الأفقُ خيمتي
وهذه الأرضُ بعضُ مكاني
وتلكَ الدّروبُ فريستي
فابتعدي يا جهنّمُ عن طريقي
لأرتّبَ الفضاءَ المبعثرَ
حسبَ ما يخفقُ قلبي
تحوّلَ الوقتُ طريدةً لقصيدتي
وصارتِ الأشياءُ أوراقي
أخطُّ عليها موجيَ الدّفينَ
وأعطيها صهيلَ رغباتي
إنّي أنسجُ من مزقِ الليلِ
خيوطَ الآتي من الفجرِ
وأُعَمِّرُ من ندى الشّروقِ
قلاعَ نهوضي
أوصي النُجومَ ألّا تفترقَ
عن كلماتي
لأزوّدَها ببصيصِ روحي
وأتركها معلّقةً
فوقَ نوافذِ الرّيحِ
أنا قلمُ الغَيبِ
أكتبُ ما تجهلُهُ الأشرعةُ
وما لا تدركُهُ العواصفُ
الرّملُ مفاتيحُ الضّحى
والشّطآنُ تلوذُ بي برجاءٍ
تختبئُ المسافاتُ في طيّاتِ رحيلي
وتنهارُ الحرائقُ أمامي كالذبائحِ
ويأتيني الحطامُ صاغراً
لأسيجَ منهُ الغمامَ
أنا حطبُ النّهايةِ
أشتري الأزمنةَ بالرّمادِ
وأبيعُ للمطرِ أجنحةَ أغصاني
سأُبقي على الماءِ
في رائحةِ الجِهاتِ
وأزرعُ رايتي
على قبرِ الهزيمة.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - صواري الشّتات
02 - شويعر
03 - زغاريد الضوء
04 - الفَرَج
05 - ثوب الندى
06 - تابوت الغربة
07 - سأبقى
08 - جرثومة
09 - الأصحاب
10 - حفنة يباسِ
11 - دمع أنفاسي
12 - آهة القمر
13 - ترحيب
14 - شاعر السلام
15 - عشب صلواتك
16 - شواطئ اسمك
17 - صهوةِ النّدى
18 - خابية الانتظار
19 - وجه العراء
20 - هروب
21 - أمنية
22 - عُبَاب الصدى
23 - عصافير المطر
24 - حُلكةُ الصباح
25 - بكاء الجحيم
26 - في حضرة اسمكِ
27 - عصافير الشام
28 - صليل الرؤى
29 - باب الهاوية
30 - رائحةُ الجهات


--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى