د. محمد عباس محمد عرابي - العفو عن زلات عن الأصدقاء في الشعر القديم والمعاصر

إعداد /محمد عباس محمد عرابي​


الصديق من يصدق صديقه في أموره، ولما كان الأنسان لا يخبو من خطأ فإن أخطأ الصديق يجب الصبر عليه كما يذكر كثير:ومن لا يغمض عينه عن صديقهوعن بعض ما فيه يمت وهو عاتبُ، ومن يتتبَّع جاهداً كلَّ عثرةيجدها، ولا يُسلم له الدَّهر صاحبُ، وهناك مئات القصائد التي تحدث فيها الشعراء القدامى والمحدثين عن الأصدقاء، ويدور هذا المقال حولالعفو عن زلات عن الأصدقاء

في الشعر القديم والمعاصر :

من القدامى يقول بشار بن برد في العفو عن زلات الصديق :

إذا كنتَ في كُلِّ الأمور معاتبًا..

صديقَكَ؛ لم تَلْقَ الَّذي لا تُعاتِبُهْ!



فعِش واحدًا، أو صِلْ أخاك فإنَّهُ..

مقارفُ ذَنْبٍ مَرَّةً ومُجانِبُهْ



إذا أنتَ لم تشربْ مرارًا علىٰالقذىٰ؛

ظمِئتَ، وأيُّ الناسِ تصفو مشارِبُهْ"؟!

ومما أعجبني في هذا قول ابن الأثير في المثل السائر عن الصديق حيث يقول :" ليس الصديق مَن عدّ سقطات قرينه، وجازاه بِغَثّهِوثمينه، بل الصديقُ مَن ماشى صديقَهُ على عَرَجِه، واستقامَ له على عِوَجِه، فذلك الذي إن رأى سيئةً وَطِئها بالقدم، وإن رأى حسنةً رفعها على عَلَم"

*قصيدة أصدقاء من ورق للشاعر عبد الله محمد الأمير


وهي قصيدة تدعونا للصبر على الجرح والخذلان إذا بدا من الصديق حيث يقول الشاعر عبد الله محمد الأمير

ما بَـالُ صَـبْرٍ إِذا سـايَرتُـهُ يَـئِـسا

دُنياهُ عَنْ غايَتي قَد جَنَّدَتَ حَرَساً



القَلـبُ مِمَّـا أُعانـي باكِـياً أَسَـفـاً

والحُزنُ بَينَ الحَنايا مِخْلَباً غَرَسا



يا عَينُ جُودي بِمَا تُخْفينَ في مُقَلٍ

فَزَورَقُ الهَمِّ ما بَينَ الضُّلوعِ رَسَا



فَمَـنْ قَـلاهُ مَـنـامٌ واسْـتَـبَـدَّ بِــهِ

لَيلٌ وَفي لُجَّةِ الأَحزانِ قَد حُبِسا



لا تَمْنَعيهِ عَنِ التَّخفيفِ وانْهَمِري

ما ذَنْبُهُ إِنْ بَكَىٰ مِنْ حَرِّ ما لِمَسا؟



لا تَحبِسي دَمعَةً قَلبي يَبوحُ بِها

وَلَمْ يَخَفْ لائِماً أَو يَتَّقِ العَـسَسا



فَلَو تَبَدَّلْتُ صَخْراً عَنْهُ مِنْ وَجَعٍ

لَفاضَ للنَّاسِ بِالمَكْنونِ وانْبَجَسا



جُـرحٌ عَميـقٌ وَحَـظٌّ مِنْ رَداءَتِهِ

قَبْلَ التَّباشيرِ يَأْتي مُمْطِراً نَحَسا



مـا كانَ يَأْسٌ ولٰكِنْ شَفَّني نَـدَمٌ

فَطَعنَتي قَبْلَها ما كُنْتُ مُحتَرِسا



وَكُلَّ شَكْوَى مِنَ الخُذلانِ تَمنَعُها

كَـرامَـةٌ..إنَّما أَصبَـحـتُ مُبْتَـئِـسا



لَكَمْ سُرورٍ عَلَى ثَغْرِ الصَّباحِ بَدا

ألقاهُ بَعدَ انْبِلاجٍ فَرحَتي اخْتَلَسا



مَا زِلتُ مُندَهِشاً..فِكْرييَسْائِلُني

هَلْ يَخْلَعُ العَهدَ مَنْ أَثوابَهُ لَبِسا؟



فَكَمْ حُصونٍ لَها الإِخلاصُ أَعمِدَةٌ

شَيَّدتُ مُتَّخِـذَاً في مَبْدَئي أُسُسا



إِنَّ الصَّديقَ بِوَقْتِ الضِّيقِ مُتَّكَـأٌ

وَإِنَّهُ الذُّخْرَ مَهْما الحَظُّ لي عَبَسا



لَكِنْ تَجَلَّتْ خَفايا الوَقتِ فانْكَشَفَتْ

حَقائِقٌ حينَما ضِـدِّي الزَّمانُ قَسَا



تِلْكَ المَباني تَهاوَتْ كُلُّـها فَغَـدَتْ

أَطلالَ حُلمٍ يُمَنِّيْ مُفْلِساً بِعَـسَىٰ



فَمَنْ ظَنَنْتُ بِأَنَّ الصِّدقَ مَعدِنُهُمْ

هُمْ بِالجُحودِ سَقَوني عَلقَماً وأَسَىٰ



إِنِّـى نَثَرتُ بُـذوراً فـي بَلاقِعِـهِـمْ

فَلا غَرابَـةَ.. مـاتَ الزَّرعُ أَو يَبِسا



هَذا زَمانٌ بِهِ الأَصحابُ مِنْ وَرَقٍ

يا مَنْ نَفَخْتَ رَماداً لَنْ تَرَى قَبَسا

ويقول الشاعر أبو مراد في قصيدة كتبها استلهامًا من قصيدة لابن جذلان عن الخذلان عنونها "مصيبة"فكتبها الشاعر من وحيها

كَم تَهاوى يا صَديقــــــي أَمَلُكْ!!

بَعدَ خُـــذلانِ الـــذي قَـــد أَمَّـلَكْ

حينما تَسقُــطُ مِن عَيــــنِ امرٍئ

هو في عَينَيــــــكَ لازالَ مَــــلَكْ

هو في قَلبِــــكَ حَيٌّ نابِــــــــضٌ

بَينمــــا أَنــــتَ لَهُ مَيْــــتٌ هَـلَـكْ

عَــلَّ لـي في النّصحِ خَيـرًا وَكَذا

إِن قَبِلتَ النُّصحَ أيــضًا عَــلَّ لَكْ

مَن جَفا يُجْـــفى بِميثـاقِ الهوى

لَكَ أَن تُهمِلَ مَن قـد أَهمَـــــــلَكْ

ليس مِن جوعٍ ولا مِـن عَـطَـشٍ

أَن تَـــوَفِّي عَهـــدَ خِـــلٍّ خَذَلَـكْ

اقــلِــبِ الكَـــفَّ لِكَـــفٍّ نَـكَفَــتْ

وَهَــبِ القُــبلَـــــةَ رأسًا قَبَّــــلَكْ

فِــإذا قابَلــــــتَ أَشــلاءَ الهـوى

فَلتُسَـــلِّم، شاكــرًا مَـن سَلَّمَــكْ

أبو مراد

وتقول الأستاذة فاطمة الناهض :

يا صديقي

جبال الليل شاهقة

وسراج قلبي واهن هذا المساء..

والفراغ نصال.



لا يحزنك صمتي..

ففي القلب متسع

لمدية، أو قبر صديق..

وعدوٌّ يمد يده بالسلام.



ما زال في الليل ضوء لكائن خفيف..

وفي الكأس زبد

وحلم بلغ الحلم.

و"أكاذيب"..

لحياة ثانية.



لا تخف عليّ

الحزن ضيف ..

أتجهز له بحب..

الأصدقاء هم الذين يفاجئوني.



روحي طائر أخضر وحيد..

يجوب غابة الوقت..

مثل طائر أخضر وحيد

يجوب غابة الوقت!



أكثيرٌ أن أكون أنا..؟

أحفظ كتاب الأحلام عن ظهر قلب

ودون أن اقرأ منه صفحة واحدة؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى