قراءة أنطباعية في المجموعة (أمونة مازال حبك يسكن قلبي)للبرفسور حكمت شبر

حكمت شبر : أسطورة حب ووفـــــــــــــــاء



قراءة أنطباعية في مجموعة (أمونة مازال حبك يسكن قلبي)



للأديب البرفسور حكمت شبر

بقلم الأديب حميد الحريزي



حكمت العاشق المتيم ، والوفي المفجوع

صدرت عن دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع(امونة مازال حبك سكت قلبي) المجموعة الشعرية الثانية بعد مجموعة ( أمونة قلادة حبي) وقد هيمنت ذكرى السيدة آمنة الرفيعي حبيبة وزوجة الأستاذ حكمت شبر التي أختطفها الموت من بين يديه وهما يمران بأحرج سنوات العمر ، حيث يعيشان ثنائي متحاب متفاهم متنغانم بعد أن تفرق شمل العائلة ، الاخوان ، والاولاد والأحفاد في مشارق الأرض ومغاربها ـ فكانت أمونة كما يرغب أن يدلعها حكت شبر هل كل شيء بالنسية له ... هي الحبيبة المنتقاة من بين العشرات لا بل المئات من الفتيات اللواتي تعرفهن خلال حياته التي أمتدت شرقا وغربا ً، وهو الشاب اليساري الهوى ، الشاب المتجاوز الجريء ، المتمرد على كل تقاليد وثوابت العائلة والمجتمع ، المنحاز قلبا وروحا وفكرا لكل ما هو جميل ، ينتصر للحرية والعدل والسلام بين البشر ،الشاب الطموح الذي تمرد على ارادة الأب وقهر وديكتاتورية الأخ الأكبر ، عاش تجارب الحب ومعاشرة الجنس الاخر منذ نعومة أظفاره ، كما عاش ظروف وتجربة الكفاح الطبقي والوطني المنتصر للأنسان المقهور ضد كل قوى الاستغلال الوطني والطبقي ، على الرغم من كونه يعيش ضمن عائلة محافظة تهيمن عليها الأعراف والتقاليد العشائرية والدينية ...

عاش حكمت شبر حياته كما يريد وبالدعم الكامل من والدته على وجه الخصوص ، حينما درس في كلية الحقوق في بغداد ، وبعد أن أكمل دراسته ، ولم يحرم نفسه من التمتع بمسرات الحية من اللهو والاصدقاء والسفرات والشرب والسهرات ، والتمتع بجمال نهر دجلة ومعزوفة موجاته الساحرة ولياليه المقمرة ، كما لم يحرم نفسه من ملذات الحب والعشق البغدادي وليالي الف ليلة وليلة ، حيث كان جذابا أنيقا وسيما جريئا منفتحا ، فأسر قلوب العذارى وغير العذارى ، كما تحدى ظغيان السلطات والانحياز لقضيا وهموم الشعب والوطن وتعرض للمضايقة والمطاردة نتيجة أشتراكه في العديد من الفعاليات الطلابية المهنية والسياسية من مظاهرات أو توزيع منشورات حالما كغيره من الشباب الحر بمستقبل حر ومشرق للشعب والوطن ...

بعد اكماله الدراسة الجامعية ، أسرت قلبه صبية غيداء من أهالي بغداد ، فبنت لها عشا متماسك العتبات بين جوانحه حمله معه الى موسكو روسيا أرضالأحلام والعلم والشقروات الفاتنات ، الفاتنات اللواتي لم يستطعن من سحب قشة واحدة من عش الصبية البغدادية الفاتنة ( آمنة الرفيعي) الطالبة الجامعية آنذاك ... طيلة أربع سنوات دراسية قضاها في روسيا لنيل شهادة الدكتوراه في القانون وكان له ذلك ... عاد بعدها الى بغداده وعراقه الحبيب ليعين استاذا في كليلة الحقوق جامعة بغداد ... وهو القائل :-

((عشقتها منذ الهمسة الأولى وهي في عمر صبيه

سكنت روحي طويلا ولم تيق خليــــــــــــــــــــــــه

ما صدقوا أني سأبقىعاشقاً لـــــــــــــــــــــــــــــــها

أن تبقى بأعماقي تصبح ألحاناً ثريـــــــــــــــــة

لم تغوني شقرنساء بغربة وهي لم تبق لأمثالي بقيه

أنا لم أنس فأيمان بقلبي بقيت وردة حييّــــــــــــه

هي حبي هي أحلامي وما أملك في الدنيا بقيه )) مجموعة أمونة مازال حبك يسكن قلبي.

نمت براعم الحب في ععش أمونه ، فكان متلهفا لسماع اخبارها هل مازالت لم تتزوج ولم ترتبط ، حيث تمكن من زيارة عائلتها لانها معرفة قديمة ، وبدأن النظرات والايماءات ولغة العيون تسقي براعم الحب لتنمو وتزدهر ، لتنتج ثمرة الارتبط كزوجين حبيبين ، يلفهما الحب والعشق والانسجام ، والمضي في مواصلة الحياة بكل مصاعبها ومصائبها ومكائدها ، عاش هذا الحب قويا متماسكا استمر لأكثر من خمسين عاما ، وعلى الرغم من شيخوتهما وتفرق الابناء والاخوان والاحفاد كانا يعيشان كطيري حب يمرحان ويزرعان البسمة والتفاؤل في حايتيهما وحياة المقربين منهما ، عاشا عيشة صفاء وهناء لولا أن يداهمها سالب الحياة وهادم المسرات ليخنطف (أمونة) من بين ذراعي حكمت العاشق الولهان المدلل الحبيب القريب أنه الموت ،وكما قال ابيقور متحديا الموت قائلا:

((أن الموت غير مؤلم وأنك لا تشعر بشيء عندما تموت ، عندما يحضر الموت فأنت غير موجود ، فالموت غير معاش، بل هو خاتمة كل التجارب المعاشة ، أن الأنسان لم يواجه الموت في كل حياته ، ستفقد كل أحساس كل شعور كل وعي سينتهي حتى أنا الواعية ستتلاشى .

أيها الأنسان لاتخف من العدم لأنك كنت سابقا في العدم ، كنت عدما لمليارات السنين ، لاتملك خبرة واحدة للعدم ، فكر في كل الزمن الذي مررت به قبل أن تولد....)).

فلم يخشى حكمت الموت ولكنه أرعبه وقض مضجعه وهد كيانه حينما أختطف حبيبة القلب والروح أيقونة الحب والعشق والجمال ، شريكة العمر لا بل هي روح وطعم ومعن العمر المعاش طيلة عشرات السنوات الماضية ، ماكان حكمت ليأبه للموت لو كان أختطف روحه ورأسه في أحضان حبيبته أمونه ، ولكنه أحس بالم يحرق أحشائه ويمزق روحه حينما حملوها أمام عينيه الى مثواها الأخير حيث لا لقاء بعد اليوم حيث يقول :-

(( غيبوك عني فغاب حبي العميق

نقلوك أمام عيوني وأنا ذاهل لا أفيق

أمونتي رحيلك جعلني أعيش عالم المغيب

فقد رحل الشروق ومتعة الأيام وبتً بلا حبيب )) المجموعة ص112.

لم تجف دمعة حكمت طوال هذ الفقد والغياب الرهيب الذي لم يخطر على باله يوما ، لايريد أن يصدق أن الموت يسلب منه سر تمسكه بالحياة أمونته حبيبته ، ويتركه وحيدا غريبا في عالم موحش غريب يكاد يفقدمعالمه الاماكان له صلة بأمونته وحياتهما معا حيث يقول :-

(( فنا بدونك غارق في وحشة قاهرة شبه الركود

صبحي وليلي غربة وكأني لست أنا بل وهم إنسان بعيد)) م. ص58.



حكمت وآمنة أسطورة حب من نوع فريد:-

يحدثنا التاريخ القديم والحديث حول قصص مدهشة للحب والعشق ـ الذي تميز بالوفاء والأخلاص حتى الرمق الأخير ، الحب هذه العلاقة الأنسانية التي لايعرف معناها ولايتوصل الى سر قوتها وجبروتها الا من يعيشها ويكتوي بنيرانها ، طبعا يجري الحديث حول علاقات الحب التي تواجه بالرفض من قبل الأهل أو الدين أو الشخص المحبوب ربما من طرف واحد ، حيث علاقات الحب السهل والذي لم يواجه عقبات نتمثله نموذجا أنسانيا رائعا يتمنى كل حبيبين أن يعيشانه ، ومن أمثلة الحب المدهش قصة الرجل الهندي الذي أمضى 22 عاما من حياته يكسر ويفتت الصخور ليفتح طريقاً سالكا بين قريته وبين أقرب مدينة له فيها مستشفى يمكن أن يراجعها المريض من القرية ليفوز بالحياة ، كل هذا على أثر فقدان الهندي لزوجته التي توفيت قبل أن تتمكن من الوصول الى المستشفى وتضمن حياتها ، فوفاءا لها ولكي لايتكرر الحادث مع أي شخص ليفقد حياته بسبب وعورة الطريق ...
فلو اًعلم حكمت أن هناك مستشفى تضمن حياة حبيبته أمونة فسيسعى لاقتلاع الجبال ويفني عمره حتى تيش محبوبته ولكن هكذا كان القدر وأسقط ما في يد حكمت المحب ...
وهناك اسطورة حب (إيزيس واوزوريس) ، وقصة حب أنطونيو وكليوباترا ، فقبل أن يساق انطونيو مع كليو باترا الى روما كأسيرين . وصلت أشاعة الى أنطونيو أن كليوباترا ماتت فأنهى حياته بطعنة من سيفه ، ولما علمت كليوباترا بالامر تجرعت السم لتلتحق به رافضة الحياة وحيدة من بعده ...
وقصة روميو وجوليت ورفضهما فراق أحدهما الآخر ، وقصة حب قيس بن الملوح وليلى العامرية وهو القائل فيها :-
( أست وعدتني ياقلب أني .... اذا ما تبت عن ليلى تتوب
فها أنا تئب عن حب ليلى .... فما للك كلما ذًكرت تذوب ))
ولكن حكمت لم يتب لا هو ولا قلبه عن حب أمونة لا في حياتها ولا بعد مماتها ، وهما يذوبان كل لحظة في ذكرى أمونة ووحشة الحياة من دونها .
وقصة حب جميل بم معمر العذري وبثينة بنت حيان الذي مات كمدا وحزنا لفراق بثينة وهو القائل :-
(( لقد ذرفت عيني وطال سفوحها ... فأصبح من نفسي سقيما صحيحها
ألا ليتنا نحيا جميعا إذ تمت ... يجاور في الموتى ضريحي ضريحها )).
فحكمت لم يزل يسفح الدمع وينفث الحسرات وآهات الحسرة والالم لفقدان حبيبته أمونة وكم خشيتي عليه عظيمة أن تحرق هذه الآهات والحسرات فؤاده ليغادر هذا العالم ملتحقا بحبيبة القلب ، أن جل ما يصبره على المصاب أولاده وأحفاده وأخوانه وحبه لهم ، وأن بدت الحياة بعدها صحراء قفراء مقفرة ، فلاتفك حزنه جمال الزهور ولا تغريدات الطيور ، لايفارقه خيالها ولاينسى ضحتها وغنجها وتذوق لمى شفاهها وعطر شعرها ، وصوتها قيثارة الحياة والحب طيلة 50 عاما من الحب والعشق والعيش المشترك ...
فأن تعذب العشاق من مختلف اقوميات بسبب الهجر والغدر والموانع الاجتماعية المختلفة مما ادى بهم الى الهلاك والموت كمدا وقهرا ، فحكمت فرشت له امونة الحياة وردا وحبا ، ورحب به أهلها وذويها وبارك له فيها كل محبيه واصدقائه ، عاش طيلة 50 عاما في فردوس المحبة الخالصة والعواطف الجياشة وعلى حين غرة ضاعت أمونة فوجد نفسه وسط صحراء جدباء موحشة ...
فثار حكمت ورفع الكارت الأحمر على الموت اللعين الذي انفرد بحبيبته وهدم فردوسه وخسف بجنته وقلب عاليها سافلها وهو الذي كان يتمنى أن يرحل قبلها وهي من تغمض عينيه قبل الرحيل النهائي فهو القائل :-
(( كنت أمل أن تكوني جنبي حين تأتي المنية
أنها أمنية غابت وقد كانت فتيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
وتركت وحدي لألاقي الأبديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة)) أمونة من يغلق عيوني بعدكص 119.
نعم فقد رحلت أمونة ولم يبق سوى شبح الذكريات في كل مكان عاشوا فيه أو سافروا اليه في بغداد في دهوك وفي وفي وفي لإاين المفر من هذه الذكريات ...
هذه المجموعة والمجموعة التي قبلها تعبر عن عظيم حون حكمت وعظيم ألمه ومعانته ربما لم يسبقه عاشق أو أديب أن كتب هذا الكم الهائل من قصائد شعر الحنين والشوق لحبيبته ، هذا الكم الهائل من ذكريات لاتنسى ... فهو لم يقتنع بعد أن الموت قادر على سلبه حبيبته مهما بلغ جبروته وقسوته ...
واذا كان شاه جيهان قد شيد لحبيبته زوجته ضريحاً فخماً غاية في السحر والجمال بعد موتها بسب ولادتها ابنها الرابع عشر سمي بضريح(تاج محل )، فأنَّ شاعرنا حكمت شبر المفجوع بموت حبيبته شيد لها ضريحا في قلبه ، وشيد لها اهرامات من القصائد الشعرية التي تتغنى بها ، وتجدد ذكراها على مدى السنين ، فلم اطلع على شاعر كتب مجموعتين شعريتين ضخمتين تغزلا ووفاء لحبيبته في حياتها أو بعد موتها ، فلتكن قصة حب ووفاء حكمت شبر ضمن قصص العشق الانسانية الخالدة .
المجموعة تضمنت العديد من قصائد الوفاء والحب في رثاء العديد من الأصدقاء والاحباء(عادل شبر، لميعة عباس عمارة ، صاحب الحكيم ، علاء النواب،كريم العراقي ، جليل شعبان ، فاطمة سعيد ، جلال زنكبادي)) فحكمت كتلة من وفاء لكل محبيه واصدقائه فهو هكذا دوما ، لاينسى الزملاء ولا الاصدقاء ولا حتى الاماكن الحبيبة الى نفسه كبغداد ودهوك وغيرها من المدن العراقية ...
كذلك حفلت المجموعة بكم هائل من المشاعر الجياشة والذكريات العطرة مع أبنائه واحفاده ، ضحكاتهم برائتهم كركراتهم لعبهم ...
وتضمنت المجموعة قصائد تتأسى للوطن الجريح المبتلى ببقايا الأحتلال وزمرة الفاسدين والمفسدين الذين سرقوا ثرواته ودمروا مؤسساته وافقدوه سيادته ....










تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى