جواد العقاد - ماذا لو كنتِ معي في الحرب...

(1)
أصابعُكِ تغوصُ في كفِّي
وتتمايل كالغزلانِ في غابةِ المخيلة
أَحلمُ بها ملجأَ دفءٍ
أو نهرَ سلامٍ لا يتّبعُ خجلَ الوردِ إلى حدائق صدركِ
يصيرُ في يباسِ اليتمِ أمومةً
وشموعاً تذوبُ في جسمكِ صلاةً أو خلاصاً.
أجيءُ إلى ذراعيكِ مسكوناً بالارتجافِ
الحربُ أمامي
ورائي
الحربُ فيَّ وفي جهاتي
فلا شارعَ يؤدي لشارعٍ
ولا دعاءَ يصعدُ...
أطلُّ على الدمارِ من ذاتي وأعود
أو لا أعود
أمشي إلى بيتي
والطريقُ طويل، الطريقُ ركامٌ
أدخلُ البيتَ باحثاً عن حروبي الصغيرة
أمسحُ غبارَ ذاكرتي عن مكتبي
وشرفتي التي حفظتْ أحلامي
وفي وقتِ الانفجارِ راحتْ تحضنُ القمر،
ولا تدري أن القمرَ انتحرَ في عينيّ فتاةٍ أخذتها الحربُ في رحلةِ الخلودِ صبيحة عرسها.
منذ تلك اللحظة كرهتُ الفعلَ (كان) وأَقْنِعَتَه وإخوته..
الذي يحوّلُ البيوتَ قبوراً
والأجسادَ هباءً
والموتَ العاديَّ فجيعةً
وقلوباً صغيرةً تُشعِلُ الأعراسَ في دمِ الفتياتِ النائماتِ على قنابل أحلامهنّ.
(2)
وفي إيابي
عدتُ أحملُ خرائطَ الدَّمِ الموزعِ بالتساوي على بيوتِ الحي
أخذتُ حصتي،
أشعلتُ سيجارةً تُؤنسُ وحشةَ الارتباكِ في شرياني
ومضيتُ أحصي خطايَ خطوةً خطوةً
موتاً موتاً..
ماذا لو كنتِ معي؟ هل سأحصي الموتَ خطوتين خطوتين؟
أم أَشدُّكِ وتراً إلى روحي
وأهربُ من الخبرِ العاجل!
(3)
يا حبيبتي،
أشتاقُ لكلِّ ما حدث قبل الحربِ وما كان حلماً:
النسيمُ في الحديقةِ يشتاقُ أنفاسَكِ
السماءُ تنحني لتأخذَ غيمَها من حريرِ خصركِ
ويحترقُ الرملُ جنوناً عند أصابعِ قدميكِ
أو يحلمُ ملامسةَ ثوبكِ الطويلِ حتى ينابيع رغبتي..
يشتاقُ درجُ الكنيسةِ عبورنا حالمين إلى سماء سكينةٍ وسلام..
وأنا أشتاقُ...
لكلِّ ما فيكِ وكلِّ ما فيَّ.. أشتاق،
إلى لقاء بعد مطر
أقشِّر لكِ برتقالة،
أُطعمُ خجلكِ قلبي
وكلُّ العصافير تُولدُ على تقاطع أصابعنا لحظةَ موتي وأُلُوهَتِكِ..
يا حبيبتي،
أشتاقُ لكِ يا مطري الأول
وذاكرتي البيضاء
ويا حروبي الصغيرة
يا كلَّ بساتين العمرِ
يا سلامي ودفايَ أشتاق لكِ.


جواد العقاد/ غزة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى