أمل محمد منشاوي - عدوى...

انتبه فجأة من غفوة لا يدري كيف طالت حتى امتدت لساعات من النوم العميق، يتفصّد جبينه عرقا رغم برودة الجو، تغرق الغرفة في ظلام لا يكسره إلا بصيص ضوء قادم من الشرفة نصف المغلقة، يومض هاتفه بضوء يبرق ويختفي بانتظام ينبي عن قدوم اتصال، "الهاتف على الوضع الصامت" فكر باستياء، فهم لماذا لم يستيقظ رغم ضبطه إياه على موعد كان حريصا ألا يفوته، لم يجب المتصل لكنه تفقد الهاتف بروتينه المعتاد، خمس مكالمات فائتة من الشخص ذاته، رسالة على الواتس آب والمسينجر من نفس الشخص"أريد التحدث معك" رغم ذلك لم يشعر بالقلق، يعرف ماذا يريد، وضع الهاتف بهدوء واتجه إلى الحمام ليغتسل، عندما خرج لم يشعل مصباح الغرفة ولكنه فتح الشرفة عن آخرها مكتفيا بالضوء القادم من الخارج، أمسك هاتفه بيده اليمنى بينما اخذ يجفف رأسه بالمنشفة باليد الأخرى، أعاد الاتصال بصديقه واتكأ على السرير، جاءه الصوت خافتا حزينا، يعلم ما يمر به في الآونة الأخيرة من ألم الفقد، سأله برفق عن حاله، كان كأنما يستمع لأنين أوجاعه مسرودة بلسان صديقه البائس، غصة أحكمت قبضتها على حلقه جعلت الكلمات تخرج من فمه بعناء، أتاه سؤال صديقه الحائر كي ينفذ إلى جرح غائر في قلبه حاول كثيرا تجاهله حتى يلتئم لكنه الآن ينفتح وينزف كما لم ينزف من قبل،
_لماذا حدث كل ما حدث؟ ماذا جنيت كي تهجرني؟
نفض عن رأسه فكرة أنه الأحوج للمواساة الآن، قال كلاما كثيرا يربت به على قلب صديقه بينما يغور جرحه أكثر وأكثر، شبح ابتسامة حزينة ارتسم على ثغره وهو يشعر بدفء الأمل الذي حل على صوت المكلوم بعد اليأس والإحباط، كان مندمجا في النصح فلم يشعر بنفسه وهو يخرج إلى الشرفة التي لا يدخلها أبدا لرهبته النظر من الادوار العليا، ظل متكأ بذراعيه العاريتين على حافة السور بعدما أنهى اتصاله ناظرا نحو الأسفل، يتردد صدى ما قيل منذ برهة في صدره فيزيده وجدا، أزعجته فكرة أن يُقدِم أحد على الانتحار ليأس أصابه، رغم رضاه عن نجاحه في إزالة هذه الفكرة عن رأس صاحبه إلا أنه لم يشعر بالسعادة، لا يدري لماذا لا يزعجه الآن النظر إلى الأسفل من هذا الارتفاع، السيارات تشبه علب الكبريت والبشر كالبقع السمراء يتحركون في كل اتجاه
"الانتحار ليس حلا" حدّث نفسه وهو يلفت نظره عنوة عن الكرسي الذي لا يعرف متى جذبه ووضع قدمه فوقه.
#أمل المنشاوي
٨ديسمبر٢٠٢٢

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى