ليزبيتكو شوموف - الطاهر بن جلون وموسم الحكايات.. على سبيل النقاهة - ترجمة: جودت جالي

بعد موضوع خطير كالعملية الجراحية لإزالة السرطان يقوم الطاهر بن جلون بتناول موضوع على سبيل النقاهة، والتسلية، والتغيير، له ولقرائه، وقد اختار عشر حكايات وأعاد كتابتها باسلوبه بتحويلها الى عالم من العوالم العربية الإسلامية. هذه مقابلة معه:
المحرر:
في أواخر العام الماضي نشرت (الازالة) وهي قصة بدون رتوش عن رجلين في مواجهة سرطان البروستات، واليوم نجدك مع (حكايات بيرو خاصتي). هل لهذا تفسير؟
بن جلون:
كنت محتاجا لأكون أقل جدية فلقد كان (الازالة) كتابا صعبا ولكنه كان ضروريا، وأنا مسرور لمعرفة أن أطباء ينصحون مرضاهم ومعارفهم بقراءته. بمعزل عن هذا فهمت أيضا أني لن أغير الناس ولا العالم، ومن الأفضل كتابة حكايات هي من قبيل التسلية فلديك الموضوع ويكفي القليل من المخيلة، وبدون ندم أو لوم من أحد.
المحرر:
مثل تحويل هذه الحكايات الى سياق عربي-مسلم..
بن جلون:
هذه البلاد تمر بأحداث مأساوية، وأردت ذكر هذا العالم بشكل مختلف، باعطائي للأشياء فكرة أخرى ربما. أظن أنه كتابي الأكثر سيرية. أحب سرد الحكايات وأخذ القارئ معي. لقد وضعت في هذا الكتاب القيم التي أراها هي الأعز: الكرامة الإنسانية، والعدالة، ورفض الشعوذة.
المحرر:
تبدأ هذا الكتاب بتحية الى شارل بيرو (ولد في باريس 12 كانون الاول 1628 وتوفي في 16 آيار 1703 كان الكاتب والشاعر الفرنسي الذي وضع الحجر الأساس لنوع حديث في الكتابة الأدبية وسماه بـ حكاية خرافية- المترجم عن ويكيبيديا) ولكن هذا التمهيد يتضمن ذكرا لامرأة اسمها (فاضلة) هي عمة لك.
بن جلون:
في الحقيقة هي لم تكن عمتي... إنها حكاية بحد ذاتها. ذات يوم دفعت امرأة عجوز باب دارنا في (فاس) حيث يعرف الناس بعضهم بعضا. ما زلت أتذكرها كما لو كان الأمر بالأمس. كانت تمشي بصعوبة. نظرت اليها أمي وقالت المرأة العجوز: "أنا عمة زوجك الكبرى". جاء أبي الى البيت لتناول الغداء وأقنعته بأنها عمته. استقرت عندنا ولكنها احتفظت بمنزلها بكبرياء. بين الحين والآخر كانت تذهب الى غرفتها السوداء الصغيرة الشبيهة بالمغارة في المدينة القديمة. كنت أذهب للبحث عنها. الحقيقة أنها كانت متسولة، وتتسول حين لا تكون عندنا. كانت تقص في المساء حكايات كثيرة. ليس لي ولأخي فقط بل لوالديّ، لكل الناس. تقص وتقص وتقص. وذات يوم اختفت. لم نعرف ما حدث لها أبدا.
المحرر:
هي التي حببت اليك قصص ألف ليلة وليلة؟
بن جلون:
كل ما أعرفه من (ألف ليلة وليلة) عرفته بفضلها. لقد كانت تعرف هذا العمل تماما دون أن تكون قد قرأته، وكانت رؤيتها وهي تقص ممتعة، إذ تغمض عينيها وينتابك شعور بأنها تقرأ من أعماق روحها.
المحرر:
هل جعلتك موهبة فاضلة تميل الى أن تصبح كاتبا؟
بن جلون:
التي لعبت دورا بحق هي الأشهر التسعة عشر التي قضيتها في السجن العسكري في المغرب بعد مشاركتي في مظاهرات الطلبة ضد الملك الحسن الثاني في الرباط سنة 1965. كنا قرابة 100 طالب مسجونين ولم نكن نعلم هل سنخرج أم لا، ولم يكن مسموحا لنا بالحصول على كتب أو بالكتابة. لكني احتفظت بأثر لما عشناه عن طريق كتابة القصائد سرا بتوظيف الكثير من المجازات والاستعارات تحسبا لوقوعها بين أيدي السجانين. ما أن أفرج عني حتى أعطيت هذه النصوص لصديق وجد طريقة لطبعها. لم أفكر أن أكون كاتبا ولكن الآخرين كانوا يسألونني: "إذن... ما الذي أعددته؟" وهكذا كنت أعد أشياء دون أن أعتبر نفسي كاتبا.
المحرر:
بعد زمن طويل درَّست (ألف ليلة وليلة) في جامعة نيويورك.
بن جلون:
اكتشفت بهذه المناسبة أن الأميركيين كانوا يسمون ألف ليلة وليلة (الليالي العربية) وهذا خطأ إذ أن الليالي كتبها مؤلفون مجهولون فرس وهنود وعرب خلال عدة قرون. بغوصي في النص لأغراض تدريسية أدركت أشياء كثيرة. عدا عن كون الكتاب كاره للنساء وعنصري وشعري بشكل رائع فانه يشتمل على كثير من الشهوانيات، ويمكنني القول أنه الكتاب الذي رأيت فيه أكثر أشكال الممارسات الجنسية.
المحرر:
عندما اصطحبك أبوك لتسجيلك في المدرسة الفرنسية قال لك: "ها قد انتهت قصص فاضلة وبدأت الأشياء الجدية". لقد كان مخطئا إذ أنك أصبحت كاتبا.. أليس كذلك؟
بن جلون:
إن أبي كمعظم المغاربة ينظر الى الحكواتية في الأماكن العامة باحتقار، حيث يستقر هؤلاء دائما الى جانب محطات الطرق التي يجلس فيها الفلاحون الآتون الى المدينة لبيع منتجاتهم وينتظرون الحافلة. يقوم الحكواتية بتسليتهم وكنت أنا أذهب للاستماع اليهم يقصون قصصا من ألف ليلة وليلة حتى وإن كانوا يجهلون أنها من ألف ليلة وليلة. هؤلاء الحكواتية ممثلون عجيبون، يبالغون في الكلمات حيث تصبح ألف مكان (عشرة آلاف مكان) مثلا وهكذا.
المحرر:
وفي الثانوية الفرنسية اكتشفت حكايات بيرو؟
بن جلون:
أجل. مع الآنسة بوجارينيه التي مازلت أذكر اسمها. كانت لطيفة وتقرأ لنا حكاية (الجميلة النائمة في الغابة) وليس (الحسناء والوحش) أو ما يماثلها. لقد كان نجاح حكاية (جلد الحمار) يدهشني دائما. استمتعت بجعل أحداث هذه الحكاية في أجواء بلد إسلامي وقد وظفتها للسخرية من المتعصبين والمنافقين الذين يستغلون الدين لمتعهم الخاصة. حولت عنوان حكاية (العباءة الصغيرة الحمراء ذات الكبوس) الى (الفتاة الصغيرة ذات البرقع الأحمر). في هذه الحكاية حل محل الذئب رجل طالبان.


* عن مجلة لو تون السويسرية

** نقلا عن جريدة الصباح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى