زكريا تامر

المقدّمة: يتجلّى القبيح – في قصص زكريّا تامر – في مجالات متعدّدة، وهي على تعدّدها تغني تجربته الإبداعية، التي تحرص على تقديم ما هو إشكالي ومفارق، في مستويي الشّكل والمضمون. وإذ يتوضّح القبيح الإشكالي مع الأنموذج السّلطوي أكثر من غيره، فإنّ البحث يسعى إلى الكشف عن براعة القاصّ في...
تمرّن شكري المبيض مع زملائه في السجن تمارين رياضية لا تخلو من العنف، غايتها الحفاظ على سلامة صحته، فأدت إلى إصابة جسمه بالكثير من الرضوض والكدمات والجروح. ومارس شكري المبيض هوايته في شي الكستناء، الفاكهة المفضلة لديه، فأحرقت النار أصابع يديه وقدميه وظهره وصدره وبطنه. وحاول شكري المبيض حلاقة ذقنه...
حُكم على خليل حاوي بالإعدام، فحدّق إلى السماء متعجّبًا من لونها الأزرق الذي لم يتحوّل لونًا أسود. وشُنق ثلاث مرات، فكان الحبل في كلّ مرة يتمزّق على الرغم من أنّ جسمه هزيل وعنقه نحيل. ووقف مشدود القامة مغمورًا بضياء الشمس، بينما كان سبعة رجال يسددون فوهات بنادقهم نحوه، ويطلقون النار عليه، فلا...
يجيء الليل كفنًا أسود، فيبتعد أبو حسن بخطى هارب عن حارته الخرساء، وأزقتها الملتوية المظلمة، وناسها العجاف، وبيوتها الرثة المتلاصقة، ومقهاها الذي يشبه تابوتًا مهترئ الخشب. وحين يبلغ الشوارع العريضة، تبهره ضوضاؤها وسياراتها المسرعة وناسها المتأنقون وأنوارها الساطعة المتعددة الألوان، فيمشي بخطى...
التقى زهير صبري امرأة تشبه زهرة حمراء على غصن أخضر، فخبّرته بصوت مرتعش أنها تحبّه ولن تستطيع أن تحبّ غيره. فقال لها إنه لا يهتم إلاّ بمستقبله، فبوغت بصفعة مؤلمة تنهال على رقبته، فتلفت حوله، ولم ير الصافع. وصُفع ثانية عندما قال لأحد الأثرياء إنه أعظم رجل أنجبته البلاد، ولم يرَ الصافع. وصُفع مرة...
في يوم من الأيام، اقتحم رجال الشرطة بيتنا، وبحثوا عنّي وعن زوجتي، ولم يتمكنوا من العثور علينا لأنّي تحوّلت مشجبًا، وتحوّلت زوجتي أريكة يطيب الجلوس عليها. وضحكنا كثيرًا عندما خرجوا من البيت خائبين. وفي يوم من الأيام، كانت السماء زرقاء لا تعبرها أي غيمة، فقصدنا أحد البساتين، فإذا رجال الشرطة...
كان منصور الحاف رجلاً من دمشق يهابه أشرس الرجال، بحرًا بلا موج، رابط الجأش في ساعات العسر وساعات اليسر، غير أن خنجره كان سريع الغضب، يجرح بازدراء ولا يقتل، ولا مهرب لخصومه من برق نصله الهبّار وندامة متأخرة لا تنجي اللحم من التمزق. وكان منصور الحاف يرحب بالسجن كأنّه مصح في مصيف، ويردد يوم يخرج...
كان عزمي الصفاد يجلس في المقبرة الملاصقة لحارته أكثر مما يجلس في بيته، وواجه الساخرين منه بردّ حاسم خلاصته أنّ كل رأس حرّ في اختيار المخدة التي تريحه، متسائلاً: (أيهما أحسن لي: أن أجلس في مقبرة أم أجلس في خمارة أو ملهى أو نادٍ للقمار). وأتاح له جلوسه الدائم في المقبرة اكتساب ثقة الموتى المدفونين...
دخل شرطي بدين إلى المقبرة، ومشى بضع خطى مترددة بين الأضرحة البيض، ثم وقف حائرًا لحظة، صاح بعدها بصوت ممطوط: (عمر الخيام). لم يجب أحد، فأخرج من جيبه منديلاً أبيض وسخًا، وتمخط في طياته ثم كوّره وأعاده إلى جيبه، وصاح بصوت حانق: (عمر الخيام.. عمر الخيام.. أنت مطلوب للمحاكمة). فلم يجب أحد، فغادر...
احترقت الغمامة والموسيقى، والورد ودمى الأطفال، فلم أجد مكانًا أختبئ فيه سوى نهر كثير المياه، وهناك عشت طوال سنوات وحيدًا مستسلمًا لطمأنينة غامضة، حتى جاء في أحد الأيام صياد هرم، فانتشلني بسنارته من قاع النهر، وحدق إلي باستغراب وأسف، وقال: (ظننت أنك سمكة). فقلت له متصنعًا المرح: (لا تخطئ،...
أحرق أبو حيان التوحيدي كل كلماته المكتوبة على الورق، ورمق رمادها بتشف متنهدًا بارتياح. وأحسّ بالجوع، ولم يجد في بيته ما يصلح لأن يأكله، فمسح فمه بظهر يده، وحمد الله. ووقف أمام المرآة، فلم يعجب بما رأى، وتحوّل خروفًا تحوّل هرّا تحوّل ذئبًا تحوّل طائرًا أخضر الريش، وخرج من النافذة المفتوحة، وطار...
أُوثقت يدا طفل في الخامسة من عمره خلف ظهره، وعُصبت عيناه الخضراوان بقطعة قماش قاتم، ووقف قبالته خمسة جنود وقفة استعداد متنكبين بنادقهم متأهبين لتنفيذ الجديد من أوامر ضابطهم المتوقعة. وتعالى صوت ضابطهم آمرًا، فسددوا بحركات سريعة فوهات بنادقهم نحو قلب الطفل، وأمرهم ضابطهم بإطلاق النار، واختلط صوت...
كان سليمان الحلبي يمشي بخطى متئدة مبتهجًا بالهواء الذي يهب فيما حوله، مسقطًا الأوراق الصفر من الأشجار المنتصبة على جانبي الشارع، وكانت يداه قابعتين في جيبي بنطاله كطفلين نائمين. وحين توقف لحظة عن السير ريثما يشعل سيجارة، دنا منه رجلان، وجهاهما متجهمان، وطلبا منه هويته بلهجة صارمة. وارتبك إذ عرف...
ذهب بلال الدندشي إلى مدرسته كعادته في صباح كل يوم، ووصل إليها متأخرًا، ودخلها وهو يرتعد خوفًا من معلمه وتوبيخه الفظّ الساخر. ولكنه وجد التلاميذ نائمين والمعلمين نائمين، فحاول إيقاظهم، فلم يستيقظ أحد. وسئم الجلوس وحده، فتثاءب ونام، ورأى في أثناء نومه أنه نائم في مدرسة تلاميذها نائمون نومًا عميقًا...
جرت في المقهى مباراة صاخبة في لعبة الكونكان بين معروف السماع ورشيد القليل، كثر مشاهدوها وتطايرت في أجوائها التعليقات الحماسية الساخرة المتحدية، وانتهت بهزيمة رشيد، فتباهى معروف بانتصاره، ونصح خصمه بلهجة ممازحة بمواصلة التدرب ليل نهار قبل اللعب مع أساتذة مثله. فاغتاظ رشيد، ومزق أوراق اللعب، وقذف...

هذا الملف

نصوص
45
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى