أحماد بوتالوحت

لا ضَوْء يُرَبِّت على ظُهور الكَنَبات الكَئِيبات وَكانَت العَرَبات المُسَرْنَمَة تَتَعَثَّر بِأَكْياس العَتَمَة فيمَا المِرْآة المَسْلوخَة الجِلد تَخْلِط بيْن الوُجُوه وَالأَرْغِفَة . تَواصَل تَأَفُّف المَقاعِد الحَوْلَاء وَتذَمُّر نَوابِض الأَسِرَّة في الدُّولَاب كَانَت الجَوارِب المُهِتَرِئة...
في ذلك الزمن البعيد ، الموغل في القدم ، إصطحب درويش إبنه معه خارج المدينة . كان الأب يلبس جلباباً عتيقا لكنه نظيف وتفوح من نسيجه رائحة الخزامى، و يرتدي قميصاً تقليديا برزت ياقته البيضاء من عنق الجلباب ، أما الإبن فكان يلبس جلباباً على اللحم يصل حتى منتصفي ساقيه النحيلتين كساقي لقلاق لم ير...
هَا هُو وَهْج المُدَى المُتَهتِّكَة يَزْحَف نَحْو القُرَى النَّائِمة يَنْهَش تَرَاقِي المَعاطِف ويفَكِّك ضُلُوع الْأَقْمِصَة والليل يُجَرْجِر تُرُوسَه لَاعِقاً صَدِيد الحُقُول أجْرَاسُ الدَّم المُخاتِلَة تُحَلِّق عالِياً حول المَخادِع لَا شَيْء داخِل جِرابَات الموتى ، غير اصْطِفَاق عِظام...
كان فيما مضَى قنَّاص فُرَص ، ولم يَخْل مَاضِيه مِن بَنادِق تُجِيد التَّسْديد لَكِنَّه خَسِر معارك كَثِيرة وَأَزْرَاراَ لِأَقْمِصة صَارَت أَشْرِعَة لِسُفُن مُشَعَّثة تَمْخُر كَوابيسَه وَهَا هُوَ الآنَ يَهْرَم لَاصِقاً على كُرسِي مُتَنقِّل يَهُزُّه فُوَاقٌ أحْمَق وفي بَاحَات أُذُنَيْه يَجُرْجِر...
أَيُّهَا الزَّمَنُ الصَّعْبُ ! يَا مَنْ عَمَّدْتَنِي بِالْمَطَرْ . يَا وَاهِبَ الْمُقَلِ السُّودْ وَأَرَائِكَ الْفَرَحْ وَالْأَبْرَاجَ الْعَالِيَةْ ، لِمَ وَهَبْتَنِي صُدَفِ الْإِفْلَاتِ مِنَ الْمَجَازِرْ؟ وَتَرَكْتَنِي فِي أَوَّلِ الْحَرْبِ ، وَكَتَبْتَ : أَكْمِلِ الزَّحْفَ إِلَى آخِرِ طَلْقَةْ...
للتَّرْفِيه عن المَوْتَى الَّذِين شاخوا خِلَال مَوْتِهِم ، وظَلُّوا يُخَاِلطون الأَحْيَاء كَظِلَالِهِم عُهِد إِلَى هَياكِل عَظْمِية ، تَحْفَظ قَعْقَعَات عِظَامِها فِي أَكْيَاس مِنْ خِيشٍ ، بِإِحْيَاء أُمْسِية رَاقِصَة فِي سَاحَة عُمُومِية. السَّنَاجِب الَّتِي تَلَقَّت سَابقاً مِنْ أُمَّهَاتِها...
كَان أَكْثَر ما يُزْعِجُه ، أن تكُون النُّجوم غَيَّرت مواقِعَها كما تُغَيِّر حفَّاظاتِها . لكنَّ الأسْوَأَ كان قد حَصَل ، فَقُرَى النجوم قد إخْتَفت خَلْف أَكَمَات السُّحب . فرغم أن أجْراس المَطَر قد أنْهَت مُدَاوَمَتَها ، والرِّيح لم ُتَعد تَسْرق دَوَالِيب المِقَشَّات الطَّاِئرة فأسْراب الصُّقور...
يَزْحَفُ الْفَجْرُ عَلَى الأَعْلَامِ الْحَمْرَاءْ ، وَعَلَى أَلْيَافِ النَّخِيلْ ، عَلَى الْوَهَجِ الْأَخِيرْ ، لِلْإِطَارَاتِ فِي سَاحَاتِ الثَّوَرَاتْ . صَبَاحُ الْخَيْرِ لِعُمَّالِ النَّظَافَةِ فِي قُبَّعَاتِ الْقِشِّ ، فِي الْأَحذِيَةِ الطَّوِيلَةِ السِّيقَانْ ، يَغْسِلُونَ وَجْهَ...
أَرْبِطُ الْأَزْمِنَةَ بِالْأَزْمِنَةْ ، وَبِمِسَلَّةِ الْخُطَى أَرْفُو الْأَمْكِنَةْ ، مِنْ وَطَنِ الْمَنْفَى إِلَى رَصِيفِ الْمَبْغَى ، أَرْكُضُ وَدَاخِلَ مِعْطَفِي تَهرُّ الرِّيحْ ، وَتَحْتَ جِلْدِي الْكَابِي تُبْحِرُ مَرَاكِبُ الْكَآبَةْ . لَا خُبْزَ لِي ، فِي بِلَادِ الْمَنَافِي وَلَا...
ها أَنْت مُحاصَر بِكُلِّ أعْطَاب الْحَيَاة ! ولا مَكانَ لك إلَّا على هَوامِش هذه المُدُن المَنْذورة لِلْعُزْلَة والسَّأم . فَلَا تَكُن واهِماً وأنت تَكْنِس ذُبَاب المَوْت عَنْ جُرْح احْتِضارِك ، فَالرَّبِيع مُفْلِس في مُنْتَزَهات الْأَوْطان ، والشِّتاء لم يَعُد مُسَاِلماً ، وَمَا مِن أَحَدٍ...
إنَّهُم مَوْتى ، هَؤُلاء الَّذين يَتَساقَطون تِباعاً مِنْ أَغْصان الْعَتَمَة وَعَلَيْك وَحْدَك أن تُدِير دَوَالِيب طَواحِين الَّليل ، عليك أن تقْتَلِع الظِّلال من أرْصِفَتِها وتُقَلِّم أظَافِر الغبار ( يحتاج النَّهْر إلى قَرَابِين آلِهَة وَثَنِية كَي يُطَهِّر جِلْدهُ ) . هَا أنْتَ تَخْصِف...
دَائِماً تَحْدُثُ الْأَشْيَاءُ نَفْسُهَا ، وَالزَّمَنُ يُكَرِّرُ نَفْسَهُ كَمَا فِي رَدْهَاتِ الْجَحِيمْ ، كَمَا يَتَكَرَّرُ الشَّقَاءُ الْبَشَرِي ، كَمَا تَزْحَفُ مَخَالِبُ الْخَرِيفْ الطَّوِيلَةْ ، لِتَسْلَخَ جِلْدَ الْحُقُولْ . لَا يَحْدُثُ التَّحَوَلُ الْمَأْمُولْ ،...
سَريعاً مَا تُغَطِّي القُبُور والبُثُور عُيون الشَّمْس سَريعاً مَا تَمْتَليء مَنافِضُ الحَيَاة بِأَعْقَاب خَسَائِرنَا و سَريعاً مَا تَذْبُل الْأَجْراس السَّاكِنَة فِي حَقائِبِ الرِّيح فُصُول تَعْقُب الفُصُول وَتَخْنُق الأَحْلَام فِي ضِمَاداتِها . هَلْ عَلَيْنا أَنْ نُعَلِّق جِرَاحَاتِنا عَلى...
لم أجَدْ كأساً أسْتَجِيرُ بِهَا مِنْ ضَجَرِ الْحَاضِرْ ، ولم أجد طريقاً ، أَجْدُلُ منه حَبْلَ مشنقتي ، فَاخْرِجْنِي يا غَدِي !مِنَ الغموض كَيْ أَرَى مَا سَأَكُونْ ، اخْرِجْنِي من كُمُونِ الْوُجُودِ لآخد شَكْلِيَ الأَسْمَى وَأَحْيَا. أيتُهَا النهايةُ !يَا مَدْحِيَ الذي سيأتي من رماد الكلامْ ،...
سأَلْحَم هَذِه السُّبُل المَطْعونَة بالخُطَى والسَّنابِك وَحُدَاء السُّحُب سَأَنْثُر الطُّرُق أَمَامِي وَأَنْتَعِل الزَّمَن والعُشْب والأَرْصِفَة . سَأُشْعِل مَزيداً مِن أَعْواد الثِّقابِ لِأُحْرِق قُصاصَات أَصَابِعي لِأُضِيء لِلْيعَاسِيب الكَفِيفَة وَالضَّجَر المُتَثائِب خَلْف الخَرائِب ...

هذا الملف

نصوص
125
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى