محمد الرياني

وهو يبحثُ عنها بعد المغيب ،الليلُ يظلمُ بأستاره ليدخلَ في مسرحٍ أسودَ الأركان تعلوه النجوم ، يتعجبُ من جمالِ الليلِ فيتمنى أن يكونَ الوقتُ سرمديًّا ليتبادل النظراتِ مع النجوم ، ينظرُ نحوَ الجهاتِ التي تحيطُ به جَرَّاءَ الظلمة ،يستمتعُ بكلِّ صوتٍ وطارقٍ ، لايوجدُ على مسرحِ اللّيلِ سوى إضاءاتٍ...
الحمارُ الذي وصفتُه بالغباءِ ظَهرَ أذكى مما أتوقع ، كنتُ فتىً شقيًّا تجاوزَ مزاحي الثقيلُ أبناءَ الحيِّ لأمزحَ مع حمارِنا الوحيد ، والوحيدُ الذي كان يُوثقُ فيه هو أنا من أجلِ امتطاءِ هذا الغبيِّ لأجلبَ عليه احتياجاتنا ، ذاتَ يومٍ وأنا صاحبُ مزاجٍ عندما أمتطي صهوتَه قلتُ لنفسي : اركبْ بطريقةٍ...
لم يكن يعلم أنها هناك ، تلعثمَ وتعثرتْ خطاه ، اقتربتْ منه أكثر، غرقَ جسدُه في جوٍّ بارد، رأى الكلماتِ بعيون ملونة وأكثر الأحيان داكنة، مرةً يرى التفاؤلَ بقميصٍ وردي غيرَ أن النصفَ الآخرَ من الرؤيةِ اتجهَ إلى العتمةِ والظلمةِ ولايزال الغرقُ يحيط به، يأتيه أملٌ عندما تَمْثلُ أمامَه وردةٌ جميلةٌ في...
لم يَعد للورد عندي قيمة ، وزعتُ ورودَ الحديقةِ الواسعةِ ، تركتُ أغصانَها تذبل ، عاتبوني لأنني أزهقتُ النفَسَ الجميلَ والرائحةَ العطرة، لم أُلقِ بالًا لكلماتِ العتاب، ولم أستمع لصيحاتِ الاستنكار، كلُّ ذلك لايهمني، نفَقَ بعضُ الوردِ واختلطَ بذراتِ التراب، ولحقتْ به الأغصان، حضر بعضُ الشامتين...
خيَّمَ الليل، تباشيرُ فرحٍ تبدو قادمة، استبشرَ وهو يسمع صوتَ الماءِ يخرُّ على رأسها ليزيل تفاصيلَ النهار من على جسدها، ظلَّ ينتظرها حتى تخرج ليراها في صورتها بعد ماءٍ فاترٍ انسكبَ عليها، وقفتْ بعجبٍ أمام المرآة، بدَّلت ملابسها بعدما أزالت بعض قطرات الماء العالقة على جبينها ووجهها، فتحتْ أدراجَ...
اليومَ أنا شخصٌ آخر، لبستُ ثوبًا لونه مختلفٌ عن الألوان التي اعتدتُها، وضعتُ حولَ معصمي ساعةً من الماركاتِ القديمةِ الأنيقةِ بدلًا عن ساعتي الالكترونية، رششتُ عطرًا فاخرًا نفاذًا من السوقِ الذي تركتُ الابتياعَ منه منذ زمن، مشيتُ بطريقةٍ هادئةٍ غير العَجِلة التي عُرفتُ بها ، تحدثتُ بهدوءٍ...
جَلَستْ على الأرضِ وقد عكفتْ رُكبتيْها لتضعَ عليهما صندوقَ (جرّْبْ حَظَّك )ليراه الأطفالُ في مثلِ سنِّها ، في الوقتِ الذي يبحثُ فيه الصغارُ عن قُروش سوداءَ ضائعة في ترابِ الأزقةِ انفلتتْ من إزاراتِ الكادحين، تظلُّ تتأملُ في غيابِهم صورَ المشاهيرِ من الرجالِ والنساءِ على صندوقِ الحظِّ الذي تختفي...
تُخرجُ ثديَها من فتحةِ ثوبِها على صدرِها نحوَ فمِ الصغير ، كأنَّها تُخرجُ الحياةَ من جديد ، يَمصُّ الصغير شيئًا أبيضَ اللونِ حدَّ الشبع ولم يقتنع ، يمصُّ اللبن، قد تُنهكُ حَلَماتِ ثديِها حركاتُ الصغير فتدخلُ في نوبةٍ من تعبٍ أو تغمضُ عينيها كي ترى الأحلامَ ؛ أحلامَ ابنِها عندها ، تنقلبُ نحوَ...
لا يعرفُ إن كان مخطئًا في عدمِ الردِّ عليها، أم أنَّه ألقى غرامَها كمن ألقى قارورةً أنيقةً لتكونَ شظايا على سطحٍ خشن ، بالنسبةِ له فقد جرَّب الحُبَّ؛ كان عندهم قطةٌ بيضاءُ صغيرةٌ في غايةِ الجَمالِ والدلال ، تتركُ الجميعَ وتقتربُ منه لتتمسحَ بذيلِها في ظهره ، يقدِّمُ لها الحليبَ ويتفرغُ لمشاهدةِ...
هكذا وجدَ نفسَه حبيسَ الكرسيِّ المتحركِ في الدولةِ الاسكندافيةِ شديدةِ البرودةِ ، أمُّه عندما كان صغيرًا تنظرُ في عينيْه وكفُّها على شعرِه الأصفرِ الكثيفِ تقول له كأنَّ فيكَ عرقًا خارجيًّا، لم يلتفتْ كثيرًا لكلامها ولم يحسبْ له حسابًا ، ملامحُه وشعرُه الأشقرُ المذهبُ وعيناه الزرقاوين الحادتين...
لم يكن يعلم أن الظهيرة الهادئة ستخبئ له مفاجأة، عندما جلست أمامه لتتحدث أرجأ كل شيء يود الخوض فيه ، أمسك لسانه ليستمع ، أبقى قلمه الذي أعده لكتابة الحدث في جيبه، تسمرت عيناه كي لاتتبتعد ذاكرته عن حديثها، جاءت الظهيرة كوجه حسناء جاءتها البشرى بخبر سعيد ، قال : ما أسعدني في هذا النهار الفاتن...
ذهبوا في نزهة وتركوا الديك مع الدجاج ، بات يتسلق الأسوار الفارهة يقتات على أوراق الحدائق ورؤوس السنابل في المنازل ، نامت الدجاجات وفي بطونها بضع حبات من القمح القديم تناثر في التراب ، لم ينم الديك تلك الليلة ، بينما الليل يبدأ بطي صفحته السوداء كانت كل الدور التي زارها قد أطعمته ، امتلأ بطنه...
صحوتُ كئيبًا، داهمني شعورٌ رماديٌّ قاتم، حالةٌ من اللاوعي وغثيانٌ غيرُ مسبوق، درجةُ اللاتوازنِ تبدو عالية، فتحتُ الشباكَ لأرى العالمَ كيف يبدو في الصباح؟ هل يستحقُّ العالمُ مني كلَّ هذا الشعورِ المقيت ، أخذتُ نفَسًا عميقًا كي أطردَ الأشياءَ المختبئةَ داخلي والتي تشبهُ لهثَ المشردين الباحثبن عن...
في الصباحِ أغلبُ أعينِ الصغارِ مشكوكةٌ من النومِ أو من الرَّمَد، يذهبون إلى الدكانِ الصغيرِ من أجلِ أربعِ حباتٍ من البسكويتِ المغلفة، بعضُ الصغارِ لايزالُ الرِّيقِ على خدِّه أو خديه، وصغيرٌ يسحبُ سروالَه إلى أعلى ليسترَ بعض عورتَه كلما سقطَ إلى أسفل، أحدُهم تُتعبُه مخاطتُه فيضطرَّ لشفطِها إلى...
تهربُ منه، تتعمَّدُ أن تختفيَ ثم تعود ، يشعرُ أنها تستفزُّه ليرتكبَ ضدَّها حماقةً ويشتمَها، تسلكُ شكلًا جديدًا من التحفيزِ على مطاردتِها حتى تظهرَ من جديد، تعلَّمَ أنَّ خيرَ وسيلةٍ لمواجهةِ الرفضِ أن يرفضَ ويحتجَّ ويعتزَّ بنفسه ، تعاتبُه بعد الظهورِ وتتهمُه بالقصورِ في السؤال، يواجهها!! وهل...

هذا الملف

نصوص
81
آخر تحديث
أعلى