أحضروا أوراقَ بيضاءَ عليها طلاسمُ وربطوها في الأرجلِ الحمراء للطيورِ الرقيقة ، طار الحمامُ إلى جهاتٍ غيرِ مقصودة، دخلَ مغاراتٍ مهجورةً بحثًا عن مُستقبِلٍ للرسائل، الأماكنُ موحشةٌ تسكنُها الأشباحُ ويسيطرُ عليها الخوف، على مقربةٍ من المغاراتِ كهوفٌ متعرجةٌ بلا قيعانَ واضحة ، فحيحُ الأفاعي يجعلُ...
قال لها :اسمُكِ هو عنوانُ كتابي الجديد ، لايوجدُ مَن هو جديرٌ بأن يحتلَّ صفحةَ الغلافِ غيرُكِ، لم يحمل أحدٌ ثلاثةَ أحرفٍ كما حملتِ أنتِ، تنازعا حتى كاد الغلاف أن يتمزقَ وتنتهي السيرة، أبدت شراسةً غيرَ مسبوقةٍ نحوه، اشتاطت غضبًا وغيرةً من العنوان، لاتريدُ أن يطبعَ اسمها كالوردةِ على ورقٍ تدوسه...
كانت نافذةَ الغرفةِ مفتوحة، لا زلتُ أتذكرُ لونَها الأخضر، تركناها تحاكي الطبيعةَ الخضراءَ في ذلك الوقتِ الذي أنشأناها فيه، لم تكن العصافيرُ البريئةُ تفرِّقُ بينَ الأغصانِ الخضراءِ وسياجِ الحمايةِ للنافذة، تثيرني بفضولِها وتغريدها الحزين، النافذةُ وقتذاك جديدةٌ ويثيرُ طلاؤها الشجن، لم يعد لونُها...
آخرُ يومٍ لهم في الشَّقة مارسوا شيئًا غيرَ مسبوقٍ في المزاح ، هُمْ أربعةٌ لا أكثر ، مرُّوا على بائعِ اللّحمِ البَلديِّ في طريقِهم واشترْوا كيلًا من اللّحمِ اشترطُوا على الجزَّارِ أن يكونَ قطعةً حمراءَ خالصةً بلا عظمَ ، أرادوا أن يختتموا حَياةَ الاغترابِ والدراسةِ والمزاحِ بما هو أشدُّ جلبًا...
يهربُ قسرًا من مُتتاليةِ أسئلتها، تُطارده وهو هاربٌ لا يريد الفكاك أو النجاة من الهرب ولكنه هكذا يفعل، لا يحبُّ أن يرتكبَ في حقها إثمًا غير مبرر، أقسمَ لها أنه يحبها ولكنه يخشى أن يحمّلها طاقةً تندم عليها، مرغمٌ على التصدي لكل أسلحتها على الرغم من ضعفه وهوانه ، يعرف حقيقةَ نفسه المثقلة بالألم...
ولايزالُ في قلبي شيءٌ من حَتاَّها، تُحدثني وإذا قالت (حتى) توقفتْ عن الكلامِ وتمزقتْ حبالُ صوتِها، أقول لها : أكملي! حتَّى ماذا... حتَّى ماذا؟ فتشير بإصبعها بأن الكلامَ لايستطيعُ الخروج ، ياحسرةً على حتَّاها، أرادتْ يومًا أن تستفزني! تقول لي : حتَّى الذين يُحبون لايفعلون مثلك، لم تشعرني يومًا...
وهما يتشبثان بالقِدرِ الأبيضِ كي لايقع وبيدها ضرعٌ وبيده ضرعٌ آخر، سألها! متى بدأنا نحلب سويًّا؟ ، كان يضع يده خلفَ ظهره من طول البقاء جالسًا، زمَّتْ شفتيْها، لا أتذكر؛ ربما منذ وُلدَ العجلُ الأبيض، انتصفَ الإناءُ وهما يضغطان على الضرعين والبقرةُ في سكون، ألهتْها فروعُ القصبِ الأخضرِ الذي تأكله...
الجبروتُ جعلَ الجارَ يغلقُ الشارعَ ليتوسعَ نحوَ جاره، لم تفلحْ محاولاتُ الصغيرِ في الإمساكِ بثوبِ الجارِ المستبد ، انسكبتْ دموعُه وهو يرى الطريقَ ينسدُّ أمامَ قدميْه الصغيرتين فلا يستطيعُ الذهابَ إلى أصدقاءِ الحي، ابنةُ الجارِ هي الوحيدةُ التي تعاطفتْ معه وظلَّتْ تصرخُ في وجهِ أبيها كي لايقتلعَ...
عندما يسرقُ النومُ المتعةَ من الحياة فإن العينَ التي تنغلقُ مع السباتِ هي المتهمُ الأوحدُ بسرقةِ المتعة، وهكذا بعضُ الأحداقِ تُفقدُ النورَ خاصيةَ الوهج، هناك من يقفُ ويضربُ بقدميه على الأرضِ كي تتحركَ الأشياء، وينظرُ إلى السماءِ لعل الشمسَ تكون أكثرَ حِدَّةً حتى توقظ الميتين الأحياء ، قلتُ...
تحتَ قمرِ الصيفِ يتكونُ رملٌ أمامَ دارنا، قبلَ أن يتجلى البدرُ ويرتفعَ كعملاقٍ يملأُ الفضاءَ أجلسُ على الرملِ القادمِ من جهةِ الغربِ من أماكنَ غيرَ معلومة، ألمسُ ذراتِ الغبارِ التي حطَّتْ رحالَها عندنا، تسكنُ في رأسي أسئلة، أفكرُ في الأجسادِ التي اصطدمتْ بها قبلَ أن تختلطَ بترابِ أرضنا، أصعدُ...
قبلَ مغيبِ الشمس تبدأ السيدة نعيمة رحلتها مع قلي البطاطس لتبيع من أطفال الحيِّ بضعَ شرائح لقاءَ ريالٍ واحد، السيدة ذات الخمسين عامًا يبدو عمرها أكثر من ذلك بسبب تجاعيدها، لاتهتم كثيرًا بمظهرها فتلبس ثوبًا بكمين طويلين لدرجة أن طرفه الأيمن الذي يمتد مع يدها يصيبه الزيت الحار أحيانًا وقد يؤذي يدها...