محمد الرياني - بطاطس.. قصة قصيرة

قبلَ مغيبِ الشمس تبدأ السيدة نعيمة رحلتها مع قلي البطاطس لتبيع من أطفال الحيِّ بضعَ شرائح لقاءَ ريالٍ واحد، السيدة ذات الخمسين عامًا يبدو عمرها أكثر من ذلك بسبب تجاعيدها، لاتهتم كثيرًا بمظهرها فتلبس ثوبًا بكمين طويلين لدرجة أن طرفه الأيمن الذي يمتد مع يدها يصيبه الزيت الحار أحيانًا وقد يؤذي يدها الناحلة، تضع صندوقًا عن يمينها وفوقه علبٌ من البلاستيك في كل واحدة منها بهارات وشطة وصلصة الطماطم لإرضاء رغبات الصغار، تغيبُ الشمس فتطرح سجادتها وتصلي مع المساجد والجوُّ يلفه السكون، في الليل تفتح لمبة وحيدة بجوارها لترى منظر الشرائح وهي تتحول إلى اللون الذي يقرمش ويعجب الصغار، لديها عادة جميلة تشجع بها الذين يقفون حولها، تتذوق حبة أو حبتين وتظهر لهم روعةَ شرائحها، وأحيانًا تغرز الشريحة في صحنٍ صغير وتلعق بلسانها البطاطس وتصدر صوتًا مميزًا لإنفاق بضاعتها ، تُدخلُ في جيب ثوبها المختبئ في الجهة اليسرى الريالات التي تحصل عليها من الصغار وأحيانًا من الكبار الذين يصطحبون أبناءهم ، لاتجلس فترة طويلة على قطعة الطوب الكبيرة التي يغلفها كيس دقيق فارغ ، تضع بين فترة وأخرى يدها على ظهرها وخاصرتها بسبب آلام مزمنة، الصغيرُ الذي يبدو أنه أحد أحفادها يأتي معها ليعدَّ لها النقود بعد أن تطفئ اسطوانة الغاز، في نهاية الأسبوع أراد الصغار أن يحتفوا به على طريقتهم ، جاءوا إليها ليشتروا مجتمعين من أجل وليمة من البطاطا المقلية، وجدوها مع الصغير الذي معها ينتظران قدوم موزع الخضروات فلم يحضر، طلبت من كل واحد منهم أن يذهب إلى بيت أهله ليحضر حبة بطاط من مطبخهم وستقوم بقليها لهم، أطلقوا صرخة مدوية على هذا الطلب العجيب، لم تكن بيوتهم بعيدة عن المكان، كانت الكمية كافية لملء إناءِ القلي، غربت الشمس فصلّت المغرب، بينما هم ذهبوا إلى المسجد المجاور، عادوا إليها ثم وزعوا الصحون البلاستيكية على الأرض وكونوا ثلاث دوائر، عزموها على وجبة الطفولة ، جلست معهم وهي تضع لهم بعض البهارات والشطة وصلصة الطماطم ، غسلوا أيديهم في صحن معدني به بعض الماء بعد أن شبعوا ، مدوا أيديهم في جيوبهم ليدفعوا لها أجرة القلي، تناولت عصاها القريبة وطردتهم وهم غارقون في الضحك ، كان بعضهم لايزال يمسح يده في طرف سرواله.


محمد الرياني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى