أنور المعداوي

استمعت إلى الشاعر وهو يخاطب (الموسيقية العمياء)، وأستمع إلية أخرى مرة وهو يقدم إلينا الصورة النفسية الثانية، مخاطبا فيها ذات الغلالة الرقيقة النائمة تحت نافذتها المفتوحة في ليالي الصيف المقمرة. . . هناك في قصيدة (القمر العاشق) في الصفحة العاشرة من (ليالي الملاح التائه): إذا ما طاف بالشرفة ...
الأدب الذي أعنيه هنا هو أدب الاعترافات، أو أدب التراجم الذاتية، أو أدب البوح والإفضاء كما يسميه الفيلسوف الإيطالي بندتو كروتشه. ومن العجيب أنني حين تناولت القلم لأكتب عن أدب الاعترافات، وقعت على رأي لكروتشه يهاجم فيه هذا الأدب هجوما عنيفاً، ويرميه بالتأنث والسفاهة وقلة الحياء والضعف والانحلال...
وذات مساء آخر، وكان معنا صديق ثالث هو الأستاذ الجليل (صاحب الرسالة)، دار الحديث حول فنون شتى كان أولها فن الشعر. وابتدأ الحديث تعقيباً من الزيات ومنى على اسطوانات ثلاث نقلت إلى أسماعنا ثلاث قصائد سجلها عليها الشاعر بمصاحبة الموسيقى، سجلها بصوته بعد أن قامت بهذا التسجيل محطة لندن للإذاعة العربية...
جناية الفلسفة على العقول أمر لم نكن نؤمن به حتى أثبت لنا الدكتور الأهواني أنه حقيقة لا تقبل الجدل. . . إذا لم تصدق فاعلم أن هذا (الفيلسوف) قد آثر أن يشكونا إلى النيابة العامة بدلاً من أن يشكونا إلى روح طيب الذكر رينيه ديكارت! وجناية الفلسفة على العقول قد تحققت بالنسبة إلى الدكتور الأهواني...
ذات مساء، وقد أوشك الليل أن ينتصف، راح يقص علي طرفاً من ذكرياته وحياته. . . وكان مسكنه في تلك اللحظة قد خلا إلا من صديقين: هو وأنا. وكان يطيب له في أوقات الصفاء أن يحملني على جناح الزمن إلى ماضيه، وأن يفتح لي في قلبه كوي أطل منها على عالمه. . . ترى أكان يحس في أعماقه أن غوائل الردى ستطوي حياة...
الإنسان صانع الأمل، ينحت تمثاله من قلبه ومن روحه، ولا يزال عاكفاً عليه يبدع في تصويره وصقله متخيلاً فيه الحياة ومرحها وجمالها، ولكن الزمن يمضي ولا يزال تمثاله طينا جامداً وحجراً أصم، حتى تخمد وقد الشباب في دم الصانع الطامح وتشعره السنون بالعجز والضعف فيفزع إلى معبد أحلامه هاتفاً بتمثاله! ولكن...

هذا الملف

نصوص
21
آخر تحديث
أعلى