جمال نصر الله - إنه حقا....أدب استعجالي

لم أعد أحتمل صراحة وبأدواتي المنطقية والعقلية أن أقرأ على سبيل المثال حوارا لشباب جزائري أو شابة تتراوح أعمارهما ما بين الـ17 إلى الـ20 وهما يصدران أول عمل روائي لهما في عمر تجربتهما الأدبية؟ا ورغم ذلك يُعجب به المحاور ويكتب في أعلى الصفحة وبالبنط العريض عن أنه أصغر روائي في هذا المعرض أو ذاك,وكأنه يقدم لنا مفاجأة من العيار الثقيل؟ا هذا الأمر في حدود العادي يتنافى صراحة مع العقل ـ لماذا ؟ا ـ إلا في حدود توفر الجنون والعبقرية....لأن هذا المبدع لم يكتب لاقصة ولا شعرا حتى تراه قفز نحو الرواية( وحتى وإن كتب بعض المحاولات) فعامل السن يلعب دورا جوهريا لأنه مرتبط بالتجربة الحياتية.
والظاهرة شبه السلبية الأخرى في حياة المبدعين الجزائريين,أنهم صاروا يتباهون باحدى المُودات,وهي أن كثيرا من الشعراء تحولوا360درجة, بل هجروا الشعر والتحقوا بالرواية لأنها فن العصر والطريق الأقرب للشهرة,وهذا ليس موضوعنا هنا.فقط نحن نعرج على الكم الهائل من الأعمال الروائية التي تصدر في أكثر من دار...والتفسير الأقرب للحقيقة هو أن كثير من الناشرين لم يعد يهمهم سوى الربح السريع ـ فمن يدفع أكثر هو الأقرب للميدان حسبهم.والدليل في هذا أن أغلب الأعمال التي خرجت للوجود إن قرأتها من أولها لآخرها لا تعثر فيها أوتلتمس غير أشباه تقارير يومية وخواطر وجدانية وبعض الحكايات المستنسخة من الحياة العامة والتي من الحكمة والإحترام ألا تُكتب..بل تُروى شفويا أو تُقال في المقاهي أو في صالونات المواعيد؟ا لأنك بقراءتها سوف تتعب نفسك وتضيّع وقتك لأنها لا تترك فيك أدنى أثر؟ا
لقد بدأ الروائي الكولومبي غارسيا ماركيز كتابة الفن الروائي بعد العديد من المجموعات القصصية وفي1982توج بنوبل والأمر كذلك من أمثاله أما في عالمنا العربي فتجد نفس السير الحسن سار عليه يوسف إدريس مثلا وتوفيق الحكيم وصولا إلى عبد المجيد ابراهيم أو ادوارد الخراط أو أصلان ابراهيم.هؤلاء لم يكتبوا الرواية مباشرة,بل تمرنوا وتحذقت تجاربهم بعد سنوات من النشر في الصحف والمجلات,وبعد مدار من العقود كتب منهم عشرات الروايات وأغلبها لم ينجح أي أنها أعمال لم تصبح علامة فارقة في تاريخية الرواية العربية أو تراهما قد صمدت أمام التحولات الكبرى.وآخرون نجحت من بين العشرات من أعمالهم رواية واحدة؟ا ـ أنظروا تولستوى الروسي وتشيكوف وبلزاك وغي دي موباسان...لماذا أعمالهم أصبحت خالدة حتى قرننا الحالي...وما هي العوامل التي ساعدتهم وبأية أدوات فنية تمت كتابتها...لقد كُتبت


أعمالهم وهم في قمة نضجهم العقلي والفكري أي بعد أن أصبحوا شيوخا في التجارب وفي السن؟ا ولم يكن فقط عامل الصدق هو المتوفر كما يتخيل البعض.
وهذا لا يعني أننا نطلب من شبابنا الذين هم على الطريق ألا يكتبوا الرواية إلا بعد سنهم السبعين ؟ا...ولكن أملنا الكبير في تحذيق وتثقيف تجاربهم والثبات والتأني قبل المغامرة والمقامرة لأن التاريخ لايرحم...أملنا أن يتعاركوا مع عالم القصة القصيرة حتى وهي أصعب الفنون بل هي أصعب وأعسر من الرواية لأنها تعتمد على الإختزال وضغط الأحداث...فالرواية يكتبها الناضج عقليا كما يقال والمستريح فكريا,لأنها عالم فسيح يعتمد على التأني والتبصر والتأمل البعيد ومزج
الأفكار ومواجهة الصراعات بكل حنكة وترو.أما القصة فهي الدخول في الأدغال الضيقة,وكلما أوغلت بها تزداد المخارج ضيقا؟ا
زيادة عن أن العبرة ليس في الطبع والنشر ولا في كثرتها...فأنا أعرف روائيا جزائريا كتب زهاء الـ14رواية,وتقريبا إطلعت على أغلبها.والمصيبة أنني في كل مرة أخرج مُخيب الظن....لأنها هراء على هراء...بل هي مجرد تجارب مقلِدة لأعمال الغير أو مجرد حكي من أجل الحكي والحشو.والكتابة من أجل الكتابة؟ا وقد ساعده على الطبع مهنته التي تدر عليه المال الوفير ...عزمت بعدها ألا أقرأ لهذا الكاتب نهائيا..مفضلا مشاهدة فيلم أو محاضرة أحسن على الأقل أستفيد من معلومات أو أتمتع بأحداث...لأن العمل الروائي الذي لا يقدم رسالة أو يؤثر في حواسك النفسية والعقلية ـ ما جدواه ؟ا ـ لقد كتب الطيب الصالح من السودان روايته موسم الهجرة للشمال عام1966ورغم ذلك ظلت ذات متعة قرائية صالحة لكل زمان ومكان,لأنها قدمت طرحا حضاريا وازدواجية الإنسان العربي بين الشرق والغرب.ونالت عدة جوائز....إذا فكتابة الرواية لا يوجد بها إعجاز أو يرافقها في ذلك, ولا يجب أن توجد بين ثنايا فكرة أنه يوجد في النهر ما لا يوجد بالبحر فهي بالضرورة تحتاج إلأ أدمغة عملاقة لكتابتها بأشكال فنية مبتكرة.دالة على تجاربها الحياتية ورؤاها المستقبلية دون نسيان الحاضر والماضي...نفس الشيء ينطبق على الشعر وهكذا دواليك أي التجربة الكتابية على العموم....الرواية يجب أن تُقدِم طرحا جديدا وبدائل للحياة المأسوية للإنسان وتبرز الصراعات بطرائق رمزية...الرواية فن مقدس لا يجب أن يقترب منه إلا أصحاب النفس الطويل والأفكار الأكثر رجاحة واتساعا لتحمل هموم الحياة وتعقيداتها.
أما الهلهلة لنشرها فهي جناية حضارية في مسار المبدع والقراء على حد سواء بل خيانة للحرف المطبوع....نقطة أخرى أريد أن أشير إليها وقد لاحظتها بعد تصفح كثير من أعمال سيلا الأخير أن بعض الناشرين بدوا عاجزين عن تصنيف الأعمال..فأنت تجد بعض الأعمال لا تمت بصلة لأي فن من الفنون الأدبية...ورغم ذلك يصر صاحبها عن أنها كذا وكذا...إنها مشكلة التصنيف؟اوما خفي أعظم طبعا في عالم متسارع...تكتب فيه الناس دون حياء أو خوف من النقد والتشريح؟ا

شاعر وناقد أدبي جزائري

تعليقات

الأستـاذ الصديق /جـمال نصر الله.

أنت مـحق في كل مـا ذهبت إليه من رصد للمشهد الأدبي .
جدير بالجـميع أن يعضد التـجربة بالقراءة الـواعية والـمستمرة ،
وألا يظن أن الكتابة أمر سهل الامتطاء. الـجيل المستعجل
وألا يظن أن الكتابة أمر سهل الامتطاء.
والتجربة الحياتية محـك حقيقي لأي قلم مهما ذاع سيطه.
الـجيل المستعجل ،يرتب مزاجه على فهم الجوائز المغلوط ،معتقدا
أن الجائزة هي عنصر معياري للتفوق دائما. فضلا على أن النشر "الـسائب
"{ كالناقة السائبة} لا يتعرض لها أحدا، ما زاد في الطين بلة.
****دام قلـمك في تناول القضايا الجادة.
تـقـديري

السـعيد مرابطي
 
أعلى