كان صديقي شارلي Charlaix هو من دفعني إلى قراءة سيلين CÉLINE. هكذا قرأتُ روايته "رحلة إلى أقاصي الليل" في نسخة أصلية، خارجة للتو من المطبعة.
وضعَ شارلي تلك النسخة بين يدي، ذات صباح، بحركة لا تخلو من عنف. كانت عيناه تلمعان وكذلك سنّه الذهبية. خاطبني قائلا:
- اقرأ هذه الرواية. إنك لن تقرأ مثلها أبدا. اجعلها قاعدة سلوك لديك. لا تقف أبدا في صف الأغبياء والمغفلين، لا تُقلد قطيعَ الأغنام في الثغاء. ابقَ في الهامش، ثم حاول أن تكتب رواية كهذه إن استطعت. افهم جيدا ما يحدث من حولك، وبعد ذلك اصرخ عاليا وعبّرْ عن غضبك!
والحق أني قرأتُ سيلين قراءة الخائف المتوجس. فما دام قد نصحني به شارلي فمعنى ذلك أنه مختلف ومزعج وخارج عن المألوف ! بَيْدَ أن تلك القراءة الأولى شدتني إليه شدّاً. ومنذ ذلك الوقت وأنا أعود إلى رواياته بانتظام. إن روايته " الموت المستدان" - التي نجد فيها كل بؤس الإنسان- تمثل في نظري أهمَّ كتاب صدر في القرن العشرين. ولو قارنتُ صرخاتي أنا بالصرخة العظيمة التي أطلقها سيلين، لوجدتُني شبيها بجرو صغير، يطلق أنينا خافتا، رغبة منه في إفراغ مثانته.
لقد عرف سيلين كيف يطلق صرخته، ويالها من صرخة! هي صرخة لاتزال مدوية فوق رؤوسنا، بزخمها الأول، بقوتها الأولى، وليس باستطاعة أحد أن يغير منها شيئا.
في رواية " الموت المستدان" نجد كلَّ ما تنطوي عليه الحياة من بؤس ومن خوف ومن موت. ولكنها مليئة كذلك بالحب وبالرأفة، مثلما هي مترعة بالغضب. وفيها التماعاتٌ كالتماعات البرق، وفيها أيدٍ ممدودة، وقبضات مضمومة. ثم إنها طافحة باليأس. لأن اليأس هو الحياة. وذلك ما أدركه سيلين حق الإدراك.
تُرى، ما هي الأسباب التي جعلتْ هذا الروائي العبقري يتخذ ما اتخذه من مواقفَ سياسية؟ أية صدمات يا تُرى دفعتْه إلى القيام بما قام به، هو الإنسان المنتمي إلى الشعب، هو الذي تتبلور فيه روحُ الشعب، ويستمد إيقاعَه وموسيقاه من إيقاع وموسيقى الشعب؟ لا تهمني الإجابة عن هذا السؤال، وليس من شأني أن أجيب عنه، فتلك مشكلته الشخصية، وذلك لغزه الخاص. ومهما يكن، فقد دفع الثمن غاليا، وتحملَ تبعات مواقفه حتى النهاية.
وضعَ شارلي تلك النسخة بين يدي، ذات صباح، بحركة لا تخلو من عنف. كانت عيناه تلمعان وكذلك سنّه الذهبية. خاطبني قائلا:
- اقرأ هذه الرواية. إنك لن تقرأ مثلها أبدا. اجعلها قاعدة سلوك لديك. لا تقف أبدا في صف الأغبياء والمغفلين، لا تُقلد قطيعَ الأغنام في الثغاء. ابقَ في الهامش، ثم حاول أن تكتب رواية كهذه إن استطعت. افهم جيدا ما يحدث من حولك، وبعد ذلك اصرخ عاليا وعبّرْ عن غضبك!
والحق أني قرأتُ سيلين قراءة الخائف المتوجس. فما دام قد نصحني به شارلي فمعنى ذلك أنه مختلف ومزعج وخارج عن المألوف ! بَيْدَ أن تلك القراءة الأولى شدتني إليه شدّاً. ومنذ ذلك الوقت وأنا أعود إلى رواياته بانتظام. إن روايته " الموت المستدان" - التي نجد فيها كل بؤس الإنسان- تمثل في نظري أهمَّ كتاب صدر في القرن العشرين. ولو قارنتُ صرخاتي أنا بالصرخة العظيمة التي أطلقها سيلين، لوجدتُني شبيها بجرو صغير، يطلق أنينا خافتا، رغبة منه في إفراغ مثانته.
لقد عرف سيلين كيف يطلق صرخته، ويالها من صرخة! هي صرخة لاتزال مدوية فوق رؤوسنا، بزخمها الأول، بقوتها الأولى، وليس باستطاعة أحد أن يغير منها شيئا.
في رواية " الموت المستدان" نجد كلَّ ما تنطوي عليه الحياة من بؤس ومن خوف ومن موت. ولكنها مليئة كذلك بالحب وبالرأفة، مثلما هي مترعة بالغضب. وفيها التماعاتٌ كالتماعات البرق، وفيها أيدٍ ممدودة، وقبضات مضمومة. ثم إنها طافحة باليأس. لأن اليأس هو الحياة. وذلك ما أدركه سيلين حق الإدراك.
تُرى، ما هي الأسباب التي جعلتْ هذا الروائي العبقري يتخذ ما اتخذه من مواقفَ سياسية؟ أية صدمات يا تُرى دفعتْه إلى القيام بما قام به، هو الإنسان المنتمي إلى الشعب، هو الذي تتبلور فيه روحُ الشعب، ويستمد إيقاعَه وموسيقاه من إيقاع وموسيقى الشعب؟ لا تهمني الإجابة عن هذا السؤال، وليس من شأني أن أجيب عنه، فتلك مشكلته الشخصية، وذلك لغزه الخاص. ومهما يكن، فقد دفع الثمن غاليا، وتحملَ تبعات مواقفه حتى النهاية.