عبد القادر وساط - طاغية نجدان يُعَيّنُ وزيرين جديدين

حدثنا أبو أحمد الطوسي عن الخطيم، عن العتابي، عن شيخنا أبي الحسن النجداني، قال:
اجتمعنا يوما عند طاغية نجدان، وعنده مغنية ما رأيتُ أجمل منها وجهاً ولا سمعتُ أعذب منها صوتاً، وهي تغني:
فما لبسَ العشاقُ منْ حُلَل الهوى = و لا خلعوا إلا الثياب التي أبْلي
و لا شربوا كأساً منَ الحبّ مُرةً = و لا حُلوةً إلا شرابهُمُ فَضْلي
فلما انتهت من غنائها، التفت إليّ الطاغية وسألني:
- لِمَن الشعرُ يا أبا الحسن؟
قلت:
- هو لعِشْرقَة المُحاربية، أيها الطاغية.
فقال:
- أجلْ، هو كذلك أيها الشيخ، فانظر معي عذوبة َ هذا الشعر ورقته وطلاوته. والله ما سمعتُ كلاماً في الحب مثل هذا.
ثم إنه دعا كبير وزرائه وخاطبه بقوله:
- اعلمْ أني عينتُ الشاعرة عشرقة المحاربية وزيرةً للحب في حكومة نجدان.
فلما سمع كبير الوزراء ذلك الكلام حاول أن يتماسك، وقال للطاغية:
- يا سيدي، لقد أخبرتَني أنك ستُعَين اليوم وزيرا للحرب لا وزيرا للحب!
قال الطاغية، وقد بدت عليه علامات الغضب:
- ويلك! أوَ ليس في حكومتنا وزيرٌ للحرب؟
قال كبير الوزراء:
- لقد كان الشيخ عبدالله الخزاعي هو وزيرك في الحرب، ولكنك سألتَه يوماً - والحكومة كلها مجتمعة - عن قائل البيت الشعري:
( إذا ما غَزَوا بالجيش حَلّقَ فوقهمْ = عصائبُ طيرٍ تَهتدي بعصائبِ)
فلم يعرفه، فغضبتَ عندئذ أيها الطاغية، وكسرتَ أصيص الأزهار، الموضوع أمامك، قبل أن تخاطبَ باقي وزرائك قائلا: " كيف يكون عندي وزيراً للحرب من لا يعرف أشعار العرب عن الجيوش والحروب؟ " ثم إنك أمرتَ صاحبَ شرطتك، بعد ذلك، بتسيير الوزير الشيخ الخزاعي إلى الكثيب، فهو هناك إلى اليوم يرسف في الأغلال.
قال الطاغية:
- وهل بنيتُ الكثيبَ إلا لأمثال هذا الشيخ؟ قاتله الله! يضطلع بوزارة الحرب ولا يعرف أن النابغة الذبياني هو صاحب ذلك البيت المشهور في وصف الجيش؟ وما الذي كان سيفعل لو كنتُ سألتُه، مثلاً، عن قائل هذا البيت:
( و نَبكي حين نَقْتلكمْ عليكمْ / و نَقتلكم كأنّا لا نُبالي )؟
قال الشيخ أبو الحسن النجداني:
فلما نطق الطاغية بذلك الكلام، لم ينبس منا أحد، و بقينا كأنّ على رؤوسنا الطير، خوفاً أن يسألنا صاحبُ نجدان عن اسم ذلك الشاعر الذي يَبكي على قتلاه و يَقتلهم كأنه لا يبالي. وهكذا بقينا ننظر إلى بعضنا متوجسين، ذلك أن قائل البيت المشؤوم غير مذكور في كتُب الأقدمين. وحتى في ديوان الحماسة، اكتفى أبو تمام - غفر الله له - بالإشارة إلى أن صاحب البيت رجلٌ من عقيل. والشارحون عموماً يكتفون بالقول حين يتحدثون عنه: " وقال الحماسي العقيلي."
فمالنا ولهذا الرجل المجهول؟ ولكنّ الله سلّم، إذ أطرق الطاغية صامتا، دون أن يَسأل أحدا منا. ثم إنه قال لكبير الوزراء:
- لا أرى الآن سوى أديب واحد، يستحق أن يتولى وزارة الحرب في نجدان. إنه الشيخ أبو هلال العسكري، مؤلف " كتاب الصناعتين ". فاخرج الآن فتوجه إليه مع بعض رجالك، وأخبره بما قرّ قراري عليه.
قال الشيخ أبو الحسن:
فلما غادرنا المجلس، مال عليّ أبو أحمد الطوسي وقال لي بصوت لا يكاد يُسمع: " يا أبا الحسن، هذا جزاء من يتسمى بالعسكري وهو رجل مدني، لا يحسن في الدنيا سوى شؤون اللغة والفقه والأدب." غير أني أشرتُ إليه أن يكفّ، فالحيطان لها آذان في بلاد نجدان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى