لما اقتيد عبدالملك بن قُرَيب الأصمعي إلى مجلس ابن علي، نظر إليه الطاغية نظرة المتشفي، ثم خاطبه قائلاً:
- يا أصمعي، إني أعرف أنك رجل مجبول على اللجاج والخلاف. وعلى اختلاق الأحاديث وافتراء الأكاذيب. وإلا فأخبرْني: كيف تزعم أنك تحفظ اثني عشر ألف أرجوزة؟ أهذا كلام يصدر عن العقلاء؟
قال الأصمعي:
- كيف ترميني بالكذب، أيها الطاغية، وقد قال عني أبو الطيب اللغوي: " لمْ يرَ الناسُ أحضرَ جواباً ولا أصدقَ لهجةً من الأصمعي." ولو كنتُ كذابا، كما قلتَ، لما روى عني أمثالُ أحمد بن محمد اليزيدي وإسحاق بن إبراهيم الموصلي وأبي حاتم السجستاني وأبي الفضل الرياشي وعبدالله بن الحسن بن إبراهيم الأنباري وأبي قلابة الرقاشي وغيرهم كثير. وهل كنتُ في حاجة للاختلاق والافتراء وقد لقيتُ من العلماء عددا كثيراً، ومن الفقهاء كذلك ومن الرواة والمحدثين، وسمعتُ من الشعراء الفصحاء ومن أولاد الشعراء: من رؤبة بن العجاج، ومن مشرد بن اللعين، ومن بلال ونوح ابني جرير، ومن لبطة بن الفرزدق، ومن ابن ميادة، والحسين بن مطير، وابن هرمة، وابن أذينة. كما أني لقيتُ ابن الدمينة وابن الطثرية وأبا حية النميري. وأما الرجز فقد حفظتُ منه ما لا يَحفظه أحد، لأنه كان هَمَّنا وسدَمَنا، في ذلك الزمن البعيد. على أنني لم أصرف اهتمامي إلى الرجز دون القصيد، فقد جمعتُ من أشعار العرب مختارات ما زالت تُسمى باسمي إلى يومكم هذا. ثم لا تنس، أيها الطاغية، أن أبا نواس نفسه قال عني: " الأصمعي بلبل يُطرب الناسَ بنغماته ."
فلما سمع الطاغية كلامه حدجه بنظرة نارية ، ثم قال له :
- ولكنك كنتَ مع ذلك تزخرف رديءَ الشعر ورديءَ الأخبار فيَسْمن لديك الغَثّ، ويَحْسن عندك القبيح. وكنت تكتب كل ما يقوله الأعراب من جيد الكلام وساقطه، لا تدع شيئا إلا نمصْتَه. وتدعي مع ذلك أنك أتْقَنُ القوم للغة وأعلمهم بالشعر وأحضَرهم حفظاً. وكنتَ تُقَاوي العلماء، وتسخر منهم. وقد بلغني أنك لقيتَ أبا زكريا الفراء، يوماً على الجسر ببغداد، فكلمتَه بطريقة لا تخلو من ازدراء وصلف. ثم قُيضَ لك من يسخر منك أمام الملأ دون أن تستطيع جوابا، وهو أبو عمر الجرْمي. فلم تكن تجرؤ على النطق بكلمة أمامه، لأنك تعرف أنه عالم لَسنٌ، قوي الحجة.
قال الأصمعي:
- إنما كنتُ أتجنب مناظرتَه، لأنه كان عالي الصوت. وقد كان الناس يسمونه " النبّاج "، أي الشديد الصياح.
قال الطاغية:
- ولكنك كنت تناظر الآخرين وتتعالم عليهم. ولذلك هجاك إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فقال:
أليس من العجائب أنَّ شخصاً = أصَيْمعَ باهلياً يستطيلُ؟
و يَزعم أنه قد كان يُفتي = أبا عمْرو و يسأله الخليلُ
فابتسم الأصمعي عند سماع ذلك الشعر ثم قال:
- لئن كان إسحاق الموصلي قد هجاني بهذين البيتين، فإنه أشاد بي في مجلس من المجالس وقال عني: " عجائب الدنيا معروفة معدودة، منها الأصمعي. " وأنت خير من يَعلم - أيها الطاغية - أن الأفاضل يُهْجَوْنَ ويُمدحون. ورحم الله الشاعرَ الذي قال:
هجوتُ ابنَ عبد القيس ثم مدحتهُ = و ما زالتِ الأشرافُ تُهْجى و تُمْدحُ
وقد هجاني آخرون غير إسحاق الموصلي - كما لا يخفى عليك - ومنهم اليزيدي، الذي قال:
أبنْ لي دعيَّ بني أصْمع = أقَفْرٌ رباعك أم آهلَهْ ؟
ومن أنتَ، هل أنتَ إلا امرؤٌ = إذا صحَّ أصلك منْ باهلهْ؟
قال الطاغية:
- وهجاك أيضا حُبيش بن عبدالرحمان الجرمي، الذي مشى في جنازتك وهو يقول:
لَعَنَ اللهُ أعظماً حمَلوها = نحو دار البلى على خشَباتِ
فأجابه الأصمعي وقد عقد ما بين حاجبيه:
- لقد توفاني الله كما تعلم - أيها الطاغية - سنة سبع عشرة ومائتين، وذلك بمدينة البصرة، بعد أن جاوزتُ الثمانين من العمر. وصلى عليّ الفضل بن إسحاق بن الحسن بن عباس، رحمنا الله أجمعين. أما الهجاء الذي ذكرتَه، فلعله من شاعر كان يحسدني على ذيوع صيتي وعلى علو مكانتي. والحق أنه كان لي حساد كثيرون، قبل موتي بزمن طويل، وذلك منذ أن بلغتُ ما بلغته من حظوة عند الخليفة هارون الرشيد. فقد كنتُ ألازمه - أنا والكسائي - نُقيم بمقامه ونظعن بظعنه. وكان الكسائي، مع أنه أحد القراء السبعة - يخشاني ويتحاشاني . وقد حدث أن أفحمتُه يوما في مجلس الرشيد، بعد أن اختلفنا حول بيت شعري، فارتبك الكوفي المسكين ولم يدر كيف يجيب. فلما رأى الرشيد ارتباكه وما هو فيه، قال لي: " يا أصمعي ما تُطاق في الشعر."
قال الطاغية :
- ولكني أراك نسيتَ ما فعله بك هارون الرشيد نفسه، يوم أمر باستقدامك في عز الليل، فلما جاء رجاله يطلبونك، داخلك من ذلك رعب شديد. وعندما مثلتَ بين يديه، رأيتَ أمامه طستا مغطى بمنديل، فأمرَ بكشفه فكُشف، فإذا فيه رأس جعفر بن يحيى البرمكي! ثم إنه قال لك بعد ذلك: " الحقْ بأهلك يابن قُرَيب." فنهضتَ وغادرتَ المكان وقد انفطر قلبك من الرعب!
فأطرق الأصمعي كأنما يستعيد في ذهنه تلك اللحظة الرهيبة، ثم خاطبَ الطاغيةَ بقوله:
- الحق أنه لم ينفطر قلبي من الرعب. بل إنني قلت في ذلك شعرا لا يخلو من جرأة على الخليفة، ومنه:
أيها المغرورُ هل لكْ = عبْرة في آل بَرْمَكْ ؟
عبرة لم ترها أنتَ = و لا قبْل أبٌ لكْ
قال الطاغية:
- وهل نسيتَ، يا أصمعي، ما فعله بك هارون الرشيد ، يوم كنتَ في مجلسه، فجاءت ابنة له صغيرة، فسألك: " من هذه يا أصمعي؟" فقلتَ: " لا أدري" فقال: " هذه مؤنسة، ابنة أمير المؤمنين، قُمْ فقَبّلْ رأسها " فخفتَ إن أنتَ فعلتَ ما أمرَك به أن تأخذه الغيرة فيقتلك، فقمتَ وما تَعقل ووضعتَ كمك على رأس الطفلة ثم وضعتَ كفك على كمك وقبلتَ كفك، فقال لك هارون الرشيد عندئذ: " أمَا والله لو أخطأتَها لقتلتُك!"
فأجابه الأصمعي:
- وما عساني أفعل؟ فهكذا أنتم معشر الطغاة، جُبلتم على الظلم والجبروت، في كل زمان ومكان.
فالتفت الطاغية جانباً وقال كمن يحدث نفسَه:
يا أمَة الله ألمْ تَسمعي = ما قال عبدُالملك الأصمعي؟
ثم استدار من جديد نحو الأصمعي وقال له:
- وكنتَ يا أصمعيّ بخيلاً، تجمع أحاديث البخلاء وتُحَدث بها وتوصي بها ولدك. وكان جعفر بن يحيى يعيبك برثاثة الهيئة. وقد دخل منزلَك يوما، وفي نيته أن يعطيك ألف دينار، فلما رأى سوءَ حالك ووسخ منزلك ورأى في دهليزك حَبّاً مكسورا، عدل عن نيته، لأن لسان النعمة أنطقُ من لسانك، ولأنك لا تتزيّا بزي أهل المروءات. مع أنك أنت القائل: " ستٌّ يُضْنينَ، بل يَقتلن: انتظار المائدة، ودمدمة الخادم، والسراج المظلم، والركن من أول الليل إلى آخره، وخلاف من تحب، والنظر إلى بخيل." وذات يوم ارتفعَتْ ضجة من دارك، يا أصمعي، فبادرَ الناس ليعرفوا ما الأمر، وكان معهم أبو عبيدة، فقال لهم: " إنما يَفعلون ذلك في دار الأصمعي، إذا فَقَدوا رغيفاً."
ثم إن الطاغية أشار إلى صاحب شرطته، بعد لحظات من الصمت والتوجس، وخاطبه بقوله: "اجعله يبيت الليلة في أحد المخافر القريبة، فإذا كان الصباح فتعال إلي لتسمع قراري النهائي بشأنه."
- يا أصمعي، إني أعرف أنك رجل مجبول على اللجاج والخلاف. وعلى اختلاق الأحاديث وافتراء الأكاذيب. وإلا فأخبرْني: كيف تزعم أنك تحفظ اثني عشر ألف أرجوزة؟ أهذا كلام يصدر عن العقلاء؟
قال الأصمعي:
- كيف ترميني بالكذب، أيها الطاغية، وقد قال عني أبو الطيب اللغوي: " لمْ يرَ الناسُ أحضرَ جواباً ولا أصدقَ لهجةً من الأصمعي." ولو كنتُ كذابا، كما قلتَ، لما روى عني أمثالُ أحمد بن محمد اليزيدي وإسحاق بن إبراهيم الموصلي وأبي حاتم السجستاني وأبي الفضل الرياشي وعبدالله بن الحسن بن إبراهيم الأنباري وأبي قلابة الرقاشي وغيرهم كثير. وهل كنتُ في حاجة للاختلاق والافتراء وقد لقيتُ من العلماء عددا كثيراً، ومن الفقهاء كذلك ومن الرواة والمحدثين، وسمعتُ من الشعراء الفصحاء ومن أولاد الشعراء: من رؤبة بن العجاج، ومن مشرد بن اللعين، ومن بلال ونوح ابني جرير، ومن لبطة بن الفرزدق، ومن ابن ميادة، والحسين بن مطير، وابن هرمة، وابن أذينة. كما أني لقيتُ ابن الدمينة وابن الطثرية وأبا حية النميري. وأما الرجز فقد حفظتُ منه ما لا يَحفظه أحد، لأنه كان هَمَّنا وسدَمَنا، في ذلك الزمن البعيد. على أنني لم أصرف اهتمامي إلى الرجز دون القصيد، فقد جمعتُ من أشعار العرب مختارات ما زالت تُسمى باسمي إلى يومكم هذا. ثم لا تنس، أيها الطاغية، أن أبا نواس نفسه قال عني: " الأصمعي بلبل يُطرب الناسَ بنغماته ."
فلما سمع الطاغية كلامه حدجه بنظرة نارية ، ثم قال له :
- ولكنك كنتَ مع ذلك تزخرف رديءَ الشعر ورديءَ الأخبار فيَسْمن لديك الغَثّ، ويَحْسن عندك القبيح. وكنت تكتب كل ما يقوله الأعراب من جيد الكلام وساقطه، لا تدع شيئا إلا نمصْتَه. وتدعي مع ذلك أنك أتْقَنُ القوم للغة وأعلمهم بالشعر وأحضَرهم حفظاً. وكنتَ تُقَاوي العلماء، وتسخر منهم. وقد بلغني أنك لقيتَ أبا زكريا الفراء، يوماً على الجسر ببغداد، فكلمتَه بطريقة لا تخلو من ازدراء وصلف. ثم قُيضَ لك من يسخر منك أمام الملأ دون أن تستطيع جوابا، وهو أبو عمر الجرْمي. فلم تكن تجرؤ على النطق بكلمة أمامه، لأنك تعرف أنه عالم لَسنٌ، قوي الحجة.
قال الأصمعي:
- إنما كنتُ أتجنب مناظرتَه، لأنه كان عالي الصوت. وقد كان الناس يسمونه " النبّاج "، أي الشديد الصياح.
قال الطاغية:
- ولكنك كنت تناظر الآخرين وتتعالم عليهم. ولذلك هجاك إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فقال:
أليس من العجائب أنَّ شخصاً = أصَيْمعَ باهلياً يستطيلُ؟
و يَزعم أنه قد كان يُفتي = أبا عمْرو و يسأله الخليلُ
فابتسم الأصمعي عند سماع ذلك الشعر ثم قال:
- لئن كان إسحاق الموصلي قد هجاني بهذين البيتين، فإنه أشاد بي في مجلس من المجالس وقال عني: " عجائب الدنيا معروفة معدودة، منها الأصمعي. " وأنت خير من يَعلم - أيها الطاغية - أن الأفاضل يُهْجَوْنَ ويُمدحون. ورحم الله الشاعرَ الذي قال:
هجوتُ ابنَ عبد القيس ثم مدحتهُ = و ما زالتِ الأشرافُ تُهْجى و تُمْدحُ
وقد هجاني آخرون غير إسحاق الموصلي - كما لا يخفى عليك - ومنهم اليزيدي، الذي قال:
أبنْ لي دعيَّ بني أصْمع = أقَفْرٌ رباعك أم آهلَهْ ؟
ومن أنتَ، هل أنتَ إلا امرؤٌ = إذا صحَّ أصلك منْ باهلهْ؟
قال الطاغية:
- وهجاك أيضا حُبيش بن عبدالرحمان الجرمي، الذي مشى في جنازتك وهو يقول:
لَعَنَ اللهُ أعظماً حمَلوها = نحو دار البلى على خشَباتِ
فأجابه الأصمعي وقد عقد ما بين حاجبيه:
- لقد توفاني الله كما تعلم - أيها الطاغية - سنة سبع عشرة ومائتين، وذلك بمدينة البصرة، بعد أن جاوزتُ الثمانين من العمر. وصلى عليّ الفضل بن إسحاق بن الحسن بن عباس، رحمنا الله أجمعين. أما الهجاء الذي ذكرتَه، فلعله من شاعر كان يحسدني على ذيوع صيتي وعلى علو مكانتي. والحق أنه كان لي حساد كثيرون، قبل موتي بزمن طويل، وذلك منذ أن بلغتُ ما بلغته من حظوة عند الخليفة هارون الرشيد. فقد كنتُ ألازمه - أنا والكسائي - نُقيم بمقامه ونظعن بظعنه. وكان الكسائي، مع أنه أحد القراء السبعة - يخشاني ويتحاشاني . وقد حدث أن أفحمتُه يوما في مجلس الرشيد، بعد أن اختلفنا حول بيت شعري، فارتبك الكوفي المسكين ولم يدر كيف يجيب. فلما رأى الرشيد ارتباكه وما هو فيه، قال لي: " يا أصمعي ما تُطاق في الشعر."
قال الطاغية :
- ولكني أراك نسيتَ ما فعله بك هارون الرشيد نفسه، يوم أمر باستقدامك في عز الليل، فلما جاء رجاله يطلبونك، داخلك من ذلك رعب شديد. وعندما مثلتَ بين يديه، رأيتَ أمامه طستا مغطى بمنديل، فأمرَ بكشفه فكُشف، فإذا فيه رأس جعفر بن يحيى البرمكي! ثم إنه قال لك بعد ذلك: " الحقْ بأهلك يابن قُرَيب." فنهضتَ وغادرتَ المكان وقد انفطر قلبك من الرعب!
فأطرق الأصمعي كأنما يستعيد في ذهنه تلك اللحظة الرهيبة، ثم خاطبَ الطاغيةَ بقوله:
- الحق أنه لم ينفطر قلبي من الرعب. بل إنني قلت في ذلك شعرا لا يخلو من جرأة على الخليفة، ومنه:
أيها المغرورُ هل لكْ = عبْرة في آل بَرْمَكْ ؟
عبرة لم ترها أنتَ = و لا قبْل أبٌ لكْ
قال الطاغية:
- وهل نسيتَ، يا أصمعي، ما فعله بك هارون الرشيد ، يوم كنتَ في مجلسه، فجاءت ابنة له صغيرة، فسألك: " من هذه يا أصمعي؟" فقلتَ: " لا أدري" فقال: " هذه مؤنسة، ابنة أمير المؤمنين، قُمْ فقَبّلْ رأسها " فخفتَ إن أنتَ فعلتَ ما أمرَك به أن تأخذه الغيرة فيقتلك، فقمتَ وما تَعقل ووضعتَ كمك على رأس الطفلة ثم وضعتَ كفك على كمك وقبلتَ كفك، فقال لك هارون الرشيد عندئذ: " أمَا والله لو أخطأتَها لقتلتُك!"
فأجابه الأصمعي:
- وما عساني أفعل؟ فهكذا أنتم معشر الطغاة، جُبلتم على الظلم والجبروت، في كل زمان ومكان.
فالتفت الطاغية جانباً وقال كمن يحدث نفسَه:
يا أمَة الله ألمْ تَسمعي = ما قال عبدُالملك الأصمعي؟
ثم استدار من جديد نحو الأصمعي وقال له:
- وكنتَ يا أصمعيّ بخيلاً، تجمع أحاديث البخلاء وتُحَدث بها وتوصي بها ولدك. وكان جعفر بن يحيى يعيبك برثاثة الهيئة. وقد دخل منزلَك يوما، وفي نيته أن يعطيك ألف دينار، فلما رأى سوءَ حالك ووسخ منزلك ورأى في دهليزك حَبّاً مكسورا، عدل عن نيته، لأن لسان النعمة أنطقُ من لسانك، ولأنك لا تتزيّا بزي أهل المروءات. مع أنك أنت القائل: " ستٌّ يُضْنينَ، بل يَقتلن: انتظار المائدة، ودمدمة الخادم، والسراج المظلم، والركن من أول الليل إلى آخره، وخلاف من تحب، والنظر إلى بخيل." وذات يوم ارتفعَتْ ضجة من دارك، يا أصمعي، فبادرَ الناس ليعرفوا ما الأمر، وكان معهم أبو عبيدة، فقال لهم: " إنما يَفعلون ذلك في دار الأصمعي، إذا فَقَدوا رغيفاً."
ثم إن الطاغية أشار إلى صاحب شرطته، بعد لحظات من الصمت والتوجس، وخاطبه بقوله: "اجعله يبيت الليلة في أحد المخافر القريبة، فإذا كان الصباح فتعال إلي لتسمع قراري النهائي بشأنه."