قال سهل بن إبراهيم بن الحسن:
كان الشاعر تَميم بن أبَيّ بن مُقْبل قد ذُكرَ لابن علي فكتبَ بإشخاصه، فدخل عليه مُقَيّداً، وعنده يحيى بن نوفل و هشام بن حسان الأزدي، فنظر الطاغية إلى تميم وقال له:
- يا تميم، بلَغَني أنك بقيتَ تَحنُّ إلى الجاهلية بعد إسلامك وتَبْكي أهلها وترثيهم في شعرك.
قال تميم:
- أيها الطاغية، أنا قلتُ الشعر في الجاهلية وقلتُ الشعر في الإسلام، والناس فهموا منه ما أرادوا، فكيف ألامُ على اختلافهم في التأويل؟
فنظر إليه ابن علي نظرة منكرة ثم قال:
- وتزوجتَ ( الدهماء)، امرأةَ أبيك، بعد موته وتغزَّلتَ بها ما طاب لك الغزل...
فأجابه تميم ، غير هياب:
- أخبرني أيها الطاغية، هل أمرتَ بإشخاصي من زمني البعيد وجشمتَني كل هذا العناء ووضعتَني في القيود، كي تجادلني في أمور الغزل والزواج؟
قال ابن علي:
- وكنتَ مزهوا بشعرك ، مع أنك من أصحاب البيت الواحد، فلا يكاد الناس يروون لك سوى قولك:
ما أطيبَ العيشَ لوْ أنَّ الفتى حَجَرٌ = تَنْبو الحوادثُ عنه و هْوَ مَلْمومُ
فعندئذ قال يحيى بن نوفل للطاغية و كان يجلس عن يساره :
- يا سيدي، إن له الكثير من الشعر الجيد، فمنه رائيته على البسيط، التي يبدأها بقوله ( يا حرَّ أمسيتُ شيخاً قدْ وهىٰ بصري ). وهي من عيون الشعر العربي. وفيها أبيات عجيبة في الشكوى من الدهر.
قال هشام بن حسان الأزدي:
- صدقَ يحيى أيها الطاغية الهمام. تلك قصيدة جيدة. وأنا أرويها منذ صباي الأول. وفيها أبيات رائعة في الشكوى من الدهر، منها:
قالت سُلَيمى ببطن القاع منْ سُرُجٍ = لا خير في العيش بعد الشيب و الكبَرِ
كان الشبابُ لحاجاتٍ و كُنَّ لهُ = فقدْ فرغتُ لحاجاتيَ الأُخَرِ
ومنها:
يا حرّ منْ يعتذرْ منْ أنْ يُلمَّ بهِ = ريبُ الزمان فإني غيرُ معتذرِ
يا حرَّ أمسى سوادُ الرأس خالَطَهُ = شيبُ القذالِ اختلاطَ الصفو بالكدَرِ
يا حرّ أمستْ تَليّاتَُ الصبا ذهبتْ = فلستُ منها على عينٍ و لا أثَرِ
فقال ابن علي:
- لو كانت هذه الرائية جيدة كما تقولان، لأثبتَها الأصمعي في " الأصمعيات، أو المفضل الضبي في المفضليات....
ثم إنه التفتَ إلى تميم وقال له:
- يا تميم، اعلم أن ابن قتيبة لم يذكرك في كتاب ( الشعر والشعراء). أما ابن سلام الجمحي، فقد نعتك بأنك كنتَ رقيق الدين بعد إسلامك. كما أنه جعلك في الطبقة الخامسة من فحول الجاهلية، مع خداش بن زهير والأسود بن يعفر والمخبل السعدي...
قال تميم:
- ولكن بلغني أن شاعرا نصرانيا يدعى الأخطل كان يفضلني على سائر الشعراء. وكان يحب على الخصوص قصيدتي النونية على البسيط، التي أقول فيها
فقلتُ للقوم : سِيروا لا أبا لكمُ = أرى منازلَ ليلى لا تُحَيّينا
ومن أبيات هذه القصيدة :
عرجتُ فيها أحيّيها و أسألها = فكدْنَ يُبْكينني شوقاً و يَبْكينا
فقاطعه الطاغية قائلا:
- أمامك وقت طويل للبكاء...
ثم إنه أشار إلى صاحب شرطته أن يقترب، فلما دنا منه خاطبه قائلا:
- سَيّرْ عدو الله إلى الكثيب حالاً... وضعه في زنزانة واحدة مع الشاعر النجاشي...
قال سهل بن إبراهيم بن الحسن :
فأدركنا عندئذ أن الطاغية إنما يتمادى بذلك في إغاظة تميم بن مقبل. أوَ ليس الشاعر النجاشي هو الذي هجا رهط هذا الشاعر المعتقَل بقوله:
قُبَيّلةٌ لا يغدرون بذمة = و لا يظلمون الناسَ حبةَ خردلِ
كان الشاعر تَميم بن أبَيّ بن مُقْبل قد ذُكرَ لابن علي فكتبَ بإشخاصه، فدخل عليه مُقَيّداً، وعنده يحيى بن نوفل و هشام بن حسان الأزدي، فنظر الطاغية إلى تميم وقال له:
- يا تميم، بلَغَني أنك بقيتَ تَحنُّ إلى الجاهلية بعد إسلامك وتَبْكي أهلها وترثيهم في شعرك.
قال تميم:
- أيها الطاغية، أنا قلتُ الشعر في الجاهلية وقلتُ الشعر في الإسلام، والناس فهموا منه ما أرادوا، فكيف ألامُ على اختلافهم في التأويل؟
فنظر إليه ابن علي نظرة منكرة ثم قال:
- وتزوجتَ ( الدهماء)، امرأةَ أبيك، بعد موته وتغزَّلتَ بها ما طاب لك الغزل...
فأجابه تميم ، غير هياب:
- أخبرني أيها الطاغية، هل أمرتَ بإشخاصي من زمني البعيد وجشمتَني كل هذا العناء ووضعتَني في القيود، كي تجادلني في أمور الغزل والزواج؟
قال ابن علي:
- وكنتَ مزهوا بشعرك ، مع أنك من أصحاب البيت الواحد، فلا يكاد الناس يروون لك سوى قولك:
ما أطيبَ العيشَ لوْ أنَّ الفتى حَجَرٌ = تَنْبو الحوادثُ عنه و هْوَ مَلْمومُ
فعندئذ قال يحيى بن نوفل للطاغية و كان يجلس عن يساره :
- يا سيدي، إن له الكثير من الشعر الجيد، فمنه رائيته على البسيط، التي يبدأها بقوله ( يا حرَّ أمسيتُ شيخاً قدْ وهىٰ بصري ). وهي من عيون الشعر العربي. وفيها أبيات عجيبة في الشكوى من الدهر.
قال هشام بن حسان الأزدي:
- صدقَ يحيى أيها الطاغية الهمام. تلك قصيدة جيدة. وأنا أرويها منذ صباي الأول. وفيها أبيات رائعة في الشكوى من الدهر، منها:
قالت سُلَيمى ببطن القاع منْ سُرُجٍ = لا خير في العيش بعد الشيب و الكبَرِ
كان الشبابُ لحاجاتٍ و كُنَّ لهُ = فقدْ فرغتُ لحاجاتيَ الأُخَرِ
ومنها:
يا حرّ منْ يعتذرْ منْ أنْ يُلمَّ بهِ = ريبُ الزمان فإني غيرُ معتذرِ
يا حرَّ أمسى سوادُ الرأس خالَطَهُ = شيبُ القذالِ اختلاطَ الصفو بالكدَرِ
يا حرّ أمستْ تَليّاتَُ الصبا ذهبتْ = فلستُ منها على عينٍ و لا أثَرِ
فقال ابن علي:
- لو كانت هذه الرائية جيدة كما تقولان، لأثبتَها الأصمعي في " الأصمعيات، أو المفضل الضبي في المفضليات....
ثم إنه التفتَ إلى تميم وقال له:
- يا تميم، اعلم أن ابن قتيبة لم يذكرك في كتاب ( الشعر والشعراء). أما ابن سلام الجمحي، فقد نعتك بأنك كنتَ رقيق الدين بعد إسلامك. كما أنه جعلك في الطبقة الخامسة من فحول الجاهلية، مع خداش بن زهير والأسود بن يعفر والمخبل السعدي...
قال تميم:
- ولكن بلغني أن شاعرا نصرانيا يدعى الأخطل كان يفضلني على سائر الشعراء. وكان يحب على الخصوص قصيدتي النونية على البسيط، التي أقول فيها
فقلتُ للقوم : سِيروا لا أبا لكمُ = أرى منازلَ ليلى لا تُحَيّينا
ومن أبيات هذه القصيدة :
عرجتُ فيها أحيّيها و أسألها = فكدْنَ يُبْكينني شوقاً و يَبْكينا
فقاطعه الطاغية قائلا:
- أمامك وقت طويل للبكاء...
ثم إنه أشار إلى صاحب شرطته أن يقترب، فلما دنا منه خاطبه قائلا:
- سَيّرْ عدو الله إلى الكثيب حالاً... وضعه في زنزانة واحدة مع الشاعر النجاشي...
قال سهل بن إبراهيم بن الحسن :
فأدركنا عندئذ أن الطاغية إنما يتمادى بذلك في إغاظة تميم بن مقبل. أوَ ليس الشاعر النجاشي هو الذي هجا رهط هذا الشاعر المعتقَل بقوله:
قُبَيّلةٌ لا يغدرون بذمة = و لا يظلمون الناسَ حبةَ خردلِ