جاء في كتاب " الأذن الصاغية لأخبار الطاغية " لابن سعد اليافعي:
قال خلف الأحمر:
لمّا عَلمتُ أن ابن علي واجدٌ علَيّ - بسبب ما وضعْتُهُ من قصائد على ألسنة الشعراء الأقدمين - اختفيتُ عن الأنظار ومكثتُ في بيتي سنةً لا أخرج. فلمّا لم أسمعْ أحداً يَذكرني في السنة، أمنْتُ وخرجتُ وصليتُ الجمعة في الجامع الكبير بنجدان، فإذا ثلاثةُ من الرجال قد وقفوا علَيّ، وقالوا: " يا خلف، أجب ابنَ علي " فاستسلمْتُ في أيديهمْ، ثم صرتُ إلى الطاغية وهو في الإيوان الأكبر، فدخلتُ عليه فوجدتُهُ جالساً على طنفسة حمراء وعليه ثياب من حرير أحمر، وقد ضُمِّخَ بالمسك، فسلمتُ عليه فردَّ السلام، ثم استَدْناني فدنوتُ منه، فقال لي:
- يا عدُوّ نفسه، كيف تعمل القصائد، تَسلك فيها ألفاظَ العرب القدماء ثم تَنْحلها أعيان الشعراء فلا يفرق العلماء والرواةُ بين ألفاظك وألفاظهم؟ وقد أخبرني من أثق فيه أنك أنت الذي وضعتَ قصيدة:
( إنّ بالشِّعْب الذي دون سلْعٍ = لقتيلاً دمهُ ما يُطَلُّ)
ثم نسبْتَها لتأبط شرا. وأنت الذي وضعت القصيدة المعروفة بلامية العرب وهي:
( أقيموا بني أمي صدور مطيكم = فإني إلى قوم سواكم لأمْيَلُ)
ونسبتَها للشنفرى. كما أنك وضعتَ على النابغة القصيدةَ التي منها:
( خيلٌ صيام و خيل غير صائمة = تحت العجاج و أخرى تعلك اللجما)
ولم تكتف بوضع القصائد لكنك كنتَ تصنع لها الأخبار والأحاديث المناسبة....
قلت:
- يابن علي، إذا كان الحديث موضوعا كان على ما يشتهي الناس، وإذا كان حقّاً كان على ما يكرهون. وقد كان هناك ناس كثيرون يضعون الأشعار ويلفقون الأخبار، ومنهم في البصرة شخص يدعى شوكر وآخر يدعى ابن دأب. وقد ذكرتهما معا في قصيدة من قصائدي، حين قلت:
( أحاديثُ ألَّفَها شوكرٌ = و أخرى مؤلفة لابن داب)
فرمقني الطاغية المستبد بنظرة نارية وقال:
- أنا أعرف قصيدتك هذه التي هجوت بها أبا العيناء. وفيها تصفه بقولك:
( أشدّ لجاجاً من الخنفساء = و أزهى إذا ما مشى من غراب)
وأما عن الأشعار المنحولة والأحاديث الموضوعة و الأخبار الكاذبة، فاعلم أنه لا يروي الباطل عمداً إلا أهل الباطل... ووالله لولا أن أبا نواس رثاك بقصيدة على المنسرح لألقيتُ بك اليوم في غياهب سجن الكثيب.
قال خلف الأحمر:
فلما سمعت ذلك الكلام من طاغية نجدان، طمعت في النجاة وقلت له:
- يابن علي، إن أبا نواس لم يَرْثني بعد موتي، ولكنه رثاني وأنا حي.
فنظر إلي الطاغية مستغربا ثم سألني قائلاً:
- وكيف كان ذلك ؟
قلت:
- كنتُ معه ذات يوم، فطلبتُ منه أن يرثيني وأنا حي حتى أسمع ، فرثاني بالأرجوزة التي مطلعها ( لو كان حيّ وائلاً منَ التلَفْ) فاستحسنْتُها وقلت له: " مليحة إلا أنها رجز، وأنا أحبُّ أن تكون قصيدة ". فعندئذ قال يَرثيني على المنسرح:
( بتُّ أعزي الفؤاد عن خلف = و بات دمعي إنْ لا يفضْ يَكفِ)
( أنسى الرزايا ميْتٌ فُجعتُ به = أمسى رهين التراب في جدَف)
( و كان ممن مضى لنا خلف = فليس منه إذْ بانَ منْ خلف)
فلما سمع الطاغية المستبد شعرَ أبي نواس على المنسرح انطلقت أساريره وزال غضبه وقال لي:
- يا أبا محرز، قد صفحت عنك، على الرغم من أنك بصري المولد والنشأة. ولكنك لن تغادر إيواني هذا حتى تجمع لي مختارات من الشعر العربي القديم على المنسرح، على ألا يكون عدد هذه القصائد...
قال خلف الأحمر:
- فلما هممتُ بمغادرة المجلس، سمعت الطاغية يقول:
- يا خلف، إني أحذرك من مغبة الانتحال ...
قال خلف الأحمر:
لمّا عَلمتُ أن ابن علي واجدٌ علَيّ - بسبب ما وضعْتُهُ من قصائد على ألسنة الشعراء الأقدمين - اختفيتُ عن الأنظار ومكثتُ في بيتي سنةً لا أخرج. فلمّا لم أسمعْ أحداً يَذكرني في السنة، أمنْتُ وخرجتُ وصليتُ الجمعة في الجامع الكبير بنجدان، فإذا ثلاثةُ من الرجال قد وقفوا علَيّ، وقالوا: " يا خلف، أجب ابنَ علي " فاستسلمْتُ في أيديهمْ، ثم صرتُ إلى الطاغية وهو في الإيوان الأكبر، فدخلتُ عليه فوجدتُهُ جالساً على طنفسة حمراء وعليه ثياب من حرير أحمر، وقد ضُمِّخَ بالمسك، فسلمتُ عليه فردَّ السلام، ثم استَدْناني فدنوتُ منه، فقال لي:
- يا عدُوّ نفسه، كيف تعمل القصائد، تَسلك فيها ألفاظَ العرب القدماء ثم تَنْحلها أعيان الشعراء فلا يفرق العلماء والرواةُ بين ألفاظك وألفاظهم؟ وقد أخبرني من أثق فيه أنك أنت الذي وضعتَ قصيدة:
( إنّ بالشِّعْب الذي دون سلْعٍ = لقتيلاً دمهُ ما يُطَلُّ)
ثم نسبْتَها لتأبط شرا. وأنت الذي وضعت القصيدة المعروفة بلامية العرب وهي:
( أقيموا بني أمي صدور مطيكم = فإني إلى قوم سواكم لأمْيَلُ)
ونسبتَها للشنفرى. كما أنك وضعتَ على النابغة القصيدةَ التي منها:
( خيلٌ صيام و خيل غير صائمة = تحت العجاج و أخرى تعلك اللجما)
ولم تكتف بوضع القصائد لكنك كنتَ تصنع لها الأخبار والأحاديث المناسبة....
قلت:
- يابن علي، إذا كان الحديث موضوعا كان على ما يشتهي الناس، وإذا كان حقّاً كان على ما يكرهون. وقد كان هناك ناس كثيرون يضعون الأشعار ويلفقون الأخبار، ومنهم في البصرة شخص يدعى شوكر وآخر يدعى ابن دأب. وقد ذكرتهما معا في قصيدة من قصائدي، حين قلت:
( أحاديثُ ألَّفَها شوكرٌ = و أخرى مؤلفة لابن داب)
فرمقني الطاغية المستبد بنظرة نارية وقال:
- أنا أعرف قصيدتك هذه التي هجوت بها أبا العيناء. وفيها تصفه بقولك:
( أشدّ لجاجاً من الخنفساء = و أزهى إذا ما مشى من غراب)
وأما عن الأشعار المنحولة والأحاديث الموضوعة و الأخبار الكاذبة، فاعلم أنه لا يروي الباطل عمداً إلا أهل الباطل... ووالله لولا أن أبا نواس رثاك بقصيدة على المنسرح لألقيتُ بك اليوم في غياهب سجن الكثيب.
قال خلف الأحمر:
فلما سمعت ذلك الكلام من طاغية نجدان، طمعت في النجاة وقلت له:
- يابن علي، إن أبا نواس لم يَرْثني بعد موتي، ولكنه رثاني وأنا حي.
فنظر إلي الطاغية مستغربا ثم سألني قائلاً:
- وكيف كان ذلك ؟
قلت:
- كنتُ معه ذات يوم، فطلبتُ منه أن يرثيني وأنا حي حتى أسمع ، فرثاني بالأرجوزة التي مطلعها ( لو كان حيّ وائلاً منَ التلَفْ) فاستحسنْتُها وقلت له: " مليحة إلا أنها رجز، وأنا أحبُّ أن تكون قصيدة ". فعندئذ قال يَرثيني على المنسرح:
( بتُّ أعزي الفؤاد عن خلف = و بات دمعي إنْ لا يفضْ يَكفِ)
( أنسى الرزايا ميْتٌ فُجعتُ به = أمسى رهين التراب في جدَف)
( و كان ممن مضى لنا خلف = فليس منه إذْ بانَ منْ خلف)
فلما سمع الطاغية المستبد شعرَ أبي نواس على المنسرح انطلقت أساريره وزال غضبه وقال لي:
- يا أبا محرز، قد صفحت عنك، على الرغم من أنك بصري المولد والنشأة. ولكنك لن تغادر إيواني هذا حتى تجمع لي مختارات من الشعر العربي القديم على المنسرح، على ألا يكون عدد هذه القصائد...
قال خلف الأحمر:
- فلما هممتُ بمغادرة المجلس، سمعت الطاغية يقول:
- يا خلف، إني أحذرك من مغبة الانتحال ...