رسالة إلى صديقي ولد علي:
ما أجمل أن تجلسني ياصديقي في باليما مع العصافير! حتى وإن جعلتني ضحية لسلطان باليما. وما أغراني به وفتنني إلا شعرك، ولستُ بأول من خدعه الشعر، والشعر خدّاع. وما أجمل أن يكون جنيّ المرقش عصفورا، وقد جعلتني أحلم بجني صغير كالعصفور أضعه في قفص بجانب سريري، وأطعمه من خبزي، فأنا آكل ( المسّوس ) تجنبا للضغط، وأسقيه الجَدَف، والجَدَف شراب الجن، وهو كل شراب لا يُغطّى... ثم أسامره الليل كله أستلهمه وأكتب عنه. وأنا أميل ياصديقي إلى ما هدل به الجني العصفور من أننا ألهانا العروض في ميمية المرقش عن ترقيش القصيدة لغة وصورا ومعاني، وهل سمي المرقش إلا لأنه يحبّر القصائد وينمقها ويبدع في صوغها وسبكها؟، وهو بعدُ رأسُ بيتٍ من بيوتات الشعر الجاهلي المنعوتة، فهو عم مرقش الأصغر الشاعر الرقيق، ومرقش الأصغر عم طرفة ويكفي اسمه ليهتز الشعر العربي كله طربا وفخرا. والشعر كالذهب عِرق. وما أعمق قول المرقش في هذه القصيدة:
( لو كان حي ناجيا لنجا = من يومه المزلم الأعصمْ
في باذخات من عماية أو = يرفعه دون السماء خيم
من دونه بيض الأنوق وفو = قه طويلُ المنكبين أشم
يرقاه حيث شاء منه وإ = ما تُنسِه منيةٌ يهرم
فغاله ريبُ الحوادث ح = تى زلَّ عن أرياده فحُطم
ليس على طول الحياة ندم = ومن وراء المرء ما يعلم
يهلك والد ويخلف مو = لودٌ وكل ذي أب ييتم... )
هل انتبهت إلى كثرة التدوير في هذه القصيدة؟ وما أروع وأحكم البيت الذي ختـم به:
( يأتي الشبابُ الأقورين ولا = تَغبطْ أخاك أن يُقالَ حَكَمْ )،
والأقورين هي الدواهي، و( حكم ) بمعنى: أصبح حكيما، فهذه الجملة الصغيرة المدورة كماسة ( لا تغبط أخاك أي يقال حكم ) هي التي احتاج المتنبي فيما بعد وهو من هو إلى بيت كامل ليعبرعنها:
( ليت الحوادث أعطتني الذي أخذت = مني بحلمي الذي أعطت وتجريبي )
ثم إنني مع المرقش في روايته لبيت امرئ القيس ( فاليوم أشربُ... ). وأنا أعتقد ياصديقي أن الأبيات التي أوردتها في آخر نصك الجميل من بحر السريع، والسرعة كما تعرف سرعات، وليست سرعة السلحفاة كسرعة عويطة، ولنسأل عن ذلك زينون الإيلي. وياللأسف، أخذ المرقش عصفوره وانصرف. فلنظن خيرا ولننتظر العصفور.
ما أجمل أن تجلسني ياصديقي في باليما مع العصافير! حتى وإن جعلتني ضحية لسلطان باليما. وما أغراني به وفتنني إلا شعرك، ولستُ بأول من خدعه الشعر، والشعر خدّاع. وما أجمل أن يكون جنيّ المرقش عصفورا، وقد جعلتني أحلم بجني صغير كالعصفور أضعه في قفص بجانب سريري، وأطعمه من خبزي، فأنا آكل ( المسّوس ) تجنبا للضغط، وأسقيه الجَدَف، والجَدَف شراب الجن، وهو كل شراب لا يُغطّى... ثم أسامره الليل كله أستلهمه وأكتب عنه. وأنا أميل ياصديقي إلى ما هدل به الجني العصفور من أننا ألهانا العروض في ميمية المرقش عن ترقيش القصيدة لغة وصورا ومعاني، وهل سمي المرقش إلا لأنه يحبّر القصائد وينمقها ويبدع في صوغها وسبكها؟، وهو بعدُ رأسُ بيتٍ من بيوتات الشعر الجاهلي المنعوتة، فهو عم مرقش الأصغر الشاعر الرقيق، ومرقش الأصغر عم طرفة ويكفي اسمه ليهتز الشعر العربي كله طربا وفخرا. والشعر كالذهب عِرق. وما أعمق قول المرقش في هذه القصيدة:
( لو كان حي ناجيا لنجا = من يومه المزلم الأعصمْ
في باذخات من عماية أو = يرفعه دون السماء خيم
من دونه بيض الأنوق وفو = قه طويلُ المنكبين أشم
يرقاه حيث شاء منه وإ = ما تُنسِه منيةٌ يهرم
فغاله ريبُ الحوادث ح = تى زلَّ عن أرياده فحُطم
ليس على طول الحياة ندم = ومن وراء المرء ما يعلم
يهلك والد ويخلف مو = لودٌ وكل ذي أب ييتم... )
هل انتبهت إلى كثرة التدوير في هذه القصيدة؟ وما أروع وأحكم البيت الذي ختـم به:
( يأتي الشبابُ الأقورين ولا = تَغبطْ أخاك أن يُقالَ حَكَمْ )،
والأقورين هي الدواهي، و( حكم ) بمعنى: أصبح حكيما، فهذه الجملة الصغيرة المدورة كماسة ( لا تغبط أخاك أي يقال حكم ) هي التي احتاج المتنبي فيما بعد وهو من هو إلى بيت كامل ليعبرعنها:
( ليت الحوادث أعطتني الذي أخذت = مني بحلمي الذي أعطت وتجريبي )
ثم إنني مع المرقش في روايته لبيت امرئ القيس ( فاليوم أشربُ... ). وأنا أعتقد ياصديقي أن الأبيات التي أوردتها في آخر نصك الجميل من بحر السريع، والسرعة كما تعرف سرعات، وليست سرعة السلحفاة كسرعة عويطة، ولنسأل عن ذلك زينون الإيلي. وياللأسف، أخذ المرقش عصفوره وانصرف. فلنظن خيرا ولننتظر العصفور.