ثَلَاثَةُ أَعْوَامٍ اِنْقَضَتْ بِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ غَايَةً فِي الرَّوْعَةِ وَ الْبَهَاءِ مُذْ أَنْ اِبْتَاعَهُ مِنْ أَحَدِ بَاعَةِ الطُّيُورِ الْجَوَّالِينَ . أَحَاطَهُ بَالدَّلَالِ وَ هُوَ فَرْخٌ صَغِيرٌ لَا يَـقْوَى عَلَى حَمْلِ جَسَدِهِ ، وَ رِيشُهُ فِي طَوْرِ الزَّغَبِ . يُطْعِمُهُ بِيَدِهِ وَ يَرْوِي ظَمَأَهُ بِفَمِهِ حَتَّى أَصْبَحَ قَادِرًا عَلَى التَّغْرِيدِ وَ الطَّيَرَانِ وَ الْاعْتِمَادِ عَلَى ذَاتِهِ . يَحْمِلُهُ مَعَهُ إِلَى دُكَّانِهِ وَ يُلَاطِفُهُ فِي الْبَيْتِ، لَا يَفْتَرِقَا إِلَّا أَثْـنَاءَ النَّوْمِ . حِينَ يُطْلِقُهُ حُرًّا لِيَسْتَمْتِعَ مَعَ أَقْرَانِهِ مِنَ الطُّيُورِ فَوْقَ الشَّجَرَةِ يَعُودُ بَعْدَ دَقَائِقَ إِلَى حِضْنِ مُرَبِّيهِ، مُفَضِّلًا عِشْقَهُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ . اِمْتَزَجَتْ رُوحَاهُمَا وَ تَعَمَّقَتِ الْوَشِيجَةُ بَيْنَهُمَا وَ أَصْبِحَ الْفِرَاقُ ضَرْبًا مِنَ الْخَيَالِ . فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ قَبْلَ بُزُوغِ الْفَجْرِ أَسْلَمَ الرَّجُلُ الرُّوحَ لِبَارِيهَا دُونَ أَنْ يُعَانِي مِنْ أَيَّةِ عِلَّةٍ تُذْكَرُ، لِيَكْتَشِفَ الْأَهْلُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّ الطَّيْرَ هُوَ الْآخَرُ قَدْ فَارَقَ الْحَيَاةَ أَيْضًا وَ هُوَ بِكَامِلِ عَافِيَتِهِ!.