حَالَمَا أَنْهَيْتُ مَهَمَّتِي فِي السُّوقِ وَ عِنْدَ عَوْدَتِي إِلَى مَسْكَنِي ، لَمَحْتُ جَمْهَرَةً مِنَ الرِّجَالِ مُلْتَـفِّينَ حَوْلَ صَائِدِ زَرَازِيرٍ وَ هُوَ مُتَـقَرْفِصٌ مُعْتَزٌّ اِعْتِزَازًا بِقَفَصِهِ الْمَحْشُوِّ بِتِلْكَ الْكَائِنَاتِ الْبَرِّيَّةِ الْبَرِيئَةِ الْمُهَاجِرَةِ الْجَائِعَةِ الْعَطْشَى.يُجَادِلُونَهُ عَنْ فِدْيَةِ فَكِّ أَسْرِهَا وَسَطَ فَوْضَى زَرْزَرَاتِهَا الَّتِي صَمَّتِ الْآذَانَ . اِنْضَمَمْتُ إِلَيْهِمْ لَاشُعُورِيًّا فِي مَسْعَاهُمُ النَّبِيلِ هَذَا مُسْتَذْكِرًا حَالِي قَبْلَ عُقُودٍ مَضَتْ يَوْمَ اِحْتُجِزْتُ لِسَاعَاتٍ فِي أَحَدِ مَرَاكِزِ الشُّرْطَةِ بِسَبَبِ شِجَارٍ نَشَبَ بَيْنَ الْجِيرَانِ . بَعْدَ أَخْذٍ وَ رَدٍّ ، شَدٍّ وَ جَذْبٍ لَمْ نَتَوَصَّلْ إِلَى حَلٍّ يُرْضِي الطَّرَفَيْنِ . فَاتَّـفَقْنَا فِيمَا بَيْنَنَا عَلَى أَنْ يُخَيَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ فَكَّ أَسْرِ عَدَدٍ مِنْهَا حَسَبَ إِمْكَانِيَاتِهِ ، وَ كَمْ كَانَ الْمَشْهَدُ سَاحِرًا مُؤَثِّرًا وَ نَحْنُ نَتَطَلَّعُ نَحْوَهَا وَ هِيَ تَخْتَرِقُ السَّمَاءَ مُطْلِقَةً أَجْنِحَتَهَا نَحْوَ الْعَنَانِ تَوْقًا لِلْحُرِّيَةِ . وَ قَبْلَ أَنْ أَحْجِزَ مَقْعَدًا فِي سَيَّارَةِ الأُجْرَةِ الَّتِي سَتُـقِلُّنِي إِلَى الْمَنْزِلِ مَدَدْتُ يَدَيَّ فِي جُيُوبِي فَوَجَدْتُهَا خَاوِيَةً و كَذَلِكَ مِحْفَظَتِي الَّتِي كَرَّرَتْ خِذْلَانَهَا لِي . تَـثَاقَلَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا الْحَرَكَةُ فِي الْأَسْوَاقِ بَعْدَ اِشْتِدَادِ حِدَّةِ الْبَرْدِ وَ هُطُولِ أَمْطَارٍ غَزِيرَةٍ،فَأَغْلَقَتْ مُعْظَمُ الْمَحَالِّ أَبْوَابَهَا قُبَيْلَ الْغُرُوبِ وَ غَدَتِ الطُّرُقَاتُ شُبْهَ خَالِيَةٍ مِنَ الْمَارَّةِ و السَّيَّارَاتِ فَتَلَاشَتْ فِكْرَةُ الْلُّجُوءِ إِلَى مُعِينٍ طَلَبًا لِلْمُسَاعَدَةِ،مِمَّا اِضْطَرَّنِي إِلَى الْانْتِظَارِ زَمَنًا رَيْثَمَا تَأْتِي نَجْدَةٌ مَا بَعْدَ مُعَانَاةٍ!.