ذهبت الى العرافة, وضعت ورق اللعب على صدري ورددت وراءها “هاقلبي, هاتخمامي …”. تجشأت كثيرا وقالت انه بيني وبينه سحرا جعله يهرب مني. لكنها أكدت لي أنه سيعود وعندها سأكون ملزمة ”بذبيحة كبيرة” و “ليلة كناوية”. لم أفهم جيدا معنى “ذبيحة كبيرة” لكن حركت رأسي بالموافقة. ثم قوست حاجبيها, و أغمضت عينيها وأخذت تحرك شفتيها بسرعة , تكلم أشخاصا تراهم هي فقط. وأخبرتني أن جنيا أسود يدعى”ميمون” سكن جسدي هو السبب في كل ما يحدث لي. شعرت بالفزع لمجرد التفكير أنني اقتسم هذا الجسد النحيل مع جني أسود مشاغب. خرجت من بيتها الذي كان بحجم خم للدجاج. علقت بثيابي رائحة البخور.اللعنة.
أخذت رزمة من الاوراق المالية وأعطتني بدلا عنها شموعا. بيت العرافة يقع في ازقة ملتوية و متشعبة كالمتاهة. وأنا سأدخل متاهة و حروبا أخرى مع الجن و العفاريت كأنه لا تكفيني معاركي مع الانس, حتى ازج بنفسي في معارك مع الجن. اشعلت الشموع لكي يشتعل حبه من جديد, لكنه لم يأت. بدأت أفكر جديا في اقامة ”ليلة كناوية” وزيارة الولي “بويا عمر”.
أنظر من نافذة غرفتي ,قطتي أصبحت تمشي بصعوبة بعدما ازداد بطنها انتفاخا فأصبح بحجم اجاصة. أبي طردها من البيت وأنا أقدم لها الطعام خلسة. تركت البيت منذ مدة لتلحق قطا أجرب أغواها, و بعد ذلك عادت تتمسح بي . أنا كذلك تركت العالم بأسره وتبعته. لم يكن وسيما . كان يشبه دبا صغيرا أصلع بكرش مرتخية تخفي أعضاءه التناسلية, ومِؤخرة ضخمة ووجه مدور. كنت دائما أكره الرجال ذوي المؤخرات الضخمة و الوجوه المدورة. فكيف أحببته؟ هو هكذا الحب دائما يأتي بلا موعد. الحب كالموت , كالمرض يأتي دائما حين لا ننتظره و في الاوقات و الاماكن الاكثر غرابة. الحب يجعلنا نتصرف كالاطفال بلا منطق. لماذا لا يخترعون مصلا ضد الاصابة بالحب؟
أحس بالبرد . أنظر الى السماء. تبدو سوداء هجرتها النجوم. ستمطر لا محالة. أعطس ثلاث عطسات, سأ صاب بنزلة برد . لا احب فصل الشتاء , فصل الانوف الحمراء والازقة الموحلة. عندما كنت طفلة كنت احب فصل الشتاء. أخرج برفقة “اولاد الدرب”, نصرخ بفرح لا يضاهيه اي فرح , ”آشتاتاتا أصبي صبي”. صوت “نعيمة سميح” المنبعث من الراديو الصغير, يبدو مرتخيا وملتويا. البطارية توشك على النفاذ, “ياك آجرحي جريت وجاريت”.
هو لا يحب “نعيمة سميح” و ” أم كلثوم”. يقول أن هذه النوعية من الاغاني تجعله يتثاءب. كيفت حياتي حسب رغباته و أهوائه ومزاجه. لا نخرج الا حين يريد هو. لا نرتاد سوى الاماكن التي يرتاح لها هو . رغباتي انا مزاجي انا…. لا يهم فيما بعد… فيما بعد.
أسمع آذان الفجر, يجعلني أشعر برغبة في البكاء. أتمنى لو أبكي بصوت مرتفع و أركل الارض بقدمي كما كنت أفعل و أنا طفلة , فتأتي أمي و تضعني في حجرها و تهدهدني و تغني بصوت خفيض, ” الله الله محمد رسول الله”, فأرتاح وأنام .أسمع خطوات أمي متجهة الى الحمام لكي تتوضأ.أبي يصلي في رمضان فقط. أما هو فحين سألته لماذا لا يصلي, قال انه يؤمن بالله وكفى, وليس في حاجة الى اثبات ذلك خمس مرات في اليوم.
عندما جاء لخطبتي, رأته أمي من فتحة الباب, ضربت خديها بكفيها حتى ارتسمت أصابع عشرة على وجهها, وقالت,” لازين ولامجي بكري”. لكنك أمي دائما ترددين, ”الرس المغطي احسن من الراس العريان”., ثم انني احبه.عاودت النظر اليه من فتحة الباب. بدا وسيما في قميصه الاصفر. تذكرت انني اكره اللون الاصفر. لون الاسنان الصفراء المتعفنة والابتسامة الصفراء المنافقة,و” للاميرا” الجنية التي تعشق الاصفر.أبي بدا ممتعضا هو الاخر. أخذ يعبث بالشعيرات الاربعة التي نبتت فوق صدره بلا مناسبة.نفث دخان سيجارته في وجهي وقال ” انها عملية خاسرة بالتأكيد”. لكن أبي, متى كانت العواطف تحسب بآلة حاسبة؟ هل أكلم اأبي ام تاجرا في سوق الخردة؟
نظر الي و أكمل ” ثم انه موظف”. نطقها كأنها سبة أو تهمة, لكنني أحبه. هز كتفيه وقال ”اذهبي الى الجحيم … جيل ما كيحشمش”. و هل تخجل انت ابي عندما زوجتني و أنا بعد طفلة بجديلتين؟ كسبت يومها من وراء تزويجي / بيعي كثيرا. أتذكريومها جاءت أمي أخذتني الى الحمام, غسلت جسمي و نتفت شعر ابطي و عانتي, وقالت لي كلاما احمر له وجهي خجلا. وخضبت النساء يدي بالحناء و كحلن عيني… كانت زغاريدهن أشبه بالصراخ والولولة. وبعدها وجدت نفسي أمام رجل طويل جدا. أول شيء فعله صفعني وقال ” نهار الاول يموت المش”. وعرفت بعد ذلك انني المش او القط الذي يجب ان يموت. هذا كل ما أعرفه عن الزواج,حمام ,حناء وزغاريد ورجل يصفعك لكي يثبت أنه الاقوى, وبعد ذلك يملأ بطنك أطفالا و يهرب. زوجي الاول هرب وترك لي خازوقا. وهذا الذي أحببته هرب و ترك لي خازوقا آخر, كلهم يهربون عندما تصبح الامور جادة. أمي تلوي شفتها السفلى و تسأل عن سبب اختفائه. الجني الاسود مازال يسكن جسدي , أختي تخرج لي لسانها وتشهر في وجهي أصبعها الوسطى. العرافة تقول يلزمك “ليلة كناوية” و “ذبيحة كبيرة” وكثير من الاوراق المالية. تضع النقود بين نهديها وتشعل سيجارة من نوع ”كازا” و تطلب التسليم. جارتي تقول ان العرافة كانت “شيخة”*, وعندما جار عليها الزمن أصبحت عرافة.
أشعر بالجوع. ألبس الخف .سأذهب الى المطبخ وآكل فطيرة مدهونة بالعسل. أتراجع في آخر لحظة. يجب أن أقلع عن هذه العادة السيئة. فعندما أغضب لا أجد سوى المطبخ أنفس فيه عن غضبي. في بعض الاحيان , آكل كل شيء و أي شيء وأنا أبكي. يبدو منظري مضحكا و مقرفا. بعدها أذهب الى الحمام وأدخل اصابعي في حلقي و أتخلص من كل شيء.
يجب أن أكون قوية.هذه المرة لن أنفس عن غضبي و حنقي في الأكل . سأذهب اليه هو في مقر عمله, وأخرج له لساني وأقول له “ان الكون لا يبدأ وينتهي عند قدميك”.
سأقول له ”أنا نادمة لأنني أعطيتك أكثر مما تستحق من الحب و الاهتمام”.
سأقول له”أنا نادمة لأنني كنت مستعدة لأي شيء معك, و لم تكن مستعدا سوى للكذب و النفاق. فهنيئا لك على قدرتك الفائقة على الكذب”.
غدا سأحرق صوره و رسائله و هداياه وأكاذيبه. ولن أشعل الشموع ثانية لكي يشتعل حبه ويعود.ولن أقيم “ليلة كناوية”.
أوف أشعر بالجوع, سآكل فطيرة واحدة لا غير. ترى كم تكلف ” ليلة كناوية”؟
مليكة مستظرف
أخذت رزمة من الاوراق المالية وأعطتني بدلا عنها شموعا. بيت العرافة يقع في ازقة ملتوية و متشعبة كالمتاهة. وأنا سأدخل متاهة و حروبا أخرى مع الجن و العفاريت كأنه لا تكفيني معاركي مع الانس, حتى ازج بنفسي في معارك مع الجن. اشعلت الشموع لكي يشتعل حبه من جديد, لكنه لم يأت. بدأت أفكر جديا في اقامة ”ليلة كناوية” وزيارة الولي “بويا عمر”.
أنظر من نافذة غرفتي ,قطتي أصبحت تمشي بصعوبة بعدما ازداد بطنها انتفاخا فأصبح بحجم اجاصة. أبي طردها من البيت وأنا أقدم لها الطعام خلسة. تركت البيت منذ مدة لتلحق قطا أجرب أغواها, و بعد ذلك عادت تتمسح بي . أنا كذلك تركت العالم بأسره وتبعته. لم يكن وسيما . كان يشبه دبا صغيرا أصلع بكرش مرتخية تخفي أعضاءه التناسلية, ومِؤخرة ضخمة ووجه مدور. كنت دائما أكره الرجال ذوي المؤخرات الضخمة و الوجوه المدورة. فكيف أحببته؟ هو هكذا الحب دائما يأتي بلا موعد. الحب كالموت , كالمرض يأتي دائما حين لا ننتظره و في الاوقات و الاماكن الاكثر غرابة. الحب يجعلنا نتصرف كالاطفال بلا منطق. لماذا لا يخترعون مصلا ضد الاصابة بالحب؟
أحس بالبرد . أنظر الى السماء. تبدو سوداء هجرتها النجوم. ستمطر لا محالة. أعطس ثلاث عطسات, سأ صاب بنزلة برد . لا احب فصل الشتاء , فصل الانوف الحمراء والازقة الموحلة. عندما كنت طفلة كنت احب فصل الشتاء. أخرج برفقة “اولاد الدرب”, نصرخ بفرح لا يضاهيه اي فرح , ”آشتاتاتا أصبي صبي”. صوت “نعيمة سميح” المنبعث من الراديو الصغير, يبدو مرتخيا وملتويا. البطارية توشك على النفاذ, “ياك آجرحي جريت وجاريت”.
هو لا يحب “نعيمة سميح” و ” أم كلثوم”. يقول أن هذه النوعية من الاغاني تجعله يتثاءب. كيفت حياتي حسب رغباته و أهوائه ومزاجه. لا نخرج الا حين يريد هو. لا نرتاد سوى الاماكن التي يرتاح لها هو . رغباتي انا مزاجي انا…. لا يهم فيما بعد… فيما بعد.
أسمع آذان الفجر, يجعلني أشعر برغبة في البكاء. أتمنى لو أبكي بصوت مرتفع و أركل الارض بقدمي كما كنت أفعل و أنا طفلة , فتأتي أمي و تضعني في حجرها و تهدهدني و تغني بصوت خفيض, ” الله الله محمد رسول الله”, فأرتاح وأنام .أسمع خطوات أمي متجهة الى الحمام لكي تتوضأ.أبي يصلي في رمضان فقط. أما هو فحين سألته لماذا لا يصلي, قال انه يؤمن بالله وكفى, وليس في حاجة الى اثبات ذلك خمس مرات في اليوم.
عندما جاء لخطبتي, رأته أمي من فتحة الباب, ضربت خديها بكفيها حتى ارتسمت أصابع عشرة على وجهها, وقالت,” لازين ولامجي بكري”. لكنك أمي دائما ترددين, ”الرس المغطي احسن من الراس العريان”., ثم انني احبه.عاودت النظر اليه من فتحة الباب. بدا وسيما في قميصه الاصفر. تذكرت انني اكره اللون الاصفر. لون الاسنان الصفراء المتعفنة والابتسامة الصفراء المنافقة,و” للاميرا” الجنية التي تعشق الاصفر.أبي بدا ممتعضا هو الاخر. أخذ يعبث بالشعيرات الاربعة التي نبتت فوق صدره بلا مناسبة.نفث دخان سيجارته في وجهي وقال ” انها عملية خاسرة بالتأكيد”. لكن أبي, متى كانت العواطف تحسب بآلة حاسبة؟ هل أكلم اأبي ام تاجرا في سوق الخردة؟
نظر الي و أكمل ” ثم انه موظف”. نطقها كأنها سبة أو تهمة, لكنني أحبه. هز كتفيه وقال ”اذهبي الى الجحيم … جيل ما كيحشمش”. و هل تخجل انت ابي عندما زوجتني و أنا بعد طفلة بجديلتين؟ كسبت يومها من وراء تزويجي / بيعي كثيرا. أتذكريومها جاءت أمي أخذتني الى الحمام, غسلت جسمي و نتفت شعر ابطي و عانتي, وقالت لي كلاما احمر له وجهي خجلا. وخضبت النساء يدي بالحناء و كحلن عيني… كانت زغاريدهن أشبه بالصراخ والولولة. وبعدها وجدت نفسي أمام رجل طويل جدا. أول شيء فعله صفعني وقال ” نهار الاول يموت المش”. وعرفت بعد ذلك انني المش او القط الذي يجب ان يموت. هذا كل ما أعرفه عن الزواج,حمام ,حناء وزغاريد ورجل يصفعك لكي يثبت أنه الاقوى, وبعد ذلك يملأ بطنك أطفالا و يهرب. زوجي الاول هرب وترك لي خازوقا. وهذا الذي أحببته هرب و ترك لي خازوقا آخر, كلهم يهربون عندما تصبح الامور جادة. أمي تلوي شفتها السفلى و تسأل عن سبب اختفائه. الجني الاسود مازال يسكن جسدي , أختي تخرج لي لسانها وتشهر في وجهي أصبعها الوسطى. العرافة تقول يلزمك “ليلة كناوية” و “ذبيحة كبيرة” وكثير من الاوراق المالية. تضع النقود بين نهديها وتشعل سيجارة من نوع ”كازا” و تطلب التسليم. جارتي تقول ان العرافة كانت “شيخة”*, وعندما جار عليها الزمن أصبحت عرافة.
أشعر بالجوع. ألبس الخف .سأذهب الى المطبخ وآكل فطيرة مدهونة بالعسل. أتراجع في آخر لحظة. يجب أن أقلع عن هذه العادة السيئة. فعندما أغضب لا أجد سوى المطبخ أنفس فيه عن غضبي. في بعض الاحيان , آكل كل شيء و أي شيء وأنا أبكي. يبدو منظري مضحكا و مقرفا. بعدها أذهب الى الحمام وأدخل اصابعي في حلقي و أتخلص من كل شيء.
يجب أن أكون قوية.هذه المرة لن أنفس عن غضبي و حنقي في الأكل . سأذهب اليه هو في مقر عمله, وأخرج له لساني وأقول له “ان الكون لا يبدأ وينتهي عند قدميك”.
سأقول له ”أنا نادمة لأنني أعطيتك أكثر مما تستحق من الحب و الاهتمام”.
سأقول له”أنا نادمة لأنني كنت مستعدة لأي شيء معك, و لم تكن مستعدا سوى للكذب و النفاق. فهنيئا لك على قدرتك الفائقة على الكذب”.
غدا سأحرق صوره و رسائله و هداياه وأكاذيبه. ولن أشعل الشموع ثانية لكي يشتعل حبه ويعود.ولن أقيم “ليلة كناوية”.
أوف أشعر بالجوع, سآكل فطيرة واحدة لا غير. ترى كم تكلف ” ليلة كناوية”؟
مليكة مستظرف