تورية بدوي - العمى.. قصة

عزيزي ساراماغاو، أعلم جيدا أنك ترقد الآن بسلام أبدي في مكان ما في العالم، لكن يقولون أيضا أن الموتى يمكنهم سماعنا والشعور بأوجاعنا. وأنا أثق أن قدرا قد يحمل رسالتي إليك سريعا!

كنت وحيدة وحزينة، إلى أن قرأت روايتك الموسومة بالعمى! ورأيت من خلال شخوصها، كيف للمرء الأعمى أن يستطيع العيش في مجتمع يحكمه الطغاة والمستبدون، وتعم فيه الفوضى، والنهب، والسرقات. يفعلون ذلك من أجل العيش، رغم أن ما يقومون به لا أخلاقي، ولا إنساني أيضا. بل هو شيء يوحي بالتقزز أحيانا. لكن في المقابل، كانت هناك امرأة واحدة لم تصب بالعمى، رغم أن زوجها الدكتور كان ثاني شخص أصابته عدوى العمى الأبيض. ستسألني وما علاقة روايتك بوحدتي وحزني؟
سأجيبك يا عزيزي: كنت في السابق قد أحببت رجلا أراه بكل رجال الكون. مرت سنون على ذلك دون أن أكل أو أمل، إلى أن أخبرتني صديقتي، بأن زوجي يخونني مع امرأة أخرى. لا أخفيك أن الأمر أزعجني كثيرا، لكن تريثت إلى أن أتأكد من الخبر اللعين.

مرت أيام وأنا أراقب زوجي، وفعلا كانت خيانته أكبر ضربة لي. طبعا تسأل نفسك: ماذا فعلت هذه العاشقة المجنونة بزوج خائن؟ لم أخبره طبعا لكن دخلت في اكتئاب حاد لم ينفع معه لاطبيب ولا حبيب، ولأني تمنيت لو أن صديقتي لم تخبرني، قطعت علاقتي بها نهائيا.

مرت أسابيع على ذلك الفعل المشين، قبل أن أخرج لأتمشى قليلا وأرى العالم الشاسع الذي اختزلته في رجل هو زوجي، وحب عمري!

عزيزي ساراماغو، أعرف أنك مازلت تسأل نفسك ما علاقتك بما حدث لي؟؟

خرجت إذا وأنا أجهل وجهتي، في طريقي رأيت كتبا على الأرض فأثارني عنوان كتاب يعتليه الغبار؛ "العمى"! وسألت نفسي، ماذا يحوي هذا الكتاب بين دفتيه؟ أخذته، وعدت إلى بيتي وكأني كنت أعرف مسبقا أني خارجة لاقتنائه!
دخلت غرفتي، غيرت ملابسي بسرعة، أخذته، مسحته بلطف ليخرج إسمك زاهيا "جوزيه ساراماغو". لم أكن أعرفك، ولاسبق لي أن سمعت عنك، رغم أنه أحيانا تجرني الصدف إلى شاعر أو روائي برتغالي. أمثال الكاتب أنطونيو لوبو انطونيس. الآن أذكر كتابه الموسوم ب N’entre pas si vite dans la nuit Noire، يبدو أن هذا ما فعلته؛ لم أدخل في صراع مباشر مع زوجي الخائن كي أتجنب الدخول في ليل أسود.

لنعد إليك عزيزي جوزيه، بدأت قراءة روايتك بنهم شديد، استوقفني كثيرا الموقف الغريب لزوجة الطبيب، والتي اختارت أن تصبح عمياء بإرادتها لتساعد زوجها في محنته، ولتكون الشاهد الوحيد على بشاعة العالم الذي نعيش فيه. وكيف انها استمرت طويلا في ذلك إلى أن رات بأم عينيها المتظاهرتين بالعمى خيانة زوجها البشعة! ما فعله زوجي، أيضا، كان بشعا، حجب عني كل الجمال.

من هنا عزيزي بدأت فكرة رسالتي إليك.

أولا لأشكرك على روايتك الرائعة. وثانيا لأخبرك أني قررت أن أصبح عمياء !
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى