وين يا ؟
كان الشارع خالياً ّ إلا من الغبار وعلب الصلصة الفارغة والحجارة المتناثرة وأكياس البلاستيك الممزقة. وما بين الخطوة والثانية حفرة صغيرة غارت بفعل تعرية المياه التي يدلقونها من حمامات البيوت المتراصة على الجانبين. شارع قذر ولكنه مسفلت على كل حال، يتوسط ذلك الحي الفقير
. كانت الشمس آيلة للسقوط وأصوات صبية يلعبون تتناهى من بعيد ُ غرقى كأنهم لا يلعبون الكرة وإنما يسبحون في لجة نهر. وفجأة مرة أخرى يقطع على الشارع هدوءه النسبي صوت هذا الشاب.. متين البنيان، مفتول السواعد، هذا الشاب الذي يتمخطر، حزق البنطال، في يده سيجارة وفي أسفل خده عند منطقة الفم خجل صغير الحجم ، ولعل ذلك شهوة منبعثة من تخيل ما يتمناه من أفاعيل في هذا المساء إن أصابت شباكه هذه السمكة الملونة. يخاطبها بحامسة متصاعدة كأنه يشحن نفسه بالشجاعة متدرجاً في الشحن
شنو يا .. بي وين كدة يا جميل؟ ولم تجب المرأة ذات الثوب البنفسجي. ولعل ثوبها هو ما أغراه. عجيبون أمثال هذا الشاب – لديهم ألوان للخفة وأخرى للرزانة. ولعل الأمر لم يأت ّ للشاب من الثوب – بل من الدخان الذي أضاء كعبها فبدن فيه الحناء تلمع ّ مع ذهب ذلك الأصيل. حناء كأنها زيت. سوداء في قمح تعلوه سيقان سميكة بديعة
كانت تمشي (ولا يهمها) – أما هو فيسرع خلفها حتى يلحق بها فتبدو من الخلف امرأة ممتلئة شهية. ولكن بقية ضئيلة من حياء لم تسمح له مبشاهدة وجهها ثانية. كان قد رآه قبل ذلك عند المنعطف
- كلمة يا حلو
. في هذه اللحظة امتلاء وجه المرأة بالغضب وكظمت غيظها وتنهدت
خطت خطوة أخرى فما انقطع عنها حبل الملاحقة. صفر الشاب ثم تنحنح بافتعال ثم دنا منها أكثر وهمس كمن يخاطب نفسه - ما تشوفونا مرة
. فقدت رصانتها دفعة واحدة ورصخت
يا ولد! اختيش على عرضك
كانت في الأربعين وكان في الرابعة والعشرين – لذلك مل تتفق عبارة ياولد!
الإستنكارية مع سنها وملامح وجهها. كانت تبدو أصغر
من سنواتها ولعل الجمال هو الذي طغى على فعل السنين. أسرعت علها تهرب من المصيبة الجديدة
وسكت الشاب برهة ثم دندن بلحن يسبق استئناف المحاولات عادة في مثل هذه الحالات. لابد أنه انهزم في المعركة الآن ولكن الحرب مازالت دائرة ّ الرحى. خطا نحوها وحاول أن يمسك بطرف ثوبها فانتزعت الثوب بعنف وفي هذه اللحظة بالذات ظهر رجل في أول الشارع
مشى الشاب مهرولاً تتبعه اللعنات وبصقت ذات الثوب البنفسجي وهي تزم شفتيها كمن يستهجن طعم عجورة مرة باغت فمه
بصقت واستجمعت وهي تقول لنفسها بصوت جهير تفو عليكم يا أوالد الزمن دا انعطف الشاب في أول شارع جانبي وركض قليلاً ثم عجل. ثم فتح باباً خارجياً ودخل أحد البيوت
قامت أم الطاهر على سجادة الصلاة لتؤدي صلاة المغرب حين سمعت طرقاً على الباب. خرجت إلي الفناء لتجيب على الطارق. فتحت الباب وهي تهتف
مرحب حبابك . حبابك
. فاجأتها المرأة التي تعرفت عليها في سفرها الأخير وأحبتها فدعتها إليها
- أهلا ً.. أهلا ً حليمة .. بركة العرفتي البيت.. الله يعافيك، أهلا. وعانقت أم الطاهر الضيفة واشتبكت معها في سلام عامر وحار
وقادتها للداخل
اتفضلي لي جوّة
ونادت على نجلها الكبير
الطاهر .. الطاهر. تعال سلم على خالتك دي
وما إن مد الطاهر عنقه من باب الصالون حتى لسعت العقرب الضيفة فبح ً صوتها وخنقت دفق انفعالاتها بدبلوماسية – لكن انفلت لسانها رغماً عنها تقول أجي؟ .. هو دا ولدك؟
لم تسمعها أم الطاهر. أما الطاهر فقد طار صوابه وهو يقبل على ذات الثوب البنفسجي واحتار هل يجري أم يمد يده بالسلام هذه المرة.
أقبل في نهاية الأمر وغامت دنيا المغرب في ناظريه فغدت سحابة من البنفسج المخيف. أقبل وهو يتحسس خده مكان الصفعة الآتية؛ وصار يحس بضآلة ليست بنت لحظتها. شعر وهو يمد يده بأنه نملة وأن المبيد الحشري سيلسعه ً في وجهه آجلا ً أم عاجلاً في هذه اللحظة الكونية التي دامت دهراً. أحس الطاهر بيد الضيفة البنفسجية ترمتي على يديه بطريقة متكاسلة وسمع عبارة ضخمة جداً لم تسمع أذناه أضخم منها حياته كلها كأن مايكروفونات الأذانات كلها كانت تصيح بحنجرة مؤذن واحد. عبارة كأنها العداوة نفسها لكن كان تنغيمهما البنفسجي يقول: - أهلاً ..
وازدرد الطاهر امتناناً كبيراً لهذه الزائرة البنفسجية ازدرده مع اللعاب ً الخجول الصبياني المتخاذل الذي در منه أرطالاً من ذلك المساء الطويل.وخرج
كان الشارع خالياً ّ إلا من الغبار وعلب الصلصة الفارغة والحجارة المتناثرة وأكياس البلاستيك الممزقة. وما بين الخطوة والثانية حفرة صغيرة غارت بفعل تعرية المياه التي يدلقونها من حمامات البيوت المتراصة على الجانبين. شارع قذر ولكنه مسفلت على كل حال، يتوسط ذلك الحي الفقير
. كانت الشمس آيلة للسقوط وأصوات صبية يلعبون تتناهى من بعيد ُ غرقى كأنهم لا يلعبون الكرة وإنما يسبحون في لجة نهر. وفجأة مرة أخرى يقطع على الشارع هدوءه النسبي صوت هذا الشاب.. متين البنيان، مفتول السواعد، هذا الشاب الذي يتمخطر، حزق البنطال، في يده سيجارة وفي أسفل خده عند منطقة الفم خجل صغير الحجم ، ولعل ذلك شهوة منبعثة من تخيل ما يتمناه من أفاعيل في هذا المساء إن أصابت شباكه هذه السمكة الملونة. يخاطبها بحامسة متصاعدة كأنه يشحن نفسه بالشجاعة متدرجاً في الشحن
شنو يا .. بي وين كدة يا جميل؟ ولم تجب المرأة ذات الثوب البنفسجي. ولعل ثوبها هو ما أغراه. عجيبون أمثال هذا الشاب – لديهم ألوان للخفة وأخرى للرزانة. ولعل الأمر لم يأت ّ للشاب من الثوب – بل من الدخان الذي أضاء كعبها فبدن فيه الحناء تلمع ّ مع ذهب ذلك الأصيل. حناء كأنها زيت. سوداء في قمح تعلوه سيقان سميكة بديعة
كانت تمشي (ولا يهمها) – أما هو فيسرع خلفها حتى يلحق بها فتبدو من الخلف امرأة ممتلئة شهية. ولكن بقية ضئيلة من حياء لم تسمح له مبشاهدة وجهها ثانية. كان قد رآه قبل ذلك عند المنعطف
- كلمة يا حلو
. في هذه اللحظة امتلاء وجه المرأة بالغضب وكظمت غيظها وتنهدت
خطت خطوة أخرى فما انقطع عنها حبل الملاحقة. صفر الشاب ثم تنحنح بافتعال ثم دنا منها أكثر وهمس كمن يخاطب نفسه - ما تشوفونا مرة
. فقدت رصانتها دفعة واحدة ورصخت
يا ولد! اختيش على عرضك
كانت في الأربعين وكان في الرابعة والعشرين – لذلك مل تتفق عبارة ياولد!
الإستنكارية مع سنها وملامح وجهها. كانت تبدو أصغر
من سنواتها ولعل الجمال هو الذي طغى على فعل السنين. أسرعت علها تهرب من المصيبة الجديدة
وسكت الشاب برهة ثم دندن بلحن يسبق استئناف المحاولات عادة في مثل هذه الحالات. لابد أنه انهزم في المعركة الآن ولكن الحرب مازالت دائرة ّ الرحى. خطا نحوها وحاول أن يمسك بطرف ثوبها فانتزعت الثوب بعنف وفي هذه اللحظة بالذات ظهر رجل في أول الشارع
مشى الشاب مهرولاً تتبعه اللعنات وبصقت ذات الثوب البنفسجي وهي تزم شفتيها كمن يستهجن طعم عجورة مرة باغت فمه
بصقت واستجمعت وهي تقول لنفسها بصوت جهير تفو عليكم يا أوالد الزمن دا انعطف الشاب في أول شارع جانبي وركض قليلاً ثم عجل. ثم فتح باباً خارجياً ودخل أحد البيوت
قامت أم الطاهر على سجادة الصلاة لتؤدي صلاة المغرب حين سمعت طرقاً على الباب. خرجت إلي الفناء لتجيب على الطارق. فتحت الباب وهي تهتف
مرحب حبابك . حبابك
. فاجأتها المرأة التي تعرفت عليها في سفرها الأخير وأحبتها فدعتها إليها
- أهلا ً.. أهلا ً حليمة .. بركة العرفتي البيت.. الله يعافيك، أهلا. وعانقت أم الطاهر الضيفة واشتبكت معها في سلام عامر وحار
وقادتها للداخل
اتفضلي لي جوّة
ونادت على نجلها الكبير
الطاهر .. الطاهر. تعال سلم على خالتك دي
وما إن مد الطاهر عنقه من باب الصالون حتى لسعت العقرب الضيفة فبح ً صوتها وخنقت دفق انفعالاتها بدبلوماسية – لكن انفلت لسانها رغماً عنها تقول أجي؟ .. هو دا ولدك؟
لم تسمعها أم الطاهر. أما الطاهر فقد طار صوابه وهو يقبل على ذات الثوب البنفسجي واحتار هل يجري أم يمد يده بالسلام هذه المرة.
أقبل في نهاية الأمر وغامت دنيا المغرب في ناظريه فغدت سحابة من البنفسج المخيف. أقبل وهو يتحسس خده مكان الصفعة الآتية؛ وصار يحس بضآلة ليست بنت لحظتها. شعر وهو يمد يده بأنه نملة وأن المبيد الحشري سيلسعه ً في وجهه آجلا ً أم عاجلاً في هذه اللحظة الكونية التي دامت دهراً. أحس الطاهر بيد الضيفة البنفسجية ترمتي على يديه بطريقة متكاسلة وسمع عبارة ضخمة جداً لم تسمع أذناه أضخم منها حياته كلها كأن مايكروفونات الأذانات كلها كانت تصيح بحنجرة مؤذن واحد. عبارة كأنها العداوة نفسها لكن كان تنغيمهما البنفسجي يقول: - أهلاً ..
وازدرد الطاهر امتناناً كبيراً لهذه الزائرة البنفسجية ازدرده مع اللعاب ً الخجول الصبياني المتخاذل الذي در منه أرطالاً من ذلك المساء الطويل.وخرج