السيارة البيضاء توقفت للتو بالقرب من باب البيت الخارجي ,وقد إنعكس على سطح زجاجتها الأمامية , قرص شمس الصباح , فبدا كمصباح شديد التوهج .فتح السائق الباب , وما إنْ ترجّل حتى خرجت ثلاث نسوة من البيت وهنّ متلفعات بعباءاتهنّ . همّ السائق بالتوجه صوب النسوة ثم فتح الباب الخلفي للسيارة . خطواته كانت رتيبة جدا , غير أنّ إلتفاتة لاحت منه نحو المرأة التي كاد جنبها الأيسر يلامس باب السيارة الخلفي , وقد أمسكت بيدها اليمنى صرة للملابس , فيما أسندتْ جاهدة بيدها الأخرى , ظهر الفتاة التي تتوسطهنّ , أمّا المرأة الثالثة فكانت هي الأخرى تسعى لإسناد الفتاة من الخلف . وعندما التقت نظراته بنظرات المرأة الممسكة بالصرة , خمّن مع نفسه أنها تودّ لو أنّه أعانها بأخذ صرة الملابس , وفعلاّ عمل بما خمّنه فتناول الصرة منها . كانت الفتاة تتلوى من الألم , ولفرط شدّته انطبعت سحنة صفراء على وجهها الذي أخذ العرق يتصبب منه بالرغم من عدم إشتداد حرارة الجو . وبين اللحظة والأخرى ,كانت تزمّ شفتيها بقوة فبان الذبول عليهما جلياً , ولكي تخفّف من وطأة الألم الذي يعتصرها , كانت تضع يديها أسفل بطنها المندلق أمامها , والذي لم تخف عباءتها إنتفاخه الواضح , حتى أنّ السائق ضحك في سرّه من التشابه الكبير , بين تكوّر وإنتفاخ بطنها , وبين صرة الملابس التي وضعها في هذه اللحظة فوق المقعد الأمامي للسيارة . حركة الناس في الزقاق ما زالت متسمة بالهدوء , فالصباح ما زال في أوّله , أمّا النسوة الثلاث فقد تهالكن بأجسادهن فوق المقعد الخلفي لتنطلق السيارة ولكن على غير عجل .....في المساء , وقبيل أنْ تشتدّ جحافل ظلمة الغروب , توقفت سيارة سوداء حيث الباب الخارجي للبيت , فترجّلت منها إمرأتان ولكن ببطء خالطه تعب بدا واضحا عليهما . إحداهنّ كانت تحتضن بباطن كفّيها , رضيعاً كان يبدّد بصراخه سكون الغروب , فيما كانت المرأة الأخرى تمسك بلامبالاة بصرّة الملابس التي بدت أصغر حجما عمّا كانت عليه صباحا . صراخ الرضيع ما زال يتواصل دون إنقطاع فيما همّت المرأتان بالدخول في البيت . بدأت في هذه الأثناء , تتوافد باتجاه البيت , بعض نسوة الزقاق مع عدد من الرجال .أنصرف السائق بسيارته لكن عويلاً بدأ يتعالى تدريجياً من داخل الدار , ليطغى على صراخ الرضيع الذي ُلفّ بقطعة قماش قارب لونها , لون بشرة وجه الرضيع .