هيا قبلني بسرعة وأمضي: لفح سموم العبارة المليئة بالرغبة الجامحة أحمى صفحة وجهه; فار الدم في عروقه; سرت مفاصله قشعريرة حمى اللذة; تلألأت قطرات الخوف على شفتيه وضجت أصوات السكون بدواخله. وهو ما بين مصدق ومكذب راح يحدق مشدوها في أعطافها الممددة باكتناز فوضوي مثير:
هل دعتني بالفعل إلى تقبيلها أم أنها خيالات و أوهام؟ الشك ريح هوجاء تبعثره; والشوق ينثره بذور عشق في الهواء; ظله المرابي ذلك العاشق النزق يظل يقرضه طوله وعرضه و عندما يعود ليسترد عوده يطلبه ضعفين; وكلما هرول ليسد دينه يتمدد أمامه يجمعها ويطرحها; يرتمي في حضنها; يشمها; يتمرغ في جسدها ويلطخ وجهه في وحلها الأخضر اللزج. ذهنه متنازع بين الرغبة و الفضيلة; يتقدم بخياله خطوة وفي الواقع يترنح ميل. يعرف أنه يوما ما سيرقد في حضنها ويغمض عينيه وينوم إلى الأبد; وتذوب أعضائه هناك; لا يقلق حيال ذلك; لكن جرأتها لحد الوقاحة أربكته. لا يذكر أن ثمة علاقة من أي نوع ربطت بينهما; حتى أحاديث أمه وأبيه عن كونها فاتنة وباذخة الشرف و سليلة ملوك; بنظره لا تعدو كونها مدح البضاعة في عين الشاري. هل كانت تعشقة بالفعل و لهذه الدرجة. الدرجة التي تطلب منه تقبيلها أمام الملأ؟ ثمة شعور ينتابه أنها ما أحبته قط; وهو أيضا لم يفكر فيها. كل الكلام الذي ظل يتردد على مسامعه: أنها ذات حسب ونسب و أن أكاليل الشرف الباذخ تطوق جيدها ما هي إلا ترهات وأوهام; وعلى أية حال فهي لا تهمه في شيء الآن طالما أنه ارتحل عنها; كان ينظر إلى أبيه وأمه وهما يتغزلان فيها والعشق يقطر من أعينهما ويسيل... وكأنه يستمع إلى قصة عشق أسطورية أخرى لن تحدث بالواقع; وحتى لو حدثت لن تكلل بالزواج; شأنها شأن تلك القصص التي خلدت بالهجران. لم يفكر فيها لا زوجة ولا عشيقة حتى; يذكر جيدا كيف أنه كان يسبها لاتفه سبب ويلعن اليوم الذي فتح عينيه على الدنيا ووجدها ممددة أمامه بعيونها الفوارة وجسدها الطويل الأسمر المصقول الذي الهبته شمس الاستواء الحارقة. ولما ضيقت الخناق عليه ذات فشل; فك عقال الهجرة وانطلق يعدو في مضمار الترحال الهلامي. تركها وحيدة مضرجة في عشقها وركض. وهذه ذلة وخطيئة كبرى بحقها وبحق أي عاشقة في مكانها وربما لن تغفر له ذلك أبدا. ولكنها طلبت منه تقبيلها للتو!
ترى ماذا جرى لها من ورائي؟ يتساءل. هل باتت تمارس العهر العاطفي كمومس في حانة ريفية بائسة على ناصية الطريق؟ تهب جسدها لأول طارق وهي بين أحضانه ترهف السمع لطارق جديد!
يا إلهي كيف ومتى حدث كل ذلك؟ تدور به الأفكار في متاهة سوداوية.
ذات حلم أتته منكوشة وكأن زلزالا قد ضربها. وجهها شاحب وشفتاها مشققتين. خاطبته بصوت حزين: أنا ابنة الشمس والنيل شقيقة الجبل وجارة الوادي يحدث لي كل هذا! وراحت تشير إلى جسدها المضرج وأطرافها المبتورة: صحيت الفجر على صوت المارشات العسكرية وثمة رجل يرغي ويزبد عبر المدى. كان يرتدي بدله غريبة; مفصله وجاهزة; مزركشة وملطخة; ملونة وباهتة. وكتفه وصدره متهدلين من ثقل النجوم الصقور والسيوف و الأوسمة والنياشين. رأسه يضج بالأفكار المتضاربة. قال كلاما كثيرا.. عن شرفي الذي تمرغ في التراب و سمعتي التي تلطخت بالوحل جراء من نعتهم بالأوغاد والخونة والمارقين. وعدني أنه سيطهر جسدي من كل الدنس ويصنه كما يجب. ثمة حشد كانوا يقاطعونه كلما حشرج صوته بالتهليل والتكبير وهتاف داو أراقوا فيه دماء كثيرة والسبابات المرفوعة تفقأ عين الشمس و عم الظلام. الرجل الذي سبقه كان هادئا وبدأ مقنعا في بدلته الرسمية وربطة عنقه الأنيقة ولكنه حينما تحدث قال نفس الكلام و اتهم جهات لم يسمها ولو أنني شعرت أنه يعرفها وربما كان متواطئا معها... فيما حل بي; صفق له الحشد وهتفوا وضجت سوحي بالأناشيد الثورية.
في ذلك الحلم حكت له كل شيء. عن الذين وهبتهم نفسها وباعوا شرفها لأول مشتر. والذين عاشروها وتحملت وطأهم;ثم بالوا وتغوطوا على جسدها ورموه للكلاب. عن الذين تقاتلوا و سالت دمائهم على صدرها و بين فخذيها بلا سبب مقنع. عن الذين مصوا أثدائها المكتنزة وجنوا من ورائها الكثير; ولما شاخت تركوها للجرزان تقضم أطرافها وتنهش أحشائها وهاجروا ليصرفوا ما جنوه على نزواتهم الطائشة مع الغربيات ذوات السحنة البيضاء. أكثر ما أوجعها كما أخبرته أن أحدهم لا يتورع وهو في أحضان عشيقته الجديدة يسبها ويلعن أبو خاشها..
هكذا خبرته في ذلك الحلم وقلبها يعتصره ألم شديد. ولكنها لم تتجرأ وتطلب منه تقبيلها. لم تكن بحاجة إلى قبلة في الحلم.. سمعت أن القبلات في الحلم قنابل موقوتة والمطر رصاص والغيم ظلم و النور ظلام. الأسماء معكوسة بالحلم وحتى الألوان; هي تريده أن يقبلها في النور أمام أعين الكون. ينحني ويطبع قبلة دافئة على جبينها وبعدها فليذهب من حيث أتى.
نشجت وتمخطت وهي تخبره بالحقيقة المرة: اكتشفت أن الجميع يخونني. يتحدثون عن شرفي وطهري وعفافي أمام عدسات المصورين ويتناوبون علىّ في الليل.
ابتسمت بسخرية: ما ذنبي أنا اذا كان أبي النيل يفيض عليّ كل عام وأعود بكرا من جديد. لقد عشقت ذلك الشيخ وهو يبذر أحشائي بالزهور الملونة.. ولكنه ... ولكن صحته ما عادت مثل أول. الاحباط هده. لا تستمع للترهات أنني أنا السبب أبدا. حضني هو الذي يمنحه الطاقة والشباب ولكنهم لم يتركوه.. اقتلعوه من حضني بالقوة.. عليك أن تفهم لوحدك ثمة كلام لا يصح أن يقال.
أفاق من الحلم مفزوعا. ركب أول طائرة وهبط في شمسها الحارقة. عادت بنظرة تلك الفاتنة السمراء التي رضعت من أثداء الغيم. وغسلت وجهها بنور الشمس وتمددت مكتنزة بكل الاشتهاء والرغبة..
هيا قبلني.. تهمس... هل كانت تعشقني لهذه الدرجة ربما كان يعشقها كما يعشق الحراز المطر. يموت من اليباس وجذوره تمتص نتح العشق العذب. يتحسس معوله يجده صدئا.. ينحني يجمع تراب ظله يحثه فوق رأسه ينفض يديه; ويعود من حيث أتى.
هل دعتني بالفعل إلى تقبيلها أم أنها خيالات و أوهام؟ الشك ريح هوجاء تبعثره; والشوق ينثره بذور عشق في الهواء; ظله المرابي ذلك العاشق النزق يظل يقرضه طوله وعرضه و عندما يعود ليسترد عوده يطلبه ضعفين; وكلما هرول ليسد دينه يتمدد أمامه يجمعها ويطرحها; يرتمي في حضنها; يشمها; يتمرغ في جسدها ويلطخ وجهه في وحلها الأخضر اللزج. ذهنه متنازع بين الرغبة و الفضيلة; يتقدم بخياله خطوة وفي الواقع يترنح ميل. يعرف أنه يوما ما سيرقد في حضنها ويغمض عينيه وينوم إلى الأبد; وتذوب أعضائه هناك; لا يقلق حيال ذلك; لكن جرأتها لحد الوقاحة أربكته. لا يذكر أن ثمة علاقة من أي نوع ربطت بينهما; حتى أحاديث أمه وأبيه عن كونها فاتنة وباذخة الشرف و سليلة ملوك; بنظره لا تعدو كونها مدح البضاعة في عين الشاري. هل كانت تعشقة بالفعل و لهذه الدرجة. الدرجة التي تطلب منه تقبيلها أمام الملأ؟ ثمة شعور ينتابه أنها ما أحبته قط; وهو أيضا لم يفكر فيها. كل الكلام الذي ظل يتردد على مسامعه: أنها ذات حسب ونسب و أن أكاليل الشرف الباذخ تطوق جيدها ما هي إلا ترهات وأوهام; وعلى أية حال فهي لا تهمه في شيء الآن طالما أنه ارتحل عنها; كان ينظر إلى أبيه وأمه وهما يتغزلان فيها والعشق يقطر من أعينهما ويسيل... وكأنه يستمع إلى قصة عشق أسطورية أخرى لن تحدث بالواقع; وحتى لو حدثت لن تكلل بالزواج; شأنها شأن تلك القصص التي خلدت بالهجران. لم يفكر فيها لا زوجة ولا عشيقة حتى; يذكر جيدا كيف أنه كان يسبها لاتفه سبب ويلعن اليوم الذي فتح عينيه على الدنيا ووجدها ممددة أمامه بعيونها الفوارة وجسدها الطويل الأسمر المصقول الذي الهبته شمس الاستواء الحارقة. ولما ضيقت الخناق عليه ذات فشل; فك عقال الهجرة وانطلق يعدو في مضمار الترحال الهلامي. تركها وحيدة مضرجة في عشقها وركض. وهذه ذلة وخطيئة كبرى بحقها وبحق أي عاشقة في مكانها وربما لن تغفر له ذلك أبدا. ولكنها طلبت منه تقبيلها للتو!
ترى ماذا جرى لها من ورائي؟ يتساءل. هل باتت تمارس العهر العاطفي كمومس في حانة ريفية بائسة على ناصية الطريق؟ تهب جسدها لأول طارق وهي بين أحضانه ترهف السمع لطارق جديد!
يا إلهي كيف ومتى حدث كل ذلك؟ تدور به الأفكار في متاهة سوداوية.
ذات حلم أتته منكوشة وكأن زلزالا قد ضربها. وجهها شاحب وشفتاها مشققتين. خاطبته بصوت حزين: أنا ابنة الشمس والنيل شقيقة الجبل وجارة الوادي يحدث لي كل هذا! وراحت تشير إلى جسدها المضرج وأطرافها المبتورة: صحيت الفجر على صوت المارشات العسكرية وثمة رجل يرغي ويزبد عبر المدى. كان يرتدي بدله غريبة; مفصله وجاهزة; مزركشة وملطخة; ملونة وباهتة. وكتفه وصدره متهدلين من ثقل النجوم الصقور والسيوف و الأوسمة والنياشين. رأسه يضج بالأفكار المتضاربة. قال كلاما كثيرا.. عن شرفي الذي تمرغ في التراب و سمعتي التي تلطخت بالوحل جراء من نعتهم بالأوغاد والخونة والمارقين. وعدني أنه سيطهر جسدي من كل الدنس ويصنه كما يجب. ثمة حشد كانوا يقاطعونه كلما حشرج صوته بالتهليل والتكبير وهتاف داو أراقوا فيه دماء كثيرة والسبابات المرفوعة تفقأ عين الشمس و عم الظلام. الرجل الذي سبقه كان هادئا وبدأ مقنعا في بدلته الرسمية وربطة عنقه الأنيقة ولكنه حينما تحدث قال نفس الكلام و اتهم جهات لم يسمها ولو أنني شعرت أنه يعرفها وربما كان متواطئا معها... فيما حل بي; صفق له الحشد وهتفوا وضجت سوحي بالأناشيد الثورية.
في ذلك الحلم حكت له كل شيء. عن الذين وهبتهم نفسها وباعوا شرفها لأول مشتر. والذين عاشروها وتحملت وطأهم;ثم بالوا وتغوطوا على جسدها ورموه للكلاب. عن الذين تقاتلوا و سالت دمائهم على صدرها و بين فخذيها بلا سبب مقنع. عن الذين مصوا أثدائها المكتنزة وجنوا من ورائها الكثير; ولما شاخت تركوها للجرزان تقضم أطرافها وتنهش أحشائها وهاجروا ليصرفوا ما جنوه على نزواتهم الطائشة مع الغربيات ذوات السحنة البيضاء. أكثر ما أوجعها كما أخبرته أن أحدهم لا يتورع وهو في أحضان عشيقته الجديدة يسبها ويلعن أبو خاشها..
هكذا خبرته في ذلك الحلم وقلبها يعتصره ألم شديد. ولكنها لم تتجرأ وتطلب منه تقبيلها. لم تكن بحاجة إلى قبلة في الحلم.. سمعت أن القبلات في الحلم قنابل موقوتة والمطر رصاص والغيم ظلم و النور ظلام. الأسماء معكوسة بالحلم وحتى الألوان; هي تريده أن يقبلها في النور أمام أعين الكون. ينحني ويطبع قبلة دافئة على جبينها وبعدها فليذهب من حيث أتى.
نشجت وتمخطت وهي تخبره بالحقيقة المرة: اكتشفت أن الجميع يخونني. يتحدثون عن شرفي وطهري وعفافي أمام عدسات المصورين ويتناوبون علىّ في الليل.
ابتسمت بسخرية: ما ذنبي أنا اذا كان أبي النيل يفيض عليّ كل عام وأعود بكرا من جديد. لقد عشقت ذلك الشيخ وهو يبذر أحشائي بالزهور الملونة.. ولكنه ... ولكن صحته ما عادت مثل أول. الاحباط هده. لا تستمع للترهات أنني أنا السبب أبدا. حضني هو الذي يمنحه الطاقة والشباب ولكنهم لم يتركوه.. اقتلعوه من حضني بالقوة.. عليك أن تفهم لوحدك ثمة كلام لا يصح أن يقال.
أفاق من الحلم مفزوعا. ركب أول طائرة وهبط في شمسها الحارقة. عادت بنظرة تلك الفاتنة السمراء التي رضعت من أثداء الغيم. وغسلت وجهها بنور الشمس وتمددت مكتنزة بكل الاشتهاء والرغبة..
هيا قبلني.. تهمس... هل كانت تعشقني لهذه الدرجة ربما كان يعشقها كما يعشق الحراز المطر. يموت من اليباس وجذوره تمتص نتح العشق العذب. يتحسس معوله يجده صدئا.. ينحني يجمع تراب ظله يحثه فوق رأسه ينفض يديه; ويعود من حيث أتى.