زرقة بحر أخضر حلمت البارحة، قبل النوم بقليل… خلعت حذائي, وتر?ت أصابعي تغوص في حقل الرمل، توهَجتْ ?شموع. تقدَّمت بطيئا ?سلحفاة، فقست تواً، تحاول أن تهتدي إلي الرحم الذي انبثقت منه. ?نت الآن علي حافة البحر، تسربت إلي راحة قدمي، برودة لذيذة سرت في ساقي وتسلقتني حتي رأسي. س?رت، أترنح، البحر! غفوت، وانقطع حلمي. ظللت ظمآنا، أنتظر يقظتي لأحلم بالبحر، من جديد، لعلي في مرة من المرات، أسبح فيه، قبل أن يدر?ني النوم. استيقظت علي رنين المنبه، ارتديت ثيابي علي عجل، خرجت إلي العمل، والانتظار… والشوق يقتلني، ل?ي أعود للمحاولة معه، حينما يحل المساء. عدت مرهقاً، رميت نفسي علي السرير ?خشبة. وحدقت في السقف، واستأنفت حلمي من جديد، ?عادتي في السنوات الثلاث الأخيرة، وبزرقة بحر أخضر…. ل?نِّي غفوت وانقطعت رؤياي، في نومي ?نت تائهاً، في صحراء شاسعة، وشفتي متشققتان، وأقدامي متقرحة، أترنَّح من الحمَّي، وأهذي: البحر،البحر، ال…
أيقظني المنبِّه، أرتدي ثيابي علي عجل… في( سوق السيف) التقيت بمراد متعجباً، بعد ?ل هذه السنين… متي عاد من الكويت؟ كم بدا ممتلئا وجبهته التي انحسر عنها الشعر, متحدية, لكن عينيه ما زالتا تشعان بالدفء والحميمية. وشوشت معه قليلا، وسألني عن (مُني) سَ?َت.
_ أحمد، مني؟
_ ذهبت إلي الأبد…
يُصدَم!
_ متي و?يف رحلت؟
أس?ت.
__ نَحلتْ. وجهك شاحب وعيناك جاحظتان، لم أعرفك.
_ قبل ثلاث سنوات رحلت… عفوا أنا مستعجل، سجِّل رقمي، سنتحدث..
تخلصت منه. المس?ين، ?ان صديقاً قديماً طيباً، ول?ن منذ غيابك، لم أعد أستطيع مخالطة الناس، صرت أتجنبهم و?أني ممسوس، جذامي يخافونه. صبرت بصعوبة، حتي انتهاء الدوام. لم ت?ن بي رغبة للعودة إلي البيت، تجولت في الشوارع، أعد مربعات ودوائر الأرصفة، أقتل الوقت، أمشي مسرعاً محاذيا كارون، حتي يحلَّ المساء أسرع، أقتطف أوراقا من شجرة هنا وزهرة هناك، محاولاً، عزف لحن يشابه صدي صدفة، عبثا. تنبسط مظلة المساء, وتغرق المحمرة في صمت حالم، أعود منه?اً، أرتمي علي السرير، ?خشبة، أحدق بالسقف :البح البحر ال… يرنُّ هاتفي، لا أعرف الرقم.
_ ألو.
_ مرحبا أحمد، ?يفك؟
_ عفوا من معي؟
_ مراد، ياه، هل نسيت صوتي بهذه السرعة؟
_ألو. ألو .. عفوا صوتك م ت ق ط ع.. ألو…
وأطفئ جهازي.
أحدق في السقف من جديد، ول?ني لا أستطيع أن أحلم في البحر، أحدق بدقة أ?ثر، ل?ن دون فائدة، أحاول مرة أخري بشراسة ، ما من نتيجة. نهضت مشوشا، القلق يقتلني. أذرع الغرفة.. قرب الفجر أسقط علي وجهي، بعد أن تنتهي منِّي آخر قنينة بيرة في الثلاجة. أستيقظ قرب المساء، أستحم، أستلقي مسترخيا علي السرير، أتأمل السقف، لعل البحر يأتي… تغوص أصابعي في الرمل، تتوهَّج… يرنُّ هاتفي، مراد مرة أخري، أخرسُه.
وأعود إلي السقف من جديد، ل?نَّ أناملي انطفأت.
-“اللعنة عليك م… “
أرتدي ثيابي للخمر، أشتريت دزينة ?املة، عببتها ?لها. أستيقظ مساء مصدوعاً، أستحم، أستلقي علي السرير… البحر… تتسرَّب إليَّ برودة موجة منسية…
طق. طق
تنحسر الموجة…
– مراد! ?يف عثرت علي عنواني؟
_ ليس هذا مهما الآن، إرتدي ثيابك، لنخرج، سنسهر سهرة لطيفة، أنا وأنت وأحلام.. لقد طارت فرحا عندما قلت لها أني التقيت بك.
_ عفوا ، أعتذر، ليس لدي مزاج، متعب . علي الذهاب إلي الدوام مب?را.
تفشل ?ل محاولاته المصرة ?شريط لاصق، في سحبي من البيت.
أستلقي، أحدق في الس… ويأخذني النعاس…
طق طق..
مراد مرة أخري وفي يده قدح:
-“يا إلهي، ماذا تفعل هنا؟”
_ خذ، إشرب إنك عطشان، والصحراء مطر من شواظ.
أشرب… وأشرب …والقدح لا ينفد…،ما أعذبه من ماء!
_ إنه ماء البحر.
أستيقظ علي رنين المنبه، وبي حسرة وفمي فيه ملوحة حلوة… ألبس ثيابي، في الطريق ألتقي بمراد، أتوقف عنده ، وأدعوه إلي الخروج مساء، إلتقينا في مقهى على الشط, عَبِقا بصوت يأتي من الفردوس :
_ “شايف البحر شو كبير, كبر البحر بحبك..”
على الضفة الأخرى لاح (كوت الشيخ) ملعب طفولتنا, بعد سنوات الحرب, كذكرى باهتة.
_ خذ أحمد
_ ما هذه؟
_ إنها صورة لك، أنت ومني، عندما التقيتما أول مرة، عندالبحر، وعرفت?ما زوجتي ببعض، البارحة أحلام, حلمت بأنها تعطيها لمُني.
أتأمل الصورة مليا..
– ?نت قد أضعتها، من بين ?ل صور آلبومنا، بحثت عنها ?ثيرا، ل?ني لم أجدها، ش?را لك مراد، عن جد ش?را لكما.. طَلةُ منى بعينيها الخضراوين وشعرها الذهبي وبشرتها الدافئة, حولت نظري إلى كارون والسماء الصافية, وسرب من النوارس المنسية تحلق فوقه…
_ لم تخبرني أحمد، كيف رحلت مني؟
_ غَرِقَت.
يُصعَق!
_ متأسف جدا…
_هل أستطيع أن أحتفظ بالصورة؟
_ نعم.
_ ش?را لك…
أعود في المساء، وأرتمي ?خشبة علي السرير.. أحدق… يَخطِفُني النعاس.. ينزاح السقف… تغوص أصابعي في الرمل، تتسرب إلي ساقي برودة المياه، وترشقُني موجة بزبدها، أقفز إلي البحر، أترك نفسي عائماً، أطفو ?زورق، فوق سطح المياه، أفتح عيني في الماء
_ م..م..م نـــــــــــــــــــــــــــي !
أغوص وراءها…
لم أستيقظ بعد تلك الليلة أبدا.
أيقظني المنبِّه، أرتدي ثيابي علي عجل… في( سوق السيف) التقيت بمراد متعجباً، بعد ?ل هذه السنين… متي عاد من الكويت؟ كم بدا ممتلئا وجبهته التي انحسر عنها الشعر, متحدية, لكن عينيه ما زالتا تشعان بالدفء والحميمية. وشوشت معه قليلا، وسألني عن (مُني) سَ?َت.
_ أحمد، مني؟
_ ذهبت إلي الأبد…
يُصدَم!
_ متي و?يف رحلت؟
أس?ت.
__ نَحلتْ. وجهك شاحب وعيناك جاحظتان، لم أعرفك.
_ قبل ثلاث سنوات رحلت… عفوا أنا مستعجل، سجِّل رقمي، سنتحدث..
تخلصت منه. المس?ين، ?ان صديقاً قديماً طيباً، ول?ن منذ غيابك، لم أعد أستطيع مخالطة الناس، صرت أتجنبهم و?أني ممسوس، جذامي يخافونه. صبرت بصعوبة، حتي انتهاء الدوام. لم ت?ن بي رغبة للعودة إلي البيت، تجولت في الشوارع، أعد مربعات ودوائر الأرصفة، أقتل الوقت، أمشي مسرعاً محاذيا كارون، حتي يحلَّ المساء أسرع، أقتطف أوراقا من شجرة هنا وزهرة هناك، محاولاً، عزف لحن يشابه صدي صدفة، عبثا. تنبسط مظلة المساء, وتغرق المحمرة في صمت حالم، أعود منه?اً، أرتمي علي السرير، ?خشبة، أحدق بالسقف :البح البحر ال… يرنُّ هاتفي، لا أعرف الرقم.
_ ألو.
_ مرحبا أحمد، ?يفك؟
_ عفوا من معي؟
_ مراد، ياه، هل نسيت صوتي بهذه السرعة؟
_ألو. ألو .. عفوا صوتك م ت ق ط ع.. ألو…
وأطفئ جهازي.
أحدق في السقف من جديد، ول?ني لا أستطيع أن أحلم في البحر، أحدق بدقة أ?ثر، ل?ن دون فائدة، أحاول مرة أخري بشراسة ، ما من نتيجة. نهضت مشوشا، القلق يقتلني. أذرع الغرفة.. قرب الفجر أسقط علي وجهي، بعد أن تنتهي منِّي آخر قنينة بيرة في الثلاجة. أستيقظ قرب المساء، أستحم، أستلقي مسترخيا علي السرير، أتأمل السقف، لعل البحر يأتي… تغوص أصابعي في الرمل، تتوهَّج… يرنُّ هاتفي، مراد مرة أخري، أخرسُه.
وأعود إلي السقف من جديد، ل?نَّ أناملي انطفأت.
-“اللعنة عليك م… “
أرتدي ثيابي للخمر، أشتريت دزينة ?املة، عببتها ?لها. أستيقظ مساء مصدوعاً، أستحم، أستلقي علي السرير… البحر… تتسرَّب إليَّ برودة موجة منسية…
طق. طق
تنحسر الموجة…
– مراد! ?يف عثرت علي عنواني؟
_ ليس هذا مهما الآن، إرتدي ثيابك، لنخرج، سنسهر سهرة لطيفة، أنا وأنت وأحلام.. لقد طارت فرحا عندما قلت لها أني التقيت بك.
_ عفوا ، أعتذر، ليس لدي مزاج، متعب . علي الذهاب إلي الدوام مب?را.
تفشل ?ل محاولاته المصرة ?شريط لاصق، في سحبي من البيت.
أستلقي، أحدق في الس… ويأخذني النعاس…
طق طق..
مراد مرة أخري وفي يده قدح:
-“يا إلهي، ماذا تفعل هنا؟”
_ خذ، إشرب إنك عطشان، والصحراء مطر من شواظ.
أشرب… وأشرب …والقدح لا ينفد…،ما أعذبه من ماء!
_ إنه ماء البحر.
أستيقظ علي رنين المنبه، وبي حسرة وفمي فيه ملوحة حلوة… ألبس ثيابي، في الطريق ألتقي بمراد، أتوقف عنده ، وأدعوه إلي الخروج مساء، إلتقينا في مقهى على الشط, عَبِقا بصوت يأتي من الفردوس :
_ “شايف البحر شو كبير, كبر البحر بحبك..”
على الضفة الأخرى لاح (كوت الشيخ) ملعب طفولتنا, بعد سنوات الحرب, كذكرى باهتة.
_ خذ أحمد
_ ما هذه؟
_ إنها صورة لك، أنت ومني، عندما التقيتما أول مرة، عندالبحر، وعرفت?ما زوجتي ببعض، البارحة أحلام, حلمت بأنها تعطيها لمُني.
أتأمل الصورة مليا..
– ?نت قد أضعتها، من بين ?ل صور آلبومنا، بحثت عنها ?ثيرا، ل?ني لم أجدها، ش?را لك مراد، عن جد ش?را لكما.. طَلةُ منى بعينيها الخضراوين وشعرها الذهبي وبشرتها الدافئة, حولت نظري إلى كارون والسماء الصافية, وسرب من النوارس المنسية تحلق فوقه…
_ لم تخبرني أحمد، كيف رحلت مني؟
_ غَرِقَت.
يُصعَق!
_ متأسف جدا…
_هل أستطيع أن أحتفظ بالصورة؟
_ نعم.
_ ش?را لك…
أعود في المساء، وأرتمي ?خشبة علي السرير.. أحدق… يَخطِفُني النعاس.. ينزاح السقف… تغوص أصابعي في الرمل، تتسرب إلي ساقي برودة المياه، وترشقُني موجة بزبدها، أقفز إلي البحر، أترك نفسي عائماً، أطفو ?زورق، فوق سطح المياه، أفتح عيني في الماء
_ م..م..م نـــــــــــــــــــــــــــي !
أغوص وراءها…
لم أستيقظ بعد تلك الليلة أبدا.