لم يكن أحد يعرف من يكونون، إلا أنهم كانوا يسكنون. يدخلون إلى تلك الفيللا من بابها الواسع الذي تتهدل على جوانبه أغصان وأعراس ونباتات غير مشذبة، فكل سكان الفيلات المجاورة يهتمون بتشذيب نباتاتهم وإقامة حفلات ليلية.
لكن تلك الفيلا تبدو مهجورة. إلا أنهم يدخلون إليها برغم أنه لا أحد يعرف من يكونون.
قالت إحدى خادمات الفيللا المجاورة للحارس:
إنني أشك في هؤلاء الثلاثة، تكون معهم أحيانا فتاة أسمعهم ينادونها فاطمة.
يمكن أن يكون منهم البستاني والطباخ ومصلح أدوات الكي أو أي شيء من هذا القبيل.
إنك تمزح. أنا لم أر طيلة السنوات التي قضيتها هنا في هذا الحي أناسا أغنياء يدخلون إلى الفيللا المهجورة.
لعلهم يأتون في آخر الليل.
ولماذا لم يشذبوا نباتاتهم؟
ربما لأنهم يملكون فيللات أخرى.
قالت الخادمة:
أنا أشك فيهم: خصوصا في ذلك الأبرص الذي يرمش بعينيه. أما تلك الفتاة بلباسها ذاك فإنها تبدو من ناشلات الجيوب في الحافلات. لقد رأيت مثيلاتها كثيرات. صدق الحارس بعض ما قالته الخادمة، لأنه لم يشتغل معها إلا سنة واحدة. ثم إنه لم يتحدث إلى الثلاثة على الإطلاق فهم لا يتكلمون وغالبا ما يدخلون منفردين، يدفعون الباب ويدخلون. فهو دائما مفتوح. وأحيانا يسمع نباح كلب داخل الفيلا، لكن ذلك الكلب لم يغادر قط الفيلا، فربما كان مربوطا وحتى نباحه كان غريبا شبيها بعواء ذئب.
وخيل للحارس أيضا أنه ربما سمع نقيق دجاج. لكنه لم يتأكد من ذلك. فآذاننا تخوننا أحيانا كما تخوننا ألسنتنا فنقول مالم نكن نريد قوله. وقال الحارس للخادمة:
يبدو أنهم يربون الدجاج.
لا تقل هذا الكلام، فأنا اشتغل هنا منذ سنوات، ولم أر سيارة تقف أمام هذه الفيلا.
لم يكن الحارس يهمه الأمر بقدر ما كان يهم الخادمة على ما يبدو، ثلاثة رجال وامرأة في فيلا مهجورة، شيء يبعث على الفضول، حتى بالنسبة للذي لم يكن فضوليا. ثم إن الفضول غريزة في الإنسان حتى ولو تلصص وأطل من ثقب الباب. وقال الحارس للخادمة:
كم أنت فضولية دعيهم وشأنهم.
أنا لست فضولية. ولكن يمكن أن يكونوا أناسا مشبوهين. وقد تأتي الشرطة لتأخذنا جميعا كشهود، ونحن في الحقيقة لا نعرف شيئا ولم نشاهد شيئا.
قال الحارس:
وماذا شاهدنا؟ إنهم يدخلون ويخرجون. ثم إننا لا نسمع سوى نباح كلب.
قالت الخادمة:
ذات مرة أخذوني إلى مركز الشرطة وضربوني لأنني لم أر ما وقع في تلك الفيلا هناك. دخل اللصوص وسرقوا أشياء. وقال رجال الشرطة إنني أعرفهم وأنا لا أعرفهم ولم أرهم على الإطلاق.
هل ترى كيف أن عدم الفضول إلى ماذا يؤدي؟ لقد علمتني أمي منذ طفولتي أن أكون فضولية.
ظل الحارس واقفا، يتأمل تلك النباتات والأعراس غير المشذبة. ولم يفهم ما معنى أن يكون فضوليا. وفكر بأن الفضول قد يؤدي بصاحبه إلى السجن. لقد حصل له ذلك عندما تشاجر تاجرا خردوات، وأراد أن يتدخل فأصابته لكمات، وأخذه رجال الشرطة مع المتشاجرين. حكم عليهما بالسجن لأنهما كانا يتاجران في مسروقات. أما هو فقد منوا عليه بشهر سجنا، لأنه مسلم وأراد أن يفك الشجار بين أخويه في الإسلام. وقد قال ذلك لرئيس الجلسة.
فقال له السيد الرئيس:
الإسلام شيء والفضول شيء آخر. لقد تدخلت، ومعنى ذلك أن لك يدا مع أحدهما.
أقسم كثيرا وحاول أن يبكي. لكن ذلك لم ينفعه. ذكرى ذلك الشهر الذي قضاه في السجن لم تمح قط من ذاكرته وقالت الخادمة:
فيم تفكر؟ لا شك أنك تعرف أحدهم. أقول لك إنهم مشبوهون.
التفت إليها:
عمن تتحدثين؟
عن أولئك الثلاثة.
أنا لا أعرف أحدا. أنا لست فضوليا.
سوف يأخذهم رجال الشرطة. كن متأكدا من ذلك
وبما أنه لم يكن متأكدا من شيء فقد اكتفى بأن قال كلاما لنفسه.
وقالت الخادمة بصوت مرتفع:
ماذا تقول؟ تحدث. إن الشرطة سوف تستدعينا نحن الاثنين كشاهدين. لا شك أنهم من النشالين أو بائعي المخدرات.
لا أدري. لا أستطيع أن أقول لرجال الشرطة إلا أنني لا أعرف شيئا. وسوف أقول لهم كذلك، إن الناس يريدون أن يعرفوا كل شيء عن الآخرين ولا يريدون أن يعرفوا شيئا عن أنفسهم.
وقالت الخادمة:
إنك لم تجرب الحياة كثيرا. من الأفضل أن تسقي الحديقة وأن تسكت إلى الأبد.
سكت بالفعل، وتمنى ألا يتكلم. ولكن حتى ولو تمنى الإنسان ألا يتكلم فإن هناك إنسانا آخر يجعله يتكلم حتى بما لم يعلم. قبالة الفيلا المهجورة، هناك حديقة مهجورة، يرتادها كثير من المشردين والمشردات والشيوخ الذين ينتظرون تقاعد الموت، كما هو الشأن بالنسبة للجميع. في تلك الحديقة المهجورة، كانت تنام فتاة من منطقة الريف كل ليلة. وبطبيعة الحال، كانت هناك فتيات أخريات. وفي المغرب حدائق كثيرة ينامون ويسكرون فيها، وربما قد يتزوجون. لكن عندما تخرب المجالس البلدية تلك الحدائق، وتبني في مكانها عمارات للبيع لا للكراء، فإن الذين أنجبوا أطفالا يتركونهم في الشارع يبيعون السجائر بالتقسيط، أما بناتهم فهن عرضة للشارع الفسيح. برغم أن الشوارع ضيقة مع الأسف. وهكذا فتخريب الحدائق يفرخ أطفالا. ومن يدري، فقد يكون أولئك الثلاثة المشبوهون قد فرختهم الحدائق المخربة. كل شيء محتمل. إذا انتزعت شجرة فقد تنبت أخرى في مكان ما. وإذا مات لص فقد يولد آخر وإذا اختفت امرأة سواء كانت ابنة الحديقة أو أي مزبلة أخرى، فإن الإنسان سوف يعثر على امرأة أخرى. علما بأن ربة البيت هي الشريفة. نقول هذا الكلام ونمضمض به أفواهنا. بنات الحدائق موجودات في كل مكان، لكن المحصنات موجودات قرب البقال والنجار وبائع الخضار وبائع التوابل. وحتى لا نذهب بعيدا، فقد قالت الخادمة:
كم يلزمنا من الوقت لكي نفهم كل شيء؟
وكان الحارس قد أجابها:
صعب جدا أن نفهم كل شيء. لقد حاولت أن أفهم أشياء كثيرة لكني لم أوفق
أنت أصغر مني سنا ولا تستطيع أن تفهم.
افهميني.
عد إلى السجن حتى تفهم. قلت لك إن أولئك الثلاثة مشبوهون وأشك فيهم
كثيرا. سوف ترى. وسوف تعرف أني على صواب.
يبدو أن أشخاصا آخرين كانوا يتسربون إلى الفيلا المهجورة من مكان آخر. لأن أصواتا كثيرة ثملة كانت ترتفع في آخر الليل. وكانت الخادمة تسمع ذلك إذا ما أتيحت لها الفرصة لكي تنام في الفيلا التي تشتغل فيها. أصوات غريبة تصدر كلاما نابيا.
أصوات تتحدث عن السجن وعن كيفية الطعن بالسكين أو بالزجاجة المكسورة. وأحيانا حتى بكعب حذاء امرأة. على كل حال، فهي أصوات رجال ونساء. وكانت الخادمة تتخيل تلك المعارك الدامية فتصاب بالخوف، وتتناول قرصا لكي يساعدها على النوم. لكن نومها فيه كثير من الشجارات، والسواطير والسكاكين والزجاجات المكسورة، والأجنة الملفوفة في أكياس البلاستيك، وقبعات رجال الشرطة، والآلة الكاتبة التي تنجز محضرا يقدم إلى المحكمة بتهمة السكر والتحريض على الفساد. إنها أحلام مزعجة حقا، تجعلها تستيقظ لكي تتناول قرصا آخر فتهدأ فتنام، فتستيقظ فتشتغل، فتفكر فيم سيكون عليه أمر المشبوهين. لكن أحلام الحارس كانت عادية. وغالبا ما كان يحلم بأنه يمتلك فيلا، وله العديد من الخدم والأصدقاء. وغالبا أيضا ما كان يحلم بشاحنة تنقل إلى الفيللا التي يحلم بها زجاجات الويسكي المتنوعة. كان حلمه مغايرا تماما لحلم الخادمة. لكنها تبقى مجرد أحلام. غير أنها بعيدة كل البعد عن السواطير والزجاجات المكسرة واللكمات إلى غير ذلك.
ليلة الاثنين من شهر مارس عام 1980، سمعت الخادمة نباح الكلب في الفيلا المهجورة. كان نباحه غير عادي. غادرت فراشها وذهبت لتطل بفضول من بين الأزهار المتدلية عند باب الفيلا المقابلة للفيلا المهجورة.
رأت كل ما كانت تحلم به عادة: سواطير وسكاكين وقبعات وعصيا وتخيلت أنها رأت بعض الدماء تسيل. لكنها لم تكن متأكدة من ذلك. ثم سمعت طلقة رصاص. أصابها رعب. أخذت ترتعد وتهذي، ثم هرولت إلى فراشها. تناولت فنجان ماء وقرصين ابتلعتهما بسرعة. تهاوت على حافة الفراش، وكانت أحلامها كالعادة: سواطير، زجاجات مكسرة، وقبعات رجال الشرطة.
لكن تلك الفيلا تبدو مهجورة. إلا أنهم يدخلون إليها برغم أنه لا أحد يعرف من يكونون.
قالت إحدى خادمات الفيللا المجاورة للحارس:
إنني أشك في هؤلاء الثلاثة، تكون معهم أحيانا فتاة أسمعهم ينادونها فاطمة.
يمكن أن يكون منهم البستاني والطباخ ومصلح أدوات الكي أو أي شيء من هذا القبيل.
إنك تمزح. أنا لم أر طيلة السنوات التي قضيتها هنا في هذا الحي أناسا أغنياء يدخلون إلى الفيللا المهجورة.
لعلهم يأتون في آخر الليل.
ولماذا لم يشذبوا نباتاتهم؟
ربما لأنهم يملكون فيللات أخرى.
قالت الخادمة:
أنا أشك فيهم: خصوصا في ذلك الأبرص الذي يرمش بعينيه. أما تلك الفتاة بلباسها ذاك فإنها تبدو من ناشلات الجيوب في الحافلات. لقد رأيت مثيلاتها كثيرات. صدق الحارس بعض ما قالته الخادمة، لأنه لم يشتغل معها إلا سنة واحدة. ثم إنه لم يتحدث إلى الثلاثة على الإطلاق فهم لا يتكلمون وغالبا ما يدخلون منفردين، يدفعون الباب ويدخلون. فهو دائما مفتوح. وأحيانا يسمع نباح كلب داخل الفيلا، لكن ذلك الكلب لم يغادر قط الفيلا، فربما كان مربوطا وحتى نباحه كان غريبا شبيها بعواء ذئب.
وخيل للحارس أيضا أنه ربما سمع نقيق دجاج. لكنه لم يتأكد من ذلك. فآذاننا تخوننا أحيانا كما تخوننا ألسنتنا فنقول مالم نكن نريد قوله. وقال الحارس للخادمة:
يبدو أنهم يربون الدجاج.
لا تقل هذا الكلام، فأنا اشتغل هنا منذ سنوات، ولم أر سيارة تقف أمام هذه الفيلا.
لم يكن الحارس يهمه الأمر بقدر ما كان يهم الخادمة على ما يبدو، ثلاثة رجال وامرأة في فيلا مهجورة، شيء يبعث على الفضول، حتى بالنسبة للذي لم يكن فضوليا. ثم إن الفضول غريزة في الإنسان حتى ولو تلصص وأطل من ثقب الباب. وقال الحارس للخادمة:
كم أنت فضولية دعيهم وشأنهم.
أنا لست فضولية. ولكن يمكن أن يكونوا أناسا مشبوهين. وقد تأتي الشرطة لتأخذنا جميعا كشهود، ونحن في الحقيقة لا نعرف شيئا ولم نشاهد شيئا.
قال الحارس:
وماذا شاهدنا؟ إنهم يدخلون ويخرجون. ثم إننا لا نسمع سوى نباح كلب.
قالت الخادمة:
ذات مرة أخذوني إلى مركز الشرطة وضربوني لأنني لم أر ما وقع في تلك الفيلا هناك. دخل اللصوص وسرقوا أشياء. وقال رجال الشرطة إنني أعرفهم وأنا لا أعرفهم ولم أرهم على الإطلاق.
هل ترى كيف أن عدم الفضول إلى ماذا يؤدي؟ لقد علمتني أمي منذ طفولتي أن أكون فضولية.
ظل الحارس واقفا، يتأمل تلك النباتات والأعراس غير المشذبة. ولم يفهم ما معنى أن يكون فضوليا. وفكر بأن الفضول قد يؤدي بصاحبه إلى السجن. لقد حصل له ذلك عندما تشاجر تاجرا خردوات، وأراد أن يتدخل فأصابته لكمات، وأخذه رجال الشرطة مع المتشاجرين. حكم عليهما بالسجن لأنهما كانا يتاجران في مسروقات. أما هو فقد منوا عليه بشهر سجنا، لأنه مسلم وأراد أن يفك الشجار بين أخويه في الإسلام. وقد قال ذلك لرئيس الجلسة.
فقال له السيد الرئيس:
الإسلام شيء والفضول شيء آخر. لقد تدخلت، ومعنى ذلك أن لك يدا مع أحدهما.
أقسم كثيرا وحاول أن يبكي. لكن ذلك لم ينفعه. ذكرى ذلك الشهر الذي قضاه في السجن لم تمح قط من ذاكرته وقالت الخادمة:
فيم تفكر؟ لا شك أنك تعرف أحدهم. أقول لك إنهم مشبوهون.
التفت إليها:
عمن تتحدثين؟
عن أولئك الثلاثة.
أنا لا أعرف أحدا. أنا لست فضوليا.
سوف يأخذهم رجال الشرطة. كن متأكدا من ذلك
وبما أنه لم يكن متأكدا من شيء فقد اكتفى بأن قال كلاما لنفسه.
وقالت الخادمة بصوت مرتفع:
ماذا تقول؟ تحدث. إن الشرطة سوف تستدعينا نحن الاثنين كشاهدين. لا شك أنهم من النشالين أو بائعي المخدرات.
لا أدري. لا أستطيع أن أقول لرجال الشرطة إلا أنني لا أعرف شيئا. وسوف أقول لهم كذلك، إن الناس يريدون أن يعرفوا كل شيء عن الآخرين ولا يريدون أن يعرفوا شيئا عن أنفسهم.
وقالت الخادمة:
إنك لم تجرب الحياة كثيرا. من الأفضل أن تسقي الحديقة وأن تسكت إلى الأبد.
سكت بالفعل، وتمنى ألا يتكلم. ولكن حتى ولو تمنى الإنسان ألا يتكلم فإن هناك إنسانا آخر يجعله يتكلم حتى بما لم يعلم. قبالة الفيلا المهجورة، هناك حديقة مهجورة، يرتادها كثير من المشردين والمشردات والشيوخ الذين ينتظرون تقاعد الموت، كما هو الشأن بالنسبة للجميع. في تلك الحديقة المهجورة، كانت تنام فتاة من منطقة الريف كل ليلة. وبطبيعة الحال، كانت هناك فتيات أخريات. وفي المغرب حدائق كثيرة ينامون ويسكرون فيها، وربما قد يتزوجون. لكن عندما تخرب المجالس البلدية تلك الحدائق، وتبني في مكانها عمارات للبيع لا للكراء، فإن الذين أنجبوا أطفالا يتركونهم في الشارع يبيعون السجائر بالتقسيط، أما بناتهم فهن عرضة للشارع الفسيح. برغم أن الشوارع ضيقة مع الأسف. وهكذا فتخريب الحدائق يفرخ أطفالا. ومن يدري، فقد يكون أولئك الثلاثة المشبوهون قد فرختهم الحدائق المخربة. كل شيء محتمل. إذا انتزعت شجرة فقد تنبت أخرى في مكان ما. وإذا مات لص فقد يولد آخر وإذا اختفت امرأة سواء كانت ابنة الحديقة أو أي مزبلة أخرى، فإن الإنسان سوف يعثر على امرأة أخرى. علما بأن ربة البيت هي الشريفة. نقول هذا الكلام ونمضمض به أفواهنا. بنات الحدائق موجودات في كل مكان، لكن المحصنات موجودات قرب البقال والنجار وبائع الخضار وبائع التوابل. وحتى لا نذهب بعيدا، فقد قالت الخادمة:
كم يلزمنا من الوقت لكي نفهم كل شيء؟
وكان الحارس قد أجابها:
صعب جدا أن نفهم كل شيء. لقد حاولت أن أفهم أشياء كثيرة لكني لم أوفق
أنت أصغر مني سنا ولا تستطيع أن تفهم.
افهميني.
عد إلى السجن حتى تفهم. قلت لك إن أولئك الثلاثة مشبوهون وأشك فيهم
كثيرا. سوف ترى. وسوف تعرف أني على صواب.
يبدو أن أشخاصا آخرين كانوا يتسربون إلى الفيلا المهجورة من مكان آخر. لأن أصواتا كثيرة ثملة كانت ترتفع في آخر الليل. وكانت الخادمة تسمع ذلك إذا ما أتيحت لها الفرصة لكي تنام في الفيلا التي تشتغل فيها. أصوات غريبة تصدر كلاما نابيا.
أصوات تتحدث عن السجن وعن كيفية الطعن بالسكين أو بالزجاجة المكسورة. وأحيانا حتى بكعب حذاء امرأة. على كل حال، فهي أصوات رجال ونساء. وكانت الخادمة تتخيل تلك المعارك الدامية فتصاب بالخوف، وتتناول قرصا لكي يساعدها على النوم. لكن نومها فيه كثير من الشجارات، والسواطير والسكاكين والزجاجات المكسورة، والأجنة الملفوفة في أكياس البلاستيك، وقبعات رجال الشرطة، والآلة الكاتبة التي تنجز محضرا يقدم إلى المحكمة بتهمة السكر والتحريض على الفساد. إنها أحلام مزعجة حقا، تجعلها تستيقظ لكي تتناول قرصا آخر فتهدأ فتنام، فتستيقظ فتشتغل، فتفكر فيم سيكون عليه أمر المشبوهين. لكن أحلام الحارس كانت عادية. وغالبا ما كان يحلم بأنه يمتلك فيلا، وله العديد من الخدم والأصدقاء. وغالبا أيضا ما كان يحلم بشاحنة تنقل إلى الفيللا التي يحلم بها زجاجات الويسكي المتنوعة. كان حلمه مغايرا تماما لحلم الخادمة. لكنها تبقى مجرد أحلام. غير أنها بعيدة كل البعد عن السواطير والزجاجات المكسرة واللكمات إلى غير ذلك.
ليلة الاثنين من شهر مارس عام 1980، سمعت الخادمة نباح الكلب في الفيلا المهجورة. كان نباحه غير عادي. غادرت فراشها وذهبت لتطل بفضول من بين الأزهار المتدلية عند باب الفيلا المقابلة للفيلا المهجورة.
رأت كل ما كانت تحلم به عادة: سواطير وسكاكين وقبعات وعصيا وتخيلت أنها رأت بعض الدماء تسيل. لكنها لم تكن متأكدة من ذلك. ثم سمعت طلقة رصاص. أصابها رعب. أخذت ترتعد وتهذي، ثم هرولت إلى فراشها. تناولت فنجان ماء وقرصين ابتلعتهما بسرعة. تهاوت على حافة الفراش، وكانت أحلامها كالعادة: سواطير، زجاجات مكسرة، وقبعات رجال الشرطة.