بحر الخليفة (1)
أوردة من ورد؛ شرايين غسقية، أفق دخان.. تُخوم هذا الذي يأبى الانولاد؛ متشبثاً بمخاط الحريق، أسنانه تعض شراشف مهابل وحلمات أثداء تتدلى من سماء تغيب، بهذا الذي يهزُّ جدران حناجر طيور، في فزع الريش تشرق دامعة، بصراقيل نارية؛ وهجها يصدُّ حدقات أيائل تفرُّ، بين نتوءات تلال تتلوى وهي تعانق عشباً ينسل الآن مغادراً صبغة الأخضر المحزون.. بهذا الذي يجرُّ من بحر الخليفة أساطير نساء؛ غريقات، شعورهن معقودة عند عانات متوهمة؛ تنبت بأرض خراب، تنساب ناعمة إلى حد شفرة الخرافة وأنياب غيلان الأساطير.. على سطوح ماء الاختلاق؛ مومياوات أبدية تُقلِّبُ أعينها وتحدِّق في غبار الكهوف الملوكية.. بهذا الذي يبلله رذاذٌ، نثار جليد، عبق أقحوان، عطر بارود طائش، دم طازج، عرق نازّ، دموع بكر، أمطار شتاء نحيل.. بفرسه الخشبي، والرمح المكسور، بحبات مسبحته تنادي الموت: يا جميل، نقِّ ببهائك الضدين، وسِّدهما القلب حتى يتحجَّر هذا الدم ويصير السواد.
قمة الخمسة (2)
الإبل يا قمة الخمسة، حليبها الترياق وكبدها الحجر، في مخازن السنام: هذه اللوبيا، دخن القوز، العقيق، عفوص طازج، عيش الريف، رز الخلاء وتبش الدرت الأخير.
ثمة هذه الخيول السطو يا قمة، بحوافرها اللا نهاية، تطأ اللين من عظام ورؤوس وأضلاع هشة؛ تدهس فخار البُرام، سعف برتالات ملونة وعروسات من قش وقماش وطين، كما ترج حتى الاندلاق لبناً، سمناً بلدياً، وبركيباً رائباً وتصهل فخورة: يا نبي تعال، الموت أكوام، الحنين هجرة طيور الأنفلونزا، الرحمة انقراض أبلانجات التبلديات الخمس.. العنق معد؛ يا نبي تعاااااااال.
خيول الماء (3)
هكذا الحريق، الأمخاخ التي تنضج بروية، طقطقة العظام، فرقعة الرئتين، انسلاخ الصوت، وفوح الانسلال.. هكذا، الحريق؛ الشبكيات التي تتسع على فزع؛ تعكس ألوان قزح تتشظى ملتهبة، وهنا وهناك تهرول خيول الماء الملونة، تتثنى صاهلة في أنين، ثمة النار، حزاماً يتصالب، قلب وحجر، زخات تتدافع، انتشاء، لولبة دخان يتصاعد مخترقاً سابع السماوات، متاخماً الرحمة.. يا الله؛ زخات الهتون أم زخات الحريق، فرس النبي، أم أفراس النار.
دمٌ يا إله (4)
عند تفاصيله الملونة يندفع متحرراً، كأنه حرباء، أحمر صارخاً وهو يعانق الهواء، أسود ساكناً وهو يتسرب بين ذرات التراب، مصطبغاً بالأخضر الزرعي، والأصفر الصحراوي، مشاكساً الألوان؛ ذلك وهو يحاور القماش، متشرباً القطن، مناكفاً النايلون، ومعانداً ضمادات الشاش.. دمٌ أو بلازما أو تلك الأوعية الدقيقة وهي تلد الانسراب الآن، تهب الموت خفيفاً كنعاس أو انولاد.. دهشاً يغادر أوردته وشرايينه وقلبه الخفاق، بلونه المتفكك يرسم ابتسامته الأخيرة ويغادر.. دمٌ يا نبي، دمٌ يا إله.
الماء يا سيدي (5)
لكن الماء، يا سيدي، بين الكرجاكة وتشققات البلاستيك، في رحلته من قمة الجبل لطين برلي، ومن سماء الإله لحراز العشوش.. الماء وهو يتدلل، قطرة قطرة، يحصي الصفوف، يتسرب بين شقوق أبو شوك وجحور أفاعي مرلا، تحركه عصا الساحر، ليشرق مع أسراب ساري الليل، ويغرب مع قطيع أم تكديم المتلاشي كسراب.. الماء يا سيدي، وهو يحفز حلقَ مجروحٍ بالصراخ، وهو يبلل جرحَ مقروحٍ بغنغرينته الأخيرة، وهو يندلق بحنان ليعد الجسد المسجى، لرحلته تحت الرمال، وجبة لماء الديدان.. الماء يا سيدي، في انهطاله على سعف كلمى وصفيح دوماية والسريف، ببرقه الساطع ودوي فرقعاته التدعو لابتسام، الماء في مؤانسته الحميمة لأجساد الصغار حتى الركبتين، البطن ثم الصدر، في ارتعاشته وهو يسيل بين نهدين ويبلل فم رضيع مدهوش.. الماء يا سيدي، وهو يترحل مختزناً في سنام، وهو يرعى قطيع أبقار من حفير لحفير، ومن نهر لنهر.. الماء يا سيدي.
قصص قصيرة سودانية: منصور الصُّويِّم
أوردة من ورد؛ شرايين غسقية، أفق دخان.. تُخوم هذا الذي يأبى الانولاد؛ متشبثاً بمخاط الحريق، أسنانه تعض شراشف مهابل وحلمات أثداء تتدلى من سماء تغيب، بهذا الذي يهزُّ جدران حناجر طيور، في فزع الريش تشرق دامعة، بصراقيل نارية؛ وهجها يصدُّ حدقات أيائل تفرُّ، بين نتوءات تلال تتلوى وهي تعانق عشباً ينسل الآن مغادراً صبغة الأخضر المحزون.. بهذا الذي يجرُّ من بحر الخليفة أساطير نساء؛ غريقات، شعورهن معقودة عند عانات متوهمة؛ تنبت بأرض خراب، تنساب ناعمة إلى حد شفرة الخرافة وأنياب غيلان الأساطير.. على سطوح ماء الاختلاق؛ مومياوات أبدية تُقلِّبُ أعينها وتحدِّق في غبار الكهوف الملوكية.. بهذا الذي يبلله رذاذٌ، نثار جليد، عبق أقحوان، عطر بارود طائش، دم طازج، عرق نازّ، دموع بكر، أمطار شتاء نحيل.. بفرسه الخشبي، والرمح المكسور، بحبات مسبحته تنادي الموت: يا جميل، نقِّ ببهائك الضدين، وسِّدهما القلب حتى يتحجَّر هذا الدم ويصير السواد.
قمة الخمسة (2)
الإبل يا قمة الخمسة، حليبها الترياق وكبدها الحجر، في مخازن السنام: هذه اللوبيا، دخن القوز، العقيق، عفوص طازج، عيش الريف، رز الخلاء وتبش الدرت الأخير.
ثمة هذه الخيول السطو يا قمة، بحوافرها اللا نهاية، تطأ اللين من عظام ورؤوس وأضلاع هشة؛ تدهس فخار البُرام، سعف برتالات ملونة وعروسات من قش وقماش وطين، كما ترج حتى الاندلاق لبناً، سمناً بلدياً، وبركيباً رائباً وتصهل فخورة: يا نبي تعال، الموت أكوام، الحنين هجرة طيور الأنفلونزا، الرحمة انقراض أبلانجات التبلديات الخمس.. العنق معد؛ يا نبي تعاااااااال.
خيول الماء (3)
هكذا الحريق، الأمخاخ التي تنضج بروية، طقطقة العظام، فرقعة الرئتين، انسلاخ الصوت، وفوح الانسلال.. هكذا، الحريق؛ الشبكيات التي تتسع على فزع؛ تعكس ألوان قزح تتشظى ملتهبة، وهنا وهناك تهرول خيول الماء الملونة، تتثنى صاهلة في أنين، ثمة النار، حزاماً يتصالب، قلب وحجر، زخات تتدافع، انتشاء، لولبة دخان يتصاعد مخترقاً سابع السماوات، متاخماً الرحمة.. يا الله؛ زخات الهتون أم زخات الحريق، فرس النبي، أم أفراس النار.
دمٌ يا إله (4)
عند تفاصيله الملونة يندفع متحرراً، كأنه حرباء، أحمر صارخاً وهو يعانق الهواء، أسود ساكناً وهو يتسرب بين ذرات التراب، مصطبغاً بالأخضر الزرعي، والأصفر الصحراوي، مشاكساً الألوان؛ ذلك وهو يحاور القماش، متشرباً القطن، مناكفاً النايلون، ومعانداً ضمادات الشاش.. دمٌ أو بلازما أو تلك الأوعية الدقيقة وهي تلد الانسراب الآن، تهب الموت خفيفاً كنعاس أو انولاد.. دهشاً يغادر أوردته وشرايينه وقلبه الخفاق، بلونه المتفكك يرسم ابتسامته الأخيرة ويغادر.. دمٌ يا نبي، دمٌ يا إله.
الماء يا سيدي (5)
لكن الماء، يا سيدي، بين الكرجاكة وتشققات البلاستيك، في رحلته من قمة الجبل لطين برلي، ومن سماء الإله لحراز العشوش.. الماء وهو يتدلل، قطرة قطرة، يحصي الصفوف، يتسرب بين شقوق أبو شوك وجحور أفاعي مرلا، تحركه عصا الساحر، ليشرق مع أسراب ساري الليل، ويغرب مع قطيع أم تكديم المتلاشي كسراب.. الماء يا سيدي، وهو يحفز حلقَ مجروحٍ بالصراخ، وهو يبلل جرحَ مقروحٍ بغنغرينته الأخيرة، وهو يندلق بحنان ليعد الجسد المسجى، لرحلته تحت الرمال، وجبة لماء الديدان.. الماء يا سيدي، في انهطاله على سعف كلمى وصفيح دوماية والسريف، ببرقه الساطع ودوي فرقعاته التدعو لابتسام، الماء في مؤانسته الحميمة لأجساد الصغار حتى الركبتين، البطن ثم الصدر، في ارتعاشته وهو يسيل بين نهدين ويبلل فم رضيع مدهوش.. الماء يا سيدي، وهو يترحل مختزناً في سنام، وهو يرعى قطيع أبقار من حفير لحفير، ومن نهر لنهر.. الماء يا سيدي.
قصص قصيرة سودانية: منصور الصُّويِّم