تتميز الحكاية المثلية، بكونها نصوصا حجاجية حكمية ترمي إحداث تغيير أو إطراء عبرة في نفس المتلقي رغبة في الاقتداء به والحرص على تغيير المجتمع وتوجيهه إلى ما يتوجب فعله أوتجنبه. وتعد حكاية "القرد والغيلم"، من بين هذه الحكايا المثلية التي صاغها ابن المقفع بطريقة فنية سلسة يرتاح لها القاريء وينساق وراء ما ورد فيها من أحداث ومفاهيم مثل: الصداقة والعداوة؛ إذ حرص منذ البداية على تتبع مسير السرد رغبة في العمل بفكرة أو العدول عنها، وقد سلك المؤلف في ذلك بناء منهجيا موفقا اعتمد فيه السرد والحجاج. فكيف بني السرد في هذا الباب، كيف تشكل الحجاج، ماعلاقة السرد بالحجاج؟ هل يخدم أحدهما الآخر؟ أم إن وظيفتيهما جاءت موازية تتناسب مع المقصدية التي ترومها "كليلة ودمنة" بشكل عام، وحكاية "القرد والغيلم" بشكل خاص، ثم ما طبيعة العلاقة بين السرد والحجاج، هل هي علاقة تداخل أم تنافر؟ بصيغة أخرى، ما وظيفة السرد والحجاج في هذه الحكاية؟ وكيف ساهما في تشكيلها بطريقة تخدم عملية التلق أكثر من أي شيء آخر؟
هذه الأسئلة وغيرها، هي التي سنحاول مناقشتها في ثنايا العرض. ولكن، قبل الشروع في معالجة الموضوع الذي نحن بصدده، ارتأينا أولا أن نشير إلى مفهوم السرد والحجاج؛ حتى يتسنى منح رؤية تصورية تتماشى مع التحليل، ثم نظهر التداخل بينهما أثناء تحليلنا باب "القرد والغيلم".
مفهوم البنية السردية:
واكب تطور الأجناس الأدبية ظهور عديد من المدارس النقدية والأدبية والفلسفية نتج عنها اختلاف كبير في المناهج؛ هذه المناهج سعت جاهدة إلى استقصاء ،الأجناس، ودراستها دراسة دقيقة غايتها الأهم، فحص النصوص وفهمها، وذلك حسب توجه كل مدرسة. ومع التسرب الفكري والثقافي، نشأت جملة من النظريات منها؛ النظرية السردية التي كانت وجهتها الأساس قراءة النصوص وفهمها من حيث المبنى والمعنى، فقد حرص النقاد والمفكرون مثل: تيزﭬيتان تودوروڤ، جيرار جنيت ورولان بارت وغيرهم، على مسايرة النظرية السردية تلك النصوص، لأجل ذلك، اجتهدوا في تعريف السرد والبنية السردية، وأهم هذه التعريفات تذهب إلى تعريف السرد من منظور الحكي كالآتي: " يقوم الحكي على دعامتين أساسيتين:
أولاهما: أن يحتوي على قصة ما، تضم أحداثا معينة.
وثانيهما: أن يعين الطريقة التي تحكى بها تلك القصة وتسمى هذه الطريقة سردا، ذلك أن قصة واحدة يمكن أن تحكى بطرق متعددة، ولهذا السبب فإن السرد هو الذي يعتمد عليه في تمييز أنماط الحكي بشكل أساس.
وأن "السرد" هو الكيفية التي تروى بها القصة عن طريق هذه القناة نفسها،وما تخضع له من مؤثرات بعضها متعلق بالراوي والمروي له، والبعض الآخر متعلق بالقصة ذاتها".[1]
ومن خلال قراءتي لمجموع مقالات وكتب حول الموضوع، خلصت إلى أن السرد هو: " مجموعة من العناصر المكونة لجنس أدبي ما من مثل؛ الحدث، الزمان المكان، الشخصية، التشويق وما إلى ذلك " كما أنها " التسلسل الزمني للأحداث والوقائع". من هنا سوف ننطلق في دراسة باب " القرد والغيلم" مستقصين مدى مطابقة بناء الحكاية وتشكل سردها مع التعريفات السردية السالفة.
يتشكل السرد في باب " القرد والغيلم" من حكاية إطار وحكاية مؤطرة تتفرع عنهما حكايا أخرى متنوعة، فالحكاية الإطار يعلن عنها بن المقفع قبل البدء في سرد الأحداث مباشرة، وتتمثل في حكاية الملك دبشليم والفيلسوف بيدبا حين يطلب الأول من الثاني أن يضرب له مثلا: " اضرب لي مثل الرجل الذي يطلب حاجة، فإذا ظفر بها أضاعها"[2]، ولعل هذه خاصية من خاصيات الحكاية المثلية، فبمجرد شروع الفيلسوف في الحكي، تتفرع الحكاية الإطار إلى: " حكايات كبرى تمثل أبواب الكتاب، وضمن كل باب تتوالى الحكايات الصغرى أو الحكايات الخرافية الفرعية، وخاصة ما غاب عنها الحيوان."[3]
إن الحكايات المؤطرة التي أنتجها الفيلسوف بيدبا وهو يُفَصل للملك في كل مثل اقترحه. شكلت إشارة مهمة وجيدة في الحكايات كلها، لأنها فتحت أمام الدارسين، خاصة المعاصرين منهم، مجال البحث والتحليل.
مضمون باب القرد والغيلم :
تدور حكاية " القرد والغيلم" حول قرد اسمه "ماهر" كان يحكم قومه فتقدمت به السنون، فقام قرد شاب بانقلاب عسكري عليه، هرب القرد المسن حتى صادف في مسيره شجرة تين اتخذ منها مسكنا ومأوى، وكان الوقت ثمارا فاعتلى القرد المتعب ظهر الشجرة، ثم شرع يتذكر أيامه، ويأكل تينة فيمضغها، فوقعت واحدة من يده فسمع لها رنيناً محببا صادراً من ساقية الماء تحته، فأعاد فأكل ورمى، واستمر هكذا بأكل واحدة ورمي ثانية فيتمتع بالرنين والمذاق الحلو، حتى كان اليوم الذي فوجيء " القرد" المسن بالغيلم يتقدم إليه فيسلم عليه ويشكره لما ألقى من تين إلى النهر. ومع الوقت نمت الصداقة بين " القرد والغيلم"، ولكن الحدث لم يكن خبرا سارا لزوجة الغيلم، فقد ساءها تأخر زوجها في العودة إلى المنزل، فلما سألت عن الخبر قالوا إنه صادق قرداً شيخاً وَهَنَ العظم منه، على ظهر شجرة؛ فهما خليلان يتساران ويروي كل منهما للآخر محن الدهر وتصاريف القدر، فنصحوها أن تتمارض حتى إذا عاد الغيلم ليلا أخبروه أن مرضها أعيا الأطباء، ولا دواء له غير قلب قرد. فكر الغيلم فلم يجد سوى قلب صاحبه الهارب من الانقلاب العسكري، في مملكة القردة، فجاءه في الصباح وقد عزم الغدر به فقال: إنني أريد إكرامك كما أكرمتني، وأريدك أن تتم إحسانك إلي بزيارتك لي في منزلي..."[4]
إذا تأملنا الحكاية جيدا منذ بدايتها ألفينا بناءها منتظماً يراوح بين السرد والحوار، ذلك أن " الحوار من يفسح المجال لعرض الأفكار والحجج أو دحض أفكار الخصم"[5] فحوار الملك " دبشليم" مع الفيلسوف بيدبا، أنتج حكاية شخصتها حيوانات؛ تفرعت عنها حكاية أخرى مضمنة في الحكاية الأولى هي حكاية " الأسد وابن آوى والحمار".
إن كِبر القرد "ماهر" وهرمه، أفرز انقلاباً عسكريا عليه وطُرد من مملكته؛ أنتجت هذه الواقعة، نقطة تحول في الأحداث؛ إذ هاجر القرد واستقر فوق شجرة " تين" كانت ثمارها سبيلا لتعرفه على الغيلم، وكسب صداقته التي أدت إلى نسج حيلة من قبل الزوجة المتمارضة للتخلص من القرد عندما تأخر زوجها عنها. امتلكت الغيلم حيرة في كيفية حصوله على قلب قرد، فعسر عليه الطلب، فتحايل على صديقه، ومع طمع القرد في الأكل الرغد، تمكن الغيلم من إغوائه واصطحابه على ظهره إلى قعر الماء، مدعياً إكرامه، مضمراً خيانته والغدر به، وقد وَلَّد تردد الغيلم أثناء مسيره في الماء، الشك في القرد، ففكر ولم يظهر تفطنه بغدره وأوصاه بتنفيذ رغبة زوجته، صدق القرد الغيلم، وأفصح له عما يجول في خاطره، فأعلن القرد عدم إحضاره قلبه معه بحجة أنهم: " معاشر القردة لا يحملون قلوبهم معهم عندما يرحلون خشية أن يستولوا على ما ليس لهم"، وطلب من صديقه أن يعيده إلى الشجرة التي أخذه منها، حتى يمكنه من الحصول على مراده، وعند عودته وتسلقه الشجرة، تأخر عن الغيلم فكره منه ذلك؛ ثم طلب منه العودة، فسخر من الغيلم القرد وضرب له مثل " الأسد وابن آوى والحمار"، هكذا نجا القرد بنفسه، وأضاع الغيلم حاجته بعد أن ظفر بها.
الســرد:
افتتح السارد حكاية "القرد والغيلم" كما في كل الحكايات السالفة في "كليلة ودمنة"، بصيغة "زعموا أن"؛ وهي صيغة تؤشر إلى بداية السرد، أو بداية القصة بعد الحوار الذي يجري بين المؤلف والملك.
إن هذه البداية تؤشر كذلك إلى مجموعة من المؤشرات تتمثل أولاها في أن بيدبا ليس مؤلف هذه القصص، بل هم قوم آخرون غير معروفين أو على الأقل لا يعرف بهم بيدبا، ولكن يبدو من خلال صيغة "زعموا أن" و"اضرب لي مثلا" اللتين تواجهاننا في بداية الحكاية، أنهم ينتمون إلى الماضي البعيد بكل ما يحمله من معاني، وأنهم حكماء استطاعوا ان يصلوا إلى الحكمة الخالصة وما أشبهها، كما توحي الصيغة بمجرد حضورها على سكوت المؤلف وصمته، وتسليم زمام السرد لشخصيات الحيوانات" القرد والغيلم"، أما ابن المقفع، فإنه يتوارى من المؤلف نهائياً؛ فكما لاحظنا في "كليلة ودمنة" كلها، اقتصر حضوره فقط على مقدمة الكتاب، ثم اختفاؤه في الحكايات كلها. وفي غياب المؤلف الأول والثاني في الحكايات، إيحاء بالرغبة لدى ابن المقفع في الإلمام بواقعية قصصه ووجودها الفعلي، ومنه نستجلي خضوع بناء السرد للمتن الحكائي حيث ستسرد القصة أو تحكى.
يتراءى مما سبق، أن صيغة "زعموا أن" كان لها عدة مؤشرات كما رأينا، وأن المؤلف لم يوظفها عن عفو خاطر، بل كان فيها أيضا بالإضافة إلى إيحاءاتها على توثيق الروايات المحكية بمختلف أنواعها؛ وهو ماذهب إليه عبد الملك مرتاض عندما قال:"وربما يكون عبد الله بن المقفع اصطنع مصطلح "زعموا" لأن الناس كانوا، على عهده، حراصا على الرواية الموثوقة....لذلك ظل المصطلح هو اللازمة السردية الغالبة على نص "كليلة ودمنة""[6]، دلالة تمثلت في إعلان السرد عن نفسه، وأن الحكاية قد بدأت، ذلك أن "السرد يحتاج إلى الإعلان عن نفسه بصيغة من الصيغ تكون بالنسبة إلى الحكاية كالإطار بالنسبة إلى اللوحة، وهكذا فإن عبارة "زعموا أن" تعلن للمتلقي أن السرد قد بدأ وتحدد نوعه."[7]
من هنا يتبين أن خصائص السرد كما اتفق عليها والتي أشرنا إليها في تعريفات سابقة، حاضرة في الحكاية وإن كانت تنحو منحى الحوار، فقد مثل القرد والغيلم شخصيتان رئيستان دار حولهما حدث "طلب الرجل حاجة، حتى إذا ظفر بها أضاعها"، ومثلت زوجة الغيلم وصديقتها، والقرد الأصغر الذي كان وراء الإنقلاب العسكري على القرد "ماهر" الهرم شخصيات ثانوية، أما "الأسد وابن آوى والحمار" فقد كانوا شخصيات ضرب بهم المثل، فكانت بذلك حكاية صغرى ،ذات مرامي بعيدة، متضمنة في الحكاية الكبرى" القرد والغيلم". وأما الزمان والمكان فظلا منفتحين يحيلان على أن الحكاية "المثلية فن كوني"؛ فهي حين تصور أشياء كونية ليست مرتبطة بكائن موجود في العالم"[8] وحين تقترن بالحكمة التي تدل على سلوك إنساني، ويضرب بها المثل من أجل غاية إنسانية وخلقية وحكمية وجودية كما في "القرد والغيلم"، تصبح الحكاية المثلية "فنا كونيا".
من هنا نستنتج أن حكاية "القرد والغيلم" المصنفة ضمن "الحكايا المثلية" الواردة في كليلة ودمنة"، توافرت فيها جل شروط السرد، وبهذا خضعت لتقنيات البنية السردية، وهذا ليس غريباً؛ فخضوع مثل هذه الأجناس الأدبية لخصائص السرد ومميزاته، كان أمراً لابد منه في كل الكتابات السردية القديمة حتى تتماشى مع طبيعة التحولات، والتغيرات، ومختلف الثقافات التي سادت ذلك العصر؛ حتى تكون خطاباتهم ذات أثر إقناعي في من وجهت إليهم، وابن المقفع كشف في حكاياته منذ البداية، عن"حذق غير هين وبراعة بينة في إدارة عملية السرد وخاصة في مفاصلها أو لحظاتها الحساسة الناشئة"[9] يتمثل ذلك في طريقة توظيفه الحجاج كما سيظهر فيما سيأتي في تناول موضوع حكاية "القرد والغيلم" حجاجياً.
الحجــاج:
حرصا على سلامة منهجية الموضوع، ومواصلة الحديث عن السرد لأجل ربطه بالحجاج في إطار علاقتهما بحكاية "القرد والغيلم"، رأينا أن نستهل الحجاج بالمتوالية الآتية: "إن النص ليس سردياً خالصاً، أو وصفياً، بل هو نص حجاجي"[10]*.
أورد محمد مشبال هذه الجمل، في سياق تحليله لاحدى نصوص الجاحظ، خاصة ما تعلق منها بالأخبار، مع طلبة الأدب العربي من سلك الإجازة، واقتبسناها استشهاداً في موضوعنا؛ حتى نتبين إن كانت المتوالية تصدق على كل النصوص مثل حكاية "القرد والغيلم"، أم إنها تنطبق فقط على نصوص الجاحظ.
اتفق كثير من الدارسين أن "الحكاية المثلية" نص حجاجي تهذيبي جمالي، يروم تثبيت قيم أخلاقية/إنسانية وإيصال غرض تعليمي إلى المتلقي. وفي باب "القرد والغيلم" كثير من هذه المقاصد التعليمية /الخلقية تمثلت خاصة في مفهومي الصداقة/العداوة.
وبما أننا ندرس هنا السرد والحجاج، لابد أن نشير إلى أن أغلب المنظرين للحجاج؛ مثل شايم بيرلمان، وميشال مايير، وبيار أوليرون، وآلان بواسينو جميعهم يعرف الحجاج: " أنه جهد إقناعي، وبأنه بعد جوهري في اللغة"[11]. لن نطيل التفصيل أكثر في قضية السرد والحجاج وسوف ننتقل مباشرة إلى تحليل" القرد والغيلم".
يتميز باب "القرد والغيلم" عن باقي أبواب "كليلة ودمنة"، باحتوائه حكمة وجودية وأحكام فلسفية عميقة مضمنة؛ إذ إن مجمل الأوضاع التي مر بها "القرد والغيلم" تلوح قضية هامة وحاسمة إضافة إلى مفهومي الصداقة /العداوة؛ هي قضية تمييز الحقيقة من الوهم.
إن الحجاج في الباب قيد التحليل؛ لم يأت بصفة صريحة مباشرة، بل سلك بن المقفع في توظيفه سبل" الاستشهاد والاقتباس والتضمين"؛ وقد اتخذ المؤلف هذه الخطة في الكتابة بطريقة تخدم مقصدية حكاية "القرد والغيلم" التي تروم إيصال رسالة إلى المتلقي مفادها ترسيخ أفكار ورؤى تسعى إحداث تغيير إيجابي في المجتمع كله، وهذا ليس غريباً مادامت غاية النص الأساس تحمل معنى علمياً خلقياً وفلسفياً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أراد بن المقفع من ضمن ما سعى إليه "مراعاة المقام" ومقتضى الحال "الذي لا غنى للمتكلم عنه متى رام الفعل في الآخر وأراد إقناعه برأي أو حمله على الإذعان لسلوك أو موقف."[12]
في هذا الصدد، ورغم أن باب "القرد والغيلم" ينطوي على حجج ضمنية، أكثر منها ظاهرة؛ سوف نحاول استنباط بعض الحجج؛ فالحجة الأولى في النص، تتجلى في البعد الفكري العميق الذي لا يمكن أن يستخلصه إلا القارئ الحصيف، والحجة الثانية تندرج في تقنية توظيف ابن المقفع السرد في الحكاية؛ حيث حافظ على ترتيب الأفكار وعرضها؛ مما يعني أنه من البدهي " أن تعد الحكاية في بنيتها السطحية سرداً، لكن من الواضح أنها تخدم بعدا أخلاقيا، من وجهة نظر وظيفية، يختزل النص بأكمله إلى حجة"[13]. ومنه يتبين أن هناك تلازم بين السرد والحجاج؛ بمعنى أن كلا منهما يكمل الآخر.
يتميز باب "القرد والغيلم" ،حسب سامي سويدان، عن بقية الحكايا/ الأمثال، بكونه يكتسي "بعداً غرائبياً خاصاً، لكن غرائبيته محدودة، حيث أن الخرافية المعتمدة رمزية فقط، الغرض منها المقصدية الوعظية والتعليمية."[14] ويمكن اسقاط كلمة الغرابة، على بعض الشخصيات في الحكاية؛ مثلما فعل الغيلم بعدما حمل القرد على ظهره مستدرجاً إياه إلى بيته بعد طول غياب، قال "القرد: يا أخي، ما حبسك عني.
أجاب الغيلم: ما حبسني عنك إلا حيائي: فلم أعرف كيف أجازيك على إحسانك إلي؟ وأريد أن تتم إحسانك إلي بزيارتك لي في منزلي: فإني ساكن في جزيرة طيبة الفاكهة.فاركب ظهري لأسبح بك."[15]
إن حمل الغيلم للقرد على ظهره يعد إذن فعلا غريبا، لكنه مبرر، وهذا في حد ذاته نوع من أنواع البلاغة الحجاجية؛ فالغيلم يستدرج صديقه إلى بيته لنزع قلبه، ضارباً بالصداقة التي جمعتهما. القلب الذي طلبته زوجته لتشفى من تمارضها، والتي لجأت إلى هذه الخطة بمعية صديقتها بعد أن طالت غيبة زوجها. صدق الغيلم هذا الادعاء فأراد أن يفتك بصاحبه ويرضي زوجته، لكن تردده أثناء السباحة، سيمكن القرد من استدراك أمره: " وإني قد احتجت الآن إلى عقلي في التماس المخرج مما وقعت فيه"[16]. وفعلا سينجح القرد في التخلص من الغيلم بخطة محكمة لا تقل دهاء عن التي وقع فيها، حيث أوهم صديقه بأنهم معشر القردة يتركون قلوبهم في منازلهم عندما يزورون أحداً حتى لا يستولي عليهم الطمع فيما هو ليس من حقهم: " وما منعك أن تعلمني عند منزلي، حتى كنت أحمل قلبي معي؟ فهذه سنة فينا معاشر القردة، إذا خرج أحدنا لزيارة صديق، خلف قلبه عند أهله، أو في موضعه، لننظر إذا نظرنا إلى حرم المزور وليس قلوبنا معنا."[17] صدق الغيلم أيضا هذه الفكرة لأنه لم يدرك نباهة القرد، كما لم يدرك مكر زوجته سابقاً ؛ فالغيلم يتأرجح بين "شر" زوجته و"فطنة" صديقه القرد، فهو لا يمارس أي دور فعال للعقل* الذي يعد مركز هذا المثل، بل ينساق وراء كل فكرة. ومنه نكتشف أن الغيلم لا يقوم بأي دور حجاجي إقناعي، وما فعله مع القرد حين أراد استدراجه لا يخدم الغرض الحجاجي لأن نباهة القرد كانت أقوى؛ وسلوك القرد هذا، مثل أرقى أنواع الحجاج، زاد في دعمه عندما روى للغيلم حكاية أخرى وهو يتباهى عليه فوق الشجرة؛ إنها حكاية "الأسد والحمار وابن آوى" التي تجسد نموذجهما. ومضمون الحكاية أن الأسد يضعف عن الصيد فينصحه بن آوى "بقلب" حمار و"أذنيه". جاء ابن آوى إلى حمار ضعيف فنصحه بترك صاحبه إلى مكان أكثر خصوبة، وجاء به إلى الأسد، لكن الحمار استطاع الهرب، ثم جاء به مرة ثانية إلى الأسد الذي لم يفوت الفرصة هذه المرة فوثب عليه وافترسه. ذهب الأسد يغتسل قبل الأكل، فجاء ابن آوى وأكل قلب الحمار وأذناه، ولما عاد الأسد سأل عنهما:" أين قلب الحمار وأذناه"[18]. قال ابن آوى :" ألم تعلم أنه لو كان له قلب يفقه به، وأذنان يسمع بهما، لم يرجع إليك بعدما أفلت ونجا من الهلكة؟"[19] وتضمين هذه الحكاية هي ما اصطلح عليه سعيد جبار "التوالد السردي ".[20] وهي ما يشير إليها بعض النقاد أنها ""ماوراء السرد" أو"السرد التحتي"[21]. وهكذا، يبدو أن السرد لم يكن:" آداة للإمتاع فقط، ولكنه آداة للتواصل تتغيا الإقناع وتبليغ المعرفة"[22].
نتبين مما سبق، أن المحور الذي تدور حوله تفاصيل الحكاية يدخل ضمن ما يسمى حديثاً بالبعد التداولي للبلاغة، ويتمظهر ذلك في ثلاث أنماط أساسية؛ أولها المقصدية الفكرية والتعليمية التي جسدها بيدبا بوصفه راوياً يتوخى حكمة تَصلح للملك دبشليم ومن بعده ـ المجتمع بمختلف مستوياته ــ، ثانيهما المقصدية الحجاجية الظاهرة على مستوى أفعال الحيوانات وتصرفاتهم ضمن صراعهم نحو البقاء.
وقد ساهم في بناء الحجاج أيضا بناء السرد على التضاد الذي يعتبر وسيلة من وسائل الحجاج، مثل: الصداقة/العداوة، الحذق/الخرق، الذكاء/البلادة،الصدق/الخيانة، الثقة/الغدر، الإحسان/المكر، التحالف/الانفصال، الاحتفاظ/التضييع، الإدانة/الإشادة..
يمكن أن نستخلص من كل هذه التناقضات، جملة من الأفكار أهمها؛ إدانة الغيلم لما توافر فيه من مكر وخداع وغدر واحتيال، والإشادة بصلاح القرد وكرمه وصدقه وحلمه وحفاظه على الثقة التي وضعها في الغيلم إلى حين اكتشافه مكره، ولعل هاته الأفكار تحيلنا إلى موقفين من المواقف التواصلية في الحجاج؛ موقف احتفالي تتم فيه الاشادة بصلاح القرد، وموقف ادعائي يتم من خلاله الدفاع عن موقف إنساني أعمق؛ يتجاوز "القرد والغيلم" إلى معاجة قضايا اجتماعية أخلاقية كبرى منها؛ ضرورة التمييز بين الخير والشر.
وجازة القول، إن باب "القرد والغيلم" قد مثل بالفعل، قضية تداخل السرد والحجاج؛ إذ لاحظنا ذلك منذ بداية الحكاية؛ فمن جهة، حرص ابن المقفع على بناء نصه وتشكيله على نحو يستجيب من خلاله لما تتطلبه النظرية السردية، وتقنيات السرد؛ من شخصيات، وحدث، وزمان، ومكان. ومن جهة ثانية، نجح في توظيفه الحجاج، ورغم أن الحكاية نحت منحى الحوار أكثر منها إلى السرد، إلا أن هذا الحوار، كانت وظيفته ترتيب الأفكار والرؤى، وإثبات المواقف التواصلية التي ترومها حكاية "القرد والغيلم" بشكل خاص، وحكايا "كليلة ودمنة" بشكل عام. وفي رأييي لكي يتمكن النص من إيصال مراميه ومغازيه، لابد أن يكون هناك تلازم وتداخل بين السرد والحجاج، إذ إن وظيفة كل منهما تكمل الأخرى.
لائحة المصدر والمراجع
المصدر:
كليلة ودمنة، عبد الله ابن المقفع، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى1986.
المراجع:
إبراهيم بن صالح/هند بن صالح ،سلسلة فوانيس، الحكاية المثلية عند بن المقفع، ، دار محمد علي الحامي تونس، الطبعة الأولى،2003.
حميد الحميداني، بنية النص السردي (من منظور النقد الأدبي)، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى آب 1991.
روبير مارتان، في سبيل منطق المعنى، ترجمة و تقديم: الطيب الكوشي/صالح ماجري، مركز دراسات الوحدة العربية،، الطبعة الأولى، كانون الأول، ديسمبر 2006.
سامي سويدان، في دلالية القصص وشعرية السرد، الفصل الرابع/ الجنس العقلي في النص الخرافي، باب "القرد والغيلم" من كتاب "كليلة ودمنة"، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى/1991.
سامية الدريدي، الحجاج في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني للهجرة، بنيته وأساليبه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس، عالم الكتب الحديث، جدارا للكتاب العالمي،د.ت.
سيمون شاتمان،مجلة الصورة، عدد خاص عن الملف البلاغي، الحجاج والسرد، ترجمة عبد الواحد التهامي، مراجعة محمد مشبال.
سعيد جبار، التوالد السردي، قراءة في بعض أنساق النص التراثي، جذور للنشر، الطبعة الأولى، 2006.
عبد العزيز شبيل، التناص والتراث العربي بين" كليلة ودمنة" و "الأسد والغواص"، حوليات الجامعة التونسية، عدد 52/2007، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة.
عبد الملك مرتاض ،عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، في نظرية الرواية/ بحث في تقنيات السرد، ، ديسمبر 1998.
عبد الفتاح كيليطو، الحكاية والتأويل، ، دراسات في السرد العربي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1999.
فرج بن رمضان،الأدب العربي القديم ونظرية الأجناس الأدبية"القصص"، دار محمد علي الحامي، الطبعة الأولى، جويليه 2001.
محمد مشبال،البلاغة والسرد، التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ، منشورات كلية الآداب جامعة عبد المالك السعدي، تطوان 2010.
محمد مشبال، محاضرات في النثر العباسي لطلبة الأدب العربي ،سلك الإجازة، 15/01/2003 .
والاس مارتن، نظريات السرد الحديثة، ترجمة حياة جاسم محمد، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة 1998.
[1] حميد الحميداني،بنية النص السردي (من منظور النقد الأدبي)، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى آب 1991. ص 45.
[2] عبد الله ابن المقفع، "كليلة ودمنة"، باب"القرد والغيلم" ، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى1986، ص 301.
[3] عبد العزيز شبيل، التناص والتراث العربي بين" كليلة ودمنة" و "الأسد والغواص"، حوليات الجامعة التونسية، عدد 52/2007، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، ص 148.
[4] باب "القرد والغيلم"، ص 304.
[5] عبد العزيز شبيل، في دلالية القصص وشعرية السرد، الفصل الرابع/ الجنس العقلي في النص الخرافي، باب "القرد والغيلم" من كتاب "كليلة ودمنة"، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى/1991، ص148.
[6] عبد الملك مرتاض، عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، في نظرية الرواية/ بحث في تقنيات السرد، ديسمبر 1998.ص 142.
[7] عبد الفتاح كيليطو، الحكاية والتأويل، دراسات في السرد العربي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1999، ص34.
[8] روبير مارتان، في سبيل منطق المعنى، ترجمة و تقديم: الطيب الكوشي/صالح ماجري، مركز دراسات الوحدة العربية،، الطبعة الأولى، كانون الأول، ديسمبر 2006، ص358.
[9] فرج بن رمضان، الأدب العربي القديم ونظرية الأجناس الأدبية"القصص"، دار محمد علي الحامي، الطبعة الأولى، جويليه 2001، ص 142.
[10] محمد مشبال، محاضرات في النثر العباسي لطلبة الأدب العربي ،سلك الإجازة، 15/01/2003 .
[11] إبراهيم بن صالح/هند بن صالح، سلسلة فوانيس، الحكاية المثلية عند بن المقفع، دار محمد علي الحامي تونس، الطبعة الأولى،2003، ص 102.
[12] سامية الدريدي، الحجاج في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني للهجرة، بنيته وأساليبه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس، عالم الكتب الحديث، جدارا للكتاب العالمي،د.ت، ص 90.
[13] سيمون شاتمان،مجلة الصورة، عدد خاص عن الملف البلاغي، الحجاج والسرد، ترجمة عبد الواحد التهامي، مراجعة محمد مشبال، ص 56.
[14] مرجع سابق، في دلالية القصص وشعرية السرد، ص177.
[15] باب "القرد والغيلم"، ص 304.
[16] باب "القرد والغيلم"، ص 310.
[17] نفسه، ص 310.
[18] نفسه، ص 314.
[19] نفسه، ص 314.
[20] سعيد جبار، التوالد السردي، قراءة في بعض أنساق النص التراثي، جذور للنشر، الطبعة الأولى، 2006، ص 122.
* ذكرنا هذه اللفظة كي نبين حسب ما أشار إليه سامي سويدان في دلالية القصص وشعرية السرد أن باب "القرد والغيلم" يتضمن رؤية عقلانية؛ هذه الرؤية العقلانية تتوسل شكلاً بسيطاً لتبليغ البعيد والعميق من طروحاتها، وهو أمر يتلاءم مع الهم الاصلاحي الذي يتوخى الفعالية الأقوى في الإفهام والاتساع الأقصى في دائرة الاتصال والتواصل.
[21] والاس مارتن، نظريات السرد الحديثة، ترجمة حياة جاسم محمد، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة 1998.ص 179.
[22] محمد مشبال، البلاغة والسرد، التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ، منشورات كلية الآداب جامعة عبد المالك السعدي، تطوان 2010، ص13.
هذه الأسئلة وغيرها، هي التي سنحاول مناقشتها في ثنايا العرض. ولكن، قبل الشروع في معالجة الموضوع الذي نحن بصدده، ارتأينا أولا أن نشير إلى مفهوم السرد والحجاج؛ حتى يتسنى منح رؤية تصورية تتماشى مع التحليل، ثم نظهر التداخل بينهما أثناء تحليلنا باب "القرد والغيلم".
مفهوم البنية السردية:
واكب تطور الأجناس الأدبية ظهور عديد من المدارس النقدية والأدبية والفلسفية نتج عنها اختلاف كبير في المناهج؛ هذه المناهج سعت جاهدة إلى استقصاء ،الأجناس، ودراستها دراسة دقيقة غايتها الأهم، فحص النصوص وفهمها، وذلك حسب توجه كل مدرسة. ومع التسرب الفكري والثقافي، نشأت جملة من النظريات منها؛ النظرية السردية التي كانت وجهتها الأساس قراءة النصوص وفهمها من حيث المبنى والمعنى، فقد حرص النقاد والمفكرون مثل: تيزﭬيتان تودوروڤ، جيرار جنيت ورولان بارت وغيرهم، على مسايرة النظرية السردية تلك النصوص، لأجل ذلك، اجتهدوا في تعريف السرد والبنية السردية، وأهم هذه التعريفات تذهب إلى تعريف السرد من منظور الحكي كالآتي: " يقوم الحكي على دعامتين أساسيتين:
أولاهما: أن يحتوي على قصة ما، تضم أحداثا معينة.
وثانيهما: أن يعين الطريقة التي تحكى بها تلك القصة وتسمى هذه الطريقة سردا، ذلك أن قصة واحدة يمكن أن تحكى بطرق متعددة، ولهذا السبب فإن السرد هو الذي يعتمد عليه في تمييز أنماط الحكي بشكل أساس.
وأن "السرد" هو الكيفية التي تروى بها القصة عن طريق هذه القناة نفسها،وما تخضع له من مؤثرات بعضها متعلق بالراوي والمروي له، والبعض الآخر متعلق بالقصة ذاتها".[1]
ومن خلال قراءتي لمجموع مقالات وكتب حول الموضوع، خلصت إلى أن السرد هو: " مجموعة من العناصر المكونة لجنس أدبي ما من مثل؛ الحدث، الزمان المكان، الشخصية، التشويق وما إلى ذلك " كما أنها " التسلسل الزمني للأحداث والوقائع". من هنا سوف ننطلق في دراسة باب " القرد والغيلم" مستقصين مدى مطابقة بناء الحكاية وتشكل سردها مع التعريفات السردية السالفة.
يتشكل السرد في باب " القرد والغيلم" من حكاية إطار وحكاية مؤطرة تتفرع عنهما حكايا أخرى متنوعة، فالحكاية الإطار يعلن عنها بن المقفع قبل البدء في سرد الأحداث مباشرة، وتتمثل في حكاية الملك دبشليم والفيلسوف بيدبا حين يطلب الأول من الثاني أن يضرب له مثلا: " اضرب لي مثل الرجل الذي يطلب حاجة، فإذا ظفر بها أضاعها"[2]، ولعل هذه خاصية من خاصيات الحكاية المثلية، فبمجرد شروع الفيلسوف في الحكي، تتفرع الحكاية الإطار إلى: " حكايات كبرى تمثل أبواب الكتاب، وضمن كل باب تتوالى الحكايات الصغرى أو الحكايات الخرافية الفرعية، وخاصة ما غاب عنها الحيوان."[3]
إن الحكايات المؤطرة التي أنتجها الفيلسوف بيدبا وهو يُفَصل للملك في كل مثل اقترحه. شكلت إشارة مهمة وجيدة في الحكايات كلها، لأنها فتحت أمام الدارسين، خاصة المعاصرين منهم، مجال البحث والتحليل.
مضمون باب القرد والغيلم :
تدور حكاية " القرد والغيلم" حول قرد اسمه "ماهر" كان يحكم قومه فتقدمت به السنون، فقام قرد شاب بانقلاب عسكري عليه، هرب القرد المسن حتى صادف في مسيره شجرة تين اتخذ منها مسكنا ومأوى، وكان الوقت ثمارا فاعتلى القرد المتعب ظهر الشجرة، ثم شرع يتذكر أيامه، ويأكل تينة فيمضغها، فوقعت واحدة من يده فسمع لها رنيناً محببا صادراً من ساقية الماء تحته، فأعاد فأكل ورمى، واستمر هكذا بأكل واحدة ورمي ثانية فيتمتع بالرنين والمذاق الحلو، حتى كان اليوم الذي فوجيء " القرد" المسن بالغيلم يتقدم إليه فيسلم عليه ويشكره لما ألقى من تين إلى النهر. ومع الوقت نمت الصداقة بين " القرد والغيلم"، ولكن الحدث لم يكن خبرا سارا لزوجة الغيلم، فقد ساءها تأخر زوجها في العودة إلى المنزل، فلما سألت عن الخبر قالوا إنه صادق قرداً شيخاً وَهَنَ العظم منه، على ظهر شجرة؛ فهما خليلان يتساران ويروي كل منهما للآخر محن الدهر وتصاريف القدر، فنصحوها أن تتمارض حتى إذا عاد الغيلم ليلا أخبروه أن مرضها أعيا الأطباء، ولا دواء له غير قلب قرد. فكر الغيلم فلم يجد سوى قلب صاحبه الهارب من الانقلاب العسكري، في مملكة القردة، فجاءه في الصباح وقد عزم الغدر به فقال: إنني أريد إكرامك كما أكرمتني، وأريدك أن تتم إحسانك إلي بزيارتك لي في منزلي..."[4]
إذا تأملنا الحكاية جيدا منذ بدايتها ألفينا بناءها منتظماً يراوح بين السرد والحوار، ذلك أن " الحوار من يفسح المجال لعرض الأفكار والحجج أو دحض أفكار الخصم"[5] فحوار الملك " دبشليم" مع الفيلسوف بيدبا، أنتج حكاية شخصتها حيوانات؛ تفرعت عنها حكاية أخرى مضمنة في الحكاية الأولى هي حكاية " الأسد وابن آوى والحمار".
إن كِبر القرد "ماهر" وهرمه، أفرز انقلاباً عسكريا عليه وطُرد من مملكته؛ أنتجت هذه الواقعة، نقطة تحول في الأحداث؛ إذ هاجر القرد واستقر فوق شجرة " تين" كانت ثمارها سبيلا لتعرفه على الغيلم، وكسب صداقته التي أدت إلى نسج حيلة من قبل الزوجة المتمارضة للتخلص من القرد عندما تأخر زوجها عنها. امتلكت الغيلم حيرة في كيفية حصوله على قلب قرد، فعسر عليه الطلب، فتحايل على صديقه، ومع طمع القرد في الأكل الرغد، تمكن الغيلم من إغوائه واصطحابه على ظهره إلى قعر الماء، مدعياً إكرامه، مضمراً خيانته والغدر به، وقد وَلَّد تردد الغيلم أثناء مسيره في الماء، الشك في القرد، ففكر ولم يظهر تفطنه بغدره وأوصاه بتنفيذ رغبة زوجته، صدق القرد الغيلم، وأفصح له عما يجول في خاطره، فأعلن القرد عدم إحضاره قلبه معه بحجة أنهم: " معاشر القردة لا يحملون قلوبهم معهم عندما يرحلون خشية أن يستولوا على ما ليس لهم"، وطلب من صديقه أن يعيده إلى الشجرة التي أخذه منها، حتى يمكنه من الحصول على مراده، وعند عودته وتسلقه الشجرة، تأخر عن الغيلم فكره منه ذلك؛ ثم طلب منه العودة، فسخر من الغيلم القرد وضرب له مثل " الأسد وابن آوى والحمار"، هكذا نجا القرد بنفسه، وأضاع الغيلم حاجته بعد أن ظفر بها.
الســرد:
افتتح السارد حكاية "القرد والغيلم" كما في كل الحكايات السالفة في "كليلة ودمنة"، بصيغة "زعموا أن"؛ وهي صيغة تؤشر إلى بداية السرد، أو بداية القصة بعد الحوار الذي يجري بين المؤلف والملك.
إن هذه البداية تؤشر كذلك إلى مجموعة من المؤشرات تتمثل أولاها في أن بيدبا ليس مؤلف هذه القصص، بل هم قوم آخرون غير معروفين أو على الأقل لا يعرف بهم بيدبا، ولكن يبدو من خلال صيغة "زعموا أن" و"اضرب لي مثلا" اللتين تواجهاننا في بداية الحكاية، أنهم ينتمون إلى الماضي البعيد بكل ما يحمله من معاني، وأنهم حكماء استطاعوا ان يصلوا إلى الحكمة الخالصة وما أشبهها، كما توحي الصيغة بمجرد حضورها على سكوت المؤلف وصمته، وتسليم زمام السرد لشخصيات الحيوانات" القرد والغيلم"، أما ابن المقفع، فإنه يتوارى من المؤلف نهائياً؛ فكما لاحظنا في "كليلة ودمنة" كلها، اقتصر حضوره فقط على مقدمة الكتاب، ثم اختفاؤه في الحكايات كلها. وفي غياب المؤلف الأول والثاني في الحكايات، إيحاء بالرغبة لدى ابن المقفع في الإلمام بواقعية قصصه ووجودها الفعلي، ومنه نستجلي خضوع بناء السرد للمتن الحكائي حيث ستسرد القصة أو تحكى.
يتراءى مما سبق، أن صيغة "زعموا أن" كان لها عدة مؤشرات كما رأينا، وأن المؤلف لم يوظفها عن عفو خاطر، بل كان فيها أيضا بالإضافة إلى إيحاءاتها على توثيق الروايات المحكية بمختلف أنواعها؛ وهو ماذهب إليه عبد الملك مرتاض عندما قال:"وربما يكون عبد الله بن المقفع اصطنع مصطلح "زعموا" لأن الناس كانوا، على عهده، حراصا على الرواية الموثوقة....لذلك ظل المصطلح هو اللازمة السردية الغالبة على نص "كليلة ودمنة""[6]، دلالة تمثلت في إعلان السرد عن نفسه، وأن الحكاية قد بدأت، ذلك أن "السرد يحتاج إلى الإعلان عن نفسه بصيغة من الصيغ تكون بالنسبة إلى الحكاية كالإطار بالنسبة إلى اللوحة، وهكذا فإن عبارة "زعموا أن" تعلن للمتلقي أن السرد قد بدأ وتحدد نوعه."[7]
من هنا يتبين أن خصائص السرد كما اتفق عليها والتي أشرنا إليها في تعريفات سابقة، حاضرة في الحكاية وإن كانت تنحو منحى الحوار، فقد مثل القرد والغيلم شخصيتان رئيستان دار حولهما حدث "طلب الرجل حاجة، حتى إذا ظفر بها أضاعها"، ومثلت زوجة الغيلم وصديقتها، والقرد الأصغر الذي كان وراء الإنقلاب العسكري على القرد "ماهر" الهرم شخصيات ثانوية، أما "الأسد وابن آوى والحمار" فقد كانوا شخصيات ضرب بهم المثل، فكانت بذلك حكاية صغرى ،ذات مرامي بعيدة، متضمنة في الحكاية الكبرى" القرد والغيلم". وأما الزمان والمكان فظلا منفتحين يحيلان على أن الحكاية "المثلية فن كوني"؛ فهي حين تصور أشياء كونية ليست مرتبطة بكائن موجود في العالم"[8] وحين تقترن بالحكمة التي تدل على سلوك إنساني، ويضرب بها المثل من أجل غاية إنسانية وخلقية وحكمية وجودية كما في "القرد والغيلم"، تصبح الحكاية المثلية "فنا كونيا".
من هنا نستنتج أن حكاية "القرد والغيلم" المصنفة ضمن "الحكايا المثلية" الواردة في كليلة ودمنة"، توافرت فيها جل شروط السرد، وبهذا خضعت لتقنيات البنية السردية، وهذا ليس غريباً؛ فخضوع مثل هذه الأجناس الأدبية لخصائص السرد ومميزاته، كان أمراً لابد منه في كل الكتابات السردية القديمة حتى تتماشى مع طبيعة التحولات، والتغيرات، ومختلف الثقافات التي سادت ذلك العصر؛ حتى تكون خطاباتهم ذات أثر إقناعي في من وجهت إليهم، وابن المقفع كشف في حكاياته منذ البداية، عن"حذق غير هين وبراعة بينة في إدارة عملية السرد وخاصة في مفاصلها أو لحظاتها الحساسة الناشئة"[9] يتمثل ذلك في طريقة توظيفه الحجاج كما سيظهر فيما سيأتي في تناول موضوع حكاية "القرد والغيلم" حجاجياً.
الحجــاج:
حرصا على سلامة منهجية الموضوع، ومواصلة الحديث عن السرد لأجل ربطه بالحجاج في إطار علاقتهما بحكاية "القرد والغيلم"، رأينا أن نستهل الحجاج بالمتوالية الآتية: "إن النص ليس سردياً خالصاً، أو وصفياً، بل هو نص حجاجي"[10]*.
أورد محمد مشبال هذه الجمل، في سياق تحليله لاحدى نصوص الجاحظ، خاصة ما تعلق منها بالأخبار، مع طلبة الأدب العربي من سلك الإجازة، واقتبسناها استشهاداً في موضوعنا؛ حتى نتبين إن كانت المتوالية تصدق على كل النصوص مثل حكاية "القرد والغيلم"، أم إنها تنطبق فقط على نصوص الجاحظ.
اتفق كثير من الدارسين أن "الحكاية المثلية" نص حجاجي تهذيبي جمالي، يروم تثبيت قيم أخلاقية/إنسانية وإيصال غرض تعليمي إلى المتلقي. وفي باب "القرد والغيلم" كثير من هذه المقاصد التعليمية /الخلقية تمثلت خاصة في مفهومي الصداقة/العداوة.
وبما أننا ندرس هنا السرد والحجاج، لابد أن نشير إلى أن أغلب المنظرين للحجاج؛ مثل شايم بيرلمان، وميشال مايير، وبيار أوليرون، وآلان بواسينو جميعهم يعرف الحجاج: " أنه جهد إقناعي، وبأنه بعد جوهري في اللغة"[11]. لن نطيل التفصيل أكثر في قضية السرد والحجاج وسوف ننتقل مباشرة إلى تحليل" القرد والغيلم".
يتميز باب "القرد والغيلم" عن باقي أبواب "كليلة ودمنة"، باحتوائه حكمة وجودية وأحكام فلسفية عميقة مضمنة؛ إذ إن مجمل الأوضاع التي مر بها "القرد والغيلم" تلوح قضية هامة وحاسمة إضافة إلى مفهومي الصداقة /العداوة؛ هي قضية تمييز الحقيقة من الوهم.
إن الحجاج في الباب قيد التحليل؛ لم يأت بصفة صريحة مباشرة، بل سلك بن المقفع في توظيفه سبل" الاستشهاد والاقتباس والتضمين"؛ وقد اتخذ المؤلف هذه الخطة في الكتابة بطريقة تخدم مقصدية حكاية "القرد والغيلم" التي تروم إيصال رسالة إلى المتلقي مفادها ترسيخ أفكار ورؤى تسعى إحداث تغيير إيجابي في المجتمع كله، وهذا ليس غريباً مادامت غاية النص الأساس تحمل معنى علمياً خلقياً وفلسفياً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أراد بن المقفع من ضمن ما سعى إليه "مراعاة المقام" ومقتضى الحال "الذي لا غنى للمتكلم عنه متى رام الفعل في الآخر وأراد إقناعه برأي أو حمله على الإذعان لسلوك أو موقف."[12]
في هذا الصدد، ورغم أن باب "القرد والغيلم" ينطوي على حجج ضمنية، أكثر منها ظاهرة؛ سوف نحاول استنباط بعض الحجج؛ فالحجة الأولى في النص، تتجلى في البعد الفكري العميق الذي لا يمكن أن يستخلصه إلا القارئ الحصيف، والحجة الثانية تندرج في تقنية توظيف ابن المقفع السرد في الحكاية؛ حيث حافظ على ترتيب الأفكار وعرضها؛ مما يعني أنه من البدهي " أن تعد الحكاية في بنيتها السطحية سرداً، لكن من الواضح أنها تخدم بعدا أخلاقيا، من وجهة نظر وظيفية، يختزل النص بأكمله إلى حجة"[13]. ومنه يتبين أن هناك تلازم بين السرد والحجاج؛ بمعنى أن كلا منهما يكمل الآخر.
يتميز باب "القرد والغيلم" ،حسب سامي سويدان، عن بقية الحكايا/ الأمثال، بكونه يكتسي "بعداً غرائبياً خاصاً، لكن غرائبيته محدودة، حيث أن الخرافية المعتمدة رمزية فقط، الغرض منها المقصدية الوعظية والتعليمية."[14] ويمكن اسقاط كلمة الغرابة، على بعض الشخصيات في الحكاية؛ مثلما فعل الغيلم بعدما حمل القرد على ظهره مستدرجاً إياه إلى بيته بعد طول غياب، قال "القرد: يا أخي، ما حبسك عني.
أجاب الغيلم: ما حبسني عنك إلا حيائي: فلم أعرف كيف أجازيك على إحسانك إلي؟ وأريد أن تتم إحسانك إلي بزيارتك لي في منزلي: فإني ساكن في جزيرة طيبة الفاكهة.فاركب ظهري لأسبح بك."[15]
إن حمل الغيلم للقرد على ظهره يعد إذن فعلا غريبا، لكنه مبرر، وهذا في حد ذاته نوع من أنواع البلاغة الحجاجية؛ فالغيلم يستدرج صديقه إلى بيته لنزع قلبه، ضارباً بالصداقة التي جمعتهما. القلب الذي طلبته زوجته لتشفى من تمارضها، والتي لجأت إلى هذه الخطة بمعية صديقتها بعد أن طالت غيبة زوجها. صدق الغيلم هذا الادعاء فأراد أن يفتك بصاحبه ويرضي زوجته، لكن تردده أثناء السباحة، سيمكن القرد من استدراك أمره: " وإني قد احتجت الآن إلى عقلي في التماس المخرج مما وقعت فيه"[16]. وفعلا سينجح القرد في التخلص من الغيلم بخطة محكمة لا تقل دهاء عن التي وقع فيها، حيث أوهم صديقه بأنهم معشر القردة يتركون قلوبهم في منازلهم عندما يزورون أحداً حتى لا يستولي عليهم الطمع فيما هو ليس من حقهم: " وما منعك أن تعلمني عند منزلي، حتى كنت أحمل قلبي معي؟ فهذه سنة فينا معاشر القردة، إذا خرج أحدنا لزيارة صديق، خلف قلبه عند أهله، أو في موضعه، لننظر إذا نظرنا إلى حرم المزور وليس قلوبنا معنا."[17] صدق الغيلم أيضا هذه الفكرة لأنه لم يدرك نباهة القرد، كما لم يدرك مكر زوجته سابقاً ؛ فالغيلم يتأرجح بين "شر" زوجته و"فطنة" صديقه القرد، فهو لا يمارس أي دور فعال للعقل* الذي يعد مركز هذا المثل، بل ينساق وراء كل فكرة. ومنه نكتشف أن الغيلم لا يقوم بأي دور حجاجي إقناعي، وما فعله مع القرد حين أراد استدراجه لا يخدم الغرض الحجاجي لأن نباهة القرد كانت أقوى؛ وسلوك القرد هذا، مثل أرقى أنواع الحجاج، زاد في دعمه عندما روى للغيلم حكاية أخرى وهو يتباهى عليه فوق الشجرة؛ إنها حكاية "الأسد والحمار وابن آوى" التي تجسد نموذجهما. ومضمون الحكاية أن الأسد يضعف عن الصيد فينصحه بن آوى "بقلب" حمار و"أذنيه". جاء ابن آوى إلى حمار ضعيف فنصحه بترك صاحبه إلى مكان أكثر خصوبة، وجاء به إلى الأسد، لكن الحمار استطاع الهرب، ثم جاء به مرة ثانية إلى الأسد الذي لم يفوت الفرصة هذه المرة فوثب عليه وافترسه. ذهب الأسد يغتسل قبل الأكل، فجاء ابن آوى وأكل قلب الحمار وأذناه، ولما عاد الأسد سأل عنهما:" أين قلب الحمار وأذناه"[18]. قال ابن آوى :" ألم تعلم أنه لو كان له قلب يفقه به، وأذنان يسمع بهما، لم يرجع إليك بعدما أفلت ونجا من الهلكة؟"[19] وتضمين هذه الحكاية هي ما اصطلح عليه سعيد جبار "التوالد السردي ".[20] وهي ما يشير إليها بعض النقاد أنها ""ماوراء السرد" أو"السرد التحتي"[21]. وهكذا، يبدو أن السرد لم يكن:" آداة للإمتاع فقط، ولكنه آداة للتواصل تتغيا الإقناع وتبليغ المعرفة"[22].
نتبين مما سبق، أن المحور الذي تدور حوله تفاصيل الحكاية يدخل ضمن ما يسمى حديثاً بالبعد التداولي للبلاغة، ويتمظهر ذلك في ثلاث أنماط أساسية؛ أولها المقصدية الفكرية والتعليمية التي جسدها بيدبا بوصفه راوياً يتوخى حكمة تَصلح للملك دبشليم ومن بعده ـ المجتمع بمختلف مستوياته ــ، ثانيهما المقصدية الحجاجية الظاهرة على مستوى أفعال الحيوانات وتصرفاتهم ضمن صراعهم نحو البقاء.
وقد ساهم في بناء الحجاج أيضا بناء السرد على التضاد الذي يعتبر وسيلة من وسائل الحجاج، مثل: الصداقة/العداوة، الحذق/الخرق، الذكاء/البلادة،الصدق/الخيانة، الثقة/الغدر، الإحسان/المكر، التحالف/الانفصال، الاحتفاظ/التضييع، الإدانة/الإشادة..
يمكن أن نستخلص من كل هذه التناقضات، جملة من الأفكار أهمها؛ إدانة الغيلم لما توافر فيه من مكر وخداع وغدر واحتيال، والإشادة بصلاح القرد وكرمه وصدقه وحلمه وحفاظه على الثقة التي وضعها في الغيلم إلى حين اكتشافه مكره، ولعل هاته الأفكار تحيلنا إلى موقفين من المواقف التواصلية في الحجاج؛ موقف احتفالي تتم فيه الاشادة بصلاح القرد، وموقف ادعائي يتم من خلاله الدفاع عن موقف إنساني أعمق؛ يتجاوز "القرد والغيلم" إلى معاجة قضايا اجتماعية أخلاقية كبرى منها؛ ضرورة التمييز بين الخير والشر.
وجازة القول، إن باب "القرد والغيلم" قد مثل بالفعل، قضية تداخل السرد والحجاج؛ إذ لاحظنا ذلك منذ بداية الحكاية؛ فمن جهة، حرص ابن المقفع على بناء نصه وتشكيله على نحو يستجيب من خلاله لما تتطلبه النظرية السردية، وتقنيات السرد؛ من شخصيات، وحدث، وزمان، ومكان. ومن جهة ثانية، نجح في توظيفه الحجاج، ورغم أن الحكاية نحت منحى الحوار أكثر منها إلى السرد، إلا أن هذا الحوار، كانت وظيفته ترتيب الأفكار والرؤى، وإثبات المواقف التواصلية التي ترومها حكاية "القرد والغيلم" بشكل خاص، وحكايا "كليلة ودمنة" بشكل عام. وفي رأييي لكي يتمكن النص من إيصال مراميه ومغازيه، لابد أن يكون هناك تلازم وتداخل بين السرد والحجاج، إذ إن وظيفة كل منهما تكمل الأخرى.
لائحة المصدر والمراجع
المصدر:
كليلة ودمنة، عبد الله ابن المقفع، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى1986.
المراجع:
إبراهيم بن صالح/هند بن صالح ،سلسلة فوانيس، الحكاية المثلية عند بن المقفع، ، دار محمد علي الحامي تونس، الطبعة الأولى،2003.
حميد الحميداني، بنية النص السردي (من منظور النقد الأدبي)، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى آب 1991.
روبير مارتان، في سبيل منطق المعنى، ترجمة و تقديم: الطيب الكوشي/صالح ماجري، مركز دراسات الوحدة العربية،، الطبعة الأولى، كانون الأول، ديسمبر 2006.
سامي سويدان، في دلالية القصص وشعرية السرد، الفصل الرابع/ الجنس العقلي في النص الخرافي، باب "القرد والغيلم" من كتاب "كليلة ودمنة"، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى/1991.
سامية الدريدي، الحجاج في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني للهجرة، بنيته وأساليبه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس، عالم الكتب الحديث، جدارا للكتاب العالمي،د.ت.
سيمون شاتمان،مجلة الصورة، عدد خاص عن الملف البلاغي، الحجاج والسرد، ترجمة عبد الواحد التهامي، مراجعة محمد مشبال.
سعيد جبار، التوالد السردي، قراءة في بعض أنساق النص التراثي، جذور للنشر، الطبعة الأولى، 2006.
عبد العزيز شبيل، التناص والتراث العربي بين" كليلة ودمنة" و "الأسد والغواص"، حوليات الجامعة التونسية، عدد 52/2007، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة.
عبد الملك مرتاض ،عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، في نظرية الرواية/ بحث في تقنيات السرد، ، ديسمبر 1998.
عبد الفتاح كيليطو، الحكاية والتأويل، ، دراسات في السرد العربي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1999.
فرج بن رمضان،الأدب العربي القديم ونظرية الأجناس الأدبية"القصص"، دار محمد علي الحامي، الطبعة الأولى، جويليه 2001.
محمد مشبال،البلاغة والسرد، التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ، منشورات كلية الآداب جامعة عبد المالك السعدي، تطوان 2010.
محمد مشبال، محاضرات في النثر العباسي لطلبة الأدب العربي ،سلك الإجازة، 15/01/2003 .
والاس مارتن، نظريات السرد الحديثة، ترجمة حياة جاسم محمد، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة 1998.
[1] حميد الحميداني،بنية النص السردي (من منظور النقد الأدبي)، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى آب 1991. ص 45.
[2] عبد الله ابن المقفع، "كليلة ودمنة"، باب"القرد والغيلم" ، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى1986، ص 301.
[3] عبد العزيز شبيل، التناص والتراث العربي بين" كليلة ودمنة" و "الأسد والغواص"، حوليات الجامعة التونسية، عدد 52/2007، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، ص 148.
[4] باب "القرد والغيلم"، ص 304.
[5] عبد العزيز شبيل، في دلالية القصص وشعرية السرد، الفصل الرابع/ الجنس العقلي في النص الخرافي، باب "القرد والغيلم" من كتاب "كليلة ودمنة"، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى/1991، ص148.
[6] عبد الملك مرتاض، عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، في نظرية الرواية/ بحث في تقنيات السرد، ديسمبر 1998.ص 142.
[7] عبد الفتاح كيليطو، الحكاية والتأويل، دراسات في السرد العربي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1999، ص34.
[8] روبير مارتان، في سبيل منطق المعنى، ترجمة و تقديم: الطيب الكوشي/صالح ماجري، مركز دراسات الوحدة العربية،، الطبعة الأولى، كانون الأول، ديسمبر 2006، ص358.
[9] فرج بن رمضان، الأدب العربي القديم ونظرية الأجناس الأدبية"القصص"، دار محمد علي الحامي، الطبعة الأولى، جويليه 2001، ص 142.
[10] محمد مشبال، محاضرات في النثر العباسي لطلبة الأدب العربي ،سلك الإجازة، 15/01/2003 .
[11] إبراهيم بن صالح/هند بن صالح، سلسلة فوانيس، الحكاية المثلية عند بن المقفع، دار محمد علي الحامي تونس، الطبعة الأولى،2003، ص 102.
[12] سامية الدريدي، الحجاج في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني للهجرة، بنيته وأساليبه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس، عالم الكتب الحديث، جدارا للكتاب العالمي،د.ت، ص 90.
[13] سيمون شاتمان،مجلة الصورة، عدد خاص عن الملف البلاغي، الحجاج والسرد، ترجمة عبد الواحد التهامي، مراجعة محمد مشبال، ص 56.
[14] مرجع سابق، في دلالية القصص وشعرية السرد، ص177.
[15] باب "القرد والغيلم"، ص 304.
[16] باب "القرد والغيلم"، ص 310.
[17] نفسه، ص 310.
[18] نفسه، ص 314.
[19] نفسه، ص 314.
[20] سعيد جبار، التوالد السردي، قراءة في بعض أنساق النص التراثي، جذور للنشر، الطبعة الأولى، 2006، ص 122.
* ذكرنا هذه اللفظة كي نبين حسب ما أشار إليه سامي سويدان في دلالية القصص وشعرية السرد أن باب "القرد والغيلم" يتضمن رؤية عقلانية؛ هذه الرؤية العقلانية تتوسل شكلاً بسيطاً لتبليغ البعيد والعميق من طروحاتها، وهو أمر يتلاءم مع الهم الاصلاحي الذي يتوخى الفعالية الأقوى في الإفهام والاتساع الأقصى في دائرة الاتصال والتواصل.
[21] والاس مارتن، نظريات السرد الحديثة، ترجمة حياة جاسم محمد، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة 1998.ص 179.
[22] محمد مشبال، البلاغة والسرد، التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ، منشورات كلية الآداب جامعة عبد المالك السعدي، تطوان 2010، ص13.