كليلة و دمنة أسماء العويس - كليلة ودمنة

يعد كتاب “كليلة ودمنة” من أكثر كتب التراث شهرة، وأوسعها انتشاراً، ولا تكاد تخلو منه مكتبة عربية أو أجنبية، وهو من الكتب التي تخطت الحواجز الجغرافية وفوارق الأجناس والحدود الزمنية، لأنه من أدب الحياة، كما تعد حكاياته وأمثلته من أفضل وأشهر ما تداولته الألسن العربية والأجنبية، اذ هي تسير في هذا السياق جنباً الى جنب مع حكايات “ألف ليلة وليلة” العالمية.

وكتاب “كليلة ودمنة” أصله من كنوز الفكر الهندي، نقله ابن المقفع في عصر الدولة العباسية من اللغة الفهلوية الى اللغة العربية، وهو يرمي الى تهذيب النفس والاصلاح في الاخلاق والسياسة والاجتماع، وكونه موضوعاً على ألسنة الحيوانات لا يمنع من مزجه الجد بالهزل، واللهو بالحكمة والفلسفة، ويدعو الى التحابب والتعاون والتأني والحكمة والحلم، والتكيف في الحياة وإعمال الفكر والعمل بالعلم.

وميزة “كليلة ودمنة” عن غيره من الكتب أنه لا يقيد بعصر أو بيئة وهذا ما ضمن له البقاء على مر العصور وهيأ له الذيوع في شتى بقاع العالم حتى عد من الكتب الخالدة.

ولقد تناولت الأقلام حكايات “كليلة ودمنة” بالنقل والاقتباس والنسخ والتصرف، فظهرت الفروقات في مفرداتها ومعانيها، مما قد يطمس مع الزمن معانيها الأصلية أو يضعف متانتها وحسن بلاغتها، وعندما نتحدث عن مترجم “كليلة ودمنة” ابن المقفع، نقول هو روزبة بن دازويه فارسي الأصل، ولد في البصرة (724 - 759م)، ونشأ مجوسياً مستعرباً بين آل الأهتم الذين اشتهروا بالفصاحة والعلم، وأتقن الفارسية وآدابها لغة قومه، والعربية لغة الدولة، والبلاد التي نشأ فيها وآدابهما، ولما مات والده “المقفع” أخذ يتكسب بصناعة الكتابة فكتب في خدمة آل هبيرة عمال الدولة الأموية، وكان يومذاك في العشرين من عمره وصفه بعضهم بأنه أذكى العجم المستعربين وأفصحهم كريم الخلق سخي اليد.

كان ابن المقفع متمكناً من الفارسية والعربية، وترجم من الفارسية إلى العربية، وأجاد في الترجمة، ونقل كثيراً من الكتب ضاع أكثرها، وما وصل إلينا منها يشير الى أنه كان يتصرف في الترجمة فيزيد وينقص كما يشاء، ونلاحظ ذلك بوضوح في كتاب “كليلة ودمنة”، ففيه عبارات تدل على أنها كتبت بعد ظهور الدين الاسلامي، مع العلم ان بيدبا الفيلسوف واضع الكتاب باللغة الهندية، كان برهمياً، عاش في الهند منذ عشرين قرناً أو أكثر على الأرجح، ولعل الحالة السياسية المضطربة التي كانت تسود البلاد في زمن المنصور الطاغية الذي يشبه من حيث طغيانه دبشليم ملك الهند، كانت من الدوافع الكبرى لابن المقفع على ترجمة الكتاب، وقد سمي “كليلة ودمنة” من باب تسمية الكل باسم الجزء، نسبة الى ثعلبين شقيقين يقومان بدور كبير في احد أبوابه، وقد انتشر الكتاب انتشاراً واسعاً، ويعد بحق أول كتاب عربي في الاخلاق لما فيه من نصائح وتوجيه بطريقة المثل المعقول غالباً على ألسنة الحيوانات.

وقد شغف العرب بهذا الكتاب حتى قام منهم من نقل ثانية ومن عارضه، كما فعل سهل بن هارون أحد كتّاب المأمون، حين ألّف كتاب “ثعلة وعفرة” الذي فُقِد كما نظمه البعض شعراً، وتلك الكتب فقدت جميعاً، ولم يبق إلا ذكرها الى جانب “كليلة ودمنة” الذي قل أن تخلو منه مكتبة الآن.

لقد أردت من استعراض تاريخ “كليلة ودمنة” أن أعيد الى الأذهان سيرة كتاب تعلمنا منه الكثير وأتمنى ان يقدم أحد مفكرينا الكبار ويكتب لنا كتاباً في الأخلاق والحكمة مثل “كليلة ودمنة” نحتذي به ويترجم الى لغات أخرى.

فأين العقول التي نتمنى ان تخطو خطوة تعد الأولى في نوعها عند العرب، ولا نكتفي بذلك بل أيضاً نحلم ان يكون عملاً جديراً تتم ترجمته الى عدة لغات ويكون في كل مكتبة عَلَماً يحتذى به.

د. أسماء العويس

كليلة ودمنة.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى