ويمضي الشيخ ابن القارح - كبت الله عدوه - حتى يبلغ جنة النصارى، فيتمشى ساعة بين أشجارها العالية وأنهارها الجارية، ثم يَلوح له قصر منيف، قد كُتب عليه بحروف من ذهب "هذا قصر فلاديمير نابوكوف."
فلا يكاد يقف أمام بابه حتى يخرج إليه الأديب الروسي، وهو يرفل في لباس من إستبرق، فيبادره الشيخ قائلا:
- السلام عليك يا نابوكوف،... السلام عليك يا عاشق الشطرنج والفراشات!
ويرد نابوكوف السلام كأحسن ما يكون، ثم يسأله الشيخ الجليل:
- بمَ غُفر لك؟
فينظر إليه الروسي نظرة تشع منها سعادة النعيم ويجيب بلسان عربي ( وأهل الجنة يتكلمون جميع اللغات):
- لقد كنت وأنا في الدار الزائفة من أعتى خصوم البلاشفة!
ويبتسم الشيخ ويقول له:
- وكيف لا تكون خصما لهم وقد استولوا على أراضي أسرتك وطردوك من وطنك؟
فيقول نابوكوف:
- الحق أني لم أناصبهم العداء لأنهم استولوا على أراضي والدي، ولكني كرهتهم لأنهم سرقوا مني طفولتي.
ثم ينظر الشيخ جهة النهر المنساب أمام القصر، فإذا سربُ فراشات بديعة الألوان، يطرن بانتظام عجيب، حتى إذا بلغن حافة النهر دُرْنَ حول أنفسهن، ثم علون قليلا، ثم نزلن ثم تحولن بقدرة الخالق الباري إلى كواعب في غاية البهاء، ثم ارتمين في النهر عاريات وشرعن يتراشقن بالماء وهن يطلقن ضحكات ساحرة، ويقمن بحركات آسرة، بينما نابوكوف يتابعهن بنظراته، فيقول له الشيخ أدام الله نضارته:
- يا نابوكوف، ما أبهى هؤلاء الكواعب الأتراب، فأين منهن لوليتاك التي كتبت عن سحرها الخلاب؟
وبينا هما في ذلك الحديث إذ طائر أزرق، بديع الصنع، يحلق بجناحين من ذهب ثم يحط عن كثب، ويغرد بصوت لم يسمع مثله أحد، فيسأله الشيخ عنه فيجيب:
- لقد كنت في حياتي الغابرة، في بداية عهدي بحُرفة الأدب، أتخذ لي من الأسماء المستعارة اسم"سيرين." وهذه الكلمة تعني في لغتنا "طائر الجنة." فهو هذا الطائر الذي تراه، وقد لزمني هنا في جنة النعيم.
ويسأله الشيخ - خلد الله ذكره - عن كلمة مورسكايا، المنقوشة على لوح ذهبي صغير يمسكه في يمناه فيقول:
- هذا اسم الشارع الذي قضيت فيه أجمل سنوات طفولتي في سان بترسبورغ، مدينة الثلوج والليالي البيضاء.
ثم يخرج من القصر رجل تبدو عليه علامات الوقار وخلفه امرأة ضاحكة مستبشرة، فيسلمان ويجلسان، ويلتفت نابوكوف للشيخ الجليل قائلا:
- هذا أبي فلاديمير ديمترفتش، الذي اغتيل في الدار الفانية، في مدينة برلين. وهذه والدتي إيلينا إيفانوفنا، التي قضت العمر بعده في البكاء. فالحمد لله الخالق المنان الذي جمعنا في نعيم الجنان.
فلا يكاد يقف أمام بابه حتى يخرج إليه الأديب الروسي، وهو يرفل في لباس من إستبرق، فيبادره الشيخ قائلا:
- السلام عليك يا نابوكوف،... السلام عليك يا عاشق الشطرنج والفراشات!
ويرد نابوكوف السلام كأحسن ما يكون، ثم يسأله الشيخ الجليل:
- بمَ غُفر لك؟
فينظر إليه الروسي نظرة تشع منها سعادة النعيم ويجيب بلسان عربي ( وأهل الجنة يتكلمون جميع اللغات):
- لقد كنت وأنا في الدار الزائفة من أعتى خصوم البلاشفة!
ويبتسم الشيخ ويقول له:
- وكيف لا تكون خصما لهم وقد استولوا على أراضي أسرتك وطردوك من وطنك؟
فيقول نابوكوف:
- الحق أني لم أناصبهم العداء لأنهم استولوا على أراضي والدي، ولكني كرهتهم لأنهم سرقوا مني طفولتي.
ثم ينظر الشيخ جهة النهر المنساب أمام القصر، فإذا سربُ فراشات بديعة الألوان، يطرن بانتظام عجيب، حتى إذا بلغن حافة النهر دُرْنَ حول أنفسهن، ثم علون قليلا، ثم نزلن ثم تحولن بقدرة الخالق الباري إلى كواعب في غاية البهاء، ثم ارتمين في النهر عاريات وشرعن يتراشقن بالماء وهن يطلقن ضحكات ساحرة، ويقمن بحركات آسرة، بينما نابوكوف يتابعهن بنظراته، فيقول له الشيخ أدام الله نضارته:
- يا نابوكوف، ما أبهى هؤلاء الكواعب الأتراب، فأين منهن لوليتاك التي كتبت عن سحرها الخلاب؟
وبينا هما في ذلك الحديث إذ طائر أزرق، بديع الصنع، يحلق بجناحين من ذهب ثم يحط عن كثب، ويغرد بصوت لم يسمع مثله أحد، فيسأله الشيخ عنه فيجيب:
- لقد كنت في حياتي الغابرة، في بداية عهدي بحُرفة الأدب، أتخذ لي من الأسماء المستعارة اسم"سيرين." وهذه الكلمة تعني في لغتنا "طائر الجنة." فهو هذا الطائر الذي تراه، وقد لزمني هنا في جنة النعيم.
ويسأله الشيخ - خلد الله ذكره - عن كلمة مورسكايا، المنقوشة على لوح ذهبي صغير يمسكه في يمناه فيقول:
- هذا اسم الشارع الذي قضيت فيه أجمل سنوات طفولتي في سان بترسبورغ، مدينة الثلوج والليالي البيضاء.
ثم يخرج من القصر رجل تبدو عليه علامات الوقار وخلفه امرأة ضاحكة مستبشرة، فيسلمان ويجلسان، ويلتفت نابوكوف للشيخ الجليل قائلا:
- هذا أبي فلاديمير ديمترفتش، الذي اغتيل في الدار الفانية، في مدينة برلين. وهذه والدتي إيلينا إيفانوفنا، التي قضت العمر بعده في البكاء. فالحمد لله الخالق المنان الذي جمعنا في نعيم الجنان.