إن شئنا أن نصف تجارب الشباب بالجدية فلن نعدو الحقيقة. وإن شانا أن نصف تطلعهم إلى الإنتاج المتميز بالقلق، فلن نعدوا الحقيقة كذلك. وإن شأنا أن نصفها بالألم والمرارة، فإن ذلك وإن كان صحيحا، إلا أنه يحتاج توضيحا؛. فالألم والمرارة إحاسيس يشعر بها كل إنسان من لحم ودم، لكنها تتخذ بعدا آخر بالنسبة للسينمائيين الشباب.
إننا بإزاء تجارب، تدرك ما تود قوله. كما تدرك إمكانات السينما. لكنها عاجزة عن تحقيق أحلامها. وليس أدلّ على نجاحها من مشاركاتها الكثيرة، وتحقيقها الجوائز العربية. نقول عربية لأننا لا نجد للأسف الشديد في مملكة البحرين، بيئة تحتضن السينمائيين الشباب، فضلا عن المبدعين الشباب بشكل عام. ومن الغريب أن تجد مسؤولين يفسحون المجال للتجارب العربية، ولا يتركون مجالا للتجارب المحلية بحجة أنها دون المستوى!. فهل هي دون المستوى بالفعل؟ وحتى متى تبقى هذه الأعمال تنتظر من يأخذ بيدها، دون أن تجد هيئة أو حتى لجنة تتابع أعمالها وتوفر لها الإمكانات؟!. على أننا لا يمكننا إلا أن ننحني إكبارا لمبدعين بحجم فريد رمضان وأمين صالح، وآخرين؛ لا يعانون تناقضا يعيشه كتاب آخرون، نجد منهم جعجعة دون طحن. فانهم رغم أسمائهم الكبيرة، لم يترفعوا عن هذه التجارب، بل يغذونها بما يستطيعون، إيمانا بالمسؤولية تجاه تجارب شبابية تشق طريقها في الصخر.
بالأمس شاهدنا المخرج محمد جناحي في فيلم "الرسالة"، وفيلم "كاميرا". وها نحن غدا على موعد معه في غاليري البارح في تجربة أخرى، كتب السيناريو لها وأخرجها وهي "قولي يا حلو". تحكي عن سارة الفتاة الجامعية "تبحث عن موضوع لمشروع تخرجها من الجامعة في تخصص الإعلام. ولا تجد في موضوع الأسواق والمقاهي الشعبية مادة مقنعة لمشروعها الذي تساعده على انجازه زميلتها ريم. حتى يشد سمعها عزف شاب كفيف على آلة الناي. عندها تقرر سارة وريم البحث في حياة هذا الشاب وكشف تفاصيلها في فيلم وثائقي".
هذا الشاب واسمه علي شاهدناه جميعا، يجلس على كرسيه بالقرب من المحلات التجارية، يعزف على آلة الناي، وقد وضع أمامه إناء ينتظر من المعجيبن إلقاء العملات النقدية فيلم. وسبق للمخرج محمد جناحي أن أشار لوسائل الاعلام الى أن فكرة الفيلم تكونت لديه حين رأى -خلال فترة الركود عن العمل الإخراجي- هذا الشاب الكفيف يعزف بالناي أمام معرض البحرين الدولي للكتاب في نهاية العام 2010. لذلك قرّ عزمه على عمل فيلم "يستعرض حياة هذا الشاب البحريني الكفيف علي، الذي يجيد العزف على آلة الناي، ويحلم بالشهرة والنجاح يقضي يومه في تقديم معزوفات الموسيقية أمام أحد المحلات التجارية، منتظرا ما يتصدق به عليه أهل الخير. رغم انه عمود العائلة المكونة من الأب والأم والأخوة التي تعيش على خط الفقر، ويشكل عمل علي في العزف على الناي مصدر الدخل الرئيسي لهذه العائلة".
ان فيلم "قولي يا حلو" كجميع أفلام محمد جناحي يعمل على متلازمتين؛ الحلم الجميل الذي يعني فضاءا لا مكان له على وجه الأرض، وواقعا مرّا يجاهد الإنسان فيه الى الارتفاع إلى ذلك الفضاء. فنحن أمام أحلام شاب، من حقه أن يعيش كما يعيش غيره. وقد نجح المخرج في بيان ذلك التناقض الصارخ بين الموهبة والإعاقة، بين الحلم بالشهرة، والسدود الموضوعة أمامها. وكأنه أراد أن يقول من خلال الفيلم أن المخرجين الشباب لا يختلفون عن هذا الشاب الموهوب الكفيف، فكلاهما يبحثان عن بصيص ضوء في عالم مليء بالأنانية واللامبالاة.
فيلم "قولي يا حلو" أنتج بداية هذا العام من قبل اليمنتس للانتاج السينمائي، سيناريو وإخراج محمد جناحي، حوار فريد رمضان، بحث واعداد: سارة البدري وريم سيف، منتج منفذ: صالح ناس وشاكر بن يحمد. ومن المؤمل أن يشارك الفيلم في مهرجان الخليج السينمائي ابريل المقبل بدبي، وفي عدة مهرجانات عربية ودولية.
الوطن البحرينية الأحد 15 أبريل 2012
إننا بإزاء تجارب، تدرك ما تود قوله. كما تدرك إمكانات السينما. لكنها عاجزة عن تحقيق أحلامها. وليس أدلّ على نجاحها من مشاركاتها الكثيرة، وتحقيقها الجوائز العربية. نقول عربية لأننا لا نجد للأسف الشديد في مملكة البحرين، بيئة تحتضن السينمائيين الشباب، فضلا عن المبدعين الشباب بشكل عام. ومن الغريب أن تجد مسؤولين يفسحون المجال للتجارب العربية، ولا يتركون مجالا للتجارب المحلية بحجة أنها دون المستوى!. فهل هي دون المستوى بالفعل؟ وحتى متى تبقى هذه الأعمال تنتظر من يأخذ بيدها، دون أن تجد هيئة أو حتى لجنة تتابع أعمالها وتوفر لها الإمكانات؟!. على أننا لا يمكننا إلا أن ننحني إكبارا لمبدعين بحجم فريد رمضان وأمين صالح، وآخرين؛ لا يعانون تناقضا يعيشه كتاب آخرون، نجد منهم جعجعة دون طحن. فانهم رغم أسمائهم الكبيرة، لم يترفعوا عن هذه التجارب، بل يغذونها بما يستطيعون، إيمانا بالمسؤولية تجاه تجارب شبابية تشق طريقها في الصخر.
بالأمس شاهدنا المخرج محمد جناحي في فيلم "الرسالة"، وفيلم "كاميرا". وها نحن غدا على موعد معه في غاليري البارح في تجربة أخرى، كتب السيناريو لها وأخرجها وهي "قولي يا حلو". تحكي عن سارة الفتاة الجامعية "تبحث عن موضوع لمشروع تخرجها من الجامعة في تخصص الإعلام. ولا تجد في موضوع الأسواق والمقاهي الشعبية مادة مقنعة لمشروعها الذي تساعده على انجازه زميلتها ريم. حتى يشد سمعها عزف شاب كفيف على آلة الناي. عندها تقرر سارة وريم البحث في حياة هذا الشاب وكشف تفاصيلها في فيلم وثائقي".
هذا الشاب واسمه علي شاهدناه جميعا، يجلس على كرسيه بالقرب من المحلات التجارية، يعزف على آلة الناي، وقد وضع أمامه إناء ينتظر من المعجيبن إلقاء العملات النقدية فيلم. وسبق للمخرج محمد جناحي أن أشار لوسائل الاعلام الى أن فكرة الفيلم تكونت لديه حين رأى -خلال فترة الركود عن العمل الإخراجي- هذا الشاب الكفيف يعزف بالناي أمام معرض البحرين الدولي للكتاب في نهاية العام 2010. لذلك قرّ عزمه على عمل فيلم "يستعرض حياة هذا الشاب البحريني الكفيف علي، الذي يجيد العزف على آلة الناي، ويحلم بالشهرة والنجاح يقضي يومه في تقديم معزوفات الموسيقية أمام أحد المحلات التجارية، منتظرا ما يتصدق به عليه أهل الخير. رغم انه عمود العائلة المكونة من الأب والأم والأخوة التي تعيش على خط الفقر، ويشكل عمل علي في العزف على الناي مصدر الدخل الرئيسي لهذه العائلة".
ان فيلم "قولي يا حلو" كجميع أفلام محمد جناحي يعمل على متلازمتين؛ الحلم الجميل الذي يعني فضاءا لا مكان له على وجه الأرض، وواقعا مرّا يجاهد الإنسان فيه الى الارتفاع إلى ذلك الفضاء. فنحن أمام أحلام شاب، من حقه أن يعيش كما يعيش غيره. وقد نجح المخرج في بيان ذلك التناقض الصارخ بين الموهبة والإعاقة، بين الحلم بالشهرة، والسدود الموضوعة أمامها. وكأنه أراد أن يقول من خلال الفيلم أن المخرجين الشباب لا يختلفون عن هذا الشاب الموهوب الكفيف، فكلاهما يبحثان عن بصيص ضوء في عالم مليء بالأنانية واللامبالاة.
فيلم "قولي يا حلو" أنتج بداية هذا العام من قبل اليمنتس للانتاج السينمائي، سيناريو وإخراج محمد جناحي، حوار فريد رمضان، بحث واعداد: سارة البدري وريم سيف، منتج منفذ: صالح ناس وشاكر بن يحمد. ومن المؤمل أن يشارك الفيلم في مهرجان الخليج السينمائي ابريل المقبل بدبي، وفي عدة مهرجانات عربية ودولية.
الوطن البحرينية الأحد 15 أبريل 2012