ثقافة شعبية جعفر الديري - التسلسل الحضاري لمملكة البحرين.. على ضوء نتائج التنقيبات الأثرية بين 1879-2000».. تاريخ وآثار

عبر كتابه القيم «التسلسل الحضاري لمملكة البحرين.. على ضوء نتائج التنقيبات الأثرية بين 1879-2000»، حاول الباحث الفذ د.عبدالعزيز صويلح، في 586 صفحة من القطع الكبير، وصور التنقيبات الأثرية، وأعمال البعثات التنقيبية؛ أن يوضح مساهمات الرواد ومختلف بعثات التنقيب، إلى جانب إبراز حجم النشاط الرسمي الوطني في كشف النقاب عن حضارة مملكة البحرين القديمة، وصولاً إلى إيضاح ما توصل إليه كل منها من نتائج أسهمت في التعرف، من خلال الدليل الأثري، حول المسيرة الحضارية لمملكة البحرين عبر التاريخ، بدءاً من العصور الحجرية (50.000 ق . م) وصولاً إلى الفتح الإسلامي (636 م) ودخول البلاد في حظيرة الدولة الإسلامية.
ورصد صويلح في كتابه الأعمال التي نفذتها كل بعثة من بعثات التنقيب والنتائج التي توصلت إليها والتقارير التي قدمتها حول إنجازاتها، وحدد الإضافة العلمية التي قدمتها كل بعثة من بعثات التنقيب على مستوى إثراء المعرفة التاريخية المتعلقة بتاريخ مملكة البحرين، والإسهام العلمي الذي قدمته كل بعثة من بعثات التنقيب على مستوى إثراء المعرفة التاريخية وتاريخ الحضارات، ورسم صورة حقيقية من خلال الدليل الأثري حول التسلسل الزمني لحضارة مملكة البحرين وحجم إسهامها في مسيرة الحضارة الإنسانية، حسبما أفرزته نتائج مختلف التنقيبات التي نفذتها بعثات وفرق التنقيب في المواقع الأثرية، مشيراً في كتابه إلى أن تلك الأعمال التنقيبية والمسوحات الأثرية تمخضت عن اكتشافات مختلفة تمثلت في مدن ومعابد، إضافة إلى التعرف على طرق مختلفة لدفن الموتى من خلال التنوع في أشكال تلال المدافن والأساليب التي اتبعت لحفظ جثامينهم.
ويجتهد كتاب صويلح في بيان قضية التأريخ وموضوعيته، من جهة؛ وقضية وثوقية وصدقية مصادر المعلومات التي يستند إليها المؤرخ وعالم الآثار من أجل إعادة تركيب الحقيقة، ورسم تصور شبه متكامل لنسق دورة العمل الخاصة بالمجتمع، أو بالمؤسسة التي تهمه، من جهة أخرى.
نقرأ في كتاب صويلح: لقد عثر على أقدم المستوطنات البشرية التي تعود إلى العصر الحجري القديم حوالي 50.000 ق.م، فوق قمة جبل الدخان وفي الصحراء المحيطة به، كما اكتشفت أيضاً مواقع تعود إلى العصر الحجري القديم الأوسط والعصر الحجري الحديث بمناطق شتى من جنوب جزيرة البحرين بدءاً من شمال جبل الدخان إلى رأس البر جنوباً. أما خلال فترة العبيد (4.500 - 3.500 ق.م) فقد تم التعرف على أكثر من خمسين موقعاً على امتداد الساحل الغربي للخليج العربي، من شمال المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية حتى دولة الإمارات العربية المتحدة. بينما شهدت فترة ما بعد العبيد (3.500 - 2.500 ق.م) على عدم اهتمام من قبل البعثات، لذلك لم يعثر على مواد أو مواقع تعود إليها، إلا أن فترة ما قبل دلمون (2.500 - 2.300 ق.م) تأثرت بثقافة أم النار، حيث اكتشفت تلال مدافن بموقع مدينة حمد، عثر فيها على أوان فخارية تشبه الأواني الفخارية التي تنسب لتلك الثقافة، بينما كانت فترة حضارة دلمون (2.300 - 500 ق.م) مهيأة الظروف لقيام حضارة على شكل حكومات بمدن صغيرة، على غرار المدن السومرية خلال الفترة ما بين الألف الثالث إلى الألف الأول قبل الميلاد، وهذه المدن صرفت كل عنايتها ونشاطها الاقتصادي في ممارسة التجارة وركوب البحر والاستفادة من خيراته من صيد لأسماكه واستخراج ما فيه من لؤلؤ.
ان مملكة البحرين شكلت من خلال موقعها الاستراتيجي بالنسبة للخليج العربي أهمية كبيرة خلال فترة حضارة دلمون ما بين الألف الثالث إلى الألف الأول قبل الميلاد؛ في اتخاذها محطة تجارية للسفن القادمة من الجنوب حيث مراكز حضارة وادي السند وحضارة مجان ومن الشمال حيث مراكز حضارة بلاد الرافدين وعيلام. فكانت تصل إليها مختلف البضائع من تلك المراكز وغدت مقراً لكثير من تجارها الذين تركوا الكثير مما يشير إلى اتخاذهم المملكة مركزاً لإدارة نشاطاتهم التجارية.
ان الآثار الدلمونية التي عثر عليها في المدن الدلمونية بمملكة البحرين تعود إلى ثلاث مراحل تاريخية من عمر الحضارة الدلمونية في منطقة الخليج العربي، وهي على النحو التالي: فترة دلمون المبكرة: من 2.300 - 2.000 ق.م، وفترة دلمون الوسطى: من 2.000 - 1.000 ق.م وفترة دلمون المتأخرة: من 1.000 - 500 ق.م.
وحول فترة الأخمينية لمملكة البحرين خلال الفترة (500 - 331 ق.م) ذكر الكتاب: تبدأ بهذه الفترة مرحلة جديدة من عمر الحضارة في مملكة البحرين، يشوبها شيء من التدخل الفارسي المتمثل في الإمبراطورية الأخمينية من سنة 500 إلى 331 ق.م. حيث توسعت هذه الإمبراطورية في عهد قورش الثاني(559 - 530 ق.م) على حساب الأقاليم المجاورة لها، حتى ضمت إليها بابل وآشور، وقد امتدت سيطرتها على معظم مناطق العالم القديم من تخوم الهند إلى بحر إيجة وآسيا الصغرى وبحر العرب وبلاد الشام ومصر. وأدى ذلك لتوقف التجارة بين مملكة البحرين وبلاد الرافدين، من خلال فقد الخط الملاحي الذي يمر عبر الخليج العربي لأهميته وأصبحت حركة التجارة منقطعة ما بين بلاد الرافدين ومراكز حضارة دلمون والتي كانت السبب الرئيس والمباشر في قيامها، حيث بدأت خطوط التجارة البرية تنشط على حساب خطوط التجارة البحرية، مرجحاً أن المنطقة التي شملها اسم دلمون -بكافة مدنها في الجزر والساحل الشرقي للجزيرة العربية- وقعت تحت النفوذ الأخميني، ويدل على ذلك أحد النقوش التي تعود إلى زمن الملك الفارسي قورش الثاني.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى