1/ مقطع :
..... والطريق أمامنا يمتد ، يتخذ شكل الفراغ ، تركض ، تلهث ، والباص القديم الذي ينقلنا ينطلق بقوة وينشرح الصوت الذي ينبعث من ماكينته رتيبا طويلا : ااان . نااااان بينا يقطر صوت المغني حزينا علي رأسي ، ثمة بحر يشدو ، من زمان أليف أغنية العودة ، أغمضت عيني ، ا نثال اللحن إلى لساني ، ارتعش جسدي وطقطق الكمساري . .!!
2/ مشهد :
الكلاب الثلاثة ، الأبيض والبني المحروق والأسود من غير سوء، يتوهطون هناك ، بجوار السائق الذي يفعل أشياء كثيرة في وقت واحد : يلوح للسيارات ، يهز رأسه ، يحك مؤخرته ، ينظر في المرآة المعلقة أعلي أهدابه ، أو يشيح بيده ، الكلاب تهز رؤوسها ببطء كلما اعتراها مطر الحزن الذي يقطر من فوقها ، كلما اهتز الباص بعنف سقط رأس الأبيض ، وتجمدت نظرة الأسود علي السائق ، بينما يظل الثالث يراوغ الرقصة برقبته ، ثمة امرأة ، في ثياب بالية ، تجلس قرب الباب الأمامي ، تضع لفافة غزرة علي حجرها ، تلقمها ثديها الناشف ، كلما فتح باب الصدى للصراخ ، تصرخ هي الأخرى : أيقظت الصغير من جوعه ، اذهب لا أعادك الله لم يك هناك أحد ، كانت الأشياء تركض بعيدا . . .!!
3/ سيناريو وحوار :
كلما لاح في الأفق منحني أو شبح لسكة أخرى يضرب الصمت خيامه فوقتا ، ويتخيل كل واحد منا ما يمكن أن يجري أن تآكلت الطبقة السميكة وانفجرت الإطارات ، أن مال الباص بزاوية حادة كما حدث عند المنعطف ، أن صبنا علي جنبه الأيمن ، ثمة ذبابة خضراء كبيرة كانت تطن بقوة ، تسرب إلى إحساس (النمل ) وهو يمشي علي جانب وجهي الأيسر ، الذبابة تحط علي النافذة وترقب هي الأخرى الطريق ، بعصب التوقع والانبهار ، تهرول نحو الأعلى ، تطن بعيدا ، وتعود لترتطم بالنافذة في دوي هائل ، إلى أي شيء كانت الذبابة تتطلع ؟! ، إلى العالم خلف النافذة ؟! ، أم إلى شيء حسي كان يد ركنا كلما ازدادت سرعة الباص وبدأ أن السائق سيغفو ؟! كان بعضنا ، إذا ما أوشكت الأشياء علي التصادم ، يخترق عهد الصمت المكهرب بالكلام ويصيح :
- هي !، إلا تري البقرة !
- افتح عينيك جيدا !
- سنعجن هنا، لم نر شيء بعد !
قبيل المنحني الثالث رأينا سيارة ضخمة وحديد ودم معجون ، تسألنا في نفس واحد :
- هي !، انظر !، هل تعتقد أن بينهم أحياء ؟!
رددنا في نفس واحد:
- حتى الشيطان لا يخرج من هناك !
اندهشنا في نظرة واحدة :
- لا يجوز وأن لم يخرج الصباح جلباب الليل !
هل كان الموت هو الفكرة الوحيدة المرفوضة بهذا الشكل ؟! فكرت في حياتي كانت مجرد أفكار وتفاصيل تافهة للغاية ، شاب وعاطل وصعلوك وحشاش ، ما الغاية من هذه الحياة ، ما الذي يدفعهم للتشبث بأهدابها ؟! لماذا نرفض فكرة الموت جمله وتفصيلا ؟! تراءات لي الأشباح وهي ترقص خلف النافذة ومن ثم دار حديث قصير بين الركاب :
راكب : البارحة ذهبنا في جنازة ميت سئ الحظ !
ثان : ابله من يغادر الحياة علي طريقة الكلاب !
ثالث : يا هذا !، كيف مات ؟!
رابع : أخذه الحديد في أحضانه شووو . .هكذا !
خامس : عموما أنا اكره المشي خلف الجنازة !
سادس: اووف ! هذا الموت لا ينتهي أبدا !
وصاح السائق : كفي !، ستموتوا ذات يوم !، ضحك ، وربما هنا !
طقطق الكمساري ، طنت ( الخضراء ) فوق رأسي ، صاحت البالية التي تجلس قرب الباب : اخرج !، ود الكلبة !، لم يك هناك من يزجر ، كانت الأشياء تهرول بعيدا . .!!
4/ تقاطيع خاطفة :
الكلاب الثلاثة، كانت تهز رؤوسها ، الأبيض استعاد رأسه ، البني غمز بعينه المعطوبة ، وسقط رأس الأسود علي جنبه الأيسر وجحظت عيناه ونبح نباحا طويلا مؤلم ، السائق داس علي الفرامل ، أرتمي الركاب ببعضهم، السائق امسك برأس الأسود ، انتزعها بقوة ورفعها عاليا وصاح ضاحك : ها . . ها . . لم يحدث شيء ، لقد دهست كلب حقير !! وتوقفت الأشياء في لحظة حداد عميق . . !!
5/ مونلوج :
حدثت في خيالي : هل تموت الكلاب هكذا ، لا يمشي أحد في جنازتها ؟1 تموت في الشوارع لتجر علي الأرض وترمي في الخلاء ؟! ألن يتمزق جلدها ولحمها ؟! ألن تتألم مرة أخري ؟1 هل هناك موت أرخص من هذا ؟1 ، لماذا عبر أمام الباص ؟! ، في تفاصيل أخري كان سيموت ، ربما ليس بهذه البشاعة ستأتي سيارة أخري لتمزج دمه ولحمه وشحمه مع الإسفلت ، تري فيما كان يفكر وهو يعبر الشارع ؟! هل كان عائد لزوجته و صغاره ؟! أم تراها كانت أما ، تحتمل كل شيء ، حتى الموت كي ما يبقي هناك نباح –يحرس الأرض ؟! هل له أصدقاء سيشتاقون له كثيرا ، هل سيذكرون مغامراته الصبيانية ؟! كيف سيقضون الليلة من دونه ؟! أي ميقات ضربه اليوم ولن يتحقق ؟! أي أنثي وحيدة ستعوي ، تحت القمر في ألم فظيع . . .!!
6/ إخراج
خارج / الأشياء تتحرك خلف النافذة ، تهرول علي عجل ،وجوه تعبر خاطفة ، ثمة طيور تضرب الريح في الخارج ، والشجر يهمس في ضجر ورتابة .
داخل / تقترب الرؤوس الثالثة يدخل الأبيض البؤبؤ يتأرجح في قلق تبدو عينيه عميقان ، من خلفه تركض الأشياء ، ومن ثم يعود مبتعدا إلى مكانه الأول ، عن يميني البني المحروق بينما كان نظرات الأسود من غير سوء تشير إلى هناك ، حيث يشق رجل المقبرة الكبيرة ويتحسس الطريق بعكاز ته . .!!
7/ فلاش باك :
يشبه أبي لحد كبير ، يمشي مشيته ، عندما شدة العالم الثاني ، تسرب من بين أصابعنا ، في نهاية الدوام ، كخبر أتاني ، في يوم رحيله الثاني ، بارد كطقس أسلاك الهواتف ، جامد جمود السماعة علي أذني ، غبي كيوم رحيله من غير ميعاد، لماذا يأتي الآن متسربل حزنه الأبيض ، يضحك ويصمت ويبكي ؟! ، عندما قطع دابر علاقته بالبحر والسفينة بآمر رسمي و معاش شهري لم يطيق الابتعاد عن كائناته الأليفة لنفسه ، صار حاد الطبع قليل الكلام فظ العبارات ، لماذا يأتي الآن ، متسربل حزنه الأبيض ، يخرج من تحت أهداب الذاكرة ويمشي هناك ، يتحسس بعكاز ته برودة الصمت والمكان .. ؟!
8/ مشهد :
صفر الكمساري ، تمهل الباص ، انزلق علي شفة شارع الزلط في الحفر وارتج بقوة ، طار رأس الأسود ، نبح الكلب الأسود رنا البني المحروق في الأفق المغطي بالقلق ، فتح الباب الأمامي هبط راكب تصحبه امرأة و طابور أطفال ، اغلق الباب ، تمايل البص وهو ينطلق ،ورفع السائق رأسه الأبيض عاليا ، وعلت ضحكة غليظة . .!!
امدرمان / 2001
..... والطريق أمامنا يمتد ، يتخذ شكل الفراغ ، تركض ، تلهث ، والباص القديم الذي ينقلنا ينطلق بقوة وينشرح الصوت الذي ينبعث من ماكينته رتيبا طويلا : ااان . نااااان بينا يقطر صوت المغني حزينا علي رأسي ، ثمة بحر يشدو ، من زمان أليف أغنية العودة ، أغمضت عيني ، ا نثال اللحن إلى لساني ، ارتعش جسدي وطقطق الكمساري . .!!
2/ مشهد :
الكلاب الثلاثة ، الأبيض والبني المحروق والأسود من غير سوء، يتوهطون هناك ، بجوار السائق الذي يفعل أشياء كثيرة في وقت واحد : يلوح للسيارات ، يهز رأسه ، يحك مؤخرته ، ينظر في المرآة المعلقة أعلي أهدابه ، أو يشيح بيده ، الكلاب تهز رؤوسها ببطء كلما اعتراها مطر الحزن الذي يقطر من فوقها ، كلما اهتز الباص بعنف سقط رأس الأبيض ، وتجمدت نظرة الأسود علي السائق ، بينما يظل الثالث يراوغ الرقصة برقبته ، ثمة امرأة ، في ثياب بالية ، تجلس قرب الباب الأمامي ، تضع لفافة غزرة علي حجرها ، تلقمها ثديها الناشف ، كلما فتح باب الصدى للصراخ ، تصرخ هي الأخرى : أيقظت الصغير من جوعه ، اذهب لا أعادك الله لم يك هناك أحد ، كانت الأشياء تركض بعيدا . . .!!
3/ سيناريو وحوار :
كلما لاح في الأفق منحني أو شبح لسكة أخرى يضرب الصمت خيامه فوقتا ، ويتخيل كل واحد منا ما يمكن أن يجري أن تآكلت الطبقة السميكة وانفجرت الإطارات ، أن مال الباص بزاوية حادة كما حدث عند المنعطف ، أن صبنا علي جنبه الأيمن ، ثمة ذبابة خضراء كبيرة كانت تطن بقوة ، تسرب إلى إحساس (النمل ) وهو يمشي علي جانب وجهي الأيسر ، الذبابة تحط علي النافذة وترقب هي الأخرى الطريق ، بعصب التوقع والانبهار ، تهرول نحو الأعلى ، تطن بعيدا ، وتعود لترتطم بالنافذة في دوي هائل ، إلى أي شيء كانت الذبابة تتطلع ؟! ، إلى العالم خلف النافذة ؟! ، أم إلى شيء حسي كان يد ركنا كلما ازدادت سرعة الباص وبدأ أن السائق سيغفو ؟! كان بعضنا ، إذا ما أوشكت الأشياء علي التصادم ، يخترق عهد الصمت المكهرب بالكلام ويصيح :
- هي !، إلا تري البقرة !
- افتح عينيك جيدا !
- سنعجن هنا، لم نر شيء بعد !
قبيل المنحني الثالث رأينا سيارة ضخمة وحديد ودم معجون ، تسألنا في نفس واحد :
- هي !، انظر !، هل تعتقد أن بينهم أحياء ؟!
رددنا في نفس واحد:
- حتى الشيطان لا يخرج من هناك !
اندهشنا في نظرة واحدة :
- لا يجوز وأن لم يخرج الصباح جلباب الليل !
هل كان الموت هو الفكرة الوحيدة المرفوضة بهذا الشكل ؟! فكرت في حياتي كانت مجرد أفكار وتفاصيل تافهة للغاية ، شاب وعاطل وصعلوك وحشاش ، ما الغاية من هذه الحياة ، ما الذي يدفعهم للتشبث بأهدابها ؟! لماذا نرفض فكرة الموت جمله وتفصيلا ؟! تراءات لي الأشباح وهي ترقص خلف النافذة ومن ثم دار حديث قصير بين الركاب :
راكب : البارحة ذهبنا في جنازة ميت سئ الحظ !
ثان : ابله من يغادر الحياة علي طريقة الكلاب !
ثالث : يا هذا !، كيف مات ؟!
رابع : أخذه الحديد في أحضانه شووو . .هكذا !
خامس : عموما أنا اكره المشي خلف الجنازة !
سادس: اووف ! هذا الموت لا ينتهي أبدا !
وصاح السائق : كفي !، ستموتوا ذات يوم !، ضحك ، وربما هنا !
طقطق الكمساري ، طنت ( الخضراء ) فوق رأسي ، صاحت البالية التي تجلس قرب الباب : اخرج !، ود الكلبة !، لم يك هناك من يزجر ، كانت الأشياء تهرول بعيدا . .!!
4/ تقاطيع خاطفة :
الكلاب الثلاثة، كانت تهز رؤوسها ، الأبيض استعاد رأسه ، البني غمز بعينه المعطوبة ، وسقط رأس الأسود علي جنبه الأيسر وجحظت عيناه ونبح نباحا طويلا مؤلم ، السائق داس علي الفرامل ، أرتمي الركاب ببعضهم، السائق امسك برأس الأسود ، انتزعها بقوة ورفعها عاليا وصاح ضاحك : ها . . ها . . لم يحدث شيء ، لقد دهست كلب حقير !! وتوقفت الأشياء في لحظة حداد عميق . . !!
5/ مونلوج :
حدثت في خيالي : هل تموت الكلاب هكذا ، لا يمشي أحد في جنازتها ؟1 تموت في الشوارع لتجر علي الأرض وترمي في الخلاء ؟! ألن يتمزق جلدها ولحمها ؟! ألن تتألم مرة أخري ؟1 هل هناك موت أرخص من هذا ؟1 ، لماذا عبر أمام الباص ؟! ، في تفاصيل أخري كان سيموت ، ربما ليس بهذه البشاعة ستأتي سيارة أخري لتمزج دمه ولحمه وشحمه مع الإسفلت ، تري فيما كان يفكر وهو يعبر الشارع ؟! هل كان عائد لزوجته و صغاره ؟! أم تراها كانت أما ، تحتمل كل شيء ، حتى الموت كي ما يبقي هناك نباح –يحرس الأرض ؟! هل له أصدقاء سيشتاقون له كثيرا ، هل سيذكرون مغامراته الصبيانية ؟! كيف سيقضون الليلة من دونه ؟! أي ميقات ضربه اليوم ولن يتحقق ؟! أي أنثي وحيدة ستعوي ، تحت القمر في ألم فظيع . . .!!
6/ إخراج
خارج / الأشياء تتحرك خلف النافذة ، تهرول علي عجل ،وجوه تعبر خاطفة ، ثمة طيور تضرب الريح في الخارج ، والشجر يهمس في ضجر ورتابة .
داخل / تقترب الرؤوس الثالثة يدخل الأبيض البؤبؤ يتأرجح في قلق تبدو عينيه عميقان ، من خلفه تركض الأشياء ، ومن ثم يعود مبتعدا إلى مكانه الأول ، عن يميني البني المحروق بينما كان نظرات الأسود من غير سوء تشير إلى هناك ، حيث يشق رجل المقبرة الكبيرة ويتحسس الطريق بعكاز ته . .!!
7/ فلاش باك :
يشبه أبي لحد كبير ، يمشي مشيته ، عندما شدة العالم الثاني ، تسرب من بين أصابعنا ، في نهاية الدوام ، كخبر أتاني ، في يوم رحيله الثاني ، بارد كطقس أسلاك الهواتف ، جامد جمود السماعة علي أذني ، غبي كيوم رحيله من غير ميعاد، لماذا يأتي الآن متسربل حزنه الأبيض ، يضحك ويصمت ويبكي ؟! ، عندما قطع دابر علاقته بالبحر والسفينة بآمر رسمي و معاش شهري لم يطيق الابتعاد عن كائناته الأليفة لنفسه ، صار حاد الطبع قليل الكلام فظ العبارات ، لماذا يأتي الآن ، متسربل حزنه الأبيض ، يخرج من تحت أهداب الذاكرة ويمشي هناك ، يتحسس بعكاز ته برودة الصمت والمكان .. ؟!
8/ مشهد :
صفر الكمساري ، تمهل الباص ، انزلق علي شفة شارع الزلط في الحفر وارتج بقوة ، طار رأس الأسود ، نبح الكلب الأسود رنا البني المحروق في الأفق المغطي بالقلق ، فتح الباب الأمامي هبط راكب تصحبه امرأة و طابور أطفال ، اغلق الباب ، تمايل البص وهو ينطلق ،ورفع السائق رأسه الأبيض عاليا ، وعلت ضحكة غليظة . .!!
امدرمان / 2001