عزيزتي هدى
ما أجمل البصل.. وما أرقه.. ما ألطفه.. وما أقساه أيضا.. هل جربتِ صداقته يوما أم أن الحكاية كلها محض مجازات؟ أنا أعرف البصل ولي معه علاقة وطيدة. في قريتنا الصغيرة التي تقبع مهملة بحضن المحيط الأطلسي اختار أقاربي لأمي أن يلغِّموا الحقول الرملية المجاورة للشاطئ بالبصل. وكنا ونحن في طريقنا إلى البحر يوميا نتعثر بين البصلات:
بصلة لليل. بصلة للنهار
بصلة للموت. بصلة للحياة
بصلة للجنة. بصلة للنار
وحده البحر كان مالحا ولم يكن يهتم للبصلات التي تتنامى إلى جانبه كرؤوس خذلتها أجسادها فتركتها مدفونة في الرمل فيما مدت هي أرجلها الأخطبوطية الصغيرة باتجاه الشمس. كنا لكي نذهب إلى البحر نمر على جدتي طالبين المؤونة. الجدات في القرى البعيدة لا يملكن عادة غير الخبز والدعوات. كنا نحضن الخبز، وندفن الدعوات تحت شجيرة الصبار الصغيرة جنب البئر قبل أن نركض خفافا باتجاه الماء. خالتي حفيظة لم تكن تملك بدورها غير حبها. كانت تقول لي الخبز يكفيك.. وإذا وجدتَ صعوبة في ازدراده لوحده عليك بالبصل. البصل في البحر يصير مثل اللوز. لم أعثر قط على وجه الشبه. كيف يصير البصل لوزاً ؟ ولماذا تحكي خالتي حفيظة كثيرا عن اللوز ؟ خالتي حفيظة ظلت دائما تحلم باللوز في الوقت الذي كانت صويحباتها يحلمن بالعرسان. لذلك ربما ظلت عانسا حتى اليوم. ومع ذلك فقد كنتُ دوما أعتقد أن البصل يصير لوزا عند الشاطئ.
كنت آكله بنهم لا يصدق. آكله وحده بدون خبز. ومن يومها وأنا لا أشتهي سوى البصل حينما أكون على الشاطئ.
***
عزيزتي،
هذا عن حديقة البصل التي في ذاكرتي.. فماذا عن تلك التي في خيالك ؟
بصلة للجنة. بصلة للنار
بصلة للبحر. بصلة للبر
بصلة للشعر. بصلة للنثر
لكن أخبريني لماذا البصل الآن ؟ وما علاقة ذلك بالتطورات الأخيرة للصراع العربي الإسرائيلي ؟
من حقي أن أرتاب في اختيارك للبصل -وليس السفرجل مثلا- في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ أمتنا العربية. لنكن واضحين … لماذا البصل بالذات ؟ أليس لذلك من علاقة بالبكاء ؟ وهكذا يصير مشروعك الجديد مشروعا نكوصياً يقود الأمة العربية الإسلامية إلى مغادرة حومة الفعل والانخراط في مناحة جماعية. هل لذلك علاقة "بالشهد والدموع" ؟ إذن أين أخفيتِ جرة العسل المخبوءة بعناية في مكان آخر. ربما في حوض النعناع المجاور.
لنكن واضحين.. إنني وكأي مواطن عربي يقظ واعٍ بالمؤامرات التي تحيكها الإمبريالية والصهيونية والرجعية ضد أمتنا المكافحة. أمتنا الصامدة. أمتنا الخالدة… لا يمكنني إلا أن أتريث وأبحث في خلفيات هذا المشروع قبل أن أرسل لك قصة جديدة لي تحت عنوان "بنت بواب العمارة تلبس البنطلون بدون تُبَّان".
طبعا عليَّ أن أحتاط. فالقصة إياها ليست عن بنت بواب العمارة. بل عن الفتى المراهق ابن مالك العمارة الذي يراقب بنت البواب بمنظار اشتراه له والده من "لاس بالماس". ابن مالك العمارة اسمه سعيد، وهو مراهق شقي. سبب شقائه بنت بواب العمارة التي لا ترتدي التبان عمداً قصد استثارته حسب روايته الشخصية. أو ربما لأنهم في قريتها الأمازيغية المنسية بين قرون الجبال يرتدين السراويل مباشرة حسب رواية جارة عليمة بأحوال الجبال والقرى التي في الجبال. وحينما جاءت إلى المدينة لتساعد أباها في عمله بالعمارة حاولت أن تلبس التُّبان كبقية البنات. لكنها لم تطق عملية الاحتكاك التي يسببها ارتداء هذا الأخير أثناء المشي. بل إن المنطقة المحيطة بعضو أنوثتها أصيبت بالتهاب من جرّاء ذلك. وهي لم تحتمل أن تعاني من التهابين اثنين في المنطقة نفسها. يكفيها التهاب واحد. الالتهاب اللذيذ الذي يأتيها ليلا فتشعر معه كما لو أن ملائكة جميلين يرتدون "البلودجينز" ويضعون "الجيل" على شعرهم يدغدغونها وهي تضحك. هم يدغدغون وهي تضحك. وحين تختنق من الضحك يفتحون جرحها، يغوصون داخله تباعاً، يشربون فيه العصير.. ينامون قليلا ثم يغادرون. وهي لذلك أيضا لا ترتدي التبان في الليل. تخاف ألا يعثر الملائكة الطيبون على طريقهم في الظلام فيتيهون ويبقون بلا عصير. وقد تصيبهم نزلة برد في الخارج. لكن هذه التفاصيل ليست مهمة في حد ذاتها. المهم هو ما سيجري للبطل. البطل الذي يراقب بنت البواب بالمنظار لحظة نزولها ولحظة صعودها وغالبا ما يستمني على مؤخرتها غير المُتبَّنَة ثلاث مرات في اليوم.
طبعا أنا لن أحكي التفاصيل البورنوغرافية الأخرى، ليس خوفا من رقابة وزراء الثقافة العرب كما قد يظن البعض، ولكن أساسا لأنني أومن أن للكتابة وظيفة تربوية. ورغم أنني أبحث عن وظيفة لنفسي منذ أربع سنوات، فإن هذا لم يجعلني أسقط تحت تأثير ذلك الحقد الأعمى الذي أحسه في نفوس بعض زملائي من شعراء قصيدة النثر المغاربة العاطلين عن العمل والذين يصرون بإيعاز من مُخيلاتهم الشريرة على تجريد الكتابة بدورها من وظيفتها. أنا إنسان واع ومسئول. ثم إنني لست كاتبا مجانيا. قلتُ لست مجانيا (كم ستدفعون مقابل نشر هذه القصة؟)..لا.. أنا أمزح.. ما أقصده بالضبط هو أنني كاتب له رسالة (رغم أنني لم أعد أهتم بجمع الطوابع البريدية كما كنت أفعل في السابق). أنا كاتب له موقف (مَنْ أضاف السيارات؟). لهذا فإن ما يعنيني هو مصير البطل الشقي. أقصد البطل سعيد. البطل الذي يستمني ثلاث مرات في اليوم مع أن بنت البواب لا تصعد درج العمارة إلى السطح إلا مرتين فقط.
وظيفتي ككاتب هو إنقاذ البطل وليس تقشيره. ولهذا لن أرسل لكم هذه القصة. أنتم ستسقطون الإشالة وتُقشِّرون البطل الذي سيصير بصلا. ورغم أنني أحب أكل البصل على الشاطئ. فأنا لا أحب تقشيره بنفسي. البصل مثل اللوز، هكذا قالت لي خالتي حفيظة. وأنا آكل اللوز بقشرته. لذا لن أشارك معكم في هذه المؤامرة التي تهدد عمقنا الحضاري.
بصل ودموع وتقشير بطل…
وماذا سيبقى للمسكينة بنت البواب بعد أن ينام البواب وكلب البواب وزوجة صاحب العمارة التي تقضي جزءا من الليل بعيداً عن شخير زوجها.. بعيداً.. بين أحضان البواب.
أنا تهمني أساسا بنت البواب.. وأيضا ابن صاحب العمارة.. الذي لا يشبه أباه كثيرا!! هل هو ابنُ البواب؟!
ورزازات / ماي 2001
ما أجمل البصل.. وما أرقه.. ما ألطفه.. وما أقساه أيضا.. هل جربتِ صداقته يوما أم أن الحكاية كلها محض مجازات؟ أنا أعرف البصل ولي معه علاقة وطيدة. في قريتنا الصغيرة التي تقبع مهملة بحضن المحيط الأطلسي اختار أقاربي لأمي أن يلغِّموا الحقول الرملية المجاورة للشاطئ بالبصل. وكنا ونحن في طريقنا إلى البحر يوميا نتعثر بين البصلات:
بصلة لليل. بصلة للنهار
بصلة للموت. بصلة للحياة
بصلة للجنة. بصلة للنار
وحده البحر كان مالحا ولم يكن يهتم للبصلات التي تتنامى إلى جانبه كرؤوس خذلتها أجسادها فتركتها مدفونة في الرمل فيما مدت هي أرجلها الأخطبوطية الصغيرة باتجاه الشمس. كنا لكي نذهب إلى البحر نمر على جدتي طالبين المؤونة. الجدات في القرى البعيدة لا يملكن عادة غير الخبز والدعوات. كنا نحضن الخبز، وندفن الدعوات تحت شجيرة الصبار الصغيرة جنب البئر قبل أن نركض خفافا باتجاه الماء. خالتي حفيظة لم تكن تملك بدورها غير حبها. كانت تقول لي الخبز يكفيك.. وإذا وجدتَ صعوبة في ازدراده لوحده عليك بالبصل. البصل في البحر يصير مثل اللوز. لم أعثر قط على وجه الشبه. كيف يصير البصل لوزاً ؟ ولماذا تحكي خالتي حفيظة كثيرا عن اللوز ؟ خالتي حفيظة ظلت دائما تحلم باللوز في الوقت الذي كانت صويحباتها يحلمن بالعرسان. لذلك ربما ظلت عانسا حتى اليوم. ومع ذلك فقد كنتُ دوما أعتقد أن البصل يصير لوزا عند الشاطئ.
كنت آكله بنهم لا يصدق. آكله وحده بدون خبز. ومن يومها وأنا لا أشتهي سوى البصل حينما أكون على الشاطئ.
***
عزيزتي،
هذا عن حديقة البصل التي في ذاكرتي.. فماذا عن تلك التي في خيالك ؟
بصلة للجنة. بصلة للنار
بصلة للبحر. بصلة للبر
بصلة للشعر. بصلة للنثر
لكن أخبريني لماذا البصل الآن ؟ وما علاقة ذلك بالتطورات الأخيرة للصراع العربي الإسرائيلي ؟
من حقي أن أرتاب في اختيارك للبصل -وليس السفرجل مثلا- في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ أمتنا العربية. لنكن واضحين … لماذا البصل بالذات ؟ أليس لذلك من علاقة بالبكاء ؟ وهكذا يصير مشروعك الجديد مشروعا نكوصياً يقود الأمة العربية الإسلامية إلى مغادرة حومة الفعل والانخراط في مناحة جماعية. هل لذلك علاقة "بالشهد والدموع" ؟ إذن أين أخفيتِ جرة العسل المخبوءة بعناية في مكان آخر. ربما في حوض النعناع المجاور.
لنكن واضحين.. إنني وكأي مواطن عربي يقظ واعٍ بالمؤامرات التي تحيكها الإمبريالية والصهيونية والرجعية ضد أمتنا المكافحة. أمتنا الصامدة. أمتنا الخالدة… لا يمكنني إلا أن أتريث وأبحث في خلفيات هذا المشروع قبل أن أرسل لك قصة جديدة لي تحت عنوان "بنت بواب العمارة تلبس البنطلون بدون تُبَّان".
طبعا عليَّ أن أحتاط. فالقصة إياها ليست عن بنت بواب العمارة. بل عن الفتى المراهق ابن مالك العمارة الذي يراقب بنت البواب بمنظار اشتراه له والده من "لاس بالماس". ابن مالك العمارة اسمه سعيد، وهو مراهق شقي. سبب شقائه بنت بواب العمارة التي لا ترتدي التبان عمداً قصد استثارته حسب روايته الشخصية. أو ربما لأنهم في قريتها الأمازيغية المنسية بين قرون الجبال يرتدين السراويل مباشرة حسب رواية جارة عليمة بأحوال الجبال والقرى التي في الجبال. وحينما جاءت إلى المدينة لتساعد أباها في عمله بالعمارة حاولت أن تلبس التُّبان كبقية البنات. لكنها لم تطق عملية الاحتكاك التي يسببها ارتداء هذا الأخير أثناء المشي. بل إن المنطقة المحيطة بعضو أنوثتها أصيبت بالتهاب من جرّاء ذلك. وهي لم تحتمل أن تعاني من التهابين اثنين في المنطقة نفسها. يكفيها التهاب واحد. الالتهاب اللذيذ الذي يأتيها ليلا فتشعر معه كما لو أن ملائكة جميلين يرتدون "البلودجينز" ويضعون "الجيل" على شعرهم يدغدغونها وهي تضحك. هم يدغدغون وهي تضحك. وحين تختنق من الضحك يفتحون جرحها، يغوصون داخله تباعاً، يشربون فيه العصير.. ينامون قليلا ثم يغادرون. وهي لذلك أيضا لا ترتدي التبان في الليل. تخاف ألا يعثر الملائكة الطيبون على طريقهم في الظلام فيتيهون ويبقون بلا عصير. وقد تصيبهم نزلة برد في الخارج. لكن هذه التفاصيل ليست مهمة في حد ذاتها. المهم هو ما سيجري للبطل. البطل الذي يراقب بنت البواب بالمنظار لحظة نزولها ولحظة صعودها وغالبا ما يستمني على مؤخرتها غير المُتبَّنَة ثلاث مرات في اليوم.
طبعا أنا لن أحكي التفاصيل البورنوغرافية الأخرى، ليس خوفا من رقابة وزراء الثقافة العرب كما قد يظن البعض، ولكن أساسا لأنني أومن أن للكتابة وظيفة تربوية. ورغم أنني أبحث عن وظيفة لنفسي منذ أربع سنوات، فإن هذا لم يجعلني أسقط تحت تأثير ذلك الحقد الأعمى الذي أحسه في نفوس بعض زملائي من شعراء قصيدة النثر المغاربة العاطلين عن العمل والذين يصرون بإيعاز من مُخيلاتهم الشريرة على تجريد الكتابة بدورها من وظيفتها. أنا إنسان واع ومسئول. ثم إنني لست كاتبا مجانيا. قلتُ لست مجانيا (كم ستدفعون مقابل نشر هذه القصة؟)..لا.. أنا أمزح.. ما أقصده بالضبط هو أنني كاتب له رسالة (رغم أنني لم أعد أهتم بجمع الطوابع البريدية كما كنت أفعل في السابق). أنا كاتب له موقف (مَنْ أضاف السيارات؟). لهذا فإن ما يعنيني هو مصير البطل الشقي. أقصد البطل سعيد. البطل الذي يستمني ثلاث مرات في اليوم مع أن بنت البواب لا تصعد درج العمارة إلى السطح إلا مرتين فقط.
وظيفتي ككاتب هو إنقاذ البطل وليس تقشيره. ولهذا لن أرسل لكم هذه القصة. أنتم ستسقطون الإشالة وتُقشِّرون البطل الذي سيصير بصلا. ورغم أنني أحب أكل البصل على الشاطئ. فأنا لا أحب تقشيره بنفسي. البصل مثل اللوز، هكذا قالت لي خالتي حفيظة. وأنا آكل اللوز بقشرته. لذا لن أشارك معكم في هذه المؤامرة التي تهدد عمقنا الحضاري.
بصل ودموع وتقشير بطل…
وماذا سيبقى للمسكينة بنت البواب بعد أن ينام البواب وكلب البواب وزوجة صاحب العمارة التي تقضي جزءا من الليل بعيداً عن شخير زوجها.. بعيداً.. بين أحضان البواب.
أنا تهمني أساسا بنت البواب.. وأيضا ابن صاحب العمارة.. الذي لا يشبه أباه كثيرا!! هل هو ابنُ البواب؟!
ورزازات / ماي 2001