جعفر الديري - الغزو البرتغالي للجنوب العربي والخليج 1507-1525م".. سيرة البرتغاليين على سواحل الخليج

في كتابه القيم والمعنون باسم "الغزو البرتغالي للجنوب العربي والخليج في الفترة ما بين 1507- 1525م" تناول الباحث محمد حميد السلمان فترة تاريخية مهمة جديرة بالالتفات اليها وإعادة دراستها نظرا إلى ما تمثله من إضاءة تاريخية مهمة ولكثرة ما علق بها من زيادات وتأويلات غير سليمة.
تناول المؤلف في المقدمة والفصول السبعة وفي خاتمة الكتاب "الغزو البرتغالي للجنوب العربي والخليج وسيرة البرتغاليين في سواحل هذه المنطقة والحروب التي شنوها وأخبار المقاومة والثورات الوطنية ضد البرتغاليين في المنطقة التي كتب لبعضها النجاح الذي أفسده في كثير من الأحيان التنافس الإقليمي على السلطة والنفوذ".
وحفل الكتاب بفصول مهمة تناول المؤلف فيها الحديث عن الاستعمار البرتغالي في بحار الشرق ودوافعه، الأوضاع السياسية في مشرق العالم الإسلامي عند مجيء البرتغاليين، الكيانات السياسية المحلية في الخليج وجنوب الجزيرة العربية ابان الغزو البرتغالي للمنطقة، الغزو البرتغالي لعمان والخليج العربي، الجبور ومقاومتهم مشروعات البرتغاليين لغزو البحرين، المخططات البرتغالية لغزو الجنوب العربي والبحر الأحمر والمقاومة العربية الإسلامية لها وثورة العام 1521م في الخليج العربي ضد البرتغاليين ونتائجها.
وأوضح السلمان في مقدمة كتابه تأثير تلك العبارة السحرية التي كانت تكتب على زجاجات الأدوية في الممالك والأقاليم الأوروبية خلال البواكير الأولى لعصر النهضة والتي كان لها تأثير كبير في إلهاب حماس المغامرين والباحثين عن الثراء. فتلك العبارة "وارد من بلاد الهند أو وارد من بلاد العرب" التي كانت تعني المواد الطبيعية كالتوابل والعطور القادمة من الشرق هي تحديدا ما كان يبحث عنه هؤلاء المغامرون إذ كان "الفلفل" تحديدا - بحسب ما يذكره أحد الكتاب الهنود - "السبب الخفي وراء جميع الحروب التي نشبت في بلاد الروم، فقد استطاعت هذه الحبة السوداء الصغيرة أن تجذب إليها أنظار العالم كله ابان العصور الأولى للميلاد، فهذه السلع بقدر ما كانت مصدر ثراء لبلاد الشرق كانت مصدر متاعب ونقمة لموطن انتاجها وتجارتها وكان أول هذه المتاعب حينما صاح البابا اريان الثاني في العام 1095 "هذه إرادة الله" والتي كانت تعني الدعوة إلى الاستيلاء على الأراضي المقدسة باسم الدين بينما كانت التجارة بحسب - ول ديورانت - القائد الحقيقي للحروب الصليبية التي امتدت نحو قرنين من الزمان ووسعت سبل التجارة مع بلاد الشرق. فبدلا من أن يخضع تجار البندقية وجنوة لوساطة التجار المسلمين في أسواق القاهرة والاسكندرية والشام كان هدف أوروبا القرن الخامس عشر هو الوصول إلى موطن التوابل مباشرة من دون المرور عبر وسطاء التجارة من العرب والمسلمين بالذات.

الاستعمار البرتغالي في بحار الشرق ودوافعه

انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الفصل الأول من الكتاب وهو المعنون بالاستعمار البرتغالي في بحار الشرق ودوافعه ليتناول تحديدا الاستعمار الغربي وليؤكد فكرة الرغبة من قبل الدول الأوروبية في السيطرة على الطرق التجارية العالمية في العصور الوسطى حين عدد تلك الطرق البرية والبحرية التي كانت تسلكها التجارة العالمية ومنها طريق الخليج العربي- بلاد الشام، طريق البحر الأحمر - مصر، وعدد أسباب الكشوف الجغرافية الأوروبية التي كان على رأسها الإنجيل أو الذهب إذ كان هذا السعي وراء الثروة من الدوافع الرئيسية للاكتشافات الكبرى ولتأسيس امبراطوريات شاسعة جدا، ثانيا شن الحرب ضد المسلمين لهزيمتهم في إفريقيا وآسيا، ثالثا الأزمات الاقتصادية الخانقة في أوروبا، رابعا الرغبة في التخلص من الرسوم الجمركية والوسطاء التجاريين، خامسا نشر العقيدة النصرانية وسادسا الرغبة في اكتشاف المجهول وزيادة المعرفة الجغرافية. ثم حاول المؤلف الإجابة على السؤال الأهم في الكتاب وهو: لماذا ورثت البرتغال تلك الدولة الصغيرة حجما وسكانا والقابعة على شاطئ المحيط الأطلنطي جهود غيرها في هذا المجال وخصوصا "جنوة" حتى تمكنت أخيرا في فترة الكشوف الجغرافية من الوصول إلى أهدافها بسرعة غير متوقعة وبشكل أذهل كل أوروبا، وأرجع "السلمان" الإجابة على هذا السؤال إلى تاريخ مملكة البرتغال نفسه حين بين تفاعل مجموعة من العوامل السياسية والجغرافية معا والتي ساعدت على قيامها والتي كان في مقدمتها الوضع السيئ لملوك الطوائف المسلمين في الأندلس، إذ بلغ التنافس والنزاع الحربي بينهم أشده خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين لذلك بدأت عملية ملاحقة المسلمين إلى الساحل الغربي في القرنين الرابع عشر والخامس عشر فيما عرف "بالحروب الصليبية الثانية" في المغرب الأقصى والتي استمرت من العام 1415م حتى العام 1515م.

غزو البرتغاليين البحرين

تناول المؤلف بعد ذلك الحديث عن غزو البرتغاليين لمدن وموانئ الساحل العماني مبديا ملاحظة مهمة بهذا الشأن حين أشار إلى أنه عند التعرض للغزو البرتغالي للبحرين لابد من الوقوف عند حقيقة مهمة يمكن إيجازها في الصراع الذي كان قائما بين ملوك هرمز وشيوخ الجبور، وكان هذا الوضع المأسوي هو الذي صبغ الحال السياسية في الخليج العربي منذ وصول الغزو البرتغالي إلى سواحله، فقد لجأ الهرامزة للبرتغاليين يحرضونهم على غزو البحرين والقطيف لاستعادتها واسترجاع الضرائب والأموال التي كانتا تؤديانها في السابق، وذلك لفائدة الجانبين البرتغالي والهرمزي وتنفيذا لبنود الاتفاق بين الجانبين الهرمزي والبرتغالي الذي قضى بالزام البرتغال بالدفاع عن ملك هرمز وممتلكاته ضد أعدائه وأعداء الجزيرة. وعدد المؤلف جزءا من الأسباب التي اعتمد عليها البرتغاليون في غزوهم للبحرين ومنها: توقف البحرين عن دفع عائدات بعض البساتين التابعة إلى هرمز في الجزر وفقا لشروط الاتفاق المعقود بين هرمز والجبور، سياسة البرتغاليين ضد القوى العربية في الخليج بعد احتلالهم هرمز والتي كانت تقوم أساسا على تجريد المنطقة من كل سلاح كي لا يستخدم ضدهم. ومن الأسباب الاقتصادية بهذا الشأن تجارة الخيول العربية التي كانت تدر أرباحا وفيرة على الجبور، وتجارة اللؤلؤ البحريني النادر والسيطرة على مصائده حول الجزر البحرينية وما يدره اللؤلؤ من أرباح وفيرة جدا في تلك الفترة. ثم عرض جزءا من تاريخ هذه الحرب بقوله: "إن البرتغاليين اتفقوا مع ملك هرمز على القيام بغزو جزر البحرين، وواجه هذا الغزو الشيخ حميد ابن أخت السلطان مقرن الذي قاد المقاومة الشديدة من قبل أهل البحرين لسفن الحملة البرتغالية وتعطيلهم نزول جنودها إلى البحر، وعندما تلقى السلطان مقرن بن زامل الجبري نبأ الهجوم البرتغالي الأول على البحرين وكان في الحج بالحجاز، عاد مسرعا بعد أداء المناسك فأصبح السلطان مقرن على رأس قواته ومعه مساعده الشيخ حميد ابن أخته يحث جنوده على الصمود والاستبسال ويبث فيهم روح النخوة والشجاعة العربية، إلى أن أصيب بطلق ناري في فخذه أخذ على اثره للعلاج وشاع أنه مات فانهارت معنويات جيشه وسقط أمام البرتغاليين. فدخل البرتغاليون البحرين في العام ،1521 إذ عاثوا في مدينة المنامة فسادا ونهبا".
وخلص محمد حميد السلمان في نهاية كتابه إلى الأسباب التي ساعدت على تثبيت نفوذ البرتغاليين في المناطق الشرقية وبالذات الإسلامية ومنها البحرين ومن هذه الأسباب التي ذكرها: الحال المتدهورة والفوضى السياسية وكثرة المنازعات القبلية والمذهبية التي عاشتها الدول والممالك الإسلامية، سياسة الاحتكار الاقتصادي التقليدية التي طبقتها البرتغال في بداية الكشوف وحافظت عليها قدر الإمكان طوال عهدها، تفوق البرتغاليين التقني في ميدان الأسلحة النارية الحديثة وبناء السفن وتقنية حروبهم البحرية ضد البر والساحل وفي المياه العميقة في المحيطات، الإرهاب المتعمد الذي مارسه البرتغاليون في البحار الشرقية والمعاملة الوحشية غير المبررة، مواصلة تعزيز التفوق البرتغالي العسكري بأساطيل البحرية فكان التفوق البرتغالي واضحا في الصناعة البحرية والحربية مقابل عدم وجود جيوش نظامية مدربة بشكل جيد تتقن فنون القتال البري والبحري في الدويلات والإمارات العربية والاسلامية، إلى جانب ذلك الصراع الإقليمي المذهبي الذي شب بين أهم القوى الإسلامية في منطقة المشرق.
وامتاز كتاب محمد حميد السلمان باعتماده على الكثير من المصادر المخطوطة والكتب والمذكرات البرتغالية المترجمة من مصادرها مباشرة إضافة إلى بعض المصادر والمراجع العربية والفارسية المهمة.
سيرة البرتغاليين على سواحل الخليج

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى