“ نصوص "للفرح عمر واحد”، مجموعة قصصية للكاتب زيد عبد الباري سفيان من اليمن السعيد، تضم مائة وستين نصّاً كل نص يحمل رقمه التسلسلي الخاص به، مما سهل على القارئ معرفة العدد دون جهد، تنتمي لما اصطلح على تسميتها، القصص القصيرة جداً، صادرة عن دارالنشر ببلومانيا للنشر والتوزيع بمصر في طبعة أنيقة، وهي نصوص أدبية، تتفرع من فنون السرد، وتتقاسم مع القصيدة الحديثة تقنياتها، من دون أن تقطع الصلة بفن الحكاية، أو تنفصل عن السرد.
العنوان:
جاء مثيرا للسؤال، لمه؟ هو شبه جملة من الجار والمجرور، تقدم المبتدأ، ليكون البؤرة الدلالية في الجملة بخاصة، وفي باقي النصوص بعامة. شبه جملة تقريرية واضحة البناء، فالفرح له عمر واحد لا يتكرر، سريع الذوبان، محكوم بالانقضاء، مثله، في ذلك، مثل الإنسان، لا يملك سوى عمر واحد، لذا، ينبغي ألا يضيعه هدرا ومجانا، بل ينبغي له أن يستثمره أحسن استثمار. والفرح بدوره ينبغي الاستمتاع به، والاستفادة منه قبل فوات الأوان. وهو فرح سريع العطب، هش كشبه جملة، لم يبلغ حلم الجملة الفعلية أو الاسمية، سيظل قاصرا مادام أنه لا يمتلك سوى لحظة زمنية قصيرة لا تتكرر.
والراجح أن العنوان يميل إلى تأكيد فكرة السرعة والانقضاء، تعقبه أعمار الحزن، فلهذا الأخير السطوة وقوة الحضور والاستمرارية في الزمان كما في المكان.
لقد برع القاص في كتابة القصة القصيرة جدا.. وتفنن في كتابة نصوصه، ببعد إنساني في طرحه، واجتماعي في رؤيته القصصية.. ينتقد المجتمع ويندد بسلبياته، معتمدا السخرية كتقنية للتعرية والفضح.
يعرف القاص ويعي أن فن القصة القصيرة جدا ، هو فن كيفية اختطاف اللقطة أو المشهد المعبر والمؤثر.. اعتمد على الحذف ، والتكثيف والإبراق السريع.. ويأخذ شكل النصوص عنده شكل قصيدة النثر والكتابة التلغرافية.. وقد زاد هذا من جماليتها 1
وهو ما نجده في قصة "غلظة" ص 57. والتي يقول فيها:
نهشتها غربان الرحيل؛
دنت منه، راقصته بعين شادية، دست منقارا رؤوفا بين جوانحه؛
نفض رائحتها المهيضة بعيدا،
من عالي الحزن تساقطت ريشة ريشة.
جمل إبراقية، لا تهتم بحروف العطف، موزعة وفق نظام الأسطر الشعرية.
تنضبط نصوص المجموعة لقصر الحجم جميعها دون استثناء، وقد جاءت مكثفة بدرجة عالية جعلت قراءتها عملية صعبة تتطلب الكثير من التروي والجهد لاكتشاف أبعادها؛ ولتحقيق هذا الحجم اعتمدت تجويع اللفظ، والحذف والإضمار والتضمين والتكثيف اللغوي، كما اعتمدت، يقول الدكتور مسلك ميمون في تقديمه: وبشكل لافت، التخييل الخصب، والرمز على اهتلافه وتنوعه، والاستفادة من نسق قصيدة النثر. وعدم الربط بين الجمل..
الأكيد أن القصة القصيرة جدا تنتمي لجنس السرد؛ وهو جنس قائم بذاته.وإذا كان القاسم المشترك بين كل هذه النصوص القصصية القصيرة جدا هو الحجم.إلا أنه ليس المحدد الأوحد لها، فهناك مقومات ومكونات جمالية، أخرى تتضافر لتقدم لنا نصا قصصيا قصيرا جدا ذا مميزات فنية وجمالية..
التقنيات:
" اعتماد الجملة القصصية القصيرة :تتميز الكتابة القصصية عند زيد بقصرها.فهي لا تتعدى أساسيات الجملة.خالية من الحشو اللفظي،ومن الزيادات الوصفية، والإطناب.كما في قصة(كرباج). وفي نص "شخيب" ص 50 الذي يتكون من خمس جمل متلاحقة تحقق للسرد سرعته، وحيث الرشاقة النصية فلا زيادة ولا حشو.
وفي نص "رق" ص 55، والذي يتكون، هو الآخر، من خمس جمل سارت بشكل متلاحق وسريع لتبلغ الذروة المدهشة، يحدثنا عن جهد المنتفضة الذي ذهب هباء، فصارت في وضع أشد إيلاما من الأول، فقد بقيت رهن الاعتقال لكن بسلسلة أقصر.وهو ما يفيد أن ثورتها لم تزدها إلا مزيد عبودية.
ما يلاحظ على النصوص دهشة النهايات، أو القفلات، تلك القفلات التي جاءت متنوعة تحقق الدهشة وتسمح بفتح باب التأويل على مصراعيه أمام القارئ المتأمل وغير العجول.
فنص "بدلاء"، مثلا، حافل بالرموز والأحداث الواقعية التي ينبغي أن يكون القارئ على علم بها حتى يتمكن من التفاعل الإيجابي مع النصوص، وتكفي الإشارة إلى المفارقة الصارخة بين حلول الشهر الفضيل المنعش للروح، وبين الغواية ذات الارتباط بالجسد الأنثوي اللعوب، ممثلا في "إيفانكا".
.إن مدونة النصوص التي يقدمها لنا القاص زيد ، تتميز بميلها إلى الفضح، والنقد والإدانة، . مما يجعلنا نستشف منظور الكتابة عنده.؛ فهي فعل ملازم لقراءة الواقع.. والوجود.. وأنها رسالة إنسانية نبيلة عليه أن يعطيها حقها من الشفافية والمصداقية، والموضوعية.. وبالتالي الكتابة عنده تعبير عن الذات، وتحقيق للوجود، وفهم للعالم والمحيط.. يعيد بناء هذا العالم في صور مختلفة تتدرج من الواقعية إلى التهكم والنقد، والتعرية، والنكتة الساخرة، واللاذعة، والموقف الساخر...2
السخرية:
تعبر عن موقف غير مرغوب فيه.وهي رفض للواقع، وشجب له. وهي فعل سلبي لأنها لا تستطيع تغيير هذا الواقع، ولا التأثير فيه. فتكتفي بتشويهه، وانتقاده، والترميز إليه، واللمز فيه بوسائل وطرق مختلفة..
والسخرية نوع من التأليف الأدبي لواقع يقوم على متناقضات، ومفارقات وتضادات. كما أنها خطاب ثقافي يقوم على أساس انتقاد الرذائل والحماقات، والنقائض الإنسانية."3
فنص "تقاطع" ص67، ينهض مثالا دالا على هذه السخرية المرة، حيث نجده ينتقد واقع العرب الذي لم يضف أي إنجاز يذكر لصالح الإنسانية، فالورقة العذراء التي قدمها الطالب، والخط المنحدر الذي رسمه الآخر، إشارات إياحائية، وتلميحية لهذا الوضع المزري.
والأمر نفسه نجده مطروحا في نص "هرطقة" ص66، فانطلاقا من العنوان، ومرورا بالنص حتى نهايته، نلمس حضور هذه السخرية من الوضع العربي القائم على التناقضات، وغير القادر على الخروج من المتاهة التي هو فيها، بل نراه يسير وراء مزيد من الضلال والتيه.
التناص:
في معظم النصوص تستوقف القارئ، كما يقول مسلك ميمون في تقديمه، وظيفة التناص وبخاصة إحالتها المرجعية، التي تنعش الذاكرة الثقافية، وتفتح آفاق التأويل، وتغني النص بمعطيات قد يطول الحديث عنها وعن أسبابها ونتائجها..ولكنها تأتي مجملة، منجمة كإشراقة ذهنية، او لمحة حلمية...تختصر الطويل، وتفيد بالمضمر الغائب الأصيل..ففي نص "أشلاء" ص63، على سبيل المثال، نجد اسثمارا للقرآن والشعر معا في بنائه، يقول:
جاءوا ترهقهم قترة، برفق وضعوا أكياسا بالقرب منه؛
بهتوا إذ صمت حال علمه بما تحوي...
لم يدر في خلدهم أن "الطير يرقص مذبوحا من الألم".
على سبيل الختم:
مجموعة قيمة، جديرة بالقراءة والمتابعة، جاءت، كما قال مسلك ميمون في تقديمه، متفردة بلغتها ونسقها التركيبي، ورؤيتها السردية، التي اتسمت بالرمزية، والإيحائية، والإيجاز، والتركيز والاهتمام بذات الفعل، وذات الحال، في إطار من تنوع أنساق الخطاب السردي القصصي، الذي جاء مفعما بتلاوين التخييل، وخلفيات فلسفية، وتراثية، ورؤية تأويلية، تداولية، معرفية، تعتبر التخييل مظهرا من مظاهر التواصل الفني..كل ذلك قامت على التكثيف، والإيجاز والاختزال، ووظفت بنباهة الرمز والاستعارة المكنية والتصريحية والتحقيقية الشيء الذي ساهم في تعدد الصور السردية وغناها.
العنوان:
جاء مثيرا للسؤال، لمه؟ هو شبه جملة من الجار والمجرور، تقدم المبتدأ، ليكون البؤرة الدلالية في الجملة بخاصة، وفي باقي النصوص بعامة. شبه جملة تقريرية واضحة البناء، فالفرح له عمر واحد لا يتكرر، سريع الذوبان، محكوم بالانقضاء، مثله، في ذلك، مثل الإنسان، لا يملك سوى عمر واحد، لذا، ينبغي ألا يضيعه هدرا ومجانا، بل ينبغي له أن يستثمره أحسن استثمار. والفرح بدوره ينبغي الاستمتاع به، والاستفادة منه قبل فوات الأوان. وهو فرح سريع العطب، هش كشبه جملة، لم يبلغ حلم الجملة الفعلية أو الاسمية، سيظل قاصرا مادام أنه لا يمتلك سوى لحظة زمنية قصيرة لا تتكرر.
والراجح أن العنوان يميل إلى تأكيد فكرة السرعة والانقضاء، تعقبه أعمار الحزن، فلهذا الأخير السطوة وقوة الحضور والاستمرارية في الزمان كما في المكان.
لقد برع القاص في كتابة القصة القصيرة جدا.. وتفنن في كتابة نصوصه، ببعد إنساني في طرحه، واجتماعي في رؤيته القصصية.. ينتقد المجتمع ويندد بسلبياته، معتمدا السخرية كتقنية للتعرية والفضح.
يعرف القاص ويعي أن فن القصة القصيرة جدا ، هو فن كيفية اختطاف اللقطة أو المشهد المعبر والمؤثر.. اعتمد على الحذف ، والتكثيف والإبراق السريع.. ويأخذ شكل النصوص عنده شكل قصيدة النثر والكتابة التلغرافية.. وقد زاد هذا من جماليتها 1
وهو ما نجده في قصة "غلظة" ص 57. والتي يقول فيها:
نهشتها غربان الرحيل؛
دنت منه، راقصته بعين شادية، دست منقارا رؤوفا بين جوانحه؛
نفض رائحتها المهيضة بعيدا،
من عالي الحزن تساقطت ريشة ريشة.
جمل إبراقية، لا تهتم بحروف العطف، موزعة وفق نظام الأسطر الشعرية.
تنضبط نصوص المجموعة لقصر الحجم جميعها دون استثناء، وقد جاءت مكثفة بدرجة عالية جعلت قراءتها عملية صعبة تتطلب الكثير من التروي والجهد لاكتشاف أبعادها؛ ولتحقيق هذا الحجم اعتمدت تجويع اللفظ، والحذف والإضمار والتضمين والتكثيف اللغوي، كما اعتمدت، يقول الدكتور مسلك ميمون في تقديمه: وبشكل لافت، التخييل الخصب، والرمز على اهتلافه وتنوعه، والاستفادة من نسق قصيدة النثر. وعدم الربط بين الجمل..
الأكيد أن القصة القصيرة جدا تنتمي لجنس السرد؛ وهو جنس قائم بذاته.وإذا كان القاسم المشترك بين كل هذه النصوص القصصية القصيرة جدا هو الحجم.إلا أنه ليس المحدد الأوحد لها، فهناك مقومات ومكونات جمالية، أخرى تتضافر لتقدم لنا نصا قصصيا قصيرا جدا ذا مميزات فنية وجمالية..
التقنيات:
" اعتماد الجملة القصصية القصيرة :تتميز الكتابة القصصية عند زيد بقصرها.فهي لا تتعدى أساسيات الجملة.خالية من الحشو اللفظي،ومن الزيادات الوصفية، والإطناب.كما في قصة(كرباج). وفي نص "شخيب" ص 50 الذي يتكون من خمس جمل متلاحقة تحقق للسرد سرعته، وحيث الرشاقة النصية فلا زيادة ولا حشو.
وفي نص "رق" ص 55، والذي يتكون، هو الآخر، من خمس جمل سارت بشكل متلاحق وسريع لتبلغ الذروة المدهشة، يحدثنا عن جهد المنتفضة الذي ذهب هباء، فصارت في وضع أشد إيلاما من الأول، فقد بقيت رهن الاعتقال لكن بسلسلة أقصر.وهو ما يفيد أن ثورتها لم تزدها إلا مزيد عبودية.
ما يلاحظ على النصوص دهشة النهايات، أو القفلات، تلك القفلات التي جاءت متنوعة تحقق الدهشة وتسمح بفتح باب التأويل على مصراعيه أمام القارئ المتأمل وغير العجول.
فنص "بدلاء"، مثلا، حافل بالرموز والأحداث الواقعية التي ينبغي أن يكون القارئ على علم بها حتى يتمكن من التفاعل الإيجابي مع النصوص، وتكفي الإشارة إلى المفارقة الصارخة بين حلول الشهر الفضيل المنعش للروح، وبين الغواية ذات الارتباط بالجسد الأنثوي اللعوب، ممثلا في "إيفانكا".
.إن مدونة النصوص التي يقدمها لنا القاص زيد ، تتميز بميلها إلى الفضح، والنقد والإدانة، . مما يجعلنا نستشف منظور الكتابة عنده.؛ فهي فعل ملازم لقراءة الواقع.. والوجود.. وأنها رسالة إنسانية نبيلة عليه أن يعطيها حقها من الشفافية والمصداقية، والموضوعية.. وبالتالي الكتابة عنده تعبير عن الذات، وتحقيق للوجود، وفهم للعالم والمحيط.. يعيد بناء هذا العالم في صور مختلفة تتدرج من الواقعية إلى التهكم والنقد، والتعرية، والنكتة الساخرة، واللاذعة، والموقف الساخر...2
السخرية:
تعبر عن موقف غير مرغوب فيه.وهي رفض للواقع، وشجب له. وهي فعل سلبي لأنها لا تستطيع تغيير هذا الواقع، ولا التأثير فيه. فتكتفي بتشويهه، وانتقاده، والترميز إليه، واللمز فيه بوسائل وطرق مختلفة..
والسخرية نوع من التأليف الأدبي لواقع يقوم على متناقضات، ومفارقات وتضادات. كما أنها خطاب ثقافي يقوم على أساس انتقاد الرذائل والحماقات، والنقائض الإنسانية."3
فنص "تقاطع" ص67، ينهض مثالا دالا على هذه السخرية المرة، حيث نجده ينتقد واقع العرب الذي لم يضف أي إنجاز يذكر لصالح الإنسانية، فالورقة العذراء التي قدمها الطالب، والخط المنحدر الذي رسمه الآخر، إشارات إياحائية، وتلميحية لهذا الوضع المزري.
والأمر نفسه نجده مطروحا في نص "هرطقة" ص66، فانطلاقا من العنوان، ومرورا بالنص حتى نهايته، نلمس حضور هذه السخرية من الوضع العربي القائم على التناقضات، وغير القادر على الخروج من المتاهة التي هو فيها، بل نراه يسير وراء مزيد من الضلال والتيه.
التناص:
في معظم النصوص تستوقف القارئ، كما يقول مسلك ميمون في تقديمه، وظيفة التناص وبخاصة إحالتها المرجعية، التي تنعش الذاكرة الثقافية، وتفتح آفاق التأويل، وتغني النص بمعطيات قد يطول الحديث عنها وعن أسبابها ونتائجها..ولكنها تأتي مجملة، منجمة كإشراقة ذهنية، او لمحة حلمية...تختصر الطويل، وتفيد بالمضمر الغائب الأصيل..ففي نص "أشلاء" ص63، على سبيل المثال، نجد اسثمارا للقرآن والشعر معا في بنائه، يقول:
جاءوا ترهقهم قترة، برفق وضعوا أكياسا بالقرب منه؛
بهتوا إذ صمت حال علمه بما تحوي...
لم يدر في خلدهم أن "الطير يرقص مذبوحا من الألم".
على سبيل الختم:
مجموعة قيمة، جديرة بالقراءة والمتابعة، جاءت، كما قال مسلك ميمون في تقديمه، متفردة بلغتها ونسقها التركيبي، ورؤيتها السردية، التي اتسمت بالرمزية، والإيحائية، والإيجاز، والتركيز والاهتمام بذات الفعل، وذات الحال، في إطار من تنوع أنساق الخطاب السردي القصصي، الذي جاء مفعما بتلاوين التخييل، وخلفيات فلسفية، وتراثية، ورؤية تأويلية، تداولية، معرفية، تعتبر التخييل مظهرا من مظاهر التواصل الفني..كل ذلك قامت على التكثيف، والإيجاز والاختزال، ووظفت بنباهة الرمز والاستعارة المكنية والتصريحية والتحقيقية الشيء الذي ساهم في تعدد الصور السردية وغناها.