حسين مروة - شيوخنا..

هذه الغضبةُ التي غَضِبَها شيوخُنا الأجلاّء على مشروع ِ بعض ِ رجال القانون ، ما مصدرها وما غايتها؟
هل صحيح أنّ رجالَ القانون يقصدون الأذى بالشريعة الإسلامية، إذ ينتزعون من المحاكم الشرعية بعضَ سلطاتها؟
وهل صحيح أنّ ، في مشروع قانون الأحوال الشخصية ، عدواناً على حرمة الدين وقداسته وجوهره ومعناه؟
وهل صحيح أنّ في تنظيم المحاكم المذهبية والطائفية وفقاً لأصول المحاكمات المدنية ، تعريضاً بالإسلام أو المسيحية أو الموسوية ، لشيءٍ من الامتهان ؟ ..
كلا والله ياسادة ..
أما تحديدُ سلطات المحاكم الشرعية، فقد لا يكون فيه تنزيهٌ للشريعة الإسلامية أن يتولى قضاءَها بعضُ الجاهلين من أشباه الأُميّين ، ما دام أمرُ التعيين في القضاء الشرعي غيرَ مقيّدٍ بحدودٍ صريحةٍ واضحةٍ قاطعة لا يجوز فيها العبَثُ والتزييفُ والتحويرُ والتأويل ، وما دام الأمرُ في اختيار القضاة الشرعيين ، ذا أبوابٍ متعدّدة يستطيعُ أن يلِجَ منها إلى القضاء ، كلُّ عاجزٍ أو كسولٍ أو جاهل ، وله "حظوةٌ " لدى زعيم أو وزير أو وجيه خطير ! ..
وأما حرمةُ الدين وقداستُه وجوهرُ معناه ، فينبغي أن تكونَ هذه في نفوس أشياخنا الأجلاّء ، أسمى وأكرمَ من أن تأبى على الناس تنظيم علائقهم وشؤون حياتهم وفاقاً لنصوص ِالشرائع وقواعدها ، ووفاقاً لأنظمةِ الحياةِ وسُنَن ِالعدالة .
ثم هل يعلمُ أشياخنا الأجلاّء - رعاهم الله – أنّ تنظيمَ المحاكم ِ المذهبيةِ والطائفية ، كما يُريدُ مشروعُ رجال القانون ، هو أقرب التقوى ، وأدنى أن يكون تحقيقاً للغاية الإنسانية النبيلة التي تقصد إليها شرائع الإسلام والمسيحية والموسوية ؟ .
لعلّ كثيراً من أشياخنا وكهّاننا الأجلاّء يعرفون ذلك كلَّه ، ويؤْمنون به ، ولكن ... ما مصدر عضبتهم هذه ، وما غايتها ؟ ..
الأمرُ واضحٌ لا خفاءَ ولا لبسَ فيه .. الأمرُ كلُّه هو أنّ فريقاً من رجال القضاء الشرعي ، والمذهبي ، يُحسّون إحساساً خفيّاً عميقاً يوحي إليهم أن خطَراً يلوحُ من بعيدٍ بعيد ... خطراً يقول لهم إن هذا التنظيم الجديد قد يقصدهم يوماً في موْردِ عيشهم ، فإذا هم زائلون عنه يتلمّسون إلى غيره ألفَ سبيلٍ وسبيل ! ..
هؤلاء وحدُهم هم الغاضبون ، وأما غيرُهم ففريقان : فريقٌ أُرغم على أن يكونَ من الغاضبين ، وفريقٌ صَوّروا هم له أنَّ الشريعةَ في خطر ، فغضِبَ ، وهم يعلمون في سرائرهم أنّ الشريعة في منعةٍ لا يسمو إليها من مشروع رجال القانون سوءٌ ولا خطر ! ...



* جريدة "الحياة"
في زاوية " أدب " بتاريخ 11 كانون الثاني 1952 عنوانها :

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى