مشاهدة المرفق 749
ذهبتُ لأبيت في دار خالتي زهرة، منزلها غير بعيد كثيرًا عن بيتنا. ابنها البشير هو أيضًا يأتي ليبيت في بيتنا أحيانًا، رغم أنّه يخاف من الكلب رُوكِي. حين يأتي نربط روكي بسلسلة إلى شجرة التّين، أمّي هي الّتي تربطه هناك بالضّبط، حيث لن نجرؤ أبدًا أنا والبشير على تسلّق الشّجرة كَقِرْدَيْن وقطف التّين قبل أن ينضج.
حين تخرج أمّي لتذهب إلى الحصيدة أو إلى الزّريبة لتضع العلف والماء أمام الشّياه، نكتفي نحن فقط برشق الشّجرة بالحجارة ليسقط التّين قرب روكي وفوق رأسه. أقترب أنا من روكي لأجمعه، فأنا لا أخاف منه، إنّه كلبنا. أحيانًا أركب فوق ظهره كأنّه حصان ولا يعضّني! لكنّ خوف البشير منه جعلني أنا أيضًا متوجِّسًا منه، خصوصًا حين يتثاءب بغثة كاشفًا أنيابه الحادّة، أو حين يحاول أن يَلقَم ذبابة. أقول في نفسي: ربّما اذا اقتربت منه لأجمع التّين سيظنّني البشير، وسيغرس تلك الأنياب في رَبْلَةِ ساقي، ولكي أقاوم هذا الهاجس أبدأ بالاقتراب منه بحذر وأنا أقول للبشير: أنظر.. أنظر.. إنّه لا يعضّ! أقترب أكثر وأنا أصفّر وأقول: روكي.. روكي.. فيبدأ بتحريك ذيله لي دلالة على الخضوع. أتجرّأ أكثر وأُرَبِّتُ على ظهره أمسّد فروه بيدي فلا يفعل لي أيّ شيء. أقول للبشير: أرأيت؟؟ أرأيت؟؟ إنّه لا يعضّ! هيّا، دورك، اقترب منه أنت أيضًا ومسّد رأسه وَسَاقَيْهْ وبطنه.
يظلّ البشير جامدًا في مكانه مستعدًّا للهرب رغم أنّه بعيد كفاية والكلب مازال مربوطًا.
لا أدري لماذا جاءتني رغبة غامضة أن أفكّ السّلسلة عن عنق روكي وأتركه يتبع البشير في الحوش ويعضّه. خفت فقط أن تجلدني أمّي بِزَلاَّطِ الزّيتون حين تأتي، فاكتفيت فقط بجمع التّين بسرعة داخل قميصي.
في بيتهم لا توجد شجرة تين، وليس لديهم كلب. أحبّ كثيرًا أمّه خالتي زهرة، كلّما ذهبتُ عندهم شعرت بالسّعادة، وبإمكانيّة أن ألعب هناك ألعابًا مسلّية لا أستطيع أن ألعبها في بيتنا لأنّ أمّي تنهرني دائمًا، وتقذفني بأيّ شيء تجده قرب يدها، مكنسة أو بَلْغَة أو مغرفة أو يد مهراس. مع الوقت تعلّمت أن أتفادى قذائفها بمهارة.
خالتي زهرة لا تضرب البشير، هو أصلاً لا يختلق المشاكل. يمشط شعره دائمًا إلى اليمين وليس مثلي إلى فوق، ويظلّ صامتًا طيلة الوقت كالسّارية، منطويًا على نفسه كأنّه غاضب.
قالت لي خالتي زهرة: خذ اللّبن يا وْلِيدِي خُذْ خُذْ فأنا أمّك الثّانية، ألا تعرف ذلك؟! لقد أَرْضَعْتُكَ حين كنت صغيرًا جدًّا وأمّك أرضعت البشير. إنّكما مثل الإخوة.
أمسكتُ غرَّافَ اللّبن من يدها وأتيت عليه كاملاً دفعة واحدة ناظرًا ببلادة في عمقه. كان الجوّ قائظًا واللّبن بارد ولذيذ. تذكّرت الجدي حين يغرس فمه في ضرع العنزة ويرضع حين شممت رائحة ماعز في الغرّاف. قلت في نفسي: أنا والجدي شربنا نفس اللّبن، هذا يعني أنّ الجدي صار أخي، وبما أنّ البشير أخي، إذن أيضًا البشير والجدي صارا أخوين.
كان صدر خالتي زهرة ضخمًا للغاية، ليس كصدر أمّي. حاولت أن أتذكّر أنّها أرضعتني يومًا ما فلم أفلح. أحسست أنّها أكثر حنانًا من أمّي. ربّما هي حقًّا هكذا دائمًا، وربّما تفعل ذلك فقط أمامي حتّى لا أحكي لأمّي ما أراه في بيتهم فتقول عنها أمّي أمام النّاس إنّها شرّيرة. ربّما حين أعود أنا إلى بيتنا تمسك البشير من ياقة قميصه وَتَسْلَخُهُ بالزلاّط وهي تقول له: لمذا تحضر معك كلّ مرّة هذا القرد إلى هنا لِيَسْلَحَ اللّبن كَجَدْيْ؟!
في اللّيل سمعت زوجها السّي كبّور يقول لها: اقتربي.. اقتربي..
لم أفهم ماذا كان يقصد. أصلاً هي كانت نائمة بقربه فلماذا يطلب منها أن تقترب؟!
قالت له: اعمل عقلك يا كبّور سيسمعنا الأولاد!
كان البشير نائمًا حقًّا، فاتحًا فمه كفأر أكل السمّ. أغمضتُ عيني وجمدت في مكاني دون حركة ممثِّلاً أنّي نائم أكثر من البشير.
_لا لن يسمعوناااا.. لقد ناموااا..
_إهدأ يا كبّور..
_أخرجي ثدييك الآن..
_هل جننت؟!! سيستيقظ الأولاد!!
قلت في نفسي: ربّما يريد أن يرضع! إحساس غريب أكّد لي ذلك، سمعت مَصْمَصَةً كمصمصة عظم فخذ دجاجة! أحسست بغرابة شديدة، لم أكن أظنّ أنّ الكبار هم أيضًا يرضعون! إذن أبي أيضًا يرضع ثدي أمّي، لكنّه يفعل ذلك فقط في الظّلام الدّامس حتي لا أعرف. شعرت بالتّقزّز وبرغبة شديدة في الهرب إلى الحقول. لا أحبّ أن يرضع أحد ثدي أمّي حتّى وإن كان أبي. شعرت بخيانة أمّي لي. لم تعد ترضعني أنا بدعوى أنّي كبرت وأسناني صارت قادرة أن تطحن حتّى الحصى، لكنّها مازالت تُرضع أبي خفية. فهمت الآن لماذا حين كنت أحيانًا أستيقظ فجأة في اللّيل أسمع همهمات غامضة آتية من فراش أمّي وأبي. كنت أظنّ أنّ أبي يهمهم لأنّه مريض، ولأنّه يسعل طيلة النّهار، لكن قُلْ لي إنّه يهمهم لأنّه يرضع!
لم أرد أن أستسيغ الفكرة، السّي كبّور ضخم كثور، بطنه كبيرة لأنّه يسكر باستمرار ويذهب للتّفرّج على الشّيخات رغم أنّه يصلّي الصّلاة في وقتها، وشنبه كثّ وعريض إلى درجة أنّه يخفي شفته وأسنانه العليا. كيف لا زال يرضع؟! وهل البشير يعلم أم ينام في دار غَفْلُونْ؟؟
أنا لا يهمّني أن يرضع السّي كبّور أثداء خالتي زهرة أو لا. لكن، أن يرضع أبي ثدي أمّي بفمه المُسَوَّس الّذي لا تفارقه رائحة الكيف والشّاي البارد، فهذا هو ما لن أَقبله. قرّرت ألاّ أكلّم أمّي أبدًا لأنّها خائنة. بل أن أظلّ غاضبًا منها عاقدًا حاجبيّ في وجهها إلى أن أكبر وأهرب من الدّار لأشتغل في العسكر.
سمعت السّي كبّور يتنهّد تنهيدة طويلة بارتياح، كمن أزاح عن ظهره حملاً ثقيلاً. قلت في نفسي: لقد رضع حتّى شبع، وربّما الحليب يلطّخ الآن شنبه كلّه!
قال لها: الله يرحم والديك يا زهرة انهضي وضعي الغلاَّي على النّار يسخن لأغسل عظامي لا أريد أن يفوتني الفجر..
حين أذّن الفقيه بصوته الحاني الرّتيب، أحسست به ينهض من الفراش، يدوس هنا وهناك كيفما اتّفق كالسّكران كي يمرّ. كاد أن يدهسني أنا أو يدهس بطن البشير بقدمه الضّخمة، لكنّ البشير رغم ذلك لم يستيقظ!
حين عدت إلى البيت في الصّباح بعد أن فطرنا بالمسمّن والعسل والسّمن، أمطرتني أمّي بالأسئلة. وجدتُهم فطروا فقط بالخبز والشّاي، أبي يضع قربه فوق الحصيرة كأسًا نصف مملوءة، ويمسك سَبْسِيَّهُ في يده كعازف النّاي المتسوّل، يشعله بين الفينة والأخرى بِوَقِيدِ الشّمع، وبعد أن يأخذ منه نفسًا عميقًا تلو آخر، ينفخ فيه بقوّة مُطَيِّرًا محتواه بعيدًا، أحيانًا في اتّجاه دجاجة تتجوّل قرب الباب، تُسرع بغباء إلى الرّماد الّذي قذفه أبي من السّبسي تظنّه زرعًا، ثمّ تبتعد ثانية لتنكش الأرض برجليها بعيدًا باحثة عن الزّرع هناك لتنقبه فلا تجد سوى التّراب.
طلبت منّي أمّي أن أحكي لها بالتّفصيل ماذا رأيت في بيت خالتي زهرة، بالتّفصيل المملّ؛ ماذا أكلنا على العشاء، بماذا فطرنا، هل جاء عندهم ضيوف أم لا، هل ذكروها بخير أم بشرّ، هل كانت ترتدي تكشيطة مزيّنة بالصّْقَلِّي أم كانت ترتدي فقط تَحْتِيَّةً وبَلْغَةْ..
نهضتُ غاضبًا، قلت لها محدِّقًا جيِّدًا في عيونها الّتي لازالت منتفخة بالنّوم: تريدين أن تعرفي بالضّبط ماذا رأيت في بيت خالتي زهرة؟؟! وماذا تظنّين أنّني رأيت؟؟ هل رأيت القِرَدَة ترقص في الْحَلْقَةْ؟؟! لقد رأيت فقط كبُّورْ يرضع أثدائها كعجل، وأظنّ أنّ هناك أيضًا عجولاً كثيرة في هذه الدّار، وأشرتُ بإصبعي في اتّجاه أبي. حَمَلَتْ غطاء برَّاد الشّاي وقذفتني به بدقّة، تفاديته بصعوبة وأنا أهرب والدّجاجة تهرب هي الأخرى أمامي فاردة جناحيها كأنّها ستطير وتحلّق مع الحمام، وصوت أمّي يلاحقني: والله ثمّ والله حين
سأمسكك سأكويك بالسّفّود في نعناعك..
حين ابتعدتُ قليلاً وجدت في الحوش تينة ساقطة من الشّجرة لم تنضج بعد، حملتها فرأيت في حلمتها قطرة حليب! ذهبت خلف نادر التّبن ورضعتها.
.
ذهبتُ لأبيت في دار خالتي زهرة، منزلها غير بعيد كثيرًا عن بيتنا. ابنها البشير هو أيضًا يأتي ليبيت في بيتنا أحيانًا، رغم أنّه يخاف من الكلب رُوكِي. حين يأتي نربط روكي بسلسلة إلى شجرة التّين، أمّي هي الّتي تربطه هناك بالضّبط، حيث لن نجرؤ أبدًا أنا والبشير على تسلّق الشّجرة كَقِرْدَيْن وقطف التّين قبل أن ينضج.
حين تخرج أمّي لتذهب إلى الحصيدة أو إلى الزّريبة لتضع العلف والماء أمام الشّياه، نكتفي نحن فقط برشق الشّجرة بالحجارة ليسقط التّين قرب روكي وفوق رأسه. أقترب أنا من روكي لأجمعه، فأنا لا أخاف منه، إنّه كلبنا. أحيانًا أركب فوق ظهره كأنّه حصان ولا يعضّني! لكنّ خوف البشير منه جعلني أنا أيضًا متوجِّسًا منه، خصوصًا حين يتثاءب بغثة كاشفًا أنيابه الحادّة، أو حين يحاول أن يَلقَم ذبابة. أقول في نفسي: ربّما اذا اقتربت منه لأجمع التّين سيظنّني البشير، وسيغرس تلك الأنياب في رَبْلَةِ ساقي، ولكي أقاوم هذا الهاجس أبدأ بالاقتراب منه بحذر وأنا أقول للبشير: أنظر.. أنظر.. إنّه لا يعضّ! أقترب أكثر وأنا أصفّر وأقول: روكي.. روكي.. فيبدأ بتحريك ذيله لي دلالة على الخضوع. أتجرّأ أكثر وأُرَبِّتُ على ظهره أمسّد فروه بيدي فلا يفعل لي أيّ شيء. أقول للبشير: أرأيت؟؟ أرأيت؟؟ إنّه لا يعضّ! هيّا، دورك، اقترب منه أنت أيضًا ومسّد رأسه وَسَاقَيْهْ وبطنه.
يظلّ البشير جامدًا في مكانه مستعدًّا للهرب رغم أنّه بعيد كفاية والكلب مازال مربوطًا.
لا أدري لماذا جاءتني رغبة غامضة أن أفكّ السّلسلة عن عنق روكي وأتركه يتبع البشير في الحوش ويعضّه. خفت فقط أن تجلدني أمّي بِزَلاَّطِ الزّيتون حين تأتي، فاكتفيت فقط بجمع التّين بسرعة داخل قميصي.
في بيتهم لا توجد شجرة تين، وليس لديهم كلب. أحبّ كثيرًا أمّه خالتي زهرة، كلّما ذهبتُ عندهم شعرت بالسّعادة، وبإمكانيّة أن ألعب هناك ألعابًا مسلّية لا أستطيع أن ألعبها في بيتنا لأنّ أمّي تنهرني دائمًا، وتقذفني بأيّ شيء تجده قرب يدها، مكنسة أو بَلْغَة أو مغرفة أو يد مهراس. مع الوقت تعلّمت أن أتفادى قذائفها بمهارة.
خالتي زهرة لا تضرب البشير، هو أصلاً لا يختلق المشاكل. يمشط شعره دائمًا إلى اليمين وليس مثلي إلى فوق، ويظلّ صامتًا طيلة الوقت كالسّارية، منطويًا على نفسه كأنّه غاضب.
قالت لي خالتي زهرة: خذ اللّبن يا وْلِيدِي خُذْ خُذْ فأنا أمّك الثّانية، ألا تعرف ذلك؟! لقد أَرْضَعْتُكَ حين كنت صغيرًا جدًّا وأمّك أرضعت البشير. إنّكما مثل الإخوة.
أمسكتُ غرَّافَ اللّبن من يدها وأتيت عليه كاملاً دفعة واحدة ناظرًا ببلادة في عمقه. كان الجوّ قائظًا واللّبن بارد ولذيذ. تذكّرت الجدي حين يغرس فمه في ضرع العنزة ويرضع حين شممت رائحة ماعز في الغرّاف. قلت في نفسي: أنا والجدي شربنا نفس اللّبن، هذا يعني أنّ الجدي صار أخي، وبما أنّ البشير أخي، إذن أيضًا البشير والجدي صارا أخوين.
كان صدر خالتي زهرة ضخمًا للغاية، ليس كصدر أمّي. حاولت أن أتذكّر أنّها أرضعتني يومًا ما فلم أفلح. أحسست أنّها أكثر حنانًا من أمّي. ربّما هي حقًّا هكذا دائمًا، وربّما تفعل ذلك فقط أمامي حتّى لا أحكي لأمّي ما أراه في بيتهم فتقول عنها أمّي أمام النّاس إنّها شرّيرة. ربّما حين أعود أنا إلى بيتنا تمسك البشير من ياقة قميصه وَتَسْلَخُهُ بالزلاّط وهي تقول له: لمذا تحضر معك كلّ مرّة هذا القرد إلى هنا لِيَسْلَحَ اللّبن كَجَدْيْ؟!
في اللّيل سمعت زوجها السّي كبّور يقول لها: اقتربي.. اقتربي..
لم أفهم ماذا كان يقصد. أصلاً هي كانت نائمة بقربه فلماذا يطلب منها أن تقترب؟!
قالت له: اعمل عقلك يا كبّور سيسمعنا الأولاد!
كان البشير نائمًا حقًّا، فاتحًا فمه كفأر أكل السمّ. أغمضتُ عيني وجمدت في مكاني دون حركة ممثِّلاً أنّي نائم أكثر من البشير.
_لا لن يسمعوناااا.. لقد ناموااا..
_إهدأ يا كبّور..
_أخرجي ثدييك الآن..
_هل جننت؟!! سيستيقظ الأولاد!!
قلت في نفسي: ربّما يريد أن يرضع! إحساس غريب أكّد لي ذلك، سمعت مَصْمَصَةً كمصمصة عظم فخذ دجاجة! أحسست بغرابة شديدة، لم أكن أظنّ أنّ الكبار هم أيضًا يرضعون! إذن أبي أيضًا يرضع ثدي أمّي، لكنّه يفعل ذلك فقط في الظّلام الدّامس حتي لا أعرف. شعرت بالتّقزّز وبرغبة شديدة في الهرب إلى الحقول. لا أحبّ أن يرضع أحد ثدي أمّي حتّى وإن كان أبي. شعرت بخيانة أمّي لي. لم تعد ترضعني أنا بدعوى أنّي كبرت وأسناني صارت قادرة أن تطحن حتّى الحصى، لكنّها مازالت تُرضع أبي خفية. فهمت الآن لماذا حين كنت أحيانًا أستيقظ فجأة في اللّيل أسمع همهمات غامضة آتية من فراش أمّي وأبي. كنت أظنّ أنّ أبي يهمهم لأنّه مريض، ولأنّه يسعل طيلة النّهار، لكن قُلْ لي إنّه يهمهم لأنّه يرضع!
لم أرد أن أستسيغ الفكرة، السّي كبّور ضخم كثور، بطنه كبيرة لأنّه يسكر باستمرار ويذهب للتّفرّج على الشّيخات رغم أنّه يصلّي الصّلاة في وقتها، وشنبه كثّ وعريض إلى درجة أنّه يخفي شفته وأسنانه العليا. كيف لا زال يرضع؟! وهل البشير يعلم أم ينام في دار غَفْلُونْ؟؟
أنا لا يهمّني أن يرضع السّي كبّور أثداء خالتي زهرة أو لا. لكن، أن يرضع أبي ثدي أمّي بفمه المُسَوَّس الّذي لا تفارقه رائحة الكيف والشّاي البارد، فهذا هو ما لن أَقبله. قرّرت ألاّ أكلّم أمّي أبدًا لأنّها خائنة. بل أن أظلّ غاضبًا منها عاقدًا حاجبيّ في وجهها إلى أن أكبر وأهرب من الدّار لأشتغل في العسكر.
سمعت السّي كبّور يتنهّد تنهيدة طويلة بارتياح، كمن أزاح عن ظهره حملاً ثقيلاً. قلت في نفسي: لقد رضع حتّى شبع، وربّما الحليب يلطّخ الآن شنبه كلّه!
قال لها: الله يرحم والديك يا زهرة انهضي وضعي الغلاَّي على النّار يسخن لأغسل عظامي لا أريد أن يفوتني الفجر..
حين أذّن الفقيه بصوته الحاني الرّتيب، أحسست به ينهض من الفراش، يدوس هنا وهناك كيفما اتّفق كالسّكران كي يمرّ. كاد أن يدهسني أنا أو يدهس بطن البشير بقدمه الضّخمة، لكنّ البشير رغم ذلك لم يستيقظ!
حين عدت إلى البيت في الصّباح بعد أن فطرنا بالمسمّن والعسل والسّمن، أمطرتني أمّي بالأسئلة. وجدتُهم فطروا فقط بالخبز والشّاي، أبي يضع قربه فوق الحصيرة كأسًا نصف مملوءة، ويمسك سَبْسِيَّهُ في يده كعازف النّاي المتسوّل، يشعله بين الفينة والأخرى بِوَقِيدِ الشّمع، وبعد أن يأخذ منه نفسًا عميقًا تلو آخر، ينفخ فيه بقوّة مُطَيِّرًا محتواه بعيدًا، أحيانًا في اتّجاه دجاجة تتجوّل قرب الباب، تُسرع بغباء إلى الرّماد الّذي قذفه أبي من السّبسي تظنّه زرعًا، ثمّ تبتعد ثانية لتنكش الأرض برجليها بعيدًا باحثة عن الزّرع هناك لتنقبه فلا تجد سوى التّراب.
طلبت منّي أمّي أن أحكي لها بالتّفصيل ماذا رأيت في بيت خالتي زهرة، بالتّفصيل المملّ؛ ماذا أكلنا على العشاء، بماذا فطرنا، هل جاء عندهم ضيوف أم لا، هل ذكروها بخير أم بشرّ، هل كانت ترتدي تكشيطة مزيّنة بالصّْقَلِّي أم كانت ترتدي فقط تَحْتِيَّةً وبَلْغَةْ..
نهضتُ غاضبًا، قلت لها محدِّقًا جيِّدًا في عيونها الّتي لازالت منتفخة بالنّوم: تريدين أن تعرفي بالضّبط ماذا رأيت في بيت خالتي زهرة؟؟! وماذا تظنّين أنّني رأيت؟؟ هل رأيت القِرَدَة ترقص في الْحَلْقَةْ؟؟! لقد رأيت فقط كبُّورْ يرضع أثدائها كعجل، وأظنّ أنّ هناك أيضًا عجولاً كثيرة في هذه الدّار، وأشرتُ بإصبعي في اتّجاه أبي. حَمَلَتْ غطاء برَّاد الشّاي وقذفتني به بدقّة، تفاديته بصعوبة وأنا أهرب والدّجاجة تهرب هي الأخرى أمامي فاردة جناحيها كأنّها ستطير وتحلّق مع الحمام، وصوت أمّي يلاحقني: والله ثمّ والله حين
سأمسكك سأكويك بالسّفّود في نعناعك..
حين ابتعدتُ قليلاً وجدت في الحوش تينة ساقطة من الشّجرة لم تنضج بعد، حملتها فرأيت في حلمتها قطرة حليب! ذهبت خلف نادر التّبن ورضعتها.
.