رأى روبيرتو بولانيو، فيما يرى النائم، أن صديقته الممثلة سلمى حايك قد أصبحتْ عرافة بعد أن هجرت السينما إلى الأبد، واستقرتْ في بيتها الجديد، قبالة سينما الأوديون، بمدينة كاتانيا، على الساحل الغربي لصقلية.
ورأى أنه مضى لمقابلتها هناك، لكن الجندي الذي يتولى حراسة البيت منعه من الدخول.
كان جنديا من الجنود الرومان القدامى.
على رأسه خوذة من فولاذ، وحول جذعه درع سميكة، وفي يده اليمنى رمح طويل، نصله الحادّ إلى أعلى ومقبضُه مثبت على الأرض.
وفي نظراته صرامة وقسوة.
حاول روبيرتو بولانيو أن يتجاوزه وأن يدخل عنوة إلى بيت صديقته العرافة، لكن الجندي الروماني اعترضه بقوة، فشرعا يتعاركان، ثم سقطا أرضا.
صرخ بولانيو في الجندي:
- أيها الجبان، إذا كنتَ قد نجوتَ من الحرب البونيقية، فإنك لن تنجو مني أنا.
كان بعضُ زبائن العرافة، الجالسين في قاعة الانتظار، قد خرجوا لمتابعة المعركة الدائرة أمام البيت، بين الكاتب الشيلي والجندي الروماني. وكان من بينهم شيخ بادي النحافة، يصرخ بأعلى صوته:
- أنا إمبراطور القطب الشمالي! أنا إمبراطور القطب الشمالي! ألم يعرفني منكم أحد؟
كان بولانيو قد استطاع أن يشل حركة خصمه، وعندئذ اقتربَ منهما إمبراطور القطب الشمالي وأخذ الرمح المطروح أرضا، وأسنده إلى الحائط، ثم شرعَ يبحث في جيوب الجندي الروماني، فوجد شيكا بمبلغ مائة ألف أورو، يحمل توقيع البابا.
كان الشيك باسم لوسيوس بالبوس.
- يا له من اسْم ! قال روبيرتو بولانيو.
- إنه اسمي، قال الجندي الروماني وهو يلهث...لوسيوس لأني وُلدت في الفجر، أما لقب بالبوس فقد أطلق عليّ في طفولتي لأنني كنت تمتاما.
في تلك اللحظة نهض روبيرتو بولانيو واقفا وهو ينفض الغبار عن ثيابه. قال إمبراطور القطب الشمالي للجندي لوسيوس بالبوس:
- انهض الآن أيها التمتام، وتعال معي. سوف أدلك على أقرب وكالة بنكية لتدفع لهم هذا الشيك الضخم.
قبل أن يُنهي الإمبراطور كلامه، كانت شاحنة عسكرية مهترئة قد وقفتْ أمام منزل العرافة، ونزل منها بضعة جنود رومان بعكازات، وبأزياء عسكرية متسخة وممزقة. كانت شعورهم ولحاهم قد طالت، وكانوا حفاة ومتعَبين وجائعين ودون أسلحة، لكن كانت لديهم أوامر صارمة باقتياد سلمى حايك إلى أقرب ثكنة.
دخل روبيرتو بولانيو مسرعا إلى حجرة صديقته العرافة. وجدها قد ارتدت لباسا شبيها بذلك الذي كانت تلبسه في فيلم " ليلة في الجحيم." سألها عن السبب الذي جعل الجنود الرومان يطلبونها، فأجابته بهدوء تام:
- لا تحفل بالأمر. لن يحدث لي شيء.
ثم نهضت وأخرجت من خزانتها مفتاحا يتخلله سلك ذهبي، وناولتْه إياه قائلة:
- اسمع جيدا يا روبيرتو، هناك منزل واحد في مدينة كاتانيا كلها، يُمكن فتحه بهذا المفتاح. فإذا أنتَ استطعتَ العثور عليه، فسوف تقضي فيه أياما هنيئة حقا.
ثم سكتت قليلا قبل أن تضيف:
- امض الآن لرؤية زوجتك كارولينا في المستشفى، إنها تنتظرك هناك.
في المستشفى لبثَ قرب سرير زوجته حتى أظلم الليل. لم يتحدثا عن أي شيء. لم ينبس أحدهما بأية كلمة. كانا يتواصلان بالنظرات فقط. كانت نافذة غرفتها تطل على بركان إتنا القريب. وكان البركان قد بدأ يقذف حمما برتقالية اللون، تتوهج بشكل رائع في الظلام. قال بوليانو لزوجته:
- ليتك تستطيعين الوقوف قليلا قرب هذه النافذة. يخيل إليّ أن بركان إتنا لا يقذف الحمم هذه المرة، بل يقذف أسماكا مشتعلة. قروشا ودلافين وأنواعا من الحيتان، تتموج ملتهبة في السماء. إنه مشهد رائع حقا.
كان ذلك أول كلام ينطق به. لكن زوجته كارولينا لم تكن تستطيع الوقوف. ولم تكن تستطيع الكلام. وبعد أن غادر غرفتها، تذكرَ المفتاح الذي أعطته إياه العرافة سلمى حايك، فعاد ووضعه في حقيبة يد كارولينا، ثم هبط سلالم المستشفى بسرعة.
ورأى أنه مضى لمقابلتها هناك، لكن الجندي الذي يتولى حراسة البيت منعه من الدخول.
كان جنديا من الجنود الرومان القدامى.
على رأسه خوذة من فولاذ، وحول جذعه درع سميكة، وفي يده اليمنى رمح طويل، نصله الحادّ إلى أعلى ومقبضُه مثبت على الأرض.
وفي نظراته صرامة وقسوة.
حاول روبيرتو بولانيو أن يتجاوزه وأن يدخل عنوة إلى بيت صديقته العرافة، لكن الجندي الروماني اعترضه بقوة، فشرعا يتعاركان، ثم سقطا أرضا.
صرخ بولانيو في الجندي:
- أيها الجبان، إذا كنتَ قد نجوتَ من الحرب البونيقية، فإنك لن تنجو مني أنا.
كان بعضُ زبائن العرافة، الجالسين في قاعة الانتظار، قد خرجوا لمتابعة المعركة الدائرة أمام البيت، بين الكاتب الشيلي والجندي الروماني. وكان من بينهم شيخ بادي النحافة، يصرخ بأعلى صوته:
- أنا إمبراطور القطب الشمالي! أنا إمبراطور القطب الشمالي! ألم يعرفني منكم أحد؟
كان بولانيو قد استطاع أن يشل حركة خصمه، وعندئذ اقتربَ منهما إمبراطور القطب الشمالي وأخذ الرمح المطروح أرضا، وأسنده إلى الحائط، ثم شرعَ يبحث في جيوب الجندي الروماني، فوجد شيكا بمبلغ مائة ألف أورو، يحمل توقيع البابا.
كان الشيك باسم لوسيوس بالبوس.
- يا له من اسْم ! قال روبيرتو بولانيو.
- إنه اسمي، قال الجندي الروماني وهو يلهث...لوسيوس لأني وُلدت في الفجر، أما لقب بالبوس فقد أطلق عليّ في طفولتي لأنني كنت تمتاما.
في تلك اللحظة نهض روبيرتو بولانيو واقفا وهو ينفض الغبار عن ثيابه. قال إمبراطور القطب الشمالي للجندي لوسيوس بالبوس:
- انهض الآن أيها التمتام، وتعال معي. سوف أدلك على أقرب وكالة بنكية لتدفع لهم هذا الشيك الضخم.
قبل أن يُنهي الإمبراطور كلامه، كانت شاحنة عسكرية مهترئة قد وقفتْ أمام منزل العرافة، ونزل منها بضعة جنود رومان بعكازات، وبأزياء عسكرية متسخة وممزقة. كانت شعورهم ولحاهم قد طالت، وكانوا حفاة ومتعَبين وجائعين ودون أسلحة، لكن كانت لديهم أوامر صارمة باقتياد سلمى حايك إلى أقرب ثكنة.
دخل روبيرتو بولانيو مسرعا إلى حجرة صديقته العرافة. وجدها قد ارتدت لباسا شبيها بذلك الذي كانت تلبسه في فيلم " ليلة في الجحيم." سألها عن السبب الذي جعل الجنود الرومان يطلبونها، فأجابته بهدوء تام:
- لا تحفل بالأمر. لن يحدث لي شيء.
ثم نهضت وأخرجت من خزانتها مفتاحا يتخلله سلك ذهبي، وناولتْه إياه قائلة:
- اسمع جيدا يا روبيرتو، هناك منزل واحد في مدينة كاتانيا كلها، يُمكن فتحه بهذا المفتاح. فإذا أنتَ استطعتَ العثور عليه، فسوف تقضي فيه أياما هنيئة حقا.
ثم سكتت قليلا قبل أن تضيف:
- امض الآن لرؤية زوجتك كارولينا في المستشفى، إنها تنتظرك هناك.
في المستشفى لبثَ قرب سرير زوجته حتى أظلم الليل. لم يتحدثا عن أي شيء. لم ينبس أحدهما بأية كلمة. كانا يتواصلان بالنظرات فقط. كانت نافذة غرفتها تطل على بركان إتنا القريب. وكان البركان قد بدأ يقذف حمما برتقالية اللون، تتوهج بشكل رائع في الظلام. قال بوليانو لزوجته:
- ليتك تستطيعين الوقوف قليلا قرب هذه النافذة. يخيل إليّ أن بركان إتنا لا يقذف الحمم هذه المرة، بل يقذف أسماكا مشتعلة. قروشا ودلافين وأنواعا من الحيتان، تتموج ملتهبة في السماء. إنه مشهد رائع حقا.
كان ذلك أول كلام ينطق به. لكن زوجته كارولينا لم تكن تستطيع الوقوف. ولم تكن تستطيع الكلام. وبعد أن غادر غرفتها، تذكرَ المفتاح الذي أعطته إياه العرافة سلمى حايك، فعاد ووضعه في حقيبة يد كارولينا، ثم هبط سلالم المستشفى بسرعة.