جذبتني “أ” من يدي وأخذتني إلى خلف ساحة المدرسة القصيّة، وقالت لي من دون أن تتلعثم: “تعال نلعب عروس وعريس”. كانت سنواتي الحادية عشرة كفيلةً بأن تجعلني أفهم ما تعنيه جملة “عريس وعروس”، إلا أنني لم أحرّك ساكنًا. فقد صدمتني صراحتها ومباشرتها وأعتقد أنني تفاجأتُ وقتها من معرفتها بحيلة “العروس والعريس” مع أنها لم تُتم العاشرة بعد. كانت لعبة “العروس والعريس” هي أول مداخلنا نحو اكتشاف أجسادنا، وأجساد غيرنا من الصديقات والأصدقاء؛ وما زلنا جميعًا نلعب هذه اللعبة حتى اليوم، آملين في أن نصل في أحد الأيام إلى المفتاح السري الخاص بجسدنا وبجسد من يلعب معنا هذه اللعبة.
نظرتُ إلى “أ” بتوجس ثم بدأتُ أتعرّق. أذهلتني في وقاحتها وجرأتها حين سألت مرةً أخرى بلهجة فيها من الحدة ما ينبؤ بسماجة الموقف: “بدك ولا ما بدك؟” لم أستطع حتى تحريك رأسي موافقةً، ولو في إشارة بسيطة. “طبعًا بدي”، كنتُ أرغبُ في الصراخ عليها، ولكنني لم أفعل.
اقتربت مني ووضعت يدها على رأسي. كانت رأسي متعرقةً وحارةً ولم أكد أحسّ بلمسة يدها. سألتني بجدية: “راسك بوجعك؟” لم أجبها وانعقد لساني. نظرتُ إلى أسفل الساحة القصية نحو الشارع الرئيسي الممتد خارجًا من القرية نحو الحدود اللبنانية القريبة.
بعد أن يئست مني استدارت وذهبت وظللتُ وحيدًا أحاول السيطرة على الدموع التي بدأت بالانهمار من عينيّ بغزارةٍ، من دون أية سيطرة مني. يبدو أن منسوب الرجولة في سنيَّ الحادية عشرة لم يرضَ بمثل هذه الإهانة. وظللتُ وحدي في الساحة القصية البعيدة حتى غربت الشمس وتفرق أصدقائي إلى بيوتهم، فذهبت إلى البيت ونمتُ باكرًا على غير عادتي في تلك الليلة.
قبل حوالي السنة رأيتُ “أ” في الباحة الكبيرة التي تغصّ بالعرب عادةً، في جامعة حيفا. كانت تقف مع فتاة أخرى من قريتي، وبدت لي في وقفتها تلك جميلة أكثر مما أذكرها في مخيّلتي الجريحة. ترددتُ كثيرًا في الاقتراب منهما، وبعد أن اقتربت اتضح أن تردّدي لم يكن في مكانه: فقد أهّلت الاثنتان بي، وبعد اربع ساعات وجدتُ نفسي جالسًا إلى جانب “أ” في بار “هذا العالم” في هدار حيفا، نصف ثمليْن، وملتهبيْن لدرجة أننا لم نُعر نظرات الساقي اهتمامًا ما، وهو يلتهم وجهينا ونحن نتقبّل مثل المجنونيْن.
بعد منتصف الليل، سألتُها وهي تدخّن سيجارتها المئة على كتفي، وكنُا عارييْن، سألتُها عن تلك العصرية قبل تسعة عشرة عامًا، فانفجرت في الضحك.
نظرتُ إلى “أ” بتوجس ثم بدأتُ أتعرّق. أذهلتني في وقاحتها وجرأتها حين سألت مرةً أخرى بلهجة فيها من الحدة ما ينبؤ بسماجة الموقف: “بدك ولا ما بدك؟” لم أستطع حتى تحريك رأسي موافقةً، ولو في إشارة بسيطة. “طبعًا بدي”، كنتُ أرغبُ في الصراخ عليها، ولكنني لم أفعل.
اقتربت مني ووضعت يدها على رأسي. كانت رأسي متعرقةً وحارةً ولم أكد أحسّ بلمسة يدها. سألتني بجدية: “راسك بوجعك؟” لم أجبها وانعقد لساني. نظرتُ إلى أسفل الساحة القصية نحو الشارع الرئيسي الممتد خارجًا من القرية نحو الحدود اللبنانية القريبة.
بعد أن يئست مني استدارت وذهبت وظللتُ وحيدًا أحاول السيطرة على الدموع التي بدأت بالانهمار من عينيّ بغزارةٍ، من دون أية سيطرة مني. يبدو أن منسوب الرجولة في سنيَّ الحادية عشرة لم يرضَ بمثل هذه الإهانة. وظللتُ وحدي في الساحة القصية البعيدة حتى غربت الشمس وتفرق أصدقائي إلى بيوتهم، فذهبت إلى البيت ونمتُ باكرًا على غير عادتي في تلك الليلة.
قبل حوالي السنة رأيتُ “أ” في الباحة الكبيرة التي تغصّ بالعرب عادةً، في جامعة حيفا. كانت تقف مع فتاة أخرى من قريتي، وبدت لي في وقفتها تلك جميلة أكثر مما أذكرها في مخيّلتي الجريحة. ترددتُ كثيرًا في الاقتراب منهما، وبعد أن اقتربت اتضح أن تردّدي لم يكن في مكانه: فقد أهّلت الاثنتان بي، وبعد اربع ساعات وجدتُ نفسي جالسًا إلى جانب “أ” في بار “هذا العالم” في هدار حيفا، نصف ثمليْن، وملتهبيْن لدرجة أننا لم نُعر نظرات الساقي اهتمامًا ما، وهو يلتهم وجهينا ونحن نتقبّل مثل المجنونيْن.
بعد منتصف الليل، سألتُها وهي تدخّن سيجارتها المئة على كتفي، وكنُا عارييْن، سألتُها عن تلك العصرية قبل تسعة عشرة عامًا، فانفجرت في الضحك.