النص الثاني لتولستوي، الذي يظهر فيه تأثره بالحكاية العربية وبالذات في ألف ليلة وليلة. كان النص الأول متأثراً بـ «كليلة ودمنة»، المرة ثانية، تأثر بإحدى حكايات ألف ليلة وليلة الساخرة، وهي: حكاية الملك السندباد.
قصة تولستوي بعنوان «الصقر والملك»، التي قام بترجمتها: كامل يوسف حسني، وصدرت عن دار ثقافة الأطفال العراقية، العام 1981.
وقد أجريت مقارنة نصيّة، بيّنتُ فيها أوجه التشابه والتطابق، والإبداع بين النصين، ووجدت أن النصين يتقاربان من حيث فضاء النص، والشخصيات، والتيمة القصصية الأساسية، والفكرة الأساسية، لكنهما يختلفان؛ كون الحكاية الأولى، تسير في مجال الحكاية الشعبية، وقوانين بنائها الداخلي، من حيث كونها تتوجه إلى القارئ العام. وتخضع لنمط الحكاية، وخصائصها العامة التي تتصّف بها ألف ليلة وليلة.
فالحكاية في «ألف ليلة وليلة»، تخضع «لنمط الإطار» والإطار، تعني القصة الخارجية التي تنطوي بداخلها قصص أخرى، فتوحدها، بحيث تبدو قصة إطار كبرى تربط بدايات القصص، ونهاياتها في وحدة لا تنفصم، ولا يمكن فصمها، أو إزالتها، وهذا النمط جاء، كحاجة ضرورية، فرضتها طبيعة السرد القصصي، والحكي.
لذا يجد القارئ لنصوص الليالي، أنه أمام بُنْية نصّية تُشيَّد عمارتها الفنية بشكل راق.
والقارئ لنص: «حكاية الملك السندباد»: يكشف حكايتين صغيرتين: تتجاوران، وتُشيران بخط مستقيم من البداية إلى النهاية، دون أن يملّهما، بل تبدوان كعنصرين متحدّيْن..
أما نص «الملك والصقر» لتولستوي، فهي موجهة للأطفال أو الأحداث، وتأخذ شكلها الطبيعي من طبيعة قصة الأطفال وشروطها الفنية وقوانين بنائها الداخلي. بحيث تظهر لنا؛ قصة متفرّدة، منتقاة، حية، شذّبها تولستوي، وأزال المتخلف فيها، وأبقى من القصة الأولى: روحها وأصالتها، وسر الديمومة فيها، ويلتقي تولستوي في هذا الصدد، برؤية أونترماير الشاعر الأمريكي الذي أعاد الحياة إلى جسد «66 حكاية عالمية»، فأصبحت من الحكايات الكبرى في العالم..
أترك للقارئ المقارنة بين الحكاية الأم، والحكاية البنت، ليشارك في كشف أوجه التشابه، والتأثير، والإبداع بنفسه، دون أن نثقله بالتنظير الذي قد يفسد عليه، تذوّق النصّين.
ولكني على يقين، إن النصين يمتلكان شروط الإبداع والوصول بالقارئ إلى المستقبل.
النصان:
1 ـ حكاية الملك السندباد ـ ألف ليلة وليلة..
«حُكي إن ملكاً من ملوك الفرس، كان يُحبُ التنزه والصيد، وكان له باز لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً، وكان إذا خرج إلى الصيد يأخذه معه، وصنع له إناءً من الذهب علقّه في رقبته ليسقيهُ منه.
وبينما الملك جالس ذات يوم إذا بأمير الرخة يقول: يا ملك الزمان، هذا أوان الخروج إلى الصيد. فأمر الملك بالخروج، وأخذ الباز على يده، وساروا جميعاً إلى أن وصلوا إلى واد، ضربوا فيه حلقة الصيد، وإذا بغزالة وقعت في حلقة الصيد. فقال الملك: كُل من وثبت الغزالة من فوق رأسه ونجتْ، قتلته، ضيقّوا عليها حلقة الصيد. قدمت الغزالة من الملك فوقفت على رجليها، وحطت يديها على صدرها، كأنما تريد تقبيل الأرض أمام الملك، فطأطا لها، إذا بها تثب من فوق رأسه، وتنطلق هاربة.
فالتفت الملك إلى رجاله، فوجدهم يتقافزون، فقال لوزيره:
ـ ماذا يقول هؤلاء؟
فقال: يقولون: إنك هدّدت بقتل كل من تقفز الغزالة من فوق رأسه. فقال الملك: والله لأتبعنها حتى أجيء بها.
وجرى الملك وراء الغزالة، ولم يزل يتبعها حتى وصلت إلى جبل من الجبال، فأرادت أن تعبر إليه فأطلق الباز وراءها، فأخذ يلطمها في عينها إلى أن أعماها ودوخّها، فضربها الملك بدبوس فقتلها، ثم ذبحها وسلخها وعلقها بسرج جواده، وكان الحر شديداً والغابة مقفرة لا يوجد فيها ماء، فعطش الملك، وعطش الحصان، ورأى الملك شجرة تتساقط منها قطرات من الماء، فأخذ الملك الكأس من رقبة الباز وملأه من ذلك الماء، وأدناه من فمه ليشرب، وإذا بالباز يلطم الكأس فيقلبه. فأخذ الملك الطاس ثانية وملأه من ذلك الماء وقدّمه من الباز ليشرب فلطمه الباز مرة أخرى.
فانقبض الملك من الباز وقام للمرة الثالثة فملأ الكأس ماء وقدمه للحصان فقلبه الباز بجناحه. فقال له الملك:
ـ يا شؤم الطيور حرمتني الشرب وحرمت نفسك وحرمت الحصان!..
وضربة بسيفه فرمى جناحيه، وأخذ الكأس ليملأه من جديد، وإذا بالباز يصرخ، ويشير إلى أعلى الشجرة، فرفع الملك بصره، فرأى فوق الشجرة حية كبيرة يسيل سمّها، وإذا الماء يملأ منه الطاس قطرات من السم.
فعرف عند ذاك لماذا منعه الباز من شرب الماء، وندم على ضربه، وقص جناحيه، وعاد بالغزالة إلى القصر فأعطاها للطبَّاخ ليشويها، ولم يكد يستقر في مكانه حتى انتفض الباز ومات. فبكى الملك حزناً لأنه قتله ظلماً وقد خلصّه من الهلاك.
2 ـ نص تولستوي «الصقر والملك».. من مجموعته «البطة والقمر»..
خرج أحد الملوك ذات يوم في رحلة صيد، وأطلق صقره الأثير، لينقضّ على أرنب بري، وانطلق بجواده خلفه..
أمسك الصقر بأرنب بري، فأخذه الملك منه، ثم بدأ يبحث عن ماء ليروي ظمأه، فعثر على ماء في صخور أحد التلال، لكنّ الماء، كان ينساب، قطرة فقطرة، أخذ الملك قدحاً من سرج جواده، ووضعه تحت سيل الماء، أخذ الماء يتساقط قطرة فقطرة، وحينما امتلأ القدح، رفعه الملك إلى فمه وهمَّ بالشرب..
فجأة، تحفّز الصقر الجاثم على رُسْغُ الملك، ورفَّ بجناحيه، فانسكب الماء من القدح، ومرة أخرى وضع الملك القدح تحت سيل الماء، وانتظر وقتاً طويلاً، حتى امتلأ القدح، إلى حِفافهِ ومن جديد، وبينما كان يهمُّ برفعه إلى فمه، رفَّ الصقر بجناحيه، فسكب الماء..
وحينما ملأ الملك القدح للمرة الثالثة، وأوشك أن يرفعه إلى شفتيه، سكبه الصقر، فاشتعل الملك غضباً، والتقط الملك غضباً، والتقط حجراً، ورجم به الصقر بكل قوته فقتله. ثم لحق خدم الملك به، وصعد أحدهم عدْواً إلى أعلى التل، حيث يوجد النبعُ، ويتدفقُ المزيد من الماء، فيمكنُ ملء القدح سريعاً، وعاد الخادم بالقدح فارغاً وهو يقول: ليس بوسع المرء أن يشرب من ذلك الماء، فهناك ثعبان في النبع، وقد بثَّ سمه في الماء، ولو أن جلالتكم كنتم قد شربتم منه لهلكتم: قال الملك:
...............
قصة تولستوي بعنوان «الصقر والملك»، التي قام بترجمتها: كامل يوسف حسني، وصدرت عن دار ثقافة الأطفال العراقية، العام 1981.
وقد أجريت مقارنة نصيّة، بيّنتُ فيها أوجه التشابه والتطابق، والإبداع بين النصين، ووجدت أن النصين يتقاربان من حيث فضاء النص، والشخصيات، والتيمة القصصية الأساسية، والفكرة الأساسية، لكنهما يختلفان؛ كون الحكاية الأولى، تسير في مجال الحكاية الشعبية، وقوانين بنائها الداخلي، من حيث كونها تتوجه إلى القارئ العام. وتخضع لنمط الحكاية، وخصائصها العامة التي تتصّف بها ألف ليلة وليلة.
فالحكاية في «ألف ليلة وليلة»، تخضع «لنمط الإطار» والإطار، تعني القصة الخارجية التي تنطوي بداخلها قصص أخرى، فتوحدها، بحيث تبدو قصة إطار كبرى تربط بدايات القصص، ونهاياتها في وحدة لا تنفصم، ولا يمكن فصمها، أو إزالتها، وهذا النمط جاء، كحاجة ضرورية، فرضتها طبيعة السرد القصصي، والحكي.
لذا يجد القارئ لنصوص الليالي، أنه أمام بُنْية نصّية تُشيَّد عمارتها الفنية بشكل راق.
والقارئ لنص: «حكاية الملك السندباد»: يكشف حكايتين صغيرتين: تتجاوران، وتُشيران بخط مستقيم من البداية إلى النهاية، دون أن يملّهما، بل تبدوان كعنصرين متحدّيْن..
أما نص «الملك والصقر» لتولستوي، فهي موجهة للأطفال أو الأحداث، وتأخذ شكلها الطبيعي من طبيعة قصة الأطفال وشروطها الفنية وقوانين بنائها الداخلي. بحيث تظهر لنا؛ قصة متفرّدة، منتقاة، حية، شذّبها تولستوي، وأزال المتخلف فيها، وأبقى من القصة الأولى: روحها وأصالتها، وسر الديمومة فيها، ويلتقي تولستوي في هذا الصدد، برؤية أونترماير الشاعر الأمريكي الذي أعاد الحياة إلى جسد «66 حكاية عالمية»، فأصبحت من الحكايات الكبرى في العالم..
أترك للقارئ المقارنة بين الحكاية الأم، والحكاية البنت، ليشارك في كشف أوجه التشابه، والتأثير، والإبداع بنفسه، دون أن نثقله بالتنظير الذي قد يفسد عليه، تذوّق النصّين.
ولكني على يقين، إن النصين يمتلكان شروط الإبداع والوصول بالقارئ إلى المستقبل.
النصان:
1 ـ حكاية الملك السندباد ـ ألف ليلة وليلة..
«حُكي إن ملكاً من ملوك الفرس، كان يُحبُ التنزه والصيد، وكان له باز لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً، وكان إذا خرج إلى الصيد يأخذه معه، وصنع له إناءً من الذهب علقّه في رقبته ليسقيهُ منه.
وبينما الملك جالس ذات يوم إذا بأمير الرخة يقول: يا ملك الزمان، هذا أوان الخروج إلى الصيد. فأمر الملك بالخروج، وأخذ الباز على يده، وساروا جميعاً إلى أن وصلوا إلى واد، ضربوا فيه حلقة الصيد، وإذا بغزالة وقعت في حلقة الصيد. فقال الملك: كُل من وثبت الغزالة من فوق رأسه ونجتْ، قتلته، ضيقّوا عليها حلقة الصيد. قدمت الغزالة من الملك فوقفت على رجليها، وحطت يديها على صدرها، كأنما تريد تقبيل الأرض أمام الملك، فطأطا لها، إذا بها تثب من فوق رأسه، وتنطلق هاربة.
فالتفت الملك إلى رجاله، فوجدهم يتقافزون، فقال لوزيره:
ـ ماذا يقول هؤلاء؟
فقال: يقولون: إنك هدّدت بقتل كل من تقفز الغزالة من فوق رأسه. فقال الملك: والله لأتبعنها حتى أجيء بها.
وجرى الملك وراء الغزالة، ولم يزل يتبعها حتى وصلت إلى جبل من الجبال، فأرادت أن تعبر إليه فأطلق الباز وراءها، فأخذ يلطمها في عينها إلى أن أعماها ودوخّها، فضربها الملك بدبوس فقتلها، ثم ذبحها وسلخها وعلقها بسرج جواده، وكان الحر شديداً والغابة مقفرة لا يوجد فيها ماء، فعطش الملك، وعطش الحصان، ورأى الملك شجرة تتساقط منها قطرات من الماء، فأخذ الملك الكأس من رقبة الباز وملأه من ذلك الماء، وأدناه من فمه ليشرب، وإذا بالباز يلطم الكأس فيقلبه. فأخذ الملك الطاس ثانية وملأه من ذلك الماء وقدّمه من الباز ليشرب فلطمه الباز مرة أخرى.
فانقبض الملك من الباز وقام للمرة الثالثة فملأ الكأس ماء وقدمه للحصان فقلبه الباز بجناحه. فقال له الملك:
ـ يا شؤم الطيور حرمتني الشرب وحرمت نفسك وحرمت الحصان!..
وضربة بسيفه فرمى جناحيه، وأخذ الكأس ليملأه من جديد، وإذا بالباز يصرخ، ويشير إلى أعلى الشجرة، فرفع الملك بصره، فرأى فوق الشجرة حية كبيرة يسيل سمّها، وإذا الماء يملأ منه الطاس قطرات من السم.
فعرف عند ذاك لماذا منعه الباز من شرب الماء، وندم على ضربه، وقص جناحيه، وعاد بالغزالة إلى القصر فأعطاها للطبَّاخ ليشويها، ولم يكد يستقر في مكانه حتى انتفض الباز ومات. فبكى الملك حزناً لأنه قتله ظلماً وقد خلصّه من الهلاك.
2 ـ نص تولستوي «الصقر والملك».. من مجموعته «البطة والقمر»..
خرج أحد الملوك ذات يوم في رحلة صيد، وأطلق صقره الأثير، لينقضّ على أرنب بري، وانطلق بجواده خلفه..
أمسك الصقر بأرنب بري، فأخذه الملك منه، ثم بدأ يبحث عن ماء ليروي ظمأه، فعثر على ماء في صخور أحد التلال، لكنّ الماء، كان ينساب، قطرة فقطرة، أخذ الملك قدحاً من سرج جواده، ووضعه تحت سيل الماء، أخذ الماء يتساقط قطرة فقطرة، وحينما امتلأ القدح، رفعه الملك إلى فمه وهمَّ بالشرب..
فجأة، تحفّز الصقر الجاثم على رُسْغُ الملك، ورفَّ بجناحيه، فانسكب الماء من القدح، ومرة أخرى وضع الملك القدح تحت سيل الماء، وانتظر وقتاً طويلاً، حتى امتلأ القدح، إلى حِفافهِ ومن جديد، وبينما كان يهمُّ برفعه إلى فمه، رفَّ الصقر بجناحيه، فسكب الماء..
وحينما ملأ الملك القدح للمرة الثالثة، وأوشك أن يرفعه إلى شفتيه، سكبه الصقر، فاشتعل الملك غضباً، والتقط الملك غضباً، والتقط حجراً، ورجم به الصقر بكل قوته فقتله. ثم لحق خدم الملك به، وصعد أحدهم عدْواً إلى أعلى التل، حيث يوجد النبعُ، ويتدفقُ المزيد من الماء، فيمكنُ ملء القدح سريعاً، وعاد الخادم بالقدح فارغاً وهو يقول: ليس بوسع المرء أن يشرب من ذلك الماء، فهناك ثعبان في النبع، وقد بثَّ سمه في الماء، ولو أن جلالتكم كنتم قد شربتم منه لهلكتم: قال الملك:
...............