عبد القادر وساط - من أحلام أنطونان آرطو Antonin Artaud

رأى أنطونان آرطو، فيما يرى النائم، أنه وحيد في شقته، وأنه سمع جلبة شديدة، آتية من الشارع، مباشرة قبل غروب الشمس.
كان هناك رجال ونساء يصرخون مرعوبين، وأشخاص يأمرون الناسَ، عبر مكبرات الصوت، بلزوم مساكنهم، ثم تناهت إلى سمعه بعد ذلك طلقات نارية، وانفجارُ قنابلَ يدوية.
غادرَ شقتَه في الحين، وهبط السلالمَ بسرعة شديدة، ليستطلع الأمر.
أخبره الحارسُ، عند باب العمارة، أن هناك معارك دامية، تدور في شوارع وأحياء المدينة، بين مواليد برج الدلو ومواليد برج العذراء.
كانت هناك بالفعل عداوة قديمة، متأصلة، بين مواليد هذين البرجين، في مختلف مناطق المدينة، وما أكثر الاشتباكات الدامية التي دارت بينهم في العقود الماضية!
أنطونان آرطو نفسه كان من مواليد برج العذراء، لكنه لم يشارك في أية واحدة من تلك المعارك، التي قد يضطر فيها المرء إلى إطلاق الرصاص على أقرب الناس إليه.
نصحه حارس العمارة بالعودة إلى شقته، لكنه كان عازما على البحث عن متجر مفتوح، لشراء علبة سجائر وقنينة نبيذ.
وحين ابتعدَ قليلا عن باب العمارة وجدَ نفسه وجها لوجه مع ثلاث نساء بلباس الميدان، يقفن قرب حاجز رملي، وعلى أكتافهن البنادق.
كانت واحدة من تلك النساء الثلاث هي والدته أوفرازيا.
لم تكن لها ملامح والدته ولا شكلها الخارجي ولا حركاتها ولا طول قامتها، لكنه كان متيقناً أنها والدته.
إنها ليست هي، ولكنها هي، قال آرطو في قرارة نفسه.
اقتربَتْ هي منه وأمرَتْه أن يضع يديه على رأسه، ثم شرعتْ تفتش معطفه بحذر شديد. وجدتْ في جيوبه الداخلية سماعة طبية، وخاتما طبيا نُقش عليه:
الدكتور أنطونان آرطو
طبيبٌ جرّاح
شعر أنطونان آرطو باستغراب شديد، فهو لم يكن يوما طبيبا، ولم يسبق له أن وضع قدميه في كلية الطب. ثم إنه يكره الأطباء كراهية شديدة.
سددتْ والدته أوفرازيا بندقيتَها نحوه، ثم طلبت منه أن يمشي أمامها دون أن يلتفت، وتبعته هي من الخلف.
كان خائفا منها لأنها من مواليد برج الدلو، وهو من مواليد برج العذراء.
في الشارع كان هناك أحياء يتمددون أرضا، متظاهرين بأنهم أموات، وأموات واقفون، يتظاهرون بأنهم أحياء.
سأل أنطونان آرطو والدته أوفرازيا أين هما ذاهبان، فلم تجبه.
فجأة مر من أمامهما خالُه جون نالباس، متنكرا في هيأة شحاذ. أطلقتْ عليه الأم ثلاث رصاصات فترنّحَ ثم سقط أرضا.
التفتَ إليها أنطونان آرطو مذعورا، رغم أوامرها له بعدم الالتفات.
كانت قد اكتستْ عندئذ ملامحَ أمه الحقيقية. صارت لها نظراتها وحركاتها وطول قامتها وكل شيء.
إنها هي، لكنها في الحقيقة ليست هي، قال الشاعر الفرنسي في قرارة نفسه.
وسمعها تقول له، وهي تشير إلى خاله:
- حاول أن تسعفه، ألست طبيبا جراحاً؟
ثم ابتعدَتْ غير عابئة بشيء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى