كان الكابران يوقف دابته الصهباء بالجناح المخصص للدواب بالسوق الأسبوعي ( مربط البهائم)، ولحظة إزالته للبردعة على ظهر البهيمة ،ذوى أزيز قوي في سماء السوق، مغطيا كل أصوات الهرج والمرج المنبعثة من الارض..
انقبضت نفس الكابران ... انه يعرف هذا الصوت جيدا.. صوت طائرة ... ألقى بجسده الرياضي المترهل المتعب بالسنين أرضا ، وزحف على مرفقيه و ركبتيه نحو البردعة التي كان قد وضعها قرب جدار المربط، أخفى بعض جسده تحتها..
(طائرة العدو... طائرة العدو... انسحاب فوري... اختباء فوري... نداء رن في مسمعه، فجرى بكل قوة جسده الرياضي الغض، وألقى بنفسه في خندق قريب ، وأخفى نفسه تحت جذع شجرة .. كان القصف عنيفا من طرف طيران العدو الذي استمر يمشط المكان ذهابا وإيابا مشعلا النيران في النبات و الحجر والبشر...).
" طيران العدو... طيران العدو... اختباء فوري...." عبارات ظلت ترن في أذنيه طيلة عقود لاحقة بعيدا عن المعركة... والكابران يلهث تحت البردعة في وضعية نعامة تخفى رأسها في الرمال ،سمع صوتا : (الرجوع لله الكابران ...) ميزه انه صوت لمقدم أسوأ رجل بالدوار...
- هل تخاف الطائرة؟! قال المقدم متشفيا ، " كنت اخيط ثقبا في البردعة!!" قال الكابران محاولا الانفلات من مأزقه..
وتحركا نحو جناح الخضر و الفواكه داخل السوق. وفجأة صرخ لمقدم : طيارة .... طيارة... فهرب الكابران نحو شاحنة ليختبئ تحتها.. ضحك لمقدم ، بل قهقه حتى كاد يغمى عليه ... ونشر الخبر في السوق و الدوار...
أول من فرح للخبر بالدوار هو " لمعلم علي" الخصم اللدود للكبران في لعبة الضامة.. فهو منذ سنوات يعاني من انتصارات الكابران ، ويبحث له عن نقطة ضعف تفقده تركيزه بدون جدوى..
ها هو اليوم يملك سلاحا جديدا سيقضي به على الكابران .وفعلا بدأ العسكري يعاني من عبارة ( طيران العدو... طيارة ... طيارة) حين يرددها الأطفال المشاغبون أو جمهور الضامة.. فقد اتفق المعلم علي مع بعض الجلساء أن يصرخوا بالعبارة القاتلة كلما غمز لهم ، لتشتيت انتباه الكابران كي يهزمه....
و فعلا توالت انتصارات " لمعلم علي" على الكابران ،فكلما نجح الكابران في نقلاته على صدر الضامة ، كلما صرخ احد الجلساء بعبارة : " طيارة " فينزعج الكابران ويفقد تركيزه أو يهرب من المكان لتحتسب الجولة للمعلم علي.
بدأ الكابران يعيش حالة اكتآب عنيفة بسبب ضغط فضيع تتسبب فيه عبارة " طيارة" ، التي يسمعها في طرق الدوار ،وفي السوق ، وحتى داخل بيته ، حين يقف بعض الأطفال المشاغبين أمام الباب أو خلف الدار ويصرخون "الطيارة... الطيارة...."
قرر الكابران الاعتكاف داخل بيته،مستفيدا من ثقل في سمعه بدأ يغزو أذنيه، ممتنعا عن استقبال أي زائر، وقد شدد على زوجته بعدم السماح لأي مخلوق كان بالدخول عليه، وإخبار الناس بأنه سافر لزيارة ابنته بالمدينة...
حاول الكثير من رجال الدوار زيارته لإخراجه من العزلة، ووبخوا –كثيرا – الأطفال المشاغبين.. بل هددوهم بأقصى العقوبات إن عادوا إلى الصراخ بتلك العبارة المشؤومة.. وعاتبوا " لمعلم علي" على ما يفعله لهزم الكابران ، وتحدوه أن تنظم مواجهة فردية رأسا لرأس مع الكابران... لكن الأمر لم ينجح ، وظل العسكري مختفيا بعيدا عن " طيران العدو" إلى أن سمع الناس ذات صبيحة صيفية صراخ زوجته ونحيبها، فعلموا برحيله إلى عالم قد يخلو من طيران العدو...
عبد الجليل لعميري/الشماعية /المغرب.
انقبضت نفس الكابران ... انه يعرف هذا الصوت جيدا.. صوت طائرة ... ألقى بجسده الرياضي المترهل المتعب بالسنين أرضا ، وزحف على مرفقيه و ركبتيه نحو البردعة التي كان قد وضعها قرب جدار المربط، أخفى بعض جسده تحتها..
(طائرة العدو... طائرة العدو... انسحاب فوري... اختباء فوري... نداء رن في مسمعه، فجرى بكل قوة جسده الرياضي الغض، وألقى بنفسه في خندق قريب ، وأخفى نفسه تحت جذع شجرة .. كان القصف عنيفا من طرف طيران العدو الذي استمر يمشط المكان ذهابا وإيابا مشعلا النيران في النبات و الحجر والبشر...).
" طيران العدو... طيران العدو... اختباء فوري...." عبارات ظلت ترن في أذنيه طيلة عقود لاحقة بعيدا عن المعركة... والكابران يلهث تحت البردعة في وضعية نعامة تخفى رأسها في الرمال ،سمع صوتا : (الرجوع لله الكابران ...) ميزه انه صوت لمقدم أسوأ رجل بالدوار...
- هل تخاف الطائرة؟! قال المقدم متشفيا ، " كنت اخيط ثقبا في البردعة!!" قال الكابران محاولا الانفلات من مأزقه..
وتحركا نحو جناح الخضر و الفواكه داخل السوق. وفجأة صرخ لمقدم : طيارة .... طيارة... فهرب الكابران نحو شاحنة ليختبئ تحتها.. ضحك لمقدم ، بل قهقه حتى كاد يغمى عليه ... ونشر الخبر في السوق و الدوار...
أول من فرح للخبر بالدوار هو " لمعلم علي" الخصم اللدود للكبران في لعبة الضامة.. فهو منذ سنوات يعاني من انتصارات الكابران ، ويبحث له عن نقطة ضعف تفقده تركيزه بدون جدوى..
ها هو اليوم يملك سلاحا جديدا سيقضي به على الكابران .وفعلا بدأ العسكري يعاني من عبارة ( طيران العدو... طيارة ... طيارة) حين يرددها الأطفال المشاغبون أو جمهور الضامة.. فقد اتفق المعلم علي مع بعض الجلساء أن يصرخوا بالعبارة القاتلة كلما غمز لهم ، لتشتيت انتباه الكابران كي يهزمه....
و فعلا توالت انتصارات " لمعلم علي" على الكابران ،فكلما نجح الكابران في نقلاته على صدر الضامة ، كلما صرخ احد الجلساء بعبارة : " طيارة " فينزعج الكابران ويفقد تركيزه أو يهرب من المكان لتحتسب الجولة للمعلم علي.
بدأ الكابران يعيش حالة اكتآب عنيفة بسبب ضغط فضيع تتسبب فيه عبارة " طيارة" ، التي يسمعها في طرق الدوار ،وفي السوق ، وحتى داخل بيته ، حين يقف بعض الأطفال المشاغبين أمام الباب أو خلف الدار ويصرخون "الطيارة... الطيارة...."
قرر الكابران الاعتكاف داخل بيته،مستفيدا من ثقل في سمعه بدأ يغزو أذنيه، ممتنعا عن استقبال أي زائر، وقد شدد على زوجته بعدم السماح لأي مخلوق كان بالدخول عليه، وإخبار الناس بأنه سافر لزيارة ابنته بالمدينة...
حاول الكثير من رجال الدوار زيارته لإخراجه من العزلة، ووبخوا –كثيرا – الأطفال المشاغبين.. بل هددوهم بأقصى العقوبات إن عادوا إلى الصراخ بتلك العبارة المشؤومة.. وعاتبوا " لمعلم علي" على ما يفعله لهزم الكابران ، وتحدوه أن تنظم مواجهة فردية رأسا لرأس مع الكابران... لكن الأمر لم ينجح ، وظل العسكري مختفيا بعيدا عن " طيران العدو" إلى أن سمع الناس ذات صبيحة صيفية صراخ زوجته ونحيبها، فعلموا برحيله إلى عالم قد يخلو من طيران العدو...
عبد الجليل لعميري/الشماعية /المغرب.