بعد ليلتين مؤرقتين، قضاهما بالتفكير و محاولة السيطرة على ذلك الشعور الاسود المنبثق من هول الصدمة، وقع نظره على صورة قديمة بالابيض و الاسود بين اغراضه المُتبقيّة في صندوق صغير، انها الاكثر ايلاما له لكنها الأخف وطأة على قلبه المُنفطِر.
سقطت دمعة على يده و انسلت الى الصورة الفوتوغرافية التي احتفظ بها منذ اكثر من ثلاثين سنة، و ظل يتأمل ملامح والدته الحاجة كريمة و هو رضيع ينام في حضنها، بينما والده الدكتور حسن واقف بكل شموخه يتطلع اليه بحب و زهو.
انها العائلة التي انقذته من الموت و التشرّد ليُصادر لعنة اليتم ، لكنه اليوم يُطرد من دنياه المبتهجة ليعود الى وحدته كما وُجد اول مرة على حافة الطريق بجانب الفيلا الفخمة.
كان يخيم على شقته الصغيرة حزن على فقدان والده و انكسار لما آلت اليه اموره بعد أن سُلب من جميع ممتلكاته و بصفة قانونية من اقارب والده و زعموا في المحكمة انه لقيط و ليس وريثا شرعيا للعائلة و انهم احق في ذلك.
و في الاثناء تفطن ان كل الوثائق التي تركها والده قد اختفت تماما دون أي اثر.
كان يعلم تماما انها مؤامرة رخصية و انه عاجز امام قبح نواياهم من التصدي لذلك و استرجاع مستحقاته.
اغمض عينه و أحسّ بصداع لعين و صوت زائغ يصرخ فيه " انت لست سليل العائلة...انت لقيط "
احسّ برغبة في الخروج، و ترك كل شيء وراءه...لكن الى أين يذهب و هو لا يعرف احدا بالمنطقة التي انتقل اليها حديثا.
لطالما أيقن ان الكل يكُنّ له العداوة و الاشمئزاز و لم يستوعب سبب ذلك الا حين لطمه والده قبل موته بكل الحقيقة لتبرز تقاطيع المجهول و يحاصره هذا الكابوس اللعين. و رددّ بسخط: هذه الحياة قذرة جدا.
شرب جرعة ماء ليُطفىء غضبه و انحت يداه مرة ثانية على الصورة كأنه يستنشق عمره النديّ النافذ منها، و فكر فجأة في الخالة فاطمة، مربيته منذ كان صغيرا. هي الوحيدة التي
احبّته بعد وفاة والدته و تطوعت بتربيته و هو في سن الثامنة من العمر.
و تراقصت الاسئلة في ذهنه : هل من الممكن ان تساعدني ؟ هي مازلت على قيد الحياة انا متأكد لقد رايتها في جنازة المرحومة ! كانت غريبة بعض الشيء و هي تلتقط انفاسها بصعوبة! لن تخذلني مثلهم ...صعب ان تخون الام ابنها !
لكن اين سأجدها !
لقد اطبق عليه اليأس ليسحبه خارج بنود اللعبة ، انهزم و هو اعزل و غريب كما استقبلته الحياة ، حتى غيظه لم يسعفه و هو يئن و يتكور في حزنه.
استيقظ من نومه بعد ان غلبه نعاس شديد و هو على الأريكة بنصف ساق و الاخرى ملقاة على الارضية. لقد سمع صوتا بطيئا يصعد الدرج، ترنّح و هو يقترب من باب الشقة و ينظر الى ساعته فوجدها تشير الى الثلاثة الا ربع صباحا...و انتظر ان يداهمه احدهم. ثم تراجع و قد بدأ يدُّب فيه الخوف من اللحظة الآتية و احسّ بقشعريرة تلوذ في جسده النصف عاري.
كتم انفاسه، و تجمّد في مكانه كمن ينتظر سقوطه المدوّي وسط هذا الذعر الحاد الذي تدّفق الى شرايينه دون سابق انذار.
صار مُتخّبِطا في هواجسه و يأسه و هو مصدوم بقدرته على الخنوع بهذا الشكل المُدمّر، واتجّه باحتراس لفك مصراع النافذة، ثم تراجع للحظة و عاد ليلقي نظرة الى الخارج، لكن غلبه رُعبه و اصابه تشنج حاد فوثب من النافذة بهلع، مُحاطا بطعنات القدر المغروزة في جوفه ليبتلعه الظلام الدامس .
سقطت دمعة على يده و انسلت الى الصورة الفوتوغرافية التي احتفظ بها منذ اكثر من ثلاثين سنة، و ظل يتأمل ملامح والدته الحاجة كريمة و هو رضيع ينام في حضنها، بينما والده الدكتور حسن واقف بكل شموخه يتطلع اليه بحب و زهو.
انها العائلة التي انقذته من الموت و التشرّد ليُصادر لعنة اليتم ، لكنه اليوم يُطرد من دنياه المبتهجة ليعود الى وحدته كما وُجد اول مرة على حافة الطريق بجانب الفيلا الفخمة.
كان يخيم على شقته الصغيرة حزن على فقدان والده و انكسار لما آلت اليه اموره بعد أن سُلب من جميع ممتلكاته و بصفة قانونية من اقارب والده و زعموا في المحكمة انه لقيط و ليس وريثا شرعيا للعائلة و انهم احق في ذلك.
و في الاثناء تفطن ان كل الوثائق التي تركها والده قد اختفت تماما دون أي اثر.
كان يعلم تماما انها مؤامرة رخصية و انه عاجز امام قبح نواياهم من التصدي لذلك و استرجاع مستحقاته.
اغمض عينه و أحسّ بصداع لعين و صوت زائغ يصرخ فيه " انت لست سليل العائلة...انت لقيط "
احسّ برغبة في الخروج، و ترك كل شيء وراءه...لكن الى أين يذهب و هو لا يعرف احدا بالمنطقة التي انتقل اليها حديثا.
لطالما أيقن ان الكل يكُنّ له العداوة و الاشمئزاز و لم يستوعب سبب ذلك الا حين لطمه والده قبل موته بكل الحقيقة لتبرز تقاطيع المجهول و يحاصره هذا الكابوس اللعين. و رددّ بسخط: هذه الحياة قذرة جدا.
شرب جرعة ماء ليُطفىء غضبه و انحت يداه مرة ثانية على الصورة كأنه يستنشق عمره النديّ النافذ منها، و فكر فجأة في الخالة فاطمة، مربيته منذ كان صغيرا. هي الوحيدة التي
احبّته بعد وفاة والدته و تطوعت بتربيته و هو في سن الثامنة من العمر.
و تراقصت الاسئلة في ذهنه : هل من الممكن ان تساعدني ؟ هي مازلت على قيد الحياة انا متأكد لقد رايتها في جنازة المرحومة ! كانت غريبة بعض الشيء و هي تلتقط انفاسها بصعوبة! لن تخذلني مثلهم ...صعب ان تخون الام ابنها !
لكن اين سأجدها !
لقد اطبق عليه اليأس ليسحبه خارج بنود اللعبة ، انهزم و هو اعزل و غريب كما استقبلته الحياة ، حتى غيظه لم يسعفه و هو يئن و يتكور في حزنه.
استيقظ من نومه بعد ان غلبه نعاس شديد و هو على الأريكة بنصف ساق و الاخرى ملقاة على الارضية. لقد سمع صوتا بطيئا يصعد الدرج، ترنّح و هو يقترب من باب الشقة و ينظر الى ساعته فوجدها تشير الى الثلاثة الا ربع صباحا...و انتظر ان يداهمه احدهم. ثم تراجع و قد بدأ يدُّب فيه الخوف من اللحظة الآتية و احسّ بقشعريرة تلوذ في جسده النصف عاري.
كتم انفاسه، و تجمّد في مكانه كمن ينتظر سقوطه المدوّي وسط هذا الذعر الحاد الذي تدّفق الى شرايينه دون سابق انذار.
صار مُتخّبِطا في هواجسه و يأسه و هو مصدوم بقدرته على الخنوع بهذا الشكل المُدمّر، واتجّه باحتراس لفك مصراع النافذة، ثم تراجع للحظة و عاد ليلقي نظرة الى الخارج، لكن غلبه رُعبه و اصابه تشنج حاد فوثب من النافذة بهلع، مُحاطا بطعنات القدر المغروزة في جوفه ليبتلعه الظلام الدامس .